طريق اللجوء إلى أوروبا يزداد صعوبة مع مرور السنوات، والجملة التي يرددها غالبية طالبي اللجوء أن المهاجر في حال وصل إلى دولة صربيا، الواقعة في البلقان، فإنه يكون اجتاز أصعب مرحلة في الطريق إلى أوروبا، فلم يتبق أمامه إلا تجاوز “الوحش الهنغاري”، الذي يوصد أبوابه بشكلٍ محكم أمام اللاجئين، الساعين لمحطتهم الأخيرة في القارة الأوروبية، سواء كانت النمسا أو المانيا أو هولندا أو السويد.

يقوم افتراض، أن الوصول إلى صربيا خطوة مهمة في طريق اللجوء إلى أوروبا على أساس أن “الخبرة التي اكتسبها مهرّبو البشر، الذين يخيمون في غابات صربيا الشمالية، باتت كافية لنقل المهاجرين إلى النمسا ببضعة أيام، فهم باتوا يعرفون جيدا الثغرات الحدودية، والطرق غير الخاضعة للرقابة، فضلا عن فهمهم الجيد لسلوك حرس الحدود الهنغاري، وقدرتهم على توقع ردّات فعله”، وذلك بحسب ما يشرح عبد العزيز، وهو سوري وصل قبل بضعة أشهر إلى النمسا، واستقر فيها، إذ لم يكلّفه الأمر سوى ثلاثة آلاف وخمسمئة دولار، للعبور من صربيا إلى العاصمة النمساوية فيينا.

غير أن اللاجئين، الذين لا يملكون هذا المبلغ، يضطرون إلى العبور بمفردهم عبر طريق يسمّونه “مثلث الموت”، في إشارة إلى المثلث الحدودي الواقع بين صربيا، ورومانيا، وهنغاريا.

“جيم” في مخيم “سومبور”

في مدينة “سومبور”، الواقعة أقصى شمال صربيا، يوجد مخيم يحمل اسم هذه المدينة، هو عبارة عن مهجع كبير، تسوء فيه الخدمات والظروف المعيشية، وتنتشر فيه الأمراض المعدية والجلدية، بسبب قذارة الفرش التي ينام عليها المهاجرون في طريق اللجوء إلى أوروبا.

لا يوجد أي مكان شاغر في هذا المخيم، فهو في الغالب ممتلئ تماما، إلى درجة أن الواصلين الجدد ينتظرون في العراء، حتى مغادرة أحد من يعيشون داخل المهجع، للمكوث مكانه.

في مساء كل يوم ينقسم المهاجرون هناك إلى مجموعات، كل مجموعة مكونة من خمسة أشخاص، ويبدأون مشوارهم لخوض “جيم” (Gym بالانجليزية)، وهو مصطلح يُطلق على كل محاولة جديدة لعبور طريق اللجوء إلى أوروبا الغربية، والتي غالبا ما تكون نسبة فشلها أعلى من نسبة نجاحها بكثير.

قابل “الحل نت”، لاجئا نجح بعبور هذا الطريق، بعد سبع عشرة محاولة. في إحدى هذه المحاولات تعرّض لضرب شديد من قبل حرس الحدود الروماني، أدى إلى كسور في جسده. وتمت سرقة هاتفه وبعض مقتنياته الثمينة.

شرح اللاجئ السوري، الذي رفض الإفصاح عن هويته، أن “العبور يبدأ بالتنسيق مع سيارة أجرة للنقل إلى المثلّث الحدودي للدول الثلاث، صربيا، ورومانيا، وهنغاريا، ثم يقطع المهاجرون ليلا طريقهم من صربيا إلى رومانيا، وبعدها من رومانيا إلى هنغاريا، مشيا على الأقدام، في مسافة تزيد عن خمسين كيلو مترا، وذلك لأن العبور من صربيا إلى هنغاريا مباشرة يستحيل بدون المهربين، بسبب وجود جدارين على الحدود، ارتفاعهما أربعة أمتار. ويستخدم المهربون أربعة سلالم مرتفعة لعبور الجدارين، بحيث يكون لكل حائط سلمين للصعود والهبوط”.

عقبات “مثلث الموت” على طريق أوروبا

يكمل اللاجئ سيرة عبوره طريق اللجوء إلى أوروبا بالقول: “الطريق الترابي، البالغ طوله نحو خمسين كيلو مترا، بين صربيا ورومانيا وهنغاريا، محفوف بثلاثة مخاطر وعقبات، وهي حرس حدود البلدان الثلاثة، فمن النادر النجاة منهم جميعا، وهو ما يجعل الأمر أكثر صعوبة”.

بعد دخول الأراضي الهنغارية، يصل اللاجئون إلى مشارف إحدى القرى الصغيرة، حيث يقومون بتغيير ملابسهم المهترئة من وعورة الطريق والنوم في العراء، بملابس نظيفة، فيها نوع من الأناقة، لإبعاد الشبهات عنهم، ثم يدخلون إلى تلك القرية.

على مدخل القرية تصطف عدة سيارات أجرة سوداء اللون، تقوم بنقل المهاجرين إلى العاصمة بودابست، مقابل خمسمئة يورو عن الشخص الواحد. ويخلي سائقو السيارات المسؤولية عن أنفسهم، بحجة أنهم نقلوا ركابا من قرية عادية، لم يعرفوا أنهم مهاجرون غير شرعيين.

في حال النجاح بالوصول إلى بودابست، دون تفتيش السيارة على الطرقات، يحاول اللاجئون إيجاد طريقة لقطع تذكرة في محطة قطارات بودابست إلى إحدى الدول الأوروبية، دون لفت أنظار مفتشي وشرطة المحطّة، وفي حال النجاح بذلك، ينطلقون عبر القطارات إلى وجهاتهم من الدول.

بسبب تعدّد عراقيل هذا الطريق، بدءا بحرس الحدود الصربي ثم الروماني ثم الهنغاري، ثم اجتياز القرية دون لفت النظر، وبعدها السفر من محطة القطارات بسلام، يقدّر اللاجئ السوري أن إمكانية النفاذ من طريق اللجوء هذا إلى أوروبا لا تزيد عن خمسة بالمئة في أحسن الأحوال.

أشكال بشعة من استغلال اللاجئين في طريق اللجوء إلى أوروبا

في مدينة “سومبور” ذاتها، حوّل المهربون عدة منازل كبيرة إلى فنادق، يتم تأجيرها للاجئين العابرين، مقابل خمسة عشر يورو عن كل ليلة للسرير الواحد، وهناك سمع اللاجئون عن حالات استغلال مختلفة، تعرّض لها أقرانهم، بسبب عدم توفّر المال الكافي.

في شهر نيسان/أبريل الفائت، اتصلت امرأة سورية بأحد المهربين، وطلبت منه أن ينقلها مع إحدى المجموعات إلى النمسا، مقابل كل ما تملكه، وكان ألفي يورو. لكنه حاول استغلالها، وعرض عليها إقامة علاقة جنسية مقابل تهريبها على طريق اللجوء إلى أوروبا، فما كان منها إلا أن نشرت عرضه على صفحات اللاجئين بمواقع التواصل الاجتماعي.

بالمقابل اضطر مصطفى، وشقيقه أحمد، إلى العمل كمهربين، مقابل نقلهم بالسيارة إلى النمسا، بعد الوصول إلى “نقطة التحميل” في الأراضي الهنغارية.

وقال مصطفى: “أعطاني المهرب هاتفا محمولا عليه خريطة جي بي إس، وطلب مني أن أسير على نفس المسار المخطط بالخريطة، لأقود ثلاثين لاجئا آخر، وطلب مني أن أتصل به عند الوصول إلى النقطة. وبذلك غامرت بنفسي من أجل العبور، لأن الشرطة الهنغارية، لو رأت الهاتف والخريطة معي، ستعتبرني مهربا في طريق اللجوء إلى أوروبا، وستحاكمني على هذا الأساس”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.