لا تزال تداعيات محاولة اغتيال رئيس الوزراء الباكستاني السابق وزعيم حزب “إنصاف” عمران خان، مستمرة داخل البلاد، لا سيما عقِب إعلانه في آخر تصريح مصور استمرار المسيرات حتى الأيام المقبلة. في الوقت نفسه، تبحث الحكومة الباكستانية برئاسة شهباز شريف الخيارات القانونية الممكن استخدامها لمقاضاة عمران خان، على خلفية اتهامه مسؤولين كبارا بالتخطيط لاغتياله.

مع هذه الأحداث المتصاعدة، أعلنت حركة “طالبان” الباكستانية، أمس الأربعاء مسؤوليتها عن مقتل ستة من أفراد الشرطة، في هجوم شنه مسلحون صباحا على سيارة للشرطة كانت تقوم بدورية في قرية شهاب خيل، على مسافة مئة كيلومتر من الحدود مع أفغانستان.

مع التحالف المزدهر بين حركة “طالبان” الأفغانية ونظيرتها الباكستانية التي صعّدت من أعمالها مؤخرا داخل البلاد، والذي تزامن مع اتهام عمران خان للجيش الباكستاني بأنه يعمل ضده، فهل إسلام آباد أمام تحالف علني لـ”طالبان” وعمران خان، وما هي سيناريوهات الصراع التي سيقودها هذا التحالف وأثره على البلاد.

التحديات التي تواجه الحكومة الجديدة

بعد أسابيع من الدراما السياسية، التي تلت عزل عمران خان في نيسان/أبريل الماضي، يقود الأخير مسيرات احتجاجية ويحشد للضغط على الحكومة لتجري انتخابات مبكرة، بينما تريد الحكومة الاستمرار حتى موعد الانتخابات المقرر، لتأخذ فرصة إصلاح الاقتصاد.

الخبير في السياسة الباكستانية، طارق أمين خان، أوضح لـ”الحل نت”، أن التحدي الأول والأساسي، أمام رئيس الوزراء الجديد، شهباز شريف، هو اقتصاد باكستان. وهذا لن يجذب انتباه وسائل الإعلام إلا عندما تحصل البلاد على قرض من دول فردية مثل الصين أو المملكة العربية السعودية أو من مؤسسات مالية أخرى.

الأمور ازدادت سوءا مع إدراج باكستان في القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي منذ حزيران/يونيو 2018. ومع تراجع معدل النمو، أدى تجفيف الاحتياطيات الأجنبية اعتماد عمران خان المتزايد على القروض إلى دفع باكستان إلى حافة الإفلاس المالي، كما أن القروض الصينية ليست مشجعة للغاية، خاصة بعد تأثيرها على الاقتصاد السريلانكي الذي يتعرض للإفلاس الآن.

التحدي الثاني بحسب أمين خان، هو التحالف متعدد الأحزاب الذي سمح لشهباز، أن يصبح رئيس الوزراء. هذا التحالف الذي يرغب شهباز شريف في قيادته، مبني على قضيتين أساسيتين، اكتئابهم للتدخل العسكري في السياسة المدنية وعمران خان.

مع رحيل عمران خان، يحتاج شهباز شريف إلى الحفاظ على تحالفه سليما مع تماسك سليم بين الأحزاب السياسية وتنافساتها وتوقعاتها، “لذلك هو الآن يواجه تحدّيَين أساسيين في تحقيق ذلك، الأول هو عمران خان، الذي وصف التحالف بأنه دمية لأميركا أو ينتظر زلة من إدارة شريف”.

القضية الثانية، وفقا لحديث أمين خان، هي وجود بيلاوال بوتو زرداري داخل الائتلاف حيث تظل تطلعاته السياسية خفية إلى حدّ كبير. خصوصا أنه لا يزال يؤمن بدور الجيش في عمليات الاغتيال، وهذا الوتر يلعب عليه الآن عمران خان وفي الخفاء تؤيده “طالبان” الباكستانية.

مشكلة حركة “طالبان” باكستان

من المهم أيضا ملاحظة، كيف تغيرت السياسة الخارجية لباكستان بشكل كبير خلال نظام عمران خان. بداية من محاضرة عمران عن الإسلاموفوبيا في الدول الغربية، وانتقاده الصريح للرئيس الفرنسي بشأن ما قام به الأخير ضد الإسلاميين الراديكاليين؛ وشجبه الصريح لرئيس الوزراء الهندي؛ وميله نحو شغف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، واختياره الابتعاد عن حلفاء باكستان التقليديين مثل السعوديين والإماراتيين؛ بالإضافة لدعمه العلني لـ “طالبان” أفغانستان، وهذا يسلط الضوء حول ما إذا تحالف فعلا مع الفرع الباكستاني.

في عام 2021، صعّد تمرد حركة “طالبان” باكستان من تحديها، فمع وجود متزايد داخل باكستان، شنّت الجماعة عددا متزايدا من الهجمات ضد قوات الأمن الباكستانية، كما أظهر التمرد طبقا لحديث أمين خان، قوة سياسية متجددة من خلال جلب الفصائل المنشقة وتحسين التماسك الداخلي.

بالإضافة إلى ذلك، فإن إشارة تنظيم “القاعدة” إلى استمرار تحالفه مع حركة “طالبان” باكستان، يبدو أن الحركة باتت أقوى من ذي قبل، خصوصا عندما أصبح عمق العلاقة بين “طالبان” وعمران خان واضحا.

هذه الخطوة تم التمهيد لها سابقا أبان اعتلاء عمران خان لمنصب رئيس الوزراء، إذ سعت الحكومة الباكستانية إلى وساطة الحليف القديم سراج حقاني، أحد كبار قادة “طالبان”، لإجراء محادثات مع الحركة، واتخذ رئيس الوزراء الباكستاني، عمران خان، حينها موقفا علنيا مفاده أن التسوية السياسية هي السبيل الوحيد لإنهاء حرب باكستان مع حركة “طالبان” الباكستانية.

التداعيات على المشهد الباكستاني

في حين أن الحكومة المنتخبة وحتى الجيش فضلوا اتباع نهج أكثر حزما، وإدراكا للتهديد المميت الذي تشكله حركة “طالبان” الباكستانية على البلاد، يروّج عمران خان للحرك ويزعم أن تحركاتهم تأتي من منطلق محاربة “الاحتلال الأجنبي” وليس لديهم أجندة أيديولوجية، وهو يؤيد فرضية أن “المشكلة الحقيقية لم تكن طالبان ولكن الحكومة نفسها”.

بنظر الخبراء الباكستانيين، فإن هناك حالة من القلق تسود الشارع الباكستاني حول ما هو آتٍ، وأن أغلب الباكستانيين يعتقدون الآن أن الانتخابات المبكّرة هي الحل الوحيد لإنهاء هذا الصراع.

ورغم أن عمران خان يرى أن الجيش يعمل ضده، يقول المحلل السياسي جاويد صدّيق، إن تعيين قائد جديد للجيش خلال الشهر الحالي يمكن أن يغيّر من المعادلة. ويرى المحلل أن أي قائد جديد لن يرضى بهذا الوضع وسيكون حل الصراع السياسي أولوية بالنسبة له.

في هذا السياق، يرى أمين خان، أن هذه الأحداث ربما تمهد لمرحلة جديدة، “فإذا لم يتحول الوضع إلى صدام مباشر أو أي ترتيب دستوري إضافي، فيجب أن يُنظر إلى الأزمة الحالية على أنها تحرك نحو توازن جديد”.

وفي حال فشلت الحلول السلمية، يعتقد أن أحد السيناريوهات الأخرى هو انزلاق البلاد إلى حرب أهلية خصوصا بعد التحالف شبه العلني بين عمران خان وحركة “طالبان” الباكستانية، مستغلين هذا التوتر في الوقت الذي تمر باكستان بإحدى أكبر أزماتها الاقتصادية، نتيجة الفيضانات التي أغرقت ثلث المساحة الزراعية، ودمرت وعطّلت الكثير من البنية التحتية، وأزهقت أرواح المئات، وكبّدت البلاد خسائر بأكثر من 10 مليارات دولار.

التهديد المتنامي لتحالف عمران خان و”طالبان” الباكستانية ينعكس على أولويات سياسة مكافحة الإرهاب في البلاد، من ناحية أولى، فإن عودة ظهور حركة “طالبان” الباكستانية تخلق مساحة وخيارات أكبر لتنظيم “القاعدة”، التي لا تزال متحالفة أيضا مع “طالبان” الأفغانية، ومن جهة أخرى لها نتائج عكسية على أمن البلاد وعلاقاتها مع الدول الإقليمية والحلفاء الدوليين لإسلام آباد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة