المحاور الرئيسة لسياسة المواجهة الأميركية مع إيران، تقوم على معادلة القوة والتغيير في تشكيل التوازن الإقليمي. وفي وثيقة الأمن القومي لإدارة الرئيس جو بايدن الصادرة مؤخرا، ورد أن إيران وصلت مستوى جديد من القوة. وبناء على ذلك، يمكن أن تخلق سياقا للحد من القوة الإقليمية للولايات المتحدة في الخليج العربي. وللتعامل مع إيران، يستخدم بايدن آليات بناء التحالفات، ونموذج العمل متعدد الأطراف؛ حيث ستكون آلية إنشاء التحالفات الإقليمية المحور الرئيس لرؤية بايدن للأمن الإقليمي، وسياساته الاستراتيجية الهادفة إلى الحد من قوة إيران الإقليمية.

على الرغم من الشعارات التي ترفعها بعض مؤسسات النظام السياسي في إيران حول استقلالية المسارين السياسي والاقتصادي، وعدم تأثّر الاقتصاد الإيراني بالضغوط الأميركية، إلّا أن الواقع يُشير إلى غير ذلك؛ حيث تُظهر الأرقام فاعلية “العامل الأميركي”، وعُمق تأثيره على الاقتصاد الإيراني، بل إن تحليلات الخبراء تُفيد بأن “العامل الأميركي” هو الأهم في رسم الواقعين الاقتصادي والاجتماعي داخل إيران. ولعل أوضح تعبير عن هذا الاتجاه في التفكير، ما بات يُعرف في داخل إيران بـ “دولرة الاقتصاد الإيراني”. ويُعد الملف النووي باعتباره بوابة لإدارة الخلاف بين طهران وواشنطن، مثالا بارزا على مكانة “العامل الأميركي” في صُنع الواقع الإيراني سياسيا واقتصاديا، وفي سياق هذا الوعي بأهمية “العامل الأميركي”، يأتي الاهتمام الإيراني الواضح بتحليل المواقف الأميركية، كما الاهتمام بتغير الإدارات والرؤى في الولايات المتحدة، وأثره المتوقع على الملف الإيراني.

تحديات “إيران الإقليمية” للولايات المتحدة في 2022

“إيران الإقليمية”، تعتبر أحد التحديات الرئيسة للولايات المتحدة في عام 2022، ولهذا السبب ستكون جزءا من موضوع بايدن الأمني في السياسة الاستراتيجية الجديدة. وفي وثيقة الأمن القومي الأميركية، يعتبر تحالف إيران الأمني والاستراتيجي مع روسيا والصين تهديدا إقليميا يهدد الولايات المتحدة ومصالحها في الخليج العربي. ويشير بايدن إلى حقيقة أن الولايات المتحدة تواجه مجموعة من التهديدات الإقليمية والدولية في القرن الحادي والعشرين. ولن يكون أمامها خيار سوى استخدام آليات العمل الأمني بمنهجيات استراتيجية.

وثيقة الأمن القومي الأميركي في عهد بايدن، تشير إلى أن إيران ستكون التهديد الإقليمي الرئيس للولايات المتحدة في المستقبل. بينما سيكون مرد تهديدات واشنطن الجيوسياسية إلى الصين وروسيا؛ إذ من شأن هذين التهديدين أن يُغيرا التوازن على المستوى العالمي.

ناقلة النفط التي تُتهم إيران بمهاجمتها في الخليج العربي “وكالات”

من وجهة النظر الأمنية الأميركية، إقليميا لا يمكن لدول المنطقة أن ترتقي وحدها إلى مستوى تُشكل معه تهديدا شديدا وخطيرا لمصالح واشنطن، وقوتها وأمنها القومي. لكن في الوقت نفسه، تُشير رؤية بايدن الأمنية  لإيران، إلى أن طهران تزيد من قوتها الذاتية. ويمكن أن يخلق ذلك الأرضية اللازمة لخلق تحديات جديدة في البيئة المحيطة بها، لتؤثر بالتالي على مصالح حيوية للولايات المتحدة في ذلك المحيط.

في هذا السياق، يشير الأميركيون إلى أن إيران تُطور قوتها الميدانية للتأثير على الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط والخليج العربي. ومن وجهة النظر الأميركية، فإن ذلك يُمكِّن إيران من أن تخلق توازنا جديدا في البيئة الأمنية. وإذا حققت إيران مستوى جديدا من التعاون والتحالف مع القوى العالمية، وتحديدا مع الصين وروسيا، فستتحول حينها إلى قوة خطرة على مصالح الولايات المتحدة، وأمنها الإقليمي؛ إذ ستوطد هيمنتها على المحيط الإقليمي، في حين تتطلب الهيمنة الأميركية ألا يحقق أي فاعل إقليمي جديد السيادة في الخليج العربي.

المحاور الرئيسة لسياسة المواجهة الأميركية مع إيران، تقوم على معادلة القوة والتغيير في تشكيل التوازن الإقليمي. وفي وثيقة الأمن القومي لبايدن، ورد أن إيران وصلت مستوىً جديد من القوة. وبناء على ذلك، يمكن أن تخلق سياقا للحد من القوة الإقليمية لأميركا في الخليج.

أيضا من منظور الأمن الأميركي، يلعب الاستقرار الاقتصادي دورا مهما وحاسما في نقل الطاقة من الخليج العربي، ويمكن لأي توتر إقليمي، أن يهدد استقرار الأسعار، ونقل الطاقة الإقليمية إلى الأسواق العالمية. ومن هذا المنطلق، تعارض واشنطن بوادر الوضع المزعزع للاستقرار. وتستخدم آليات بناء تحالف ضد إيران للتعامل مع هذا البلد.

النقطة الأخرى هي أن قدرة إيران التكتيكية على التأثير على الأحداث الإقليمية، قد تحسنت تدريجيا. ونتيجة لذلك، واجه الاستقرار الإقليمي تحديات تكتيكية، وفي هذا الإطار، تذهب رؤية بايدن إلى الاعتقاد بأن مؤشرات القوة الإيرانية في مجال الصواريخ والطائرات المسيرة، قد ارتفعت بشكل ملحوظ. وهذا يمكن أن يخلق أرضية لحروب إقليمية مزعزعة للاستقرار. كما ورد في وثيقة بايدن 2021، أن إيران تمتلك الدافع الضروري، لاتخاذ إجراءات عملياتية للإضرار بمصالح الولايات المتحدة، والمسؤولين الأميركيين السابقين. ولا تنوي تغيير مثل هذه السياسة.

قد يهمك:إيران تتوسع في تخصيب اليورانيوم.. هل انتهى الاتفاق النووي؟

الآليات الأميركية للتعامل مع “إيران الإقليمية”

بايدن يستخدم آليات بناء التحالفات، ونموذج العمل متعدد الأطراف؛ حيث ستكون آلية إنشاء التحالفات الإقليمية المحور الرئيس لرؤية بايدن للأمن الإقليمي، وسياساته الاستراتيجية الهادفة إلى الحد من قوة إيران الإقليمية في الخليج العربي، وهذا النموذج يمكن أن يوفر الأرضية اللازمة لدول المنطقة من أجل التعاون مع أميركا ضد إيران.

الآلية الثانية للولايات المتحدة للتعامل مع “إيران الإقليمية”، تتمثل في رفع قدرة واشنطن على التحرك الميداني والعملياتي. ويعني التأكيد على هذه الآلية أن الرؤية التعددية الأميركية، والرغبة في التأثير من خلال التحالفات الإقليمية، لا تعني بالضرورة تجاهل دور الوجود الأميركي المباشر في الفضاءات الإقليمية، وتكريس انتشار القوات العسكرية الأميركية في محيط الخليج العربي وأطرافه.

الآلية الثالثة التي وردت في سياق الرؤية الأميركية للأمن في الوثيقة بخصوص إيران، والتي من المفترض أن تستخدمها واشنطن للتصدي للتحدي الإيراني المتنامي، فستكون استخدام الآليات الدبلوماسية للحد من قوة طهران الإقليمية. وعلى الرغم من وجود مؤشرات محدودة في وثيقة الأمن القومي تتعلق بقدرات إيران النووية، إلا أن الحقيقة، هي أنّ الدبلوماسية لا تزال تعتبر إحدى الأفكار الأميركية لكبح نفوذ إيران. وتعني هذه القضية أن الأمن القومي للولايات المتحدة يتطلب أن تواصل الدوائر السياسية في واشنطن الانخراط في آليات دبلوماسية لاحتواء القوة النووية الإيرانية، والحدّ منها من أجل تحقيق أهدافها الجيوسياسية.

أما الآلية الرابعة من ضمن آليات الولايات المتحدة للسيطرة على القوة الإقليمية والتكتيكية لإيران، فستكون استخدام آليات الحل المتكامل الاستراتيجي. ويعني الحل المتكامل الاستراتيجي وفق السياسة الأمنية لبايدن، أن أميركا تستخدم السياسات الاقتصادية والأمنية والدبلوماسية والتكتيكية بشكل مترابط للحد من قوة إيران. وفي سياق هذه الآلية، يأتي تأكيد بايدن وإدارته على أنّ الدبلوماسية ما زالت تسيطر على مناهج التعامل مع القوة النووية الإيرانية. ولكن إذا رفعت إيران من قدراتها النووية لأكثر من حدود معينة، فإن الولايات المتحدة سوف تستخدم آليات أخرى. وهذا المفهوم يعني بالدرجة الأولى عودة الملف الإيراني في السياسة الأمنية الأميركية إلى المربع الأمني، وخروجه من مربع المعالجة الدبلوماسية.

نتيجة لهذا التحول، فإن السياسة الأمنية الأميركية حيال إيران ستركز على الاهتمام بإشارات مثل التهديدات التكتيكية، والردع السياسي، والإجراءات العملياتية المكثفة، للحد من قوة إيران في حل قضاياها الأمنية الداخلية والإقليمية والتكتيكية. وتُعبر وثيقة الأمن القومي لبايدن عن حقيقة أن أولوية الولايات المتحدة سوف ستكون استخدام الآليات التكتيكية للسيطرة على القوة، والقدرة على العمل الإقليمي، والسلطة الهيكلية. وفي مثل هذا الوضع، ستحاول الولايات المتحدة، خلافا لما حدث خلال العامين الماضيين، أن تخرج من مربع التعامل الدبلوماسي، وأن تقوم بتفعيل سياستها الأمنية تجاه طهران، وتوفير آليات ردع ضد قدرة إيران النووية، ودورها الإقليمي، بالتوازي مع استخدام أدوات مثل العقوبات الاقتصادية.

“إيران الدولية” وتحالفها مع روسيا والملف النووي

“الإدارة الأميركية”، قدمت مؤشرا جديدا على تواطؤ إيران مع روسيا في حربها على أوكرانيا عبر تزويد إيران لروسيا بطائرات من دون طيار، وتتوقع أن تسعى روسيا للحصول على المزيد منها. ولديها مخاوف من أن روسيا قد تسعى أيضا للحصول على ذخيرة متقدمة إضافية من إيران، مثل صواريخ “أرض أرض” لاستخدامها في أوكرانيا بحسب ما قال بات رايدر، المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون” مؤخرا.

روبرت مالي، المبعوث الأميركي الخاص لشؤون إيران، قال مؤخرا، إن الإدارة الأميركية، “ملتزمة بالدبلوماسية كطريقة مُثلى لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي. وإذا فشلت كل الوسائل والأدوات فإن الملاذ الأخير هو الخيار العسكري، الذي سيكون مطروحا بوضوح شديد على الطاولة إذا كان هذا هو ما يتطلبه الأمر لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي. وليس صحيحا أننا تركنا الخيار العسكري بعيدا في سعينا للتوصل إلى اتفاق دبلوماسي. لقد قرر الرئيس بايدن استخدام القوة العسكرية مرتين على الأقل ضد الميليشيات التابعة لإيران في سوريا، وستعمل القوات الأميركية على الدفاع عن مصالحنا وعن استقرار المنطقة بغض النظر عن مصير الاتفاق النووي”.

بحسب مراقبين، فإن بريطانيا تستطيع طلب إعادة فرض حزمة العقوبات الأممية على إيران. وعلى الولايات المتحدة وأوروبا إعلان الانسحاب من الاتفاق النووي، وإعادة فرض حزمة العقوبات الأممية على إيران، غير المهتمة بالعودة إلى هذا الاتفاق، رغم المحاولات الأميركية الحثيثة والمستمرة بهذا الشأن.

كما أن الأوروبيين عزفوا عن الإصرار والمتابعة مع إيران بشأن عودتها إلى الاتفاق النووي بسبب مماطلة طهران في ذلك. كذلك فقد أصيب الأوروبيون بخيبة أمل من إيران بعد اصطفافها مع روسيا في الحرب على أوكرانيا، وأصبحوا يجارون أكثر الموقف الأميركي والبريطاني تجاه طهران. فالأوروبيون يرون أن القانون الدولي يُخرق وكذلك القرار 2231، إضافة إلى دعم إيران لحرب روسيا. يبدو أن إيران تتقرب من روسيا والصين، ولا تريد التقرّب من الغرب رغم كل الحوافز التي قدمتها الولايات المتحدة وأوروبا لطهران.

مصير الاتفاق النووي وركائز بايدن الأربع

روبرت مالي أوضح استراتيجية واشنطن الراهنة تجاه طهران ويلقي الضوء على مفاصلها الأساسية قائلا، “نركز حاليا على قمع المتظاهرين في إيران، ودعم النظام الإيراني للحرب الروسية على أوكرانيا، ومواقف إيران بشأن برنامجها النووي، والمفاوضات النووية ليست محور تركيزنا حاليا، ولن تهدر هذه الإدارة وقتها لإحياء الاتفاق النووي”.

مالي أضاف “ما نراه اليوم في إيران حركة شعبية ملهمة للغاية من حيث الشجاعة والتصميم والصمود، ومن ناحية أخرى، نرى العنف والوحشية المقرفة للنظام الذي يطارد الناس في الشوارع خاصة النساء والفتيات اللواتي هن في طليعة هذه الحركة”.

الطائرات الإيرانية المسيرة التي تدعم بها إيران روسيا “وكالات”

أيضا لفت إلى الركائز الأربع الأساسية لسياسة إدارة بايدن تجاه إيران، محاولة إعادة تشكيل تحالف مع الحلفاء المقربين والحلفاء الأوروبيين. وهناك الآن موقف أميركي أوروبي موحد بشأن إيران وبشأن دعم إيران للعدوان الروسي على أوكرانيا، وموقف موحد بشأن دعم الشعب الإيراني في مواجهة عنف النظام. مشيرا إلى النجاح في أمر بالغ الأهمية وهو تشكيل جبهة مشتركة للرد على أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار وعلى انتهاكات حقوق الإنسان، وضد برنامج إيران النووي.

الرئيس بايدن، التزم بشكل واضع بعدم السماح لإيران بامتلاك أسلحة نووية. ويتم استخدام العديد من الأدوات مع تشارك في هذه الرؤية مع الحكومة الإسرائيلية وأطراف أخرى، والذين يرون أنه لا يوجد حل دائم طويل الأجل سوى الحل الدبلوماسي، والدبلوماسية هي الطريقة الأمثل لحل هذه القضية، لكن إذا فشلت الدبلوماسية وجميع الأدوات الأخرى فإن الحل العسكري مطروح على الطاولة.

أيضا بذل كل الجهود مع الشركاء والحلفاء لمكافحة أنشطة إيران الخبيثة سواء من خلال العقوبات أو من خلال تشديد وتقوية دفاعات الحلفاء، وهذه ركيزة قوية جدا من ركائز السياسة الأميركية التي حققت فيها تقدما حقيقيا.

أما الركيزة الرابعة، فهي الدفاع عن حقوق الإنسان في كل العالم وأيضا في إيران، وقد صدرت عن الولايات المتحدة العديد من الانتقادات منذ اندلاع الاحتجاجات في إيران وحث الدول الأخرى في الاتحاد للدفاع عن حقوق الإنسان في إيران.

نظام دفاعي في الشرق الأوسط

منسق مجلس الأمن القومي الأميركي، للشرق الأوسط وشمال إفريقيا بريت ماكغورك، أعلن يوم الأحد الفائت، أن الولايات المتحدة تعمل على بناء بنية تحتية “متكاملة” للدفاع الجوي والبحري في الشرق الأوسط في وقت تتصاعد التوترات مع إيران المتهمة بشن هجمات ضد سفن في مياه الخليج.

ماكغورك قال في مؤتمر “حوار المنامة” السنوي، “تعمل الولايات المتحدة الآن بنشاط على بناء بنية دفاعية جوية وبحرية متكاملة في هذه المنطقة”، مضيفا “يتم الآن تنفيذ شيء تحدثنا عنه منذ فترة طويلة، من خلال الشراكات المبتكرة والتقنيات الجديدة”.

قائد القيادة المركزية الأميركية، الجنرال مايكل كوريلا، أعلن خلال المؤتمر يوم السبت الفائت، أن قوة بحرية بقيادة الولايات المتحدة ستنشر أكثر من 100 سفينة مسيّرة عن بعد في مياه الخليج بحلول العام المقبل لدرء التهديدات البحرية.

هذه التصريحات جاءت بعدما حمّلت إسرائيل والولايات المتحدة إيران مسؤولية هجوم بطائرة مسيرة قبالة ساحل عمان هذا الأسبوع أصاب ناقلة نفط تديرها شركة مملوكة لرجل أعمال إسرائيلي.

من الواضح أن علاقة الولايات المتحدة ومن خلفها الغرب وإسرائيل مع إيران تأخذ اتجاها تصعيديا، خاصة بعد التخلي حاليا عن إحياء الملف النووي ودعم المتظاهرين الإيرانيين، وهذا ما ينذر أن المرحلة القادمة تحمل العديد من الاحتمالات أحدها الخيار العسكري.

إقرأ:محاكمات للمتظاهرين في إيران وتخوف من إعدامات جماعية

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة