مع وصول ملف التطبيع بين أنقرة ودمشق إلى مراحل متقدمة، تسعى أنقرة لاستغلال هذا التقارب للالتفاف على إخفاقها في الحصول على الضوء الأخضر اللازم لإطلاق عملية جديدة، وذلك عبر اتفاقيات من شأنها أن تفسح المجال أمام القوات السورية للوصول إلى مناطق الشمال السوري.

مدفوعة بتحقيق مصالحها التوسعية والداخلية المتعلقة بالانتخابات، تحضّر أنقرة ربما لاتفاق مع الجانب الروسي للانتشار في بعض مناطق الشمال السوري، كخيار بديل عن توغل القوات التركية والقيام بعملية جديدة شمالي البلاد.

اتفاق روسي تركي؟

مصادر تركية، كشفت عن مباحثات بوساطة روسية، يسمح بتقدم قوات الجيش السوري إلى بعض مناطق الشمال السوري، وذلك من أجل تراجع تركيا عن تهديداتها بشأن عملية عسكرية جديدة في المنطقة.

بحسب ما نقلت صحيفة “القدس العربي” عن مصادر تركية، فإن الاتفاق يقضي بوصول الجيش السوري إلى الحدود التركية، في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، في حين لم تعلّق الأخيرة على هذه الأنباء حتى اللحظة.

في حال نجح هذا الاتفاق ووصلت مجموعات الجيش السوري إلى الحدود السورية التركية، فإن احتمال دخول هذه القوات إلى مناطق سيطرة “الجيش الوطني” يصبح مطروحا، لا سيما في ظل رغبة أنقرة المتزايدة في التطبيع مع دمشق، التي وصلت إلى إمكانية حدوث لقاء بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره السوري بشار الأسد.

المحلل العسكري والعقيد عبد الرحمن حلاق، لم يستبعد إبرام اتفاق بين تركيا وروسيا، وذلك بسبب الرفض الأميركي لأي تحرك عسكري تركي شمالي سوريا، لكنه أشار إلى أن الانتشار سيكون عبر القوات الروسية وخلفها السورية.

حلاق قال في حديث خاص مع “الحل نت“، “الولايات المتحدة الأميركية تدعم بقاء الوضع كما هو عليه، وترفض أي تحرك عسكري لتركيا، فالمنطقة التي تسعى أنقرة للسيطرة عليها خاضعة بشكل أو بآخر للنفوذ الأميركي“.

قد يهمك: بين الاقتصاد والسياسة.. مستقبل العلاقات الأردنية الإسرائيلية إلى أين؟

حلاق رأى أن الشكل الأقرب لاتفاق موسكو وأنقرة، يكون عبر تقدّم قوات روسية إلى المناطق المستهدفة من قِبل أنقرة، وأبرزها تل رفعت في ريف حلب، بحيث لا تدخل مجموعات الجيش السوري إلى مناطق سيطرة “الجيش الوطني“.

حول ذلك أضاف “لا أعتقد في المرحلة الحالية الظروف مهيأة لدخول القوات السورية مكان الجيش الوطني، ولكن يمكن أن تصل القوات الروسية إلى حدود التماس مع الفصائل، والقيام بدوريات مشتركة بين روسيا وتركيا لضمان الأمن في المنطقة“.

لا يبدو أن دورا يمكن أن تلعبه المعارضة السورية على الصعيد السياسي أو العسكري، في مثل هذا الاتفاق، وذلك في ظل الارتهان الكامل لسياسة أنقرة، التي تسعى لتغليب مصالحها على حساب المعارضة السورية، التي بقيت صامتة ولم تتخذ موقفا جدّيا إزاء خطوات أنقرة في التطبيع مع دمشق.

غير أن أنقرة حتى الآن لم تتمكن كذلك من أخذ خطوات جدّية في التطبيع مع دمشق، باستثناء التصريحات الإعلامية والسياسية، وذلك في إطار سعيها لكسب الرأي العام التركي مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في البلاد.

دعوات التطبيع مع دمشق القادمة من تركيا، مصدرها بشكل رئيسي المعارضة التركية، لذلك أراد الحزب الحاكم قطع الطريق على الأحزاب المعارضة، عبر الترويج لنية أنقرة إعادة علاقاتها مع دمشق.

لكن محللين تحدثوا إلى “الحل نت“، رأوا أن تركيا كدولة لا يمكنها الانفتاح على دمشق، إذ يدرك الجميع، أنه لا يمكن لأحد أن يقوم بالانفتاح على دمشق إلا بقرار أميركي واضح.

أنقرة في ورطة؟

مع استمرار الرفض الأميركي، فشلت أنقرة مجددا في إطلاق العملية العسكرية التي روّجت لها منذ أشهر، وذلك رغم التهديدات التركية التي تصاعدت مؤخرا بهذا الشأن. ورغم القصف الذي نفذته تركيا فإن هنالك العديد من المؤشرات التي توضح فشل أنقرة، في الحصول على تأييد دولي لدعمها في اجتياح مناطق جديدة شمالي سوريا.

أنقرة تحاول استخدام ما حصل في إسطنبول قبل أسابيع قليلة، كذريعة لتنفيذ هجمات في سوريا، وتسعى من خلال عمليات القصف الجوية واستقدام التعزيزات العسكرية للحدود، الظهور أمام الرأي العام التركي أن العملية قد بدأت، إلا أن مراقبينَ للوضع العسكري في سوريا، أكدوا مرار أن عملية عسكرية لا يمكن أن تبدأ بدون الحصول على توافق الدولي من اللاعبينَ الرئيسيين في سوريا.

الذرائع التركية، المتمثلة بالتهديدات الأمنية وإقامة “منطقة آمنة للاجئين“، حتى الآن تواجه رفضا شديد من قبل الأطراف الدولية الفاعلة في سوريا، لا سيما الولايات المتحدة الأميركية، التي رفضت مرارا أي تحرك عسكري تركي في سوريا.

المحلل العسكري العميد مصطفى فرحات، استبعد نجاح تركيا في تنفيذ تهديداتها العسكرية في الشمال السوري، مشيرا إلى أن كل ما تستطيع أنقرة فعله هو عمليات محدودة جدا، وذلك منعا للاحتكاك والتصعيد مع القوى العسكري والدولية الأخرى.

فرحات قال في حديث سابق مع “الحل نت“، إنه “من الناحية العسكرية، فإن أي تحرك عسكري يستهدف أي جزء من سوريا، له حساسية بالغة الدقة، هناك توافق ضمني بين القوى العسكرية الموجودة على عدم الاحتكاك والتصعيد في المسرح السوري، لذلك لا تستطيع تركيا أن تتحرك بدون أن تحصل على الضوء الأخضر“.

عملية غير ممكنة

الضوء الأخضر لم تحصل عليه تركيا حتى الآن، خاصة من الجانب الأميركي الذي جدد رفضه لأي عملية عسكرية للقوات التركية، ما يعقّد من الموقف التركي، فتركيا لا تستطيع إطلاق العملية بدون التنسيق لا سيما العسكري مع الأطراف الأخرى.

فرحات أشار إلى أن أي عمل عسكري، يجب أن يكون محكوما بالتوافقات بين الأطراف الموجودة في سوريا، منعا لأي احتكاك، حيث أن هنالك العديد من الإجراءات والتفاهمات تحدُّ من إمكانية القيام بعمل عسكري حاليا.

حول ذلك أضاف المحلل العسكري، “يمكن أن يكون هناك عمل عسكري محدود، لكن هجوم شامل على مناطق وتغيير في الخرائط اليوم، أعتقد أن هذا ضرب من ضروب المستحيل، في ظل المعطيات الدولية والإقليمية والمحلية، نحن نعلم كعسكريين، أنه عندما يتم إدخال القوات الجوية يجب إبلاغ الجهات الأخرى، أن كانت الولايات المتحدة الأميركية أو روسيا وغيرهم، بالتالي أي عملية لتركيا يترتب عليها بشكل قاطع التنسيق مع القوى الأخرى“.

تركيا تسعى لاستغلال كل الأوراق المتاحة أمامها وتوظيفها بما يخدم مصالحها داخل الأراضي السورية. فلا تضيع فرصتها من الأزمة الأوكرانية بعد الغزو الروسي فتلعب على المتناقضات بين أطراف الصراع لكسب أوراق جديدة لمصلحتها.

هي أيضا تستغل تبديد فرص الحل السياسي في سوريا لإحداث متغيرات جديدة على الأرض من خلال التصعيد العسكري لتعزيز مكتسباتها على حساب إطالة أمد الصراع في سوريا.

مما سبق رأى محللون أن ما تفعله تركيا هو استعراض أمام الرأي العام التركي لكسب الأصوات، فهي تدرك أنها وإن تحركت عسكريا ستكون تحركاتها محدودة على الحدود مع سوريا، وليست بقدر ما تروّج له عبر وسائل الإعلام والمسؤولين العسكريين والسياسيين.

قد يهمك: كندا نحو المحيطين الهندي والهادئ.. ما علاقة سياسة الصين التخريبية؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة