معاهدة “ستارت” الجديدة التي وقّعت عام 2011، أعادت التعاون والقيادة المشتركة بين الولايات المتحدة وروسيا في مجال ضبط الأسلحة النووية، وحققت تقدما في العلاقات بين البلدين قبل توترها مع بدء العملية الروسية في أوكرانيا ما أدى لتوقف المحادثات بشأنها، إلا أنه ولرغبة من البلدين بالتصعيد على الأقل في الوقت الحالي، تم الاتفاق بينهما على متابعة اللقاءات بشأن الاتفاقية ولكن هذه المرة في مصر.

لقاءات أميركية روسية في مصر

اليوم الجمعة، أعلن نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، أن أولى اجتماعات اللجنة الاستشارية الروسية الأميركية بشأن معاهدة “ستارت” للأسلحة النووية، ستعقد في مصر بالفترة من 29 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري حتى 6 كانون الأول/ديسمبر القادم.

المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، أوضح في وقت سابق أن اجتماع اللجنة الاستشارية الثنائية قيد الإعداد بالفعل عن طريق اجتماعات سرية خلال الفترة الماضية من أجل تلاشي أي تطور نووي في الأزمة الأوكرانية الروسية.

الأسلحة الاستراتيجية الروسية “وكالات”

على الرغم من التوتر السائد بين موسكو وواشنطن تحاول الأخيرة التوصل لحلول تمنع أي تصعيد نووي، فكلا الدولتين تسعيان لعدم التصعيد على الأقل في الوقت الراهن، كما تأتي أهمية هذه اللقاءات أنه في حال نجاحها فإنها ستفتح الباب بشكل أكبر أمام إمكانية التوصل لمحادثات روسية أوكرانية مباشرة قريبا، ووقف ولو مؤقت لإطلاق النار.

بحسب خبراء، فقد جاء اختيار القاهرة مكانا للقاءات بعد استضافتها الناجحة للقمة العالمية للمناخ “كوب 27″، كما أن وجود تلك المباحثات للمرة الأولى في “الشرق الأوسط” يؤكد دور المنطقة الإقليمي، أيضا “الشرق الأوسط” أصبح لاعبا أساسيا وفعالا في الأزمات الدولية، وتُعد منطقة “الشرق الأوسط” منطقة محايدة بعد أن انضمت جنيف التي كانت تستضيف تلك المحادثات للعقوبات الغربية ضد موسكو.

سيناريوهات المحادثات

معاهدة “ستارت” الجديدة هي الوحيدة المتبقية لمراقبة الأسلحة النووية بين البلدين، بعد انسحابهما عام 2019 من معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى الموقّعة بينهما عام 1987؛ حيث تتطلب الاتفاقية من الطرفين إجراء عمليات تفتيش في القواعد، التي توجد فيها الأسلحة، إضافة لتبادل البيانات للتحقق من الامتثال لبنود المعاهدة، كما تنص كذلك على تبادل سنوي لعدد الأسلحة محل الاتفاق، وتنص المعاهدة على 18 عملية تفتيش داخل المواقع سنويا.

في آذار/مارس الماضي أعلنت موسكو تعليق مؤقت للسماح بتفتيش المنشآت الخاصة بها مما اعتبرته واشنطن انسحاب صريح من المعاهدة، لكن بحسب خبراء روس، فإن ما قامت به موسكو ليس ضد الاتفاقية لعدة أسباب، أهمها أن موسكو جمدت مؤقتا التفتيش وهذا رد فعل طبيعي في ظل العملية العسكرية الروسية وموقف وواشنطن، موسكو تستخدم المعاهدة كأداة ضغط صريح لتخفيف العقوبات المفروضة من جانب واشنطن، وموسكو ما زالت ملتزمة بكل ما جاء بالمعاهدة، التي تُعد فعليا الأهم بين معاهدات خفض التسلح النووي.

أما الجانب الأميركي يرى أن موسكو تحاول التراجع عن التزاماتها بالمعاهدة في ظل تلويحها الدائم مؤخرا، بإمكانية استخدام أسلحة نووية “تكتيكية” في أوكرانيا، هذا بجانب إدخال موسكو إلى الخدمة مؤخرا، قدرات نوعية جديدة في مجال التسليح النووي، كالطوربيد “بوسايدون”، والصاروخ الفرط صوتي “تسيركون”.

حول السيناريوهات المتوقعة لمحادثات القاهرة المرتقبة بين واشنطن وموسكو، يرى مختصون، أن التوصل لاتفاق تكميلي أو مؤقت ملحق بالمعاهدة من أجل منع السباق النووي وتخفيف العقوبات، أو تجميد المعاهدة بشكل نهائي وهذا مستبعد في ظل التقارب الذي شهدته موسكو وواشنطن من محادثات على مدار أسابيع، أو إطالة أمد المباحثات ليستخدمها الطرفان كورقة ضغط للوصول إلى تسوية إلى الأزمة الأوكرانية التي تعد أساس التصعيد.

أهمية معاهدة “ستارت” الجديدة

 قرار روسيا عدم السماح لواشنطن تفتيش منشآتها ومواقعها العسكرية، وفق معاهدة “ستارت 3″، أثار، ضجة وتداعيات في الأوساط الدولية ومخاوف من عودة سباق التسلح النووي، ووفق خبراء عسكريين، فإن “ستارت” الجديدة تُعد الأهم بين معاهدات خفض التسلح النووي، والوحيدة التي ما زالت صامدة في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، كما أن القرار يثير مخاوف الغرب من التسليح النووي لروسيا التي تلوّح دائما بإمكانية استخدام أسلحة نووية “تكتيكية” في أوكرانيا.

“ستارت” الجديدة المعنية بالحد من الأسلحة النووية، تم تمديدها في 2021 لمدة 5 سنوات بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية، وتقيّد عدد الرؤوس النووية الاستراتيجية والصواريخ والقاذفات التي يمكن للبلدين نشرها.

وسط مخاوف عالمية من تداعيات القرار على قضية الحدّ من انتشار الأسلحة النووية، بررت روسيا قرارها بالقول إن “العقوبات الأميركية بعد حرب أوكرانيا، تعرقل سفر المفتشين الروس، كما أن هناك صعوبات في إصدار التأشيرات الخاصة بهم، وهو أمر لا يواجه نظراءهم الأميركيين”.

بحسب الأمم المتحدة، فإن معاهدة “ستارت” الجديدة، هي المعاهدة الثنائية الوحيدة المتبقية في مجال الرقابة على الأسلحة النووية بين الولايات المتحدة وروسيا. تعتبر “ستارت” الجديدة عنصرا مهما للأمن والسلام الدولي، وكذلك لنظام نزع السلاح النووي وعدم الانتشار.

في آب/أغسطس الماضي، أبلغ “الكرملين”، الولايات المتحدة بأن الوقت بدأ ينفد أمام إجراء مفاوضات لاستبدال معاهدة “ستارت” الجديدة، وأنه إذا انتهت صلاحيتها في 2026 دون استبدالها فسيؤدي ذلك إلى إضعاف الأمن العالمي.

مآلات المعاهدة

بحسب خبراء، فإن مصير المعاهدة سيعتمد من نواح كثيرة على ردة فعل واشنطن، متوقعين 4 سيناريوهات للأزمة، فقد تتراجع الإدارة الأميركية وتوقف الضغط على المكابح، أو أن تتخذ خطوات جوابية جدّية، أو تقدم على تصعيد حاد ومن بينه وقف تبادل البيانات فيما يخص الصواريخ والأسلحة الاستراتيجية.

أما السيناريو الرابع، فهو أن القرار قد يؤدي لتحفيز الولايات المتحدة وحلفاءها على السماح بتخفيف إغلاق الأجواء ومنح التأشيرات.

مختصون عسكريون، يرون أن الجانب الروسي أعلن أن تعليق عمليات التفتيش على القواعد الجوية والبحرية وقواعد الصواريخ سيكون بشكل مؤقت، وهو لفظ مقصود وبه يتضح أن الأمر لن يدوم”، وطبقا للرواية الروسية فإن العقوبات الأميركية على موسكو تعيق سفر المفتشين الروس، وعلى الرغم من أن الأمر يضيف أزمة جديدة إلى سلسلة أزمات البلدين، لكن لا يلغي المعاهدة فهي قائمة.

أيضا تعليق عمليات التفتيش قد يبدو أداة روسية للضغط على واشنطن لرفع العقوبات، وتدخل تحت بند التجاذبات السياسية بين الطرفين منذ الحرب على أوكرانيا، لكن الطرف الروسي يتبع سياسة “الباب الموارب”، مع الجانب الأميركي ولم ينهِ المعاهدة، فهو يستخدمها كورقة لتخفيف العقوبات.

من جهة ثانية، فإن موسكو ما زالت ملتزمة بكل ما جاء بالمعاهدة، التي تعد فعليا الأهم بين معاهدات خفض التسلح النووي، والوحيدة التي ما زالت صامدة في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، أما ما قامت موسكو بتجميده هو البند الخاص بالتفتيش المتبادل للمنشآت التي تحتوي على مواقع لتخزين الرؤوس النووية، أو الأسلحة الناقلة أو الحاملة لذخائر نووية، وكذلك آلية تبادل البيانات للتحقق من الامتثال لبنود المعاهدة، وهي خطوة تبدو طبيعية في ظل التوتر الحالي بين موسكو وواشنطن على خلفية الحرب في أوكرانيا.

لكن الخطوة الروسية، ستلقي بظلال جديدة على التخوف الغربي من التسليح النووي الروسي، في ظل تلويح موسكو الدائم مؤخرا، بإمكانية استخدام أسلحة نووية “تكتيكية” في أوكرانيا، هذا بجانب إدخال موسكو إلى الخدمة مؤخرا، قدرات نوعية جديدة في مجال التسليح النووي، كالطوربيد “بوسايدون”، والصاروخ الفرط صوتي “تسيركون”.

ما هي معاهدة “ستارت”؟

في نيسان/أبريل 2010 اتفق الرئيسان السابقان، الأميركي باراك أوباما، والروسي ديمتري ميدفيديف، في عاصمة جمهورية التشيك “براغ”، على تخفيض الحدود القصوى للرؤوس الحربية الهجومية الاستراتيجية عابرة للقارات للبلدين بنسبة 30 بالمئة، والحدود القصوى لآليات الإطلاق بنسبة 50 بالمئة.

التوقيع على المعاهدة تم رسميا في الأسبوع الأول من شباط/فبراير 2011 بعد التصديق عليها في الكونغرس الأميركي في كانون/ديسمبر 2010، وفي مجلس الدوما الروسي في كانون الثاني/يناير 2011.

توقيع الاتفاقية بين أوباما وميدفيدف “وكالات”

المعاهدة تتعامل مع الصواريخ النووية طويلة الأمد وعابرة القارات، وقد حددت المعاهدة ترسانة الدولتين النووية من الصواريخ عابرة القارات على ما لا يزيد عن 700 رأسا نوويا في قواعد أرضية، و1550 صاروخا نوويا في الغواصات والقاذفات الجوية الاستراتيجية، مع امتلاك 800 منصة ثابتة وغير ثابتة لإطلاق صواريخ نووية.

كما تتطلب المعاهدة من الطرفين إجراء عمليات تفتيش في القواعد، التي توجد فيها الأسلحة، إضافة لتبادل البيانات للتحقق من الامتثال لبنود المعاهدة، كما تنص كذلك على تبادل سنوي لعدد الأسلحة محل الاتفاق، وتنص المعاهدة على 18 عملية تفتيش داخل المواقع سنويا.

أيضا يُسمح لكل جانب بإجراء 10 عمليات تفتيش، يطلق عليها “النوع الأول”، وتتعلق بالمواقع التي توجد فيها الأسلحة والأنظمة الاستراتيجية، و8 عمليات تفتيش يطلق عليها “النوع الثاني”، وتركز على المواقع التي لا تنشر سوى الأنظمة الاستراتيجية.

بحسب موقع وزارة الخارجية الأميركية فإن البلدين تبادلا 21 ألفا و403 إخطارات للاستفسار والتفتيش حتى 21 كانون الثاني/يناير 2021.

المعاهدة لا تفرض قيودا على اختبار أو تطوير أو نشر برامج نووية إضافية، ولا تقيد الاتفاقية برنامج الدفاع الصاروخي الأميركي الحالي أو المخطط له أو قدرات الضربات التقليدية بعيدة المدى لموسكو.

معاهدة “ستارت” الجديدة، تتألف من 3 أجزاء منفصلة، وهي نص المعاهدة، وبروتوكول المعاهدة، والملاحق الفنية، وجميع هذه المستويات ملزمة قانونا، ويتضمن نص المعاهدة والبروتوكول حقوق طرفي المعاهدة وواجباتهما الأساسية.

كما تتضمن المعاهدة أيضا شرطا موحدا للانسحاب ينص على أن لكل طرف الحق في الانسحاب من هذه المعاهدة، إذا قرر أن الالتزامات المنبثقة عن المعاهدة تعرض مصالحه العليا للخطر.

من أجل تعزيز أهداف أحكام المعاهدة وتنفيذها، تجتمع لجنة استشارية روسية أميركية مرتين كل عام في مدينة جنيف السويسرية؛ من أجل مناقشة القضايا المتعلقة بالمعاهدة، والتنسيق فيما بينهما.

معاهدة “ستارت” الجديدة، أو اسمها الرسمي ” تدابير زيادة تخفيض الأسلحة الهجومية الاستراتيجية والحد منها”، هي المعاهدة الثنائية الأهم للحد من الأسلحة الاستراتيجية، وبحسب مختصين، لن يشهد هذا الملف تطورات دراماتيكية في المدى المنظور، لكنه سيبقى مطروحا في المستقبل القريب، نظرا لانتهاء أمد تطبيق المعاهدة بحلول عام 2026، ومعه قد يتعذر تجديدها مرة أخرى، على الأقل في ظل الظروف الدولية الحالية.

إقرأ أيضا:حشد ومواجهات عنيفة في خيرسون.. المعركة الحاسمة بين روسيا وأوكرانيا؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.