مؤخرا تحول البحر الأسود لبؤرة توتر حينما اندلعت الحرب الروسية في أوكرانيا، حيث يمتلك البلدان سواحلا مطلة على البحر، كما أن شبه جزيرة القرم، التي استولت عليها موسكو من أوكرانيا في عام 2014 موطنا لأسطول روسي كبير.

كما تقع جورجيا، التي غزتها روسيا في عام 2008، على حافة البحر الشرقية. وتقع رومانيا وبلغاريا وتركيا الأعضاء في منظمة “حلف شمال الأطلسي” (الناتو) على سواحله الغربية والجنوبية، حيث تسيطر تركيا على الممرات المائية التي تربطه بالبحر الأبيض المتوسط.

بحسب صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، فإنه عندما يجتمع وزراء خارجية “حلف شمال الأطلسي” في العاصمة الرومانية يوم الثلاثاء، فإن القضايا المرتبطة بأمن البحر الأسود سوف تتخلل جدول الأعمال سواء بشكل معلن أو غير مباشر.

تساؤلات مهمة تُطرح عند الحديث عن البحر الأسود من حيث الدول المطلة عليه وتحوله لنقطة تماس مباشر بين روسيا و”الناتو”، إضافة لأسباب أخرى ترتبط بالأمن الغذائي والموارد المتعددة فيه وعلى رأسها الطاقة.

أهمية البحر الأسود

بمبادرة من رومانيا، تم تضمين الأهمية الاستراتيجية للبحر الأسود في استراتيجية “الناتو” طويلة الأجل لأول مرة في قمته السنوية في حزيران/يونيو الماضي، وبحسب عسكريين غربيين فإن البحر الأسود حيوي لأمن “الناتو” نظرا للالتقاء المادي للعديد من الحلفاء والشركاء والمعارضين، بالإضافة إلى رواسب الهيدروكربونات الغنية، وممرات شحن الحبوب الحيوية، وحرب نشطة في أوكرانيا.

أسطول روسي في البحر الأسود “وكالات”

الدكتور أيمن سمير، الخبير في العلاقات الدولية، يشير خلال حديثه لـ”الحل نت”، إلى أن للبحر الأسود أهمية استراتيجية كبيرة أدت إلى سيطرة روسيا القيصرية ولاحقا الاتحاد السوفييتي عليه حتى عام 2004 عندما انضمت كل من رومانيا وبلغاريا إلى حلف “الناتو” ليدخل الحلف كشريك في البحر، إضافة لوجود حصة لتركيا العضو في الحلف منذ العام 1952.

بحسب سمير، يعود الاهتمام الروسي بالبحر الأسود لسبب مهم جدا، أنه رغم وجود سواحل روسية طويلة في مناطق مختلفة إلا أن سواحلها على البحر الأسود هي الوحيدة التي لا تتجمد في الشتاء، وهي تضمن نحو 90 بالمئة من صادرات روسيا في الشتاء.

أيضا تطل على البحر الأسود 6 دول مهمة حيث يشكل نافذة مائية لها، وهي روسيا وأوكرانيا وجورجيا وتركيا ورومانيا وبلغاريا، وفي عام 2008 جرت محاولة لضم جورجيا لـ”الناتو”، لكنها انتهت بشن حرب روسيا على جورجيا خسرت فيها الأخيرة إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، لذلك أحد أسباب الحرب الروسية الحالية على أوكرانيا هي البحر الأسود، كما أن هناك كميات كبيرة من الغاز فيه تُقدر بنحو 1,5 ترليون متر مكعب وكميات كبيرة من النفط.

من جهة ثانية، يشكل البحر الأسود أهمية استراتيجية للجميع، فكل جزء منه يغري أي طرف بالسعي للسيطرة عليه، وهذا كان أهم الدوافع لسيطرة روسيا على بحر آزوف وخليج كريتش، لأن ذلك يؤمن السواحل الروسية بشكل كبير ويؤمن أسطول البحر الأسود الروسي في شبه جزيرة القرم، كما أن أهمية البحر الأسود دفعت بحلف “الناتو” لدعم أوكرانيا في مواجهة الغزو الروسي، وهو ما حوله إلى بؤرة توتر ونقطة تماس بين روسيا و”الناتو”.

إقرأ:ما خيارات كييف بعد ضم روسيا لـ 4 مناطق أوكرانية؟

أخطار الحرب في البحر الأسود

العديد من الأخطار يسببها أي توتر أو اندلاع حرب في البحر الأسود، وذلك بسبب موقعه واعتبار موانئه منطلقا للتصدير من روسيا وأوكرانيا عبر مضيق البوسفور، ومنه إلى البحر المتوسط وإلى بقية دول العالم.

الدكتور سمير، يرى أن أكثر الأخطار التي يسببها التوتر في البحر الأسود لن تعاني منها فقط الدول المطلة عليه، إنما أيضا الدول البعيدة لأن أجزاء مهمة من سلاسل الغذاء العالمي ترتبط بهذه المنطقة، فـ 90 بالمئة من صادرات روسيا في الشتاء تمر عبر البحر الأسود وهذه الصادرات مهمة منها القمح والحديد والأسمدة وغيرها، وهذا الأمر مهم لأمن الطاقة والغذاء عالميا، لذلك عندما تتحارب الدول في منطقة البحر الأسود، فإن انعكاسات الحرب السلبية تطال معظم دول العالم.

أيضا فإن أزمة الغذاء العالمية الحالية هي نتيجة لما يدور في البحر الأسود، لأن الصادرات الروسية والأوكرانية من الحبوب كالقمح والذرة والشعير تشكل نحو 30 بالمئة من الصادرات الدولية للحبوب، وهذا ما يؤثر على الأمن الغذائي العالمي، ومن هذا المنطلق فإن البحر الأسود مهم للغاية لسلاسل الإمداد وتشكل الموانئ فيه منطقة حيوية للغاية للاقتصاد العالمي.

من جهة أخرى، هناك العديد من الموارد النادرة في البحر الأسود والتي أصبحت شحيحة في مناطق أخرى من العالم، وهي تدخل في الصناعات المهمة مثل أشباه الموصلات، وهذه المواد يدور حولها صراع كبير حاليا بين روسيا والولايات المتحدة للسيطرة عليها، بحسب سمير.

دور تركيا ودعم رومانيا وبلغاريا

البحر الأسود يُعد استراتيجيا لـ “حلف الشمال الأطلسي”، الذي زاد من وجود قواته في المنطقة منذ عام 2014، وهناك أعضاء من الحلف من بينهم الولايات المتحدة وفرنسا، يقومون بدوريات روتينية في المنطقة بطائرات مراقبة متقدمة، وقادت فرنسا مؤخرا تدريبات جوية لـ “حلف شمال الأطلسي” (الناتو) هناك.

مناورات للناتو في البحر الأسود “وكالات”

قبل الحرب، كانت دول حلف “الناتو” التي لا تقع على الحدود البحرية، تقوم بدوريات في مياهه بشكل متكرر، لكن لم يكن لدى أي منها سفن هناك في شباط/فبراير، وقد تم تجميد هذا الوضع بسبب قرار تركيا في وقت مبكر من الحرب بإغلاق المضائق بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود أمام أي سفن حربية ليس لدى دولها ميناء رئيسي هناك.

هذه الخطوة، التي سمحت بها اتفاقية “مونترو” لعام 1936، منعت روسيا من جلب سفن حربية إضافية من أساطيلها الأخرى إلى البحر الأسود. لكنها تمنع أيضا معظم دول “حلف شمال الأطلسي” من جلب سفن حربية، مما يثير غضب البعض في دول الحلف.

بحسب الدكتور سمير، فإن اتفافية “مونترو” لعام 1936، أعطت لتركيا دورا مميزا في الإشراف على ما يدخل أو يخرج إلى البحر الأسود من المضائق التركية لكن من الناحية العسكرية، وأي حرب بين طرفين يطلان على البحر الأسود تعطي الحق لتركيا أن تمنع مرور السفن الحربية بموجب الاتفاقية حتى لا تتفاقم الحرب أو الأزمة.

لذلك قامت روسيا قبل بدء غزوها لأوكرانيا بإدخال جزء كبير من أسطول بحر الشمال إلى البحر الأسود، ولكن حاليا لا تستطيع أن تدخل أي قوات بحرية خاصة تلك التي تتمركز في ميناء طرطوس في سوريا على اعتبار أن هذا الميناء هو الأقرب للدخول للبحر الأسود.

أما بالنسبة لرومانيا وبلغاريا وحتى مولدوفا التي ليست عضوا في “الناتو”، فإن الحلف يدعو هذه الدول لتكون بمثابة قاعدة متقدمة للدفاع عن دول الحلف، ومنذ الأعوام 2007 و2008، جرت فكرة نصب منظومة الدفاع الصاروخية “باتريوت” ووضعت في رومانيا وبلغاريا لتكون قريبة من الحدود الروسية.

حاليا يوجد لحلف “الناتو” وتحديدا للولايات المتحدة نحو 100 ألف جندي في أوروبا، 60 ألف منهم في دول الجناح الشرقي لـ”الناتو”، في رومانيا وبلغاريا وبولندا ودول بحر البلطيق باعتبارها دول صغيرة وهي تعتبر من دول الصقور في الحلف خاصة عندما يتعلق الأمر بروسيا التي لديها معها خلافات عميقة، بحسب سمير.

أيضا استطاع “الناتو” بناء مطارات عسكرية في هذه الدول من أجل نقل عدد كبير من القوات، وقام بتطوير قاعدة “رامشتاين” العسكرية في ألمانيا لتكون قاعدة خلفية لإمداد قواته في هذه الدول الأمامية بالسلاح والذخيرة، وقام بنشر عدد من القاذفات مثل “بي 52” في رومانيا وبلغاريا، ونشرت الولايات المتحدة فيها قنابل نووية تكتيكية كنوع من الردع العسكري بمواجهة روسيا.

توتر مستمر في البحر الأسود بين روسيا من جهة و”الناتو” من جهة أخرى، سبقت حتى الغزو الروسي لأوكرانيا وبرزت في المناورات البحرية لحلف “الناتو” في حزيران/يونيو 2021، والتي أُطلق عليها اسم “نسيم البحر”، والتي حاولت اختبار قدرة البحرية الروسية وكادت أن تحصل اشتباكات بين السفن البريطانية المشاركة والبحرية الروسية آنذاك بالقرب من مدينة فوستوبل التابعة لشبه جزيرة القرم، التي سيطرت عليها روسيا في العام 2014، لذلك يُعتبر البحر الأسود منذ العام 2014 بؤرة توتر وخط تماس ساخن بين الطرفين.

إقرأ أيضا:روسيا تسرق الحبوب من أوكرانيا وتنقلها إلى سوريا

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.