الشارع السوداني يشهد خلال الساعات الماضية حالة ترقب، بعد توقيع “الاتفاق الإطاري” في العاصمة الخرطوم، إذ يأمل السودانيون بأن يكون هذا الاتفاق بداية لعودة السلطة إلى الجهات المدنية في البلاد.

“الاتفاق الإطاري” ناتج عن مقترح وثيقة “الدستور الانتقالي“، والذي أعلنت الجهات المدنية والعسكرية قبل أسابيع، التوصل إليها وتنص على نقل السلطة للمدنيين بشكل كامل، وذلك بعد توترات عديدة عاشها السودان خلال العام الماضي، على خلفية حل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين وعزل رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، فهل يساهم “الدستور الانتقالي” في حل الأزمة السياسية في البلاد.

بداية انتقال السلطة

الاتفاق تم التوقيع عليه الإثنين في الخرطوم، بين القوى العسكرية وقوى سياسية متعددة، ويُعتبر تدشينا لمرحلة انتقال سياسية للسلطة يقودها مدنيون لمدة عامين، على أن تنتهي بإجراء انتخابات.

الاتفاق جرى بين قادة الجيش وتحالف “الحرية والتغيير“، أكبر كتلة معارضة في البلاد، وسط حضور دولي وإقليمي، لأطراف ساهمت في التوصل إلى هذا الاتفاق لإنهاء الأزمة السياسية في السودان وإعادته إلى الحكم المدني.

الباحث السياسي الدكتور محمد اليمني، رأى أن الوضع السياسي في السودان ما زال معقّدا حتى اللحظة، مع تباين وجهات النظر السياسية بين مختلف الأطراف، مشيرا إلى أن الشارع السوداني يعوّل كثيرا في إنهاء الأزمة السياسية على نجاح الاتفاق، وإكمال خطوات تسليم السلطة للهيئات المدنية

اليمني قال في حديث خاص مع “الحل نت“، “الوضع في السودان صعب للغاية ومعقّد جدا، فكل الأطراف السياسية متخبطة هنا وهناك، أنا أرى من وجهة نظري لا يوجد مجال في المجلس العسكري للرجوع للوراء بخصوص الحكم المدني مرة أخرى“.

اليمني أوضح أن الشارع السوداني ينظر بعين الأمل إلى الاتفاق، للوصول إلى السلطة المدنية، وذلك “في وقت أكد فيه المجلس المركزي في البلاد، على مَدنية هياكل السلطة بالكامل، وأن مجلس الأمن والدفاع المشار إليه في الاتفاق سيكون برئاسة رئيس مجلس الوزراء المدني“.

حول ذلك أضاف، “المجلس المركزي لـ الحرية والتغيير، كشف أن الاتفاق الإطاري يشكل بداية عملية سياسية تفضي إلى إنهاء الانقلاب واستكمال أهداف انتفاضة كانون الأول/ديسمبر عبر مرحلتين، أولاهما، الاتفاق المبني على التفاهمات التي تمت بينه والمكون العسكري وأطراف قوى الانتقال الديمقراطي، وستكون الخطوة التالية بتوقيع الاتفاق النهائي بمشاركة جماهيرية واسعة من قوى الانتفاضة“.

قد يهمك: خيار عسكري لمنع “إيران النووية“.. ما تبعات المواجهة العسكرية على منطقة الشرق الأوسط؟

القوى السياسية في السودان، تسعى إلى توسيع قاعدة التوافق على اتفاق انتقال السلطة، إذ يغطي الاتفاق معظم جوانب انتقال الحكم من العسكر، بينما تبقت القضايا الأصعب والأكثر تعقيدا المتمثلة في العدالة الانتقالية وإصلاح الأجهزة العسكرية والأمنية، وإزالة تمكين النظام السائد في انتظار توافق قوى الانتفاضة وأصحاب المصلحة.

بنود الاتفاق

الاتفاق الموقّع في السودان يتكون من خمسة بنود رئيسية، وهي المبادئ العامة، قضايا ومهام الانتقال، هياكل السلطة الانتقالية، الأجهزة النظامية، وقضايا الاتفاق النهائي.

بحسب تقارير صحفية، فإن “الاتفاق المبدئي يحد من الدور الرسمي للجيش، وسيضعه في إطار مجلس للأمن والدفاع برئاسة رئيس الوزراء، لكنه يترك قضايا حساسة -بما في ذلك العدالة الانتقالية وإصلاح قطاع الأمن- لمزيد من المحادثات.

الآلية الثلاثية المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ومجموعة “إيغاد” تسلمت قبل أسابيع، ملاحظات وتعديلات مقترحة من المكون العسكري على وثيقة مشروع الدستور الانتقالي المقترح من نقابة المحامين، ووصفتها بأنها تعكس تفاهمات أساسية تم التوصل إليها بين العسكريين وقوى “الحرية والتغيير“، لافتة إلى أن المسودة جمعت حولها عددا كبيرا من القوى المدنية.

الباحث السياسي محمد اليمني أوضح كذلك أن خريطة القوى السياسية في السودان، تتسم بقدر کبير من التعقيد والتشابك، لكن يمكن رصد أربعة لاعبين رئيسيين مشترکين في إدارة المرحلة الانتقالية، وهم المؤسسة العسکرية بفرعيها القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، والحكومة المدنية بقيادة عبد الله حمدوك، بالإضافة للاعب الرابع الذي تمت إضافته لاحقا والمتمثل في الفصائل المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام في تشرين الأول/أكتوبر من عام 2020.

النقاط الخلافية بين أطراف السودان

القضايا الأربعة هي؛ العدالة الانتقالية، وتشمل قضية أُسر الضحايا والمتضررين من انتهاكات حقوق الإنسان منذ عام 1989 وحتى الآن، وثانيا الإصلاح الأمني والعسكري، ويهدف إلى بناء جيش مهني وقومي موحد وفق ترتيبات أمنية متفق عليها.

ثالثا تفكيك نظام الرئيس الأسبق عمر البشير، وحل ما تبقى من هياكل حكم الرئيس المخلوع منذ العام 1989، أما القضية الرابعة تتمثل بـ“اتفاق جوبا لسلام السودان” وإكمال عملية السلام.

الاتفاق يأتي بعد أن باتت قوى “الحرية والتغيير” ترى أن العملية السياسية أصبحت الآن ممكنة، لأن المكون العسكري قبِل بمشروع الدستور الانتقالي الذي عرضته لجنة المحامين ووافق على أن تكون هياكل السلطة مدنية بالكامل، وأن يتولى رئيس مجلس الوزراء رئاسة مجلس الأمن والدفاع.

ما يزيد من فرص نجاح العملية السياسية مؤخرا، هي الجدّية الواضحة لدى الطرف الآخر في المؤسسة العسكرية ورغبته في إنهاء التوتر وتسليم السلطة للمدنيين.

أصوات معارضة

كذلك ستنضم إلى الاتفاق قوى ناصرت التغيير ولم تكن جزءا من ائتلاف الحرية والتغيير، وبينها “المؤتمر الشعبي“، والحزب “الاتحادي الديمقراطي“، وأحزاب أخرى سيسمح لها جميعا بالمشاركة في اختيار مؤسسات الحكومة والتشريع، في حال وقّعت على الإعلان السياسي، وهو الوثيقة المكملة لمشروع دستور نقابة المحامين الذي اختير أساسا لحل الأزمة السياسية.

ومع توقعات بأن إعلانا سياسيا سيرى النور قريبا، يفضي إلى تفاهمات بين الطرفين، تتسع الأصوات المعارضة للاتفاق المرتقب وسط تيارات وكتل سياسية عدة، أعلن بعضها العزم على مقاومته ورفضه.

في حين تبدو اللجان التي تقود الاحتجاجات في الشارع الأكثر تشددا حيال رفض التسوية المرتقبة ما دامت لا تتضمن إقصاء قادة المجلس العسكري عن السلطة ومحاسبتهم على الانتهاكات التي ارتكبت منذ 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021 وما سبقه، إذ سقط 119 قتيلا خلال موجة الاحتجاجات وأصيب ما لا يقل عن 7 آلاف، حسب إحصاءات طبية.

من بين القوى الرافضة تبرز كتلة “مبادرة أهل السودان” كإحدى الواجهات الرافضة للتسوية المنتظرة، ويقول المتحدث باسمها هشام الشواني، إنهم لم يتلقوا تأكيدات من الجيش بقرب الاتفاق مع قوى “الحرية والتغيير“، وأضاف أنه في “حال تأكدنا من ذلك فإن خيارنا سيكون مقاومة هذا الاتفاق، والعمل على إسقاط أي حكومة تقوم وفق مرجعية دستور نقابة المحامين السودانيين“.

بناء على ذلك يرى خبراء أن معارضة التسوية لن تكون هينة؛ فاحتجاجات الشارع لن تتوقف بل قد تتسع، وستبقى إمكانية التعامل معها مستندة على جدية العسكر في تنفيذ الاتفاق وتسويقه بتحقيق مطالب الثوار بألا تغلق الجسور، وبتفكيك النظام السابق، ووقف العنف الممارس ضد الاحتجاجات، وتحقيق العدالة للضحايا ومحاسبة الجناة.

محللون ومتابعون لتطورات الاتفاق، رأوا أنه يملك حظوظا عالية من النجاح في حال وجد دعما دوليا فعليا، لافتا إلى أنه مسنود من قوى رئيسية ومؤثرة في الساحة.

بحسب موقع “الجزيرة نت“، فإن “الإشارات القادمة من الجيش تؤكد قدرا من الجدية في التعامل مع الاتفاق القادم، وبينها إسكات الأصوات العسكرية الرافضة للتسوية، إذ أُقيل خلال الساعات الماضية رئيس تحرير صحيفة القوات المسلحة الذي عُرف بنقده الشديد لقوى الحرية والتغيير“.

التقرير وبحسب ما نقله عن أحد المسؤولين في قوى “الحرية والتغيير“، لفت إلى أن، العملية السياسية التي تمضي حاليا تحقق في كثير من عناصرها أهداف الثوار ومطالبهم فيما يخص تحقيق العدالة وإعادة الجيش للثكنات وتحقيق مَدنية الدولة والسيادة على المؤسسات العسكرية باعتبار أن الرئيس المدني في الهيكل السيادي هو القائد الأعلى للقوات المسلحة.

السودان يشهد منذ نهاية العام الماضية، احتجاجات شعبية واسعة، تطالب بعودة الحكم المدني وترفض إجراءات استثنائية فرضها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، ومنها حل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، وإعلان حالة الطوارئ، وإقالة الولاة (المحافظين)، ويعتبر الرافضون هذه الإجراءات “انقلابا عسكريا“.

على الرغم من العديد من المعوقات التي تواجه نجاح الاتفاق، فمن خلال تصريح القوى المعنية في البلاد لا سيما الطرف العسكري، يبدو أن هناك جدية في نقل السلطة لقوى مدنية، خاصة في ظل الضغط الشعبي الذي أكد مرارا على هدف استعادة السلطة من القوى العسكرية.

اقرأ أيضا: باتريوت ألمانية في أوكرانيا.. هل تحل نقطة الضعف العسكرية لكييف أمام روسيا؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.