ظروف عدة تدفع الناس للهجرة من بلدانهم الأصلية بشكل عام، ولعل أبرزها الظروف الاقتصادية والأمنية، ولا تُعد بلدان المنطقة العربية استثناء في ذلك، بل تتوفر فيها أقسى العوامل التي تدفع بالشباب إلى الهجرة غير الشرعية، على الرغم من المخاطر المحفوفة بها، إذ لا يكاد يمر شهر دون ورود أخبار عن غرق مجموعات من الشباب العربي وهي في طريقها بحرا إلى أوروبا، فيما بات يُعرف بـ”قوارب الموت”، وتبدو الظاهرة في ازدياد خلال الأعوام القليلة الماضية.

صحيفة “الغارديان” البريطانية، قالت في تقرير لها مؤخرا، إن “آلاف المصريين يعرّضون أنفسهم للموت غرقا في عرض البحر في نزوح جماعي جديد محفوف بالمخاطر نحو أوروبا، حيث إن الفقر أوقع الآلاف في قبضة مهربي البشر الذين يمارسون تجارة قاتلة في البحر الأبيض المتوسط”.

شرّ لا مفرّ منه

الهجرة غير الشرعية من مصر لدول أوروبا بصفة خاصة، تزايدت لأسباب عديدة، منها الفقر والبطالة وعجز الدولة لسنوات على إيجاد حلول واقعية لها، من خلال طرح خطط تنموية توفر للشباب فرصا حقيقية للبناء والاستثمار داخل بلدهم، بدلا من المخاطرة بحياتهم للوصول إلى القارة العجوز بحثا عن فرص عمل وحياة أفضل، بحسب حديث مدير مركز “الشهاب لحقوق الإنسان” المحامي خلف بيومي، لـ”الحل نت”.

أعداد المهاجرين ازدادت لتصل لـ 3500 مهاجر خلال 2023 من مصر لأوروبا، وفق بيومي، وهو عدد يُقدر بأربعة أضعاف العدد خلال 2021 وهو مرشح للزيادة.

الحكومة المصرية تستغل ورقة الهجرة غير الشرعية كفزاعة تهدد بها الاتحاد الأوروبي لدفعه تقديم مزيد من المساعدات في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد المصري بشدة، بحسب بيومي. فالقاهرة تعلم تماما الآثار السلبية التي تتخوف منها أوروبا من تداعيات هذه الهجرة، لذلك استجابت لها، حيث سددت “المفوضة الأوروبية”، للحكومة المصرية 100 مليون يورو، فضلا عن 80 مليون يورو أخرى لحرس السواحل.

قد يهمك: طريق اللجوء إلى أوروبا: كيف يبتلع “مثلث الموت” مئات اللاجئين الفقراء؟

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ألمح في حوار له مؤخرا مع إذاعة “دوتش لاند فونك” الألمانية، أن “نظامه يحمي البلاد من الانهيار ويبذل جهودا لمنع تدفق اللاجئين عبر حدوده البحرية”، وقال “شاهدتهم بأنفسكم كيف جاء السوريون وآخرون إلى أوروبا وألمانيا”.

الهجرة غير الشرعية ستبقى تشكل تهديدا لأوروبا، من وجهة نظر بيومي، ولن تفلح الحكومة المصرية في تحجيمه، بسبب فشلها في استغلال المليارات التي تم دعمها بها خلال السنوات الماضية، وفق تعبيره.

سبل المكافحة

الحكومة المصرية تسعى منذ السنوات السبع الأخيرة لتقييد الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا، بحسب حديث الكاتب والصحفي المصري محمد الحامد، لـ”الحل نت”. حيث سنّت قوانين لهذا السبب، مثل قانون “مكافحة الهجرة غير الشرعية” الذي أُقر في 2017 من قِبل البرلمان المصري، كما حصلت مؤخرا على كثير من التقنيات الخاصة من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية، لمراقبة الحدود ومكافحة عمليات الهجرة، وعملت أيضا على تعزيز الهجرة الشرعية للمواطنين.

على الرغم من الإجراءات التي تتّبعها الحكومة للحدّ من حركة هذه الهجرة، إلا أن هناك مجموعات تشرف على تسييرها، من خلال الهروب من رقابة السلطات، بحسب الحامد. حيث أصبحت الحدود المصرية الليبية أحد النوافذ لتهريب المواطنين المصرين الراغبين في الهجرة غير الشرعية سواء إلى أوروبا أو إيطاليا.

صحيفة “الغارديان”، عزت في تقريرها “إحياء طرق التهريب” التي كانت مزدهرة سابقا إلى إطلاق سراح أعضاء بارزين من شبكات التهريب الذين سجنتهم الدولة المصرية قبل 5 سنوات على الأقل، في أعقاب سلسلة من كوارث القوارب بين عامي 2015 و2016 التي خلّفت مئات القتلى قبالة الساحل الشمالي للبلاد. وبحسب الصحيفة، فإن “قوارب الصيد الكبيرة التي كان من الممكن أن تُستخدم في أعمال مشروعة، باتت تُستغل الآن في نقل البشر عبر البحر الأبيض المتوسط”.

وزير الخارجية المصري صرّح في أحد مؤتمرات الأمن بميونيخ مؤخرا، بأن مصر وصلت إلى صفر مراكب هجرة، إلا أن الحقيقة غير ذلك، فالأعداد تراجعت فقط لكن الهجرة عبر السواحل المصرية لم تتوقف، وفقا لتقارير صحفية.

اقرأ أيضا: التعويم الثالث للجنيه.. استقرار للاقتصاد المصري أم حرب جديدة عنوانها “المضاربات“؟

الهجرة الشرعية وغير الشرعية هو نوع من أنواع هروب الكفاءات واليد العاملة، وبالتالي تؤثر سلبا على اقتصاد البلاد، بحسب الحامد. ولكي تتقدم مصر أو دول العالم الثالث أو جنوب المتوسط، يجب أن يكون لديها بنية اقتصادية قوية مؤثرة قادرة على جذب مواطنين للعمل فيها عوضا عن السفر إلى الخارج. يتفق مع هذا الرأي الحقوقي خلف بيومي، حيث يقول، بإن “هجرة الشباب آثارها سلبية على الاقتصاد المصري، لكونها تحرمه من أهم مقوماته الأساسية، وهي العمالة الشابة” وفق تعبيره.

قفزة نوعية في الأعداد

عدد المصرين المتقدمين للحصول على اللجوء في دول الاتحاد الأوروبي، وصل إلى مستوياته منذ عام 2014، بحسب تقرير لـ”وكالة الاتحاد الاوروبي للهجرة” صدر في تموز/ يوليو 2022، ويتحدث عن الفترة من آذار/مارس 2022 إلى حزيران/يونيو 2022، وبالنسبة للربع الأول من عام 2022، كانت 24 بالمئة من القرارات المتعلقة بطلبات المصريين إيجابية وافقها في الغالب قرارات بالحماية المؤقتة.

 التقرير يشير إلى أن معظم المواطنين المصريين الذين يسافرون بشكل غير نظامي إلى الاتحاد الأوروبي، يفعلون ذلك عن طريق القوارب على طول طريق وسط البحر الأبيض المتوسط إلى إيطاليا، وتنطلق معظم القوارب التي تقلّ مواطنين مصريين إلى إيطاليا من ليبيا، فيما تنطلق نسبة صغيرة من تركيا باستخدام القوارب للوصول إلى سواحل الاتحاد الأوروبي.

في حين كان العدد الشهري للوافدين إلى إيطاليا في عام 2022 أقل من فترة الذروة بين آب/أغسطس وتشرين الثاني/نوفمبر 2021، عندما كان أكثر من 1200 مصري يصلون كل شهر، بلغ عدد الوافدين المصريين كنسبة من إجمالي عمليات الوصول للسواحل الإيطالية ذروته في شباط/فبراير 2022.

قبل هذه الفترة كان واحد من كل خمسة ممن يصلون إيطاليا يحمل الجنسية المصرية، وفق لما جاء في التقرير، لكن في الفترة بين كانون الثاني/يناير، ونيسان/أبريل، كان ثلاثة من كل خمسة أشخاص هم من المصريين، وكانت الأغلبية من الرجال البالغين، كما تصاعدت في الفترة الأخيرة أعداد القُصّر من المصريين غير المصحوبين بذويهم.

من المفهوم أن المصريين الذين يهاجرون إلى الخارج يتأثرون في المقام الأول بالعوامل الاقتصادية والبحث عن عمل. فقد انخفضت قيمة العملة بشكل كبير منذ بداية العام بعد تخفيض “البنك المركزي” لقيمة العملة أمام الدولار، وارتفع التضخم وزادت أسعار المواد الغذائية على الرغم من تدخل الحكومة للسيطرة على سعر الخبز.

إضافة إلى أن سوء أوضاع حقوق الإنسان في مصر يعد عاملا مؤثرا أيضا في قرار العديد من المهاجرين المصريين الراغبين في السفر إلى الاتحاد الأوروبي. وفي هذا الإطار يشير التقرير إلى استمرار المنظمات الدولية في الإعراب عن قلقها بشأن القيود المفروضة على حرية التعبير، وسوء أوضاع السجون، وحالات الاختفاء القسري، والتعذيب والقتل خارج نطاق القضاء في البلاد.

تم إنزال 3935 مصريا في إيطاليا بين 1 كانون الثاني/يناير و13 حزيران/يونيو 2022، وفقا لوزارة الداخلية الإيطالية، وبالتالي شكّل المصريون 18 بالمئة من عمليات الإنزال خلال هذه الفترة، ولم يفوقهم سوى البنغلاديشيون. وبحسب البيانات التي نشرتها مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين “يو أن أتش سي آر”، فإن “المواطنين المصريين يمثلون نسبة كبيرة من الوافدين عن طريق البحر إلى إيطاليا منذ آب/أغسطس 2021 “.

سجلت أعلى إجماليات شهرية للوافدين المصريين بين آب/أغسطس وتشرين الثاني/نوفمبر 2021، حيث وصل أكثر من 1200 مصري كل شهر وبلغت ذروتها بوصول 1893 وافدا في تشرين الثاني/نوفمبر. أما بين كانون الثاني/يناير وأيار/مايو 2022، فكان أكبر عدد شهري من الوافدين المصريين إلى إيطاليا في أيار/مايو، حيث وصل عدد الوافدين إلى 1881.

تبقى العوامل الاقتصادية وتردي أوضاع حقوق الإنسان في مصر، عاملان قويان يؤثران على عملية اتخاذ القرار بشأن الهجرة، وبالتالي من المتوقع أن تستمر إيطاليا في مواجهة مستويات كبيرة من الهجرة غير النظامية من مصر، حيث يرى مراقبون بأن موجات الهجرة غير الشرعية ستتزايد ولن تقف عند رقم معين، إذ لم يتحسن الوضع في مصر.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.