في خطوة وصِفت بالمهمة على صعيد تقوية وتعزيزعلاقات البلدين، احتضنت العاصمة البريطانية لندن، الثلاثاء الماضي، أول حوار استراتيجي بين الإمارات والمملكة المتحدة، وجاء ذلك خلال اجتماع ترأسه وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، ونظيره البريطاني جيمس كليفرلي، بحسب ما نقلته وكالة أنباء الإمارات الرسمية “وام”.

الاجتماع الذي شهد ترحيب الوزيرين بالشراكة المتنامية عبر عدد من القطاعات، وأشادا بالحوار الاستراتيجي باعتباره إحدى الآليات المهمة لتوطيد العلاقات الثنائية؛ قد أكد على قوة العلاقات الثنائية بين البلدين وعُمق التعاون والالتزام المشترك بتوطيده وتعزيزه، فضلا عن قوة العلاقات بين شعبي الدولتين.

على هذا النحو، أكد وزير الخارجية الإماراتي خلال الجلسة على متانة العلاقات بين البلدين، التي وصفها بـ “النموذجية” لمواجهة التحديات الملحّة، مشددا على السعي المشترك من أجل تعزيز الازدهار في مختلف المجالات، ومن بينها الطاقة والحد من آثار تغيّر المناخ، والعلوم والتكنولوجيا.

تعاونا مستقبلية أكثر ديناميكية

الشيخ عبد الله بن زايد، قال إن السنوات المقبلة ستشهد تعاونا ديناميكيا بين البلدين، مؤكدا أن بلاده ستواصل العمل مع المملكة المتحدة في تحديد المجالات المبتكرة لتعزيز التعاون الثنائي، وتعزيز القيم المشتركة لتحقيق السلام والأمن والنمو على المستوى الدولي.

إلى ذلك، فقد ناقش الاجتماع أيضا، أهمية استمرار التنسيق بين الجانبين في “مجلس الأمن” التابع لـ “الأمم المتحدة”، في حين أثنى الجانب البريطاني على دور الإمارات في “مجلس الأمن” الدولي وخاصة القرارات الأخيرة التي اتخذها المجلس بشأن أفغانستان.

ليس ذلك فحسب، بل ركز الاجتماع أيضا بين الجانبين، على مسألة الحد من آثار تغيّر المناخ، الذي أكد البلدان المكافحة في مواجهته، بالإضافة إلى التعاون في مشاريع طويلة الأجل لتيسير الانتقال العادل للطاقة، وذلك بموازاة رغبة الطرفين في تعزيز التعاون الوثيق المستمر بشأن الطاقة النظيفة والمتجددة، وتمويل العمل المناخي والتكيف وحماية الطبيعة والنّظم الغذائية.

كذلك لم تغيب المسائل السياسية والاقتصادية والأمنية عن طاولة الاجتماع، حيث تبادل الطرفان وجهات النظر حول القضايا ذات الاهتمام الإقليمي والدولي المشترك، كما جدّدا التأكيد على التزامهما المتبادل بمواصلة التنسيق المشترك والوثيق في هذه المجالات.

ذلك يأتي بعد أن اتفق البلدان على عقد حوار استراتيجي خلال زيارة رئيس الإمارات، الشيخ محمد بن زايد، للمملكة المتحدة في أيلول/سبتمبر 2021، عندما كان وليا للعهد، وفي الوقت الذي تشهد حركة السلع والخدمات بين البلدين نموا بلغ أعلى مستوياته محقّقا 21.6 مليار جنيه إسترليني، ما يعادل 99.3 مليار درهم إماراتي.

حوار من أجل تنظيم العلاقات 

وسط ذلك، أوضح الخبير بالشأن الإستراتيجي علي الدهان، أن العلاقات بين الإمارات وبريطانيا وعلى الرغم من متانتها، إلا أنها تطورت كثيرا وبشكل ملحوظ، لاسيما في الجانب الاقتصادي، الذي يسعى الطرفان من خلال تحركاتهما إلى تعزيزه قدر المستطاع، وهذا ما كان سائدا على مدى العقد الأخير، وصولا إلى مرحلة الحوار الاستراتيجي الذي اتفق عليه الطرفان قبل نحو عامين.

الإمارات وبريطانيا يطلقان أول حوار استراتيجي بينهما/ إنترنت + وكالات

فبناء على هذه الشراكات العميقة، أشار الدهان إلى أن الحوار الاستراتيجي مثل محطة إرساء وتكريس لكل تلك الشراكات، والبحث عن سُبل جديدة أكثر عمقا في تعزيزها، وهذا ما يبدو واضحا من خلال تحركات البلدين وحجم التبادلات والتناغم بينهما، مشيرا إلى أن الإمارات وبريطانيا تجمعهما علاقات تاريخية وشراكة اقتصادية نموذجية يعملان من خلال الحوار الاستراتيجي على تعضيدها بشكل أكبر، من خلال خلق تجانس متكامل على مستوى كافة الملفات.

الدهان وفي حديث لموقع “الحل نت”، لفت إلى أن، بين الإمارات وبريطانيا علاقات تاريخية منذ تأسيسها عام 1971، وازدادت قوة ومتانة مع مرور الوقت، لذلك تُعد العلاقات بينهما نموذجا يحتذى به في شتى المجالات التي امتدت لتشمل الجوانب الأمنية والدفاعية، والاقتصادية، والاستراتيجية، والثقافية وغيرها، وبالتالي فإن مثل هذه العلاقات لابد من حوار استراتيجي دائم ينظّمها، ويضعها في مساراتها الصحيحة، ويعمل على تطويرها مع الوقت.

كما أوضح، أن الحوار الاستراتيجي هو مسار تعمل على أساسه الدول التي تمتلك علاقات متقدمة، وبناء عليه يتم تنظيم العلاقات والاتفاقيات ومواعيدها، مشيرا إلى أنه، عادة ما يكون بين جانبين يخططان لشراكات طويلة الأمد، تتطلب نطاق ينظمها مثل الحوار الاستراتيجي، ويتابع خطواتها.

هذا وتعد دولة الإمارات الشريك التجاري الثالث للمملكة المتحدة خارج قارة أوروبا، وأكبر شريك تجاري لها على مستوى منطقة الشرق الأوسط، وإحدى أسرع الأسواق نموا للصادرات البريطانية، في الوقت الذي يشكل فيه التبادل السياحي أحد أهم مسارات التعاون الاقتصادي بين البلدين، حيث تستقبل دولة الإمارات نحو 1.5 مليون سائح من المملكة المتحدة سنويا.

الشركة الإماراتية البريطانية

كما تُعتبر المملكة المتحدة ثالث أكبر شريك تجاري أوروبي لدولة الإمارات، وتستحوذ على 2 بالمئة من إجمالي التجارة الخارجية غير النفطية لدولة الإمارات مع العالم، وبلغت قيمة التجارة البينية غير النفطية خلال عام 2020 نحو 8 مليارات دولار، وتستحوذ الإمارات على 27 بالمئة من إجمالي الواردات السلعية والخدمية للمملكة المتحدة من الدول العربية.

وزير الخارجية الإمارات ونظيره البريطاني يترأسان أول حوار استراتيجي/ إنترنت + وكالات

يشار إلى أن الرصيد للاستثمار الأجنبي المباشر بين البلدين قد بلغ نحو 40 مليار دولار في مطلع عام 2020، وذلك في الوقت الذي تأتي فيه بريطانيا في المرتبة الأولى كأهم مستثمر أجنبي مباشر في دولة الإمارات بقيمة 22 مليار دولار، حيث تستحوذ على 17 بالمئة من إجمالي رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر في الدولة وفق إحصائيات نهاية عام 2019.

علاوة على ذلك، فإنه وخلال آخر 5 سنوات؛ من بين مجموعة التدفقات الاستثمارية الواردة إلى الإمارات كان ما نسبته 30 بالمئة مصدرها بريطانيا، وهو ما يؤشر مدى تركيز البلدين على الجوانب الاقتصادية أكثر من غيرها، في الوقت الذي يحتفظ فيه الجانبان بتفاهمات سياسية كبيرة.

تأكيدا على ذلك، فقد وقّعت خلال أيلول/سبتمبر 2021، اتفاقية شراكة بين شركة مبادلة للاستثمار ووزارة التجارة الدولية في المملكة المتحدة للاستثمار السيادي بين دولة الإمارات والمملكة المتحدة بقيمة 10 مليارات جنيه إسترليني.

في خضم ذلك، بلغ عدد الشركات البريطانية المسجلة في الإمارات 337 شركة، فيما بلغ عدد العلامات التجارية المسجلة بالدولة حتى نهاية 2019 نحو 19.668 علامة تجارية، بينما بلغ عدد الوكالات التجارية البريطانية المسجلة في الإمارات 807 وكالات.

ذلك كله يعكس أهمية اتفاق الإمارات وبريطانيا خلال شهر أيلول/سبتمبر 2021، على إنشاء شراكة جديدة وطموحة، من أجل المستقبل ترتكز على تعزيز العلاقات التاريخية بين البلدين، والتي ستشكل أساسا لهذه الشراكة، وهو ما يحاول الطرفان ترجمته من خلال الحوار الاستراتيجي الذي أطلقاه مؤخرا بناء على ذلك.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة