التوتر الأمني والسياسي والعسكري بين كل من إيران وأذربيجان، لا يعد شيئا جديدا يمكن الحديث عنه، فالخلاف بين الدولتين المتجاورتين، يعود إلى لحظة تأسيس دولة أذربيجان في تسعينيات القرن الماضي، لكن أسبابا جديدة نشأت مؤخرا، يمكن لها أن تزيد من التوتر الذي قد يصل إلى التصعيد العسكري.

خطة أذربيجان للربط البري مع تركيا، عبر منطقة “ناخيتشيفان” على الحدود الأرمينية، رفعت من القلق الإيراني، لا سيما مع زيادة المكاسب الجيوسياسية لكل من أذربيجان وتركيا، كما أن الدعوات لإقامة دولة “أذربيجان” كانت بمثابة الزر الأحمر الذي استنفر طهران خلال الفترة الماضية، فما هو مستقبل هذه التوترات.

تدريبات مستفزة

خلال الشهر الماضي، أجرت إيران تدريبات عسكرية على حدودها مع أذربيجان، فيما يبدو أنه تمهيد لتصعيد محتمل بين الجانبين، وتضمنت التدريبات عبور نهر “أراس“، الواقع على الحدود المشتركة.

كما تخشى إيران من النوايا غير المعلنة لأذربيجان، حول إعادة ترسيم الحدود والتمدد باتجاه أرمينيا، وذلك كشرط من شروط وقف إطلاق النار في إطار حرب أذربيجان وأرمينيا في العام 2020، والتي خرجت منها باكو منتصرة، حيث تخشى طهران من أن توسع أذربيجان وسيطرتها على بعض المناطق وبالتحديد ممر “زانجيزور“، قد تقطع الصلة بين إيران وأرمينيا.

مخاوف إيران تجاوزت مؤخرا قطع اتصالها مع أرمينيا، بل إن الخطوات الأذرية من شأنها وصل تركيا بدول آسيا الوسطى بدون الحاجة إلى إيران، ما يعني كذلك خسارة جيوسياسية كبيرة لإيران على المستوى الإقليمي.

الباحث في الشؤون الإيرانية إسلام المنسي، رأى أن العلاقات بين إيران وأذربيجان، متجهة بشكل كبير نحو التصعيد، وذلك فيما إذا أصرت إيران على رفض الخطوات الأذرية، مشيرا إلى أن هنالك العديد من الأسباب المتعلقة بالوضع الإقليمي والجيوسياسي يجعل من طهران متوترة إلى هذا الحد.

أسباب التوتر

المنسي قال في حديث خاص مع “الحل نت“، “التوتر بين إيران وأذربيجان له أسباب بنيوية. منذ استقلال أذربيجان، وإيران تنظر إليها بقلق بالغ، لأنه مجرد وجود دولة اسمها أذربيجان يحيي آمال الاستقلال لدى السكان الأذريين شمالي إيران، لذلك علاقات الدولتين المتجاورتين متوترة“.

اقرأ أيضا: باتريوت ألمانية في أوكرانيا.. هل تحل نقطة الضعف العسكرية لكييف أمام روسيا؟

في أذربيجان تصل النزعة القومية إلى حد اعتبار المناطق التي يسكنها الأذريون شمالي إيران، هي مناطق محتلة من القوات الإيرانية، وكانت هناك مطالبات داخل أذربيجان بأن يتم تغيير اسم الدولة، لأذربيجان الشمالية تذكيرا بأنه هناك أذربيجان جنوبية ما زالت محتلة من إيران.

لكن المنسي يعتقد أن إيران لا ترغب بالدخول في حرب استنزاف على حدودها الشمالية مع أذربيجان، وذلك “لأنها تعلم أن هذا الأمر له تعقيدات إقليمية ودولية، ولكنها تريد إبقاء أذربيجان تحت التهديد والضغط لتحجيم دعمها الأذريين شمالي إيران، وأيضا لتحجيم تعاونها مع خصومها الإقليميين“.

وحول الربط البري بين أذربيجان وتركيا عبر ممر “زانجيزور“، أوضح المنسي أن هذا الممر يشكل مكاسب كبيرة لكل من الجانبين، فأذربيجان ستستفيد من الربط بين شطري البلاد، كذلك تركيا سيكون لها طريق إلى عمق قارة آسيا وصولا إلى مجموعة “الدول التركية“.

إيران تعتبر نجاح هذا المشروع، بمثابة انقلاب جيوسياسي، فحينما وضعت الخرائط الحالية، كانت على أساس عزل تركيا عن دول العالم التركي، كما أن هذا الممر سيؤدي إلى خسارة إيران وصولها إلى أرمينيا بعد سيطرة أذربيجان على الشريط الحدودي الجنوبي الفاصل بين إيران وأرمينيا.

حول هذا الموضوع أضاف المنسي، “بالتالي خسارة طهران لممر التهريب والتواصل مع القوقاز، إلا عبر أذربيجان، التي لا تحتفظ بالطبع بعلاقات جيدة مع إيران، لذلك إيران ستكون خاسرة من هذا الربط“.

تركيا والعودة لآسيا

على الجانب التركي، فإن مساعي تركيا تكمن في البحث عن بدائل لعلاقاتها المتوترة بشكل جزئي مع الدول الغربية، لذلك تتجه لتقوية علاقاتها بهدف فتح طريق إلى دول آسيا الوسطى، فكانت أذربيجان هي الخيار الأنسب، لا سيما وأن الدعم العسكري التركي كان من أبرز أسباب مكاسب أذربيجان في الحرب ضد أرمينيا.

كما تشترك تركيا وأذربيجان في جذور عرقية ولغة مشتركة ويتمتعان بروابط سياسية واقتصادية وثيقة. يُطلق على الأذربيجانيين أيضًا اسم الأتراك الأذربيجانيين.

قد يكون لدعم تركيا لأذربيجان في حربها الأخيرة مع أرمينيا تداعيات أكبر بكثير، حيث تستخدم تركيا موقع أذربيجان الجغرافي كنقطة انطلاق للوصول إلى آسيا الوسطى. على الرغم من أن الصين وروسيا تبسطان سيطرتهما في المنطقة، يمكن لتركيا الاستفادة من النفوذ الثقافي الكبير الذي تتمتع به، إلى جانب استعداد دول آسيا الوسطى لتنويع علاقاتها الخارجية بعيدا عن موسكو وبكين.

الخبير في تاريخ آسيا الوسطى وتركيا، البروفيسور جون وودز، قال في تصريحات سابقة لـ“الحل نت“، إن حرب أوكرانيا هي فرصة أخرى انتهزتها تركيا لزيادة قدرتها على المساومة. إذ إن إبقاء روسيا بعيدة عن مضيق البوسفور والدردنيل هو ضرورة جيوسياسية ثابتة لتركيا. حيث تمثل الهجمات الروسية على أوكرانيا انتكاسة لأنقرة التي أدانت روسيا في الأمم المتحدة، وأغلقت المضيق وسدت مجالها الجوي أمام الطائرات الروسية المتجهة إلى سوريا. وهذا يفسر سبب مساعدة تركيا لأوكرانيا على المقاومة، من خلال تزويدها بطائرات بدون طيار.

بحسب وودز، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991، أنشأت أنقرة وكالة “التعاون والتنسيق التركية“، لزيادة العلاقات الثقافية والاقتصادية مع دول آسيا الوسطى. وبعد عقدَين من الزمان، في عام 2009، تم تشكيل مجلس التعاون للدول الناطقة بالتركية المعروف باسم “المجلس التركي” رسميا.

في عام 2021، قرر “المجلس” إعادة تسمية نفسه بمنظمة “الدول التركية“، تتألف الدول المشاركة في المنظمة من خمسة أعضاء أذربيجان، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وتركيا، وأوزبكستان، ودولتان مراقبتان هما المجر وتركمانستان، وتضم حوالي 170 مليون شخص وناتج محلي إجمالي يبلغ 1.5 تريليون دولار، كما يُقدّر حجم التجارة بين هذه الدول بنحو 16 مليار دولار.

وسط تغير الجغرافيا السياسية العالمية والإقليمية والحرب الروسية في أوكرانيا، سعت تركيا وفقا لوودز، إلى مشاركة أكبر مع آسيا الوسطى من خلال عدد من اتفاقيات التجارة والدفاع وكذلك مبيعات الأسلحة. في آذار/مارس 2022، زار أردوغان أوزبكستان لتعزيز الشراكة التركية الأوزبكية، ووقّعتا عشر اتفاقيات خلال الزيارة، فيما تعهد البلدان بزيادة حجم التجارة الثنائية إلى 10 مليارات دولار.

عززت مبيعات الأسلحة أحد أقوى صادرات تركيا وأكثرها ربحا صورة البلاد في آسيا الوسطى، حيث اجتذبت الطائرات بدون طيار التركية اهتمام دول آسيا الوسطى، خصوصا بعد أن استخدمتها أوكرانيا لتدمير المعدات العسكرية الروسية، وأذربيجان ضد أرمينيا في حرب ناغورنو كاراباخ عام 2020، وأماكن أخرى.

مؤشرات التصعيد

في مؤشر على احتمالية التصعيد القادم، كان الرئيس الأذربيجاني إلهام عليف، أعلن مطلع الشهر الجاري، أن قوات بلاده “مستعدة للدفاع عن مصالح البلاد“، في إشارة بالطبع إلى التهديدات الإيرانية.

كذلك شهِد إعلام الجانبين حربا إعلامية، بعدما احتجزت أذربيجان 19 شخصا للاشتباه في قيامهم بالتجسس لصالح إيران والتخطيط لأعمال ضد أمن الدولة. وجاءت هذه الخطوة في أعقاب ادعاء طهران بأن مواطنا أذربيجانيا جاء من باكو كان المنسق الرئيسي للهجوم المميت في 26 تشرين الأول/أكتوبر، على ضريح شيعي في إيران.

كذلك بدأت تنتشر في أذربيجان دعوات “أذربيجان الكبرى“، وذلك لعودة بعض المناطق الشمالية في إيران لسيطرة الدولة الأذرية باعتبار أن معظم سكانها من الأذريين، وهو ما تعتبره إيران مؤامرة انفصالية.

كما أثار خطوة أذربيجان افتتاح سفارة في تل أبيب، غضب المسؤولين في طهران، وذلك في ظل الحرب المهددة بالاشتعال في أي لحظة بين إسرائيل وإيران.

تقرير لصحيفة “المونيتور” ترجمه “الحل نت“، يشير إلى أن “باكو، لم يكن بوسعها أن تتجاهل الخطوط الحمراء لطهران إلى هذا الحد دون أن تدرك أن تركيا تقف بقوة إلى جانبها“.

التقرير يذهب للقول إن “أنقرة دعمت مسعى باكو لممر زانجيزور، لكنها حاولت عدم استعداء طهران من خلال اقتراح منتدى تعاون بين جميع الدول الست في المنطقة. ومع ذلك، تشير ردود فعل طهران إلى أنها ترى أن مكاسب تركيا، هي خسائرها الخاصة. بالنسبة لطهران، فإن خطة تركيا للاتصال بآسيا الوسطى عبر ممر زانجيزور، وتجاوز المسار الإيراني الحالي، تهدد بإغلاق إيران عن القوقاز. حتى أن البعض يسميه ممر طوراني “.

هناك العديد من الأسباب التي تدفع للقول بأن التصعيد العسكري قادم، لكن بالنظر إلى الأوضاع الإقليمية والدولية، فإن أحدا لا يرغب خلال الفترة الحالية بالدخول في حرب، من شأنها أن تزيد من معاناة الدول، لا سيما على الصعيد الاقتصادي.

قد يهمك: رفضتها معظم الأطراف الدولية.. هل تطلق أنقرة عملية عسكرية شمالي سوريا؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.