تجنيس السوريين في أوروبا بات أحد أهم المسائل، التي تهم اللاجئين والدول المضيفة لهم. فمع مضي سنين على بداية موجات النزوح السورية، بدأت عجلة التجنيس تدور بالنسبة لبعض الفئات من السوريين، الذين تنطبق عليهم شروط الحصول على جنسية البلد المضيف، خاصة في دول مثل ألمانيا والسويد.

 وتختلف سياسات وقوانين الجنسية في ألمانيا، الدولة التي تحوي أكبر عدد من اللاجئين السوريين في الاتحاد الأوروبي، تبعا للولايات والمقاطعات، إذ أن لكل ولاية إطارا محددا لمنح الجنسية، يختلف بحسب قوانينها، وأسلوب عمل مكاتب المهاجرين فيها، وأيضا الموظفين الذين يعملون في مكاتب التجنيس.

وبحسب المكتب الفدرالي للإحصاء في ألمانيا، فإن نسبة نمو المجنسين للعام 2021 زادت عشرين بالمئة عن العام 2020. وبلغ عدد السوريين الذين تم تجنيسهم 19100 شخصا. وتوقع المكتب أن يزداد العدد ويتضاعف خلال الأعوام المقبلة، مع حلول الفترة القانونية الطبيعية للتجنيس في ألمانيا، وهي ثماني سنوات، الأمر الذي يعني وجود ملفات وطلبات عديدة للتجنيس لدى المكاتب المسؤولة في المقاطعات الألمانية، ما أدى إلى تأخير وبطء في فتح الملفات ومعالجتها.

هذه الظروف أدت لظهور بوادر أزمة في تجنيس السوريين في أوروبا عموما، وألمانيا خصوصا، إذ تحدثت السلطات في ولاية “نورد راين فيستفالن” غربي ألمانيا، عن أزمة في تراكم طلبات التجنيس في دوائرها. فكيف يتعامل السوريون مع قضية تجنيسهم في أوروبا؟ وما أسلوبهم في مواجهة مشاكله؟

لا معايير وإجراءات واحدة لتجنيس السوريين

بطء معالجة بعض ملفات التجنيس في ألمانيا يقابله سرعة الإجراءات بالنسبة للبعض الآخر، ما أعاد للواجهة صعوبات العمل الإداري، وفوضى العلاقة بين اللاجئين والمكاتب أو المؤسسات المسؤولة، وهي مشكلة عامة في تجنيس السوريين في أوروبا.

محمد صادق، طبيب سوري تقدّم للجنسية الألمانية منذ عدة أشهر، يقول لـ”الحل نت” إنه “اتصل بالمكتب المسؤول عن متابعة الملفات، وتم إبلاغه بأن ملفه لم يتم فتحه بعد، مع أنه يعيش في مدينة صغيرة نسبيا، ولا يوجد فيها كثير من الأجانب”.

 الطبيب السوري، عمل في عدة مستشفيات في مدن ألمانية صغيرة، الأمر الذي سهّل عليه استيفاء الشروط اللازمة للتقدّم للجنسية. “أعمل منذ فترة طويلة في ألمانيا، لكوني طبيبا، ومن السهل إيجاد فرص عمل للأطباء في ألمانيا، وكان بإمكاني التقدم للجنسية بعد مرور خمس سنوات فقط على إقامتي في ألمانيا، وبمجرد الحصول على مستوى لغة متقدم (C1)”، يقول صادق.

وكانت السلطات الألمانية قد غيّرت بعض شروط التقدم للجنسية، مثل مستوى اللغة، من أجل تقصير مدة ملف طلب الجنسية، إذ بات بإمكان من يحصل على مستوى متقدم في اللغة “C1” التقدم للجنسية بعد ست سنوات، في حال كان لديه عمل. واتخذت دول أخرى إجراءات مشابهة، لتسهيل تجنيس السوريين في أوروبا.

إلا أن المهندس المعماري السوري جهاد، المقيم في مدينة إيسن الألمانية، لا يعتبر هذه الإجراءات مطبّقة بشكل فعلي على أرض الواقع، إذ يقول لـ”الحل نت”: “لكل مقاطعة ودائرة هجرة تعاطيها الخاص مع المتقدمين لطلبات التجنيس، ولا توجد استراتيجية واضحة حتى الآن في تجنيس السوريين في أوروبا عموما، وألمانيا خصوصا. ففي مدينة إيسن مثلا يتطلّب التقدّم لطلب الجنسية وقتا طويلا جدا، وهذه المدينة مليئة بالأجانب، والسوريين خاصة، لذا ليس من السهل الحصول على موعد مع دائرة الهجرة والأجانب، كما هو الحال في المدن ذات التعداد السكاني الأقل”.

ماذا يضيف تجنيس السوريين في أوروبا لحياتهم؟

يساعد تجنيس السوريين في أوروبا على تخليصهم من عبء “اللا هوية”، بحسب ما أفاد كثيرون لموقع “الحل نت”. هلا الشاهر، التي تعمل في منظمة ألمانية معنية باللاجئين، ترى أن “التجنيس كان بالنسبة للبعض الهدف الأول، منذ وصولهم لأوروبا، بينما هو بالنسبة لآخرين مجرد نتيجة طبيعية لإقامتهم في الدول الأوروبية، ستفيدهم، لكنها لا تعني أن شيئا كبيرا سيتغير في حياتهم”.

وتتابع الشاهر في حديثها لـ”الحل نت”: “حين جئت لألمانيا كانت الجنسية أحد أهم أهدافي بالتأكيد، لكنها لم تكن الهدف الوحيد، حاولت وضع هدف العمل والدراسة نصب عيني أولا، واستطعت إيجاد عمل، على الرغم أنني لم أستطع إنهاء دراستي. وقد تقدمت لطلب الجنسية، وحصلت عليها منذ ما يقارب الـتسعة أشهر”.

وحول ما يمكن أن يضيفه تجنيس السوريين في أوروبا لحياتهم عموما تقول الشاهر: “بالتأكيد هي إضافة مهمة، فأنا الآن لست تحت ثقل وعبء اللجوء، والخضوع لقوانينه المعقدة، وتقييده للحقوق، التي أراها من حق الجميع. كما أني، وللأسف أقولها، تخلّصت من عبء جنسيتي السورية، التي أغلقوا أمامها كل البلدان، وبأوراقي الأوروبية أستطيع دخول أي بلد”.

 وعن التأخير الحاصل في تجنيس السوريين في أوروبا، وتفاوت الحالات سرعةً وبطأً، تؤكد أنه “لا يوجد إجراء واحد منظّم يمكن الاعتماد عليه في جميع المعاملات، ففي بعض المدن مازال أصحاب الطلبات ينتظرون منذ عدة أشهر، بل وأكثر من سنة، ليُفتح ملف تجنيسهم، ويُدرس ويوافق عليه، بينما في مدن أخرى حصل لاجئون على الجنسية بظرف أشهر قليلة. وهذا يسبب للبعض إحباطا من الانتظار والمعاملة غير الواضحة”.

ماذا يقول القانون الألماني؟

من الناحية القانونية فإن تجنيس السوريين في أوروبا، حق لجميع من استوفوا الشروط القانونية، بحسب المحامية الألمانية ايلين شتراوس، التي أكدت، في حديثها لموقع “الحل نت”، أن “الجنسية الألمانية متاحة للجميع، ولكن فترة دراسة الملفات خاضعة لمسؤولية، وعمل مكاتب التجنيس والعاملين فيها، وتختلف الطريقة والمعايير التي يتم العمل بها، بحسب المسؤول أو الموظف في مكاتب التجنيس، فلكل موظف دراساته وقرارته، التي تتبع لتقييمه لكل حالة على حدة”.

وتتابع شتراوس: “قانونا يجب إحاطة الموظف بكل الأوراق اللازمة، أما دراسة الملف والقرار، فيخضع للموظف بشكل شبه مطلق، ولا يمكن التعجيل بملفات على حساب ملفات أخرى على سبيل المثال. كما أن الحالة تختلف بحسب المدن، فبالتأكيد مدن كبيرة أو ذات تعداد سكان أجانب كبير لا يمكن أن تكون كأخرى أقل تعدادا”.

المهندس المعماري جهاد يعلّق على هذا بالقول: “تجنيس السوريين في أوروبا خطوة للخلاص من قيود فرضت عليهم دون إرادتهم، ودون ذنب ارتكبوه. لقد بتنا حبيسي الأوراق، بل حوّلونا إلى أوراق، يتم رفضنا أو قبولنا بحسبها. ربما تساعدنا الجنسية على استعادة شيء من إنسانيتنا”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.