المظاهرات في إيران لا تزال مستمرة بزخم كبير ضد النظام الإيراني، على خلفية مقتل مهسا أميني، على يد “شرطة الأخلاق” الإيرانية قبل أسابيع، حيث لم تنجح كل الوسائل التي اتبعها النظام في الحد منها أو إيقافها، خاصة بعد أن باتت مطالبها الرئيسية تتمثل برحيل النظام الحالكم في البلاد، ما دفع للإعلان عن عقد محاكمات للمئات من المعتقلين الذين يواجه عدد كبير منهم عقوبة الإعدام كوسيلة للضغط لوقف المظاهرات.

محاكمات علنية

القضاء الإيراني، أعلن يوم أمس الإثنين، عزمه عقد محاكمة علنية هذا الأسبوع لمئات من المعتقلين خلال أحدث موجة احتجاجات تعصف بالبلاد، وسط تحذيرات من إعدامات جماعية لموقوفين يواجهون تهمة “الحرابة” التي تصل عقوبتها إلى الإعدام.

وكالة “تسنيم”، التابعة لـ”الحرس الثوري” الإيراني، نقلت عن كبير القضاة في إقليم طهران، أن “محكمة الثورة”، التي تنظر في الاتهامات السياسية والأمنية، ستحاكم من «ارتكبوا أعمالا تخريبية في الأحداث الأخيرة، بما في ذلك الاعتداء على حراس أمن أو قتلهم، وإضرام النار في الممتلكات العامة”.

احتجاجات في إيران “وكالات”

 إعلان القضاء الإيراني، يأتي بعد 3 أيام من تحذير قائد “الحرس الثوري”، حسين سلامي، المحتجين من مواصلة النزول إلى الشارع. ولم تقدم السلطات الإيرانية إحصائية لعدد المعتقلين، لكن منظمات حقوقية تقدر عددهم بأكثر من 14 ألفا.

 مواقع صحفية نقلت عن امرأة إيرانية، يوم أمس الإثنين، أن حكما بالإعدام صدر على ابنها (22 عاما) منذ يومين في محاكمة أولية، ملتمسة المساعدة. وقالت والدة الشاب محمد قبادلو إن السلطات استجوبته من دون حضور محام. وأضافت الأم، التي لم تذكر اسمها “ابني مريض. المحكمة لا تسمح حتى لمحاميه بدخول قاعة المحاكمة… لقد استجوبوه من دون حضور محام، وفي الجلسة الأولى حكموا عليه بالإعدام، ويريدون تنفيذ هذا الإعدام في أقرب وقت ممكن”.

 “الحرس الثوري” طالب يوم السبت الماضي، المحتجين صراحة بالابتعاد عن الشوارع. ووصف القادة الإيرانيون الاحتجاجات بأنها مؤامرة من أعداء الجمهورية الإسلامية، بما في ذلك الولايات المتحدة وإسرائيل. وشارك متظاهرون من جميع أطياف المجتمع، ولعب الطلاب والنساء دورا بارزا، وأحرقت نساء حجابهن في هذه الاحتجاجات.

إقرأ:أسلحة حوثية إلى السودان.. إيران نحو النفوذ الأفريقي؟

عجز عن ضبط المظاهرات

بين دعوات الحوار والتفاوض وبين تشويه الاحتجاجات ووصف المتظاهرين بـ”مثيري الشغب” تنقسم صحف إيران الصادرة اليوم، الثلاثاء، في تغطيتها للأحداث المستمرة والتي يبدو أنها دخلت مرحلة من التعقيد والتطور جعلت النظام عاجزا عن حسمها أمنيا كما كان يظن الكثيرون.

استمرار هذه المظاهرات منذ لحظة الإعلان عن مقتل مهسا أميني في 16 أيلول/سبتمبر الماضي، جعل الصحف أكثر جرأة على طرح موضوع الحوار مع المتظاهرين والاستماع إلى مطالبهم، حيث باتت تؤكد أن ما تظهره الشعارات والهتافات التي يرددها المحتجون في شوارع إيران أصبحت أكثر من مطالب تقليدية، مثل حل شرطة الأخلاق أو إلغاء الحجاب الإجباري، وهو ما يستلزم الجلوس مع المتظاهرين والاستماع إلى مطالبهم.

لكن في مقابل صحف الإصلاحيين التي تمثل هذا الاتجاه من الصحف في الدعوة إلى الحوار لوحظ تصاعد وتيرة خطاب الصحف المقربة من النظام أمثال “كيهان” و”وطن امروز” و”جوان” وحتى “إيران” الحكومية، التي أصبحت لا تتردد في اتهام كل متظاهر بأنه من “مثيري الشغب”، وأحيانا تذهب بعيدا وتصفهم بأنهم “عملاء” للولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، وأن أعمالهم مخطط لها مسبقا.

صحيفة “آرمان ملي” هذا التناقض بين التيارين في إيران، وعنونت بالقول، “اتهام المتظاهرين بالشغب لا يتناسب مع دعوات الحوار”، فيما دعت صحف مثل “اعتماد” و”مردم سالاري” إلى ضرورة الاستماع إلى مطالب الناس، ومحاولة خلق مساحة من التفاهم والقواسم المشتركة بين النظام والمتظاهرين، هناك صحف مثل “كيهان” تتهم المتظاهرين بـ”إثارة الشغب” و”الانفصالية” و”الإرهاب”، مدعية أن هذه المثلث ينبع من مصدر واحد ويسعى لتحقيق غاية واحدة.

القمع لن يؤدي لأي نتيجة

 صحيفة “اعتماد” الإصلاحية، سلطت في أحد تقاريرها اليوم الثلاثاء، الضوء على ظاهرة من ظواهر الاحتجاجات الإيرانية الجارية، وهي فقدانها لقيادة معروفة الحال والهوية، معتقدة أن هذه الظاهرة تحولت الآن إلى “أزمة” في ما تشهده إيران من أحداث.

الصحيفة أضافت أن الاحتجاجات الراهنة تستفيد من هذه الخصوصية، وهي فقدانها لقيادة مما يجعل من الصعب على النظام السيطرة عليها، وكلما سقط أحد المتظاهرين أو ألقي القبض عليه يتحول فجأة إلى رمز من رموز الاحتجاجات، وهو ما يعقد الموجة الحالية من المظاهرات في إيران.

الصحيفة رأت أن أفضل طريقة للتعامل مع مثل هذه الاحتجاجات هو أن تعتمد على “الإقناع الجمعي”، و”الإصلاحات الجذرية والمستدامة”، مؤكدة أن اللجوء إلى الأساليب الأمنية وقمع المحتجين لن يؤدي إلى نتائج مطلوبة، إذ إن قمعها في مكان ما يتبعه ظهور آخر للاحتجاجات في مكان آخر.

صحيفة “شرق” الإصلاحية نقلت منشورا لنائب الرئيس الإيراني السابق، إسحاق جهانغيري، والذي تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع في إيران يوم أمس الإثنين، حول جهود حكومة روحاني السابقة لتقنين التظاهر والاحتجاج، مؤكدا أن الحكومة السابقة عملت في هذا الإطار، وقدمت لائحة للاعتراف بحق التظاهر، وذلك قبل حدوث الاحتجاجات عام 2019، لكن بعض التيارات والأفراد عرقل هذه المحاولات، وأفشل مساعي تقنين حق التظاهر في إيران.

جهانغيري أكد أن المادة 59 من الدستور الإيراني تنص على ضرورة أن يخضع كل شيء لاستفتاء الشعب والاستماع إلى رأي الناس، مؤكدا أن ما تمر به إيران الآن وضع “صعب”، وإذا لم تتم رؤية “السلطة” التي يحتاجها الناس والاستماع إلى صوتهم فإنهم سينفذون هذه “السلطة” بالطريقة التي يختارونها هم، وهذا قد يترتب عليه ضرر بالنسبة للجميع.

مظاهرات مستمرة رغم التحذيرات

العديد من المدن الإيرانية تشهد مظاهرات، على الرغم من تهديدات “الحرس الثوري” بوقف المظاهرات التي دخلت أسبوعها السابع بعدما أشعلها مقتل الشابة مهسا أميني، في حين قال الرئيس الإيراني، إن أمن البلاد خط أحمر ولن نسمح للأعداء بتقويضه.

 قائد “الحرس الثوري”، اللواء حسين سلامي، كان قد دعا المتظاهرين السبت إلى عدم الخروج إلى الشارع، قائلا “ينبغي ألا يختبر المتظاهرون صبر النظام”، وأضاف أن الاضطرابات منذ منتصفأيلول/سبتمبر الماضي كانت مؤامرة من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل والسعودية، مضيفا “لا تكونوا بيادق لأعداء البلاد”.

“جامعة آزاد الإسلامية” في طهران، شهدت مظاهرة طلابية، رفعت خلالها شعارات مطالبة بالحرية ومناوئة للنظام الإيراني، واستخدمت وحدات من قوات التعبئة “الباسيج” الغاز المدمع لتفريق المحتجين.

كما تظاهر الطلاب في جامعات عدة احتجاجا على استمرار اعتقال الطلاب المشاركين في الاحتجاجات الأخيرة، وفي مقابل ذلك، نظم عدد من الطلاب وموظفي “جامعة الإمام الخميني” في قزوين وجامعتي شيراز وطهران، تجمعا مؤيدا للحكومة الإيرانية.

القوات الأمنية، أطلقت عيارات نارية وقنابل مدمعة يوم الأحد خلال تجمع للطلاب في مدينة سنندج (غرب) حيث أظهرت مقاطع فيديو سحب دخان متصاعدة وسط هتافات “حرية”، وفق ما أفادت منظمة “هنكاو” التي تتّخذ من النرويج مقرا.

في مدينة سقز مسقط رأس أميني، فرقت عناصر أمنية بلباس مدني تظاهرة في معهد مهني، حيث “هاجمت العناصر الطلاب وخطفت عددا منهم”، وفق “هنكاو”.

من جهة ثانية وقع أكثر من 300 صحفي ومصور صحفي إيراني يوم الأحد بيانا يدين اعتقال السلطات زملاء لهم وتجريدهم من حقوقهم المدنية بعد توقيفهم، وأوردت صحيفة “سازند” الإصلاحية يوم الأحد أن أكثر من 20 صحفيا ما زالوا قيد الاحتجاز، في حين رفضت “نقابة الصحفيين” في طهران “النهج الأمني”، واصفة إياه بأنه غير قانوني ويتعارض مع حرية الصحافة.

الانتهاكات تطال طلبة الجامعات

يوم الأحد أفادت الأنباء القادمة من إيران أن قوات الأمن أطلقت النار على طلاب جامعة “يزدان بناه” كردستان التقنية، غرب البلاد، وبذلك تمت محاصرة الطلاب في الجامعة، المعلومات اشارت الى أن الأمن يفرض طوقا أمنيا حول معظم الجامعات، ويخطط لإحكام السيطرة على حركة الطلاب.

في السياق، دانت منظمة “حقوق الإنسان الإيرانية” اعتقال السلطات الإيرانية للطلاب المحتجين داخل حرم الجامعات، فيما دعا طلاب جامعات في العاصمة طهران لاستمرار التظاهرات، تنديدا بقمع الشرطة رغم تهديدات الحرس الثوري التي أطلقها محذرا المحتجين من استمرار التظاهر. ونظم الطلاب تظاهرات كبيرة في كلية “التقنية” بجامعة طهران، ومشهد، وسوهانك بطهران، ومنام جامعة أمير كبير في أراك.

احتجاجات مؤيدة في الخارج

الاحتجاجات الداعمة للشعب الإيراني، تتواصل في مدن عدة خارج إيران، وذلك تنديدا بمقتل الشابة مهسا أميني في أيلول/سبتمبر الماضي.

ففي كندا، انضم رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو إلى مسيرة مع محتجين تجمعوا في العاصمة أوتاوا، السبت الماضي، دعما للحركة الاحتجاجية التي تشهدها إيران منذ أكثر من 40 يوما.

من الاحتجاجات في إيران “وكالات”

ترودو قال في تصريحات صحفية، “سنُواصل نضالنا من أجل مستقبل أفضل للجميع في كل أنحاء الكوكب، خصوصا النساء اللواتي عانين في إيران”، وأضاف “نحن هنا متضامنون معكم وسنبقى كذلك”، قبل أن يُنهي خطابه بترديد شعارات إيرانية رافعا قبضته وسط هتافات الجماهير.

 رئيس الحكومة الكندية، أعاد التذكير بأنه فرض عقوبات عدة خلال الشهر الماضي على عشرات من كبار المسؤولين في النظام الإيراني ردا على “انتهاكات منهجية لحقوق الإنسان” خلال التظاهرات التي تشهدها إيران.

الآلافُ في العاصمة الألمانية، احتشدوا أيضا للتعبير عن تضامنِهِم مع المتظاهرين المناهضين للحكومة الإيرانية رافعين لافتات تنتقد قادة إيران، وتضمن الكثير منها شعار “المرأة، الحياة، الحرية” باللغتين الإنجليزية والألمانية.

أيضا خرجت مظاهرة واسعة في العاصمة الفرنسية باريس تنديدا بمقتل الشابة مهسا أميني في إطار المظاهرات المستمرة داخل وخارج إيران ضد النظام.

كما شهدت العاصمة الإيطالية روما احتشاد مئاتِ الأشخاص من الجنسية الإيرانية والإيطالية للاحتجاجِ على القمع الذي تمارسه طهران بحقِ المحتجين.

إقرأ أيضا:إيران تتوسع في تخصيب اليورانيوم.. هل انتهى الاتفاق النووي؟

مظاهرات مستمرة لم تشهدها إيران من قبل، سواء في حجمها أو توزعها في المدن الإيرانية، إضافة إلى مشاركة جميع شرائح الشعب الإيراني، وسط دعم دولي لاستمرارها، في الوقت الذي لم توقفها تهديدات النظام الإيراني وممارساته القمعية حتى الآن.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة