بين مصر واليونان علاقات ثنائية متبادلة تجمعهما على كافة الأصعدة والمجالات، لكن تلك العلاقة الغائبة عن الأنظار أخذت تتصاعد شيئا فشيء، حتى تحولت إلى شراكة استراتيجية، لعل تحركات البلدين الأخيرة تؤكدها والمصالح المشتركة توحد هدفها.

الأهمية الكبرى التي تنطوي عليها تلك العلاقة بين الجانبين، هي الارتباط المباشر بعمليات التنمية المستدامة بين الدولتين والأمن الإقليمي، وهو ما يتمثل في المشروعات المشتركة، ومنها مشروعات الربط الكهربائي بين مصر واليونان، إضافة إلى التنسيق المشترك والتعاون الاستراتيجي في الملفات كافة بالنسبة لمصر، وأهمها مشروعات التنقيب عن الغاز شرق المتوسط.

غير أن هذه العلاقة بدأت تتنامى بشكل كبير وسريع، حتى وصلت إلى مراحل التنسيق السياسي والعسكري على ما يبدو، وهي دلالات عكستها زيارة وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس الأخيرة إلى القاهرة، والتي ركزت على تطوير التعاون الاقتصادي والعسكري بين الحليفين في شرق المتوسط مع توقيع مذكرة تفاهم جديدة للتعاون البحري بين الجانبين.

ديندياس جاء إلى العاصمة المصرية برفقة وزير الدفاع نيكولاوس بانايوتوبولوس، وأعقب زيارتهما إعلان مصر، الأربعاء الماضي، توقيع مذكرة تفاهم في مجال البحث والإنقاذ الجوي والبحري مع اليونان، واهتمام الجانبين بتنمية العلاقات على مستوى التنسيق السياسي والاقتصادي والأمني والعسكري.

التعاون المتصاعد بين مصر واليونان لم ينتهي عند ذلك الحد، فبعد توقيع مذكرة التفاهم، عاد وزير الخارجية اليوناني لزيارة مصر للمرة الثانية خلال أسابيع قليلة، حيث تم عقد مشاورات ثنائية بين وزيري الخارجية المصري واليوناني في القاهرة لبحث سبل تطوير العلاقات الثنائية، وتبادل وجهات النظر حول القضايا ذات الاهتمام المشترك.

اقرأ/ي أيضا: تحليلات ماذا ينتظر فلسطين من وراء اتفاقية نتنياهو وبن غفير؟

تحركات مصرية يونانية مكثفة

التحركات المصرية اليونانية، عكست مدى التقارب بين الجانبين والذي أشار إلى عمق العلاقات المبنية على أسس تعاونية راسخة، يمكن تصنيفها ضمن نمط العلاقات الاستراتيجية في العلاقات الدولية، كما فُسّرت شكل التطور في العلاقات والذي يعكس اهتمام مشترك لذات القضايا، والتي تتمثل غالبا في تفاعلات شرق المتوسط.

بالتالي من هنا يمكن فهم طبيعة التحرك اليوناني تجاه مصر، والذي يستهدف ضمان التنسيق مع الجانب المصري وتأكيد الثوابت المصرية واليونانية في منطقة شرق المتوسط، التي تشهد تدافعا مع تركيا التي تحاول أن تكون عقبة في مسارها من خلال التقارب مع مصر، بمحاولة لتحجيم علاقاتها مع اليونان التي تمثل غريما لها.

لكن وعلى ما يبدو فإن المساعي التركية لخلق هوة بين مصر واليونان، لن تخصم من العلاقة الاستراتيجية بين الجانبين، كما لا يمكنها أن تكون بديلا عنها، بخاصة فيما يتعلق بتفاهمات الجانبين المصري واليوناني في منطقة شرق المتوسط.

الغريب أن تركيا اعتبرت أنه “تناقض خطر أن تبرم اليونان مذكرة تفاهم مع مصر في شأن البحث والإنقاذ في شرق البحر المتوسط، في الوقت الذي تدفع فيه أثينا طالبي اللجوء إلى بحر إيجه معرِّضة حياتهم للخطر في انتهاك للقانون الدولي“، كما قالت الخارجية التركية.

في غضون ذلك، وتزامنا مع زيارة وزير الخارجية اليوناني للقاهرة، وقّع وزير الدفاع المصري الفريق أول محمد زكي، مذكرة تفاهم مع نظيره اليوناني نيكولاوس بانايوتوبولوس في مجال البحث والإنقاذ الجوي والبحري بين البلدين، ونصّت الاتفاقية على “تقديم جميع أوجه الدعم بين الجانبين بما يحقق التكامل بين الجانبين” في هذا المجال، مؤكدا اعتزازه بعلاقات الشراكة بين مصر واليونان في مختلف المجالات العسكرية، وحرص القيادة العامة للقوات المسلحة على زيادة التعاون في مختلف المجالات العسكرية للبلدين.

اقرأ/ي أيضا: أنظمة الدفاع الإيرانية في دمشق.. هل تنجح بالحد من تأثير الغارات الإسرائيلية؟

تعاون عسكري استراتيجي

كذلك يحرص الجانبان على توسيع التعاون بين القوات المسلحة في القطاعات الأخرى، وتعزيز العلاقات الممتازة والتعاون الاستراتيجي متعدد المستويات بين البلدين بهدف الإدارة الفعالة للتحديات الأمنية، من خلال التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف في المنطقة.

في تلك الأثناء، نفذت مصر واليونان، تمرينا عسكريا مشتركا شاركت فيه السعودية أيضا، وهو ما وصفه “مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية” بالقاهرة، استمرارية تعكس أهمية التمرين باعتباره المناورة العسكرية الأهم في هذه المنطقة، فضلا عن طبيعة المصالح الاستراتيجية متعددة الأطراف بين الدول المشاركة، والتوافق في المواقف والسياسات بين الأطراف المشاركة في التمرين والدول الثلاث مصر واليونان وقبرص، ناهيك بتوافق مع سياسة البلدان الثلاثة في شرق المتوسط.

وبينما شاركت الولايات المتحدة في المناورات التي استضافتها مصر على مدار الأيام الماضية، نقلت صحيفة “الاندبندنت عربية” أن التمرين العسكري “ميدوزا-12″ يبعث برسائل في شأن تأمين المصالح الاستراتيجية المصرية في المنطقة الاقتصادية الخالصة بالمتوسط، ويعكس دعم الجانب الأميركي للتعاون الاقتصادي والدفاعي بين البلدان المشاركة بالتدريب في هذه المنطقة.

بيد أن “ميدوزا-12” يعكس القدرة على الردع الاستراتيجي لمصادر التهديد في هذه المنطقة، لكنه لا يعني معاداة طرف معين، ولكن تعزيز المصالح الوطنية والأمن القومي مع حلفاء وشركاء في المنطقة، وفي الوقت نفسه يعني أساسا أن هناك تهديدا لا يزال قائما، ولا يوجد متغير استراتيجي يحول منظور تعامل مصر مع هذه المنطقة، ما يؤكد ضرورة التمسك بمعادلة الردع في هذه المنطقة وغيرها.

المراقبون يعتقدون، أن التعاون الثلاثي بين مصر واليونان وقبرص نجح في السنوات الأخيرة في تشجيع أطراف عربية ودولية عدة على دعم هذا المسار التعاوني القائم على تحقيق أمن الطاقة وتعزيز الأمن البحري في شرق المتوسط. كما رأى الباحث في “المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية” أن زيارة وزير الخارجية اليوناني تتماشى مع طبيعة العلاقات بين البلدين التي شهدت تطورا ملحوظا منذ عام 2014، إذ انخرط الطرفان في عدد من التفاعلات المشتركة، سواء على المستوى الجماعي، كما هو الحال في آلية التعاون الثلاثي بين مصر وقبرص واليونان، أو من خلال الانخراط في عدد من الترتيبات والتكتلات متعددة الأطراف، كعضوية الطرفين في منظمة غاز شرق المتوسط ومنتدى الصداقة “فيليا“.

اقرأ/ي أيضا: قصف وتعزيزات عسكرية.. مؤشرات إخفاق تركيا في تنفيذ مخططاتها شمالي سوريا

أهمية الحراك المصري اليوناني في ظل المتغير الدولي

وتأكيدا على ذلك، أعلن وزراء خارجية كل من اليونان وقبرص وفرنسا والسعودية ومصر والإمارات والبحرين، في وقت سابق من العام الماضي، تأسيس منتدى الصداقة “فيليا” في ختام اجتماع استضافته العاصمة اليونانية، أثينا.

فضلا عن ذلك، فأن عمق العلاقات المصرية السياسية والدبلوماسية، دفعت إلى ترسيم الحدود البحرية بين الطرفين في أغسطس 2020، ما سمح لهم بتعزيز مكاسبهم من ثروات منطقة شرق المتوسط.

إضافة إلى أن العلاقات العسكرية تشهد تطورا ملحوظا تظهر ملامحه في استمرار التدريبات والمناورات العسكرية المشتركة بين الطرفين، ضمن تدريبات “ميدوزا” التي وصلت إلى نسختها الـ 12 خلال الشهر الحالي، فضلا عن توقيع عدد من الاتفاقيات والتفاهمات ذات الطابع العسكري إلى جانب تنامي العلاقات الاقتصادية والتجارية، ما يدل على أن العلاقة بين الطرفين ممتدة لجميع المجالات ولا تقتصر على التنسيق في مجالات دون أخرى.

جدير بالذكر أن الزيارة الأخيرة من قِبل الجانب اليوناني تأتي في ظل عدد من التحولات العالمية والإقليمية، لعل أبرزها الحرب الروسية الأوكرانية، والتي وفّرت لمنطقة شرق المتوسط ميزة كبيرة كأحد الخيارات والبدائل أمام أوروبا في الحد من اعتمادها على الغاز الطبيعي الروسي، ما يسمح لمصر واليونان وكافة أعضاء منظمة غاز شرق المتوسط بالتنسيق فيما بينها لتحقيق أكبر قدر ممكن من الفائدة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.