كما كان متوقعا، فاز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بفترة رئاسية جديدة هي الخامسة، تمتد لست سنوات، في انتخابات وصفت بأنها “صورية”، إذ أنها تعرضت لانتقادات واسعة مع منع المرشحين المناهضين للحرب في أوكرانيا وشخصيات المعارضة الحقيقية من الترشح، إضافة إلى سيطرة “الكرملين” المشددة على وسائل الإعلام وأجهزة الأمن ولجنة الانتخابات.

بينما ذكرت وسائل إعلام روسية، أن العديد من موظفي الدولة والعاملين في الشركات المملوكة للحكومة أُجبروا على التصويت مبكرا وإرسال صور لرؤسائهم أثناء الإدلاء بأصواتهم أو صور لأصواتهم، وفقا لما نقلت صحيفة “واشنطن بوست“.

الانتخابات الرئاسية الروسية التي انتهت أمس الأحد، شهدت العديد من الحوادث والأفعال الاحتجاجية، من بينها صب سائل ملون في صناديق الاقتراع وإلقاء زجاجة مولوتوف على مركز اقتراع في مسقط رأس بوتين، بالإضافة إلى هجمات إلكترونية تم الإبلاغ عنها، الأمر الذي يشير إلى حالة الغضب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يحكم البلاد منذ نحو ربع قرن.

بحسب قناة “RT” الروسية، فقد حصل “المرشح المستقل فلاديمير بوتينعلى 87.32 بالمئة بعد عمليات فرز 95 بالمئة من الأصوات حتى الساعة 3:40 بتوقيت موسكو، بينما أعلنت رئيسة اللجنة الانتخابية إيلا بامفيلوفا، أن نسبة المشاركة قياسية في الانتخابات، إذ بلغت 74.22 بالمئة، وسط تشكيك بالنتائج.

مدير “مركز ستراتيجكس للدراسات” حازم الضمور، اعتبر في حديث خاص لـ “الحل نت”، أن فوز بوتين كان مضمونا تماما، ولا توجد أي مفاجآت في إعادة انتخابه، لكن ما يسجل في هذه الانتخابات بعد فوزه هو أنه سيكون صاحب الرقم القياسي الأطول في تاريخ الحكم الروسي منذ القرن المنصرم، حيث سعى بوتين لرفع نسبة التصويت بكل الطرق الممكنة لتعزيز شرعيته أكثر وأكثر.

لكن في ظل هذا الفوز بولاية جديدة وترجيح بقائه في الحكم لولاية أخرى أي حتى عام 2036 -بفضل تعديل للدستور تم إجراؤه قبل أربع سنوات- تُطرح العديد من الأسئلة حول ما ينتظر الرئيس الروسي وروسيا في الأيام والأعوام المقبلة اقتصاديا وسياسيا، وعسكريا، إذ يرجح العديد من المحللين فرض المزيد من العقوبات في ظل استمرار بوتين في سياساته. 

تشكيك في النتائج

مشهد الانتخابات الروسية كان تحت المجهر منذ بدء مرحلة الترشح، حيث تخللته الكثير من الانتقادات خاصة بعد اتهامات للرئيس فلاديمير بوتين بإقصاء منافسيه الحقيقيين عن هذه الجولة، ووفاة المعارض الروسي أليكسي نافالني في السجن الذي قال “الكرملين” وقتذاك، إن وفاته طبيعية. 

الفوز الكبير الذي أحرزه بوتين في الانتخابات ليس لديه الكثير من المصداقية، في الدول الغربية وخاصة في الولايات المتحدة، بحسب حديث الخبير في الشؤون الأميركية مسعود معلوف لـ “الحل نت”، لأنها تعتبر أن بوتين ألغى إلى حد ما خصومه الجديين وأنه مسؤول عن وفاة المعارض نافالني في السجن، ومن هذا المنطلق لن يكون هنالك أي تغير إيجابي في العلاقات مع الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة. 

“البيت الأبيض” اعتبر الأحد، أن الانتخابات الرئاسية الروسية “ليست حرة ولا نزيهة” لأن فلاديمير بوتين زج بمعارضيه في السجن ومنع آخرين من الترشح أمامه، بينما كتب وزير الخارجية البريطاني ديفيد كامرون تغريدة على منصة “إكس”، قال فيها إن صناديق الاقتراع في روسيا أُغلقت بعد التنظيم غير القانوني للانتخابات على الأراضي الأوكرانية، وغياب الخيارات أمام الناخبين وغياب المراقبة المستقلة من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا. وأضاف “هذه ليست انتخابات حرة ونزيهة”.

وفق حديث الباحث السياسي في الشأن الروسي ديمتري بريجع لـ “الحل نت”، فإن الانتخابات في داخل روسيا هي استفتاء على سياسات الرئيس بوتين الخارجية والداخلية في ظل ضعف المنافسين الثلاث، إذ أنه ليس لديهم الشعبية الكبيرة في الداخل الروسي، خاصة في الأرياف والعاصمة موسكو ومدينة بطرسبرغ، لأن “هذه المناطق أهم شيء وتلعب دور مهم في الانتخابات”.

من الانتخابات الرئاسية الروسية – إنترنت

ألمانيا شككت أيضا في نزاهة عملية الانتخابات الرئاسية الروسية، ووفقا للمتحدثة باسم الرئيس الاتحادي فرانك فالتر شتاينماير، فإن شتاينماير لا يريد تهنئة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على إعادة انتخابه، بينما كتبت وزارة الخارجية الألمانية على منصة “إكس” الأحد، إن “الانتخابات الزائفة في روسيا ليست حرة ولا نزيهة، والنتيجة لا تفاجئ أحدا”.

وقالت الخارجية البولندية في بيان، إن الانتخابات الرئاسية في روسيا غير قانونية وغير حرة وغير نزيهة، لافتة إلى أنها جرت “في مناخ من القمع الشديد” وفي المناطق المحتلة من أوكرانيا، مما يشكل انتهاكا للقانون الدولي. 

كما ندد فريق المعارض الروسي اليكسي نافالني الذي توفي في السجن، بالنتيجة التي حققها فلاديمير بوتين في الانتخابات الرئاسية، مؤكدا أنها “لا تمت بصلة إلى الحقيقة”. 

في مؤتمر صحفي بعد الانتخابات الرئاسية الروسية، وصف بوتين وفاة زعيم المعارضة، أليكسي نافالني بأنها “حادثة مؤسفة”، وقال إنه كان على استعداد لإطلاق سراحه مقابل السجناء الروس المحتجزين في الغرب، وهذا أول تعليق له حول وفاة نافالني والذي جاء في رد على سؤال من شبكة “NBC News“.

ماذا ينتظر بوتين؟ 

يبدو أن النتيجة القياسية في التصويت على الولاية الخامسة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ستكون بداية جولة جديدة من العقوبات الغربية على موسكو، خاصة أنه يعتزم المضي قدما في سياساته القائمة وبالذات الحرب على أوكرانيا. 

بحسب معلوف، وهو دبلوماسي سابق، فإنه لن يكون هناك أي تغيير إيجابي في العلاقات مع الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة، عكس ذلك من المحتمل أن تقوم واشنطن بفرض مزيد من العقوبات. 

“من المرجح كردة فعل أميركية على ما يحصل الآن هو المزيد من المساعدات لأوكرانيا، إرسال مزيد من الأسلحة والأموال لكييف، حتى تستمر في الدفاع عن نفسها ضد الهجوم والتقدم الروسي الذي يحصل هناك في الحرب”، وفق معلوف. 

في ظل هذا التوجه الأميركي المتوقع، فإن سياسات بوتين في مواجهة العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا لن تختلف إلا من حيث الدرجة، بحسب الباحث السياسي حازم الضمور، حيث ستتعزز شرعيته بعد الانتخابات، ويكتسب قوة اضافية لسياساته في مواجهة الغرب وحلف “الناتو”، خاصة من خلال تعزيز علاقات روسيا الاقتصادية مع دول الجنوب، وتركيز صادراتها الحيوية من النفط والغاز نحو الصين والهند، وفرض ضوابط على العملة، وغير ذلك من السياسات.

وسيواجه بوتين مجموعة تحديات داخليا وخارجيا، إذ يرى الضمور، أن التحدي الأهم على المستوى الخارجي هو ارتفاع لهجة التهديدات الغربية ضد موسكو، خاصة بعد دعوة الرئيس الفرنسي لأوروبا للتخلي عن الخطوط الحمراء في مواجهة روسيا، وما قد يلي ذلك من تكثيف للدعم العسكري الأوروبي لأوكرانيا، أما على المستوى الداخلي فإن التحدي الأهم هو المحافظة على استقرار البلاد السياسي والاقتصادي في مواجهة العقوبات الغربية. 

تصعيد في الموقف 

في خطاب بوتين بعد إعلان النتائج الأولية للانتخابات الأحد، أشار إلى الاستمرار في الحرب على أوكرانيا، إذ قال إن “على روسيا أن تكون أكثر قوة وفعالية، علينا أن ننجز مهام العملية العسكرية الخاصة وينبغي للجيش أن يكون أقوى”.

يظهر ذلك أيضا من خلال التهديد باستخدام السلاح النووي، إذ أن أسباب التهديد في الأساس وفق حديث الضمور، هي رسائل تحذير وردع واختبار للمواقف الغربية من تطور العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، لكن ذلك لا يعني أن روسيا غير جاهزة لاستخدام السلاح النووي التكتيكي في لحظة معينة لحسم الحرب في أوكرانيا، لكن حتى اللحظة تبدو فرص استخدام السلاح النووي ضئيلة، ولا تصب في صالح الرؤى الاستراتيجية للأمن القومي الروسي. 

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين – (رويترز)

وفق حديث بريجع، فإنه من الواضح أن “سياسات بوتين الحالية سوف تستمر والعملية العسكرية ستستمر حتى السيطرة على المقاطعات الأربع في أوكرانيا وبعدها يمكن الحديث عن مفاوضات”، بينما أشار إلى أن “سياسة العداء للغرب سوف تستمر في حقبة الرئيس بوتين”. 

في الساحة الأوروبية وعلى المدى القريب، بحسب الضمور، سيتصاعد ذلك العداء بشكل تدريجي، ولن يصل إلى حالة من التوازن إلا بعد انتهاء الحرب في أوكرانيا، أما في الساحات الأخرى خارج أوروبا، فإن ذلك العداء سيستمر بأشكال أخرى أقرب للحرب الباردة أو الحروب بالوكالة أو الصراعات الاقتصادية، كما هو الحال في الشرق الأوسط، والقارة الإفريقية، وجنوب شرق آسيا.

الواضح من خلال خطابات بوتين قبل وبعد الانتخابات، فإنه يتجه إلى الاستمرار في سياساته التي يتبناها منذ توليه السلطة، لكن هذه السياسات والاستراتيجيات ستبقى تصطدم مع دول أخرى وهو ما يبقي الأبواب مفتوحة على مزيد من التصعيد. 

لن يتراجع بوتين عن تلك الاستراتيجية، وفق الضمور، بل سيسعى إلى تعزيزها ومأسستها أكثر في الفترة القادمة، وهو ما يمكن استشرافه من قراءة أعمال الفيلسوف وعالم الاجتماع والمفكر الاستراتيجي الروسي المعروف ألكسندر دوغين، الذي يلقب ب “عقل بوتين” ودماغ روسيا الجديدة الاستراتيجي.

إصرار بوتين على المضي قدما في خططه تظهر من خلال التهديد الأخير باستخدام السلاح النووي، لكن هذا التصعيد في اللهجة والعداء، لن يقود إلا لمزيد من التوتر والعزلة لموسكو، حتى وإن كان لديها تحالفات مع دول أخرى كالصين وإيران التي تواجه أيضا عقوبات كبرى وعزلة دولية. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
5 3 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات