مرحلة سياسية جديدة تنتظرها إسرائيل تبزر ملامحها في الاتفاق الأخير الذي جمع بين حزب “الليكود” برئاسة بنيامين نتنياهو، وحزب “العظمة” اليهودية اليميني المتطرف بزعامة إيتمار بن غفير، لتشكيل الحكومة الجديدة، والتي يرى مراقبون بأنها ستكون الأكثر تشدّدا في تاريخ إسرائيل.

نتنياهو، توجه نحو حزب “العظمة” اليهودية ورئيسه بن غفير، مقدما له حقيبة الأمن الداخلي بما تتضمنه من صلاحيات أمنية واسعة، إضافة إلى مواقع اقتصادية وأمنية أخرى حساسة، تشمل هي الأخرى ملف الاستيطان في الضفة الغربية، وذلك بعد أن أخفق في عقد صفقة مع حزب “الصهيونية الدينية” بسبب التنازع مع زعيمه بشأن حقيبة الدفاع.

الاتفاق الائتلافي الذي وقّعه نتنياهو وبن غفير، والذي بموجبه ستكون وزارة الأمن القومي “الوطني” (وزارة الأمن الداخلي سابقا) برئاسة بن غفير، تعتبر خطوة تأسيسية لميليشيا تابعة للوزير الذي تمت إدانته سابقا، بتُهم جنائية متمثلة بقوات “حرس الحدود” العاملة في الضفة الغربية بما فيها القدس، بحسب حديث عضو المجلس الثوري لحركة “فتح” ورئيس التجمع الوطني المسيحي في الأراضي الفلسطينية ديمتري دلياني، لـ”الحل نت”.

هكذا ميليشيات ستُشكل خطرا أكبر من المفروض على حياة الفلسطينيين حاليا، وفق دلياني، حيث إن بن غفير قد أعلن في السابق عن خطط لتغيير قواعد إطلاق ميليشياته النار على المدنيين في فلسطين، لتُصبح بلا أية قيود تُذكر بالرغم من ضعف هذه القيود حاليا، والتي أدت إلى اغتيال حوالي 210 فلسطيني منهم 50 طفلا منذ بداية العام الحالي على أيدي مسلحي الجيش الاسرائيلي.

بن غفير بنى شعبيته على كراهية العرب والدعوة لطرد الفلسطينيين من أراضيهم، فبالنسبة إليه لا يوجد شيء اسمه الشعب الفلسطيني، حيث كان قد دعا إلى اجتياح الضفة الغربية، والعودة إلى سياسة الاغتيالات عقِب عملية التفجير المزدوجة في القدس خلال اليومين الماضيين، ويدعو إلى تشريع قانون يقضي بإنزال عقوبة الإعدام بحق الفلسطينيين الذين ينفذون عمليات ضد أهداف إسرائيلية، وفقا لتقارير صحفية.

قد يهمك: ملفات داخلية وخارجية معقدة أمام نتنياهو.. هل يستمر في الحكم؟

ترقب حذر

وزارة الخارجية الفلسطينية، حذرت من تغيير “الوضع القائم” في المسجد الأقصى بعد توقيع اتفاق الشراكة بين نتنياهو وبن غفير. جاء ذلك في بيان لها أطلع عليه “الحل نت”، تعقيبا على اقتحام عشرات المستوطنين للمسجد الأقصى في مدينة القدس الشرقية.

الاتفاقيات التي وقّعها نتنياهو مع بن غفير تعطي الأخير “صلاحيات واسعة لممارسة سياسته ومواقفه الاستعمارية العنصرية ضد المسجد الأقصى، وسعيه لإحداث تغييرات جذرية واسعة النطاق على الواقع التاريخي والقانوني القائم” وفق بيان الوزارة.

الوزارة تنظر بخطورة بالغة، لنتائج وتداعيات اقتحامات المسجد الأقصى، حيث دعت المجتمع الدولي والأمم المتحدة، إلى إبداء أعلى درجات الاهتمام واليقظة والحذر من المخاطر التي تشكلها تلك الاقتحامات بما يرافقها من أداء طقوس “تلمودية” في باحات المسجد، خاصة في ظل حكم نتنياهو وبن غفير وأتباعهما.

دعوة لتصعيد العنف

الاتفاق بين نتنياهو وبن غفير، هو دعوة لتصعيد العنف، وتأجيج الصراع نظرا للأجندة التي تم انتخاب بن غفير وحزبه عليها، ورضوخ نتنياهو له، خاصة أن فكر نتنياهو ليس بالبعيد عن فكر بن غفير، بحسب دلياني، لكن الاختلاف هو في أسلوب الطرح، ليس إلا.

 دلياني ذكّر بتصريحات بن غفير ووعوده الانتخابية، التي حتما ستؤدي إلى تأجيج الصراع مثل وعوده بالسماح لليهود بالصلاة في المسجد الأقصى، ووعوده “بشرعنة” عدة بؤر استيطانية كانت الدولة الإسرائيلية تعتبرها غير شرعية، مما يعني تنميتها بالرغم من أن القانون الدولي وموقف دول العالم أجمع، هي أن المستوطنات الاسرائيلية المقامة على الأراضي الفلسطينية “المحتلة” عام 1967 بما فيها القدس، هي جميعها غير شرعية بغض النظر عن تصنيف إسرائيل لها، وفق تعبيره.

قناة التلفزة “12” ذكرت أن نتنياهو استجاب لطلب بن غفير، إضفاء صفة شرعية على 65 بؤرة استيطانية في أرجاء الضفة في غضون 60 يوما من إعلان تشكيل الحكومة، وفي تقرير بثّته، أشارت القناة إلى أنه بحسب الاتفاق بين نتنياهو وبن غفير، سيُسوّى الوضع القانوني للبؤر الاستيطانية، وتُربط بشبكتي المياه والكهرباء والبنى التحتية، وتوفَّر حماية أمنها.

محاولات نتنياهو عقد صفقة ائتلافية مع زعيم حزب “الصهيونية الدينية”، بتسلئيل سموتريتش، هناك تسريبات تفيد أن هذه المفاوضات قد أفضت لغاية الآن عن تخلي الأخير عن حقيبة وزارة الحرب بسبب الضغط الأميركي على نتنياهو، والتوصل إلى حل وسط في محادثاتهما الائتلافية، حيث وافق سموتريتش على التخلي عن مطلبه بأن يكون وزيرا للجيش، وتولي منصب وزير المالية، بدلا من ذلك مع صلاحيات له في الإدارة العسكرية في الضفة الغربية.

 بهذا سيكون لسموتريتش بعض السيطرة على سياسات دولة إسرائيل في الضفة الغربية “المحتلة”، وسيكون قادرا، بحسب الاتفاق، على تعيين وزير تابع في وزارة الجيش، على غرار الوزير ميخائيل بيتون، الذي يشغل حاليا مثل هذا المنصب تحت قيادة وزير الجيش المنتهية ولايته بيني غانتس، بحسب دلياني.

اقرأ أيضا: ما حقيقة اختيار سكان الجولان السوري للجنسية الإسرائيلية؟

بايدن لن يتعامل مع بن غفير

لا تقتصر المخاوف بشأن الحكومة الإسرائيلية المقبلة على الفلسطينيين وحدهم، بل إن الحليف الأميركي يشعر بالقلق والانزعاج، وهو ما أشار إليه أستاذ الأمن الدولي والسياسة الخارجية في جامعة “سان فرانسيسكو” البروفيسور ستيفن زونس، بقوله لبرنامج “ما وراء الخبر”، إن “إدارة الرئيس جو بايدن والمسؤولين الأميركيين، أعلنوا أنهم لن يتعاونوا مع بن غفير، ووجوده في حكومة نتنياهو سيضر بالعلاقات الأميركية الإسرائيلية، وأن واشنطن حاولت منع وصوله إلى الحكومة الإسرائيلية” بحسب موقع “الجزيرة نت”.

زونس، أكد أن إدارة بايدن ستتعاون مع الوزارات الإسرائيلية الأخرى، وستواصل دعم السياسات الإسرائيلية بشكل عام، وترفض إدارة بايدن التعاون مع اليميني المتطرف، خشية من أن يحدث موقفها انقساما داخل الحزب الديمقراطي. ويقول أستاذ الأمن الدولي والسياسة الخارجية في جامعة سان فرانسيسكو لبرنامج “ما وراء الخبر” إن وجود بن غفير في حكومة نتنياهو، سيرجّح كفة الجناح المعادي لإسرائيل داخل الحزب، في حين أن بايدن يدعم بقوة الجناح المؤيد لها.

بخصوص موقف الولايات المتحدة من الحكومة الإسرائيلية الجديدة، عقّب ديمتري دلياني بالقول، إن الأهداف الاستراتيجية التي تربط أميركا بدولة إسرائيل، هي علاقات تتخطى تشكيلة الحكومات في تل أبيب أو الإدارات في واشنطن، لكنها بلا شك تتأثر على المدى القصير بما لا يمس الأهداف الاستراتيجية المشتركة، وذكر دلياني، بأن  الإدارة الأميركية قد أشارت إلى قلقها من التشكيلة المرتقبة للحكومة الإسرائيلية الجديدة في أكثر من مرة، والأوضح في ذلك هو تصريح رئيس دولة إسرائيل نفسه اسحاق هرتسوغ، الذي وصف تعيين بن غفير وسموترتش وزراء، بأنّه مُحرج لـ”إسرائيل” ومفزع لدول العالم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.