ظاهريا يبدو أن العلاقات الفرنسية المغربية في طريقها للعودة إلى مسارها الطبيعي بعد عامين من التوترات وخفض التمثيل الدبلوماسي بين الجانبين. لكن غير واضح إلى حد الآن، إذا ما كانت إعادة تعيين السفراء سينهي فعليا جوهر الخلاف الذي يتمثل بعدم اعتراف باريس بمغربية الصحراء الغربية التي تتنازع عليها الأخيرة مع الجزائر.

أسباب الخلاف، تعود إلى أواخر شهر أيلول/سبتمبر المنصرم، حينما غادرت سفيرة فرنسا بالمغرب هيلين لو غال، منصبها الدبلوماسي، بعد تعينها كمديرة لـ “شمال إفريقيا والشرق الأوسط” في دائرة “العمل الخارجي” لـ “لاتحاد الأوروبي” في بروكسيل، وهو ما تم تفسيره سحب للسفيرة من الرباط دون إعلان رسمي، وما قُرء بأنه ارتداد لأزمة “التأشيرات” القائمة بين البلدين على خلفية خفض فرنسا منح تأشيرات الدخول للمغاربة بما فيهم رجال أعمال وشخصيات رفيعة، إلى النصف.

الخطوة الفرنسية، دفعت بالمغرب إلى اتخاذ ذات القرار، حيث تم تعيين سفير الرباط بباريس محمد بنشعبون، في منصب مدير “صندوق محمد السادس للاستثمار” بأمر ملكي، في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وهو التعيين الذي يعني أنه سينهي المهمة الدبلوماسية للمسؤول المغربي بعد أقل من عام على تكليفه بها، وذلك قبل أن تعود المغرب للموافقة على تعيين كريستوف لوكورتييه، سفيرا جديدا لفرنسا في الرباط، الأربعاء الماضي، ما فتح الباب للسؤال إذا ما كان ذلك تمهيدا لإنهاء الخلاف، لكن السؤال الأهم قبل ذلك هو، هل أزمة التأشيرات هي أصل الخلاف.

جذور الخلاف بين المغرب وفرنسا

يتمثل الخلاف، بعدم اعتراف باريس بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، والتي تؤكد فيها الأخيرة أنها عينها التي تنظر بها إلى الخارج، وتقيم على أساس المواقف بشأنها علاقاتها مع العالم، بخاصة وأن فرنسا تُعد الحليف الرئيسي للمغرب، في قضية الصحراء التي ترفض الجزائر فيها سيادة الرباط عليها، وتخوض نزاعا حادا معها بخصوصها، بدأ منذ السبعينيات عندما نظمت المغرب “المسيرة الخضراء” تجاه الصحراء، قبل أن يتم الإعلان عن قيام ما يعرف بـ“الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” بدعم من الجزائر في عام 1976، ليمتد الخلاف منذ ذلك الحين إلى حد المواجهات العسكرية.

وسط ذلك، حافظت فرنسا على دعمها الكبير للمغرب بعد توقيف اتفاقية وقف إطلاق النار سنة 1991، كما ساندت المغرب في “مجلس الأمن الدولي” تجنبا لفرض استفتاء تقرير المصير، وروجت للحكم الذاتي، ودعمت الرباط في تطوير علاقاتها مع “الاتحاد الأوروبي“، حتى أن بعض حكومات فرنسا كانت تصف الصحراء الغربية بـ “الأقاليم الجنوبية المغربية“، لكن على الرغم من ذلك لم تعترف بسيادتها رسميا، وهو ما ترك الكثير من التساؤلات.

اقرأ/ي أيضا: التضليل المضاد.. مسار الفلبين السياسي والاقتصادي من شرق آسيا إلى الغرب

بدوره، شرح الخبير السياسي باسل عزيز لموقع “الحل نت“، أسباب ذلك بالقول، إن قضية عدم اعتراف فرنسا بسيادة المغرب العربي على الصحراء الغربية، مقابل دعمها غير المنقطع والحرص على استدامة العلاقات، يحمل جنبتين، الأول؛ يعتمد إلى المسار التاريخي، بكون فرنسا المستعمر التاريخي للمغرب، وبحكم أن علاقات الاستعمار تمتد إلى مجالات لا حصر له، فأن العلاقات بين الجانبين باتت تتجاوز الأبعاد التقليدية في علاقات الدول.

إذ تُعتبر المغرب، بحسب عزيز، حليفا تقليديا ثابتا بالنسبة لفرنسا في القارة الإفريقية، كما أن احتواءه على أكبر جالية فرنسية قياسا بالبلدان الأخرى، إضافة إلى العلاقات الاقتصادية، إذ تتخذ مئات الشركات الفرنسية من السوق المغربية موطن لها، كما تحظى بأفضلية كبيرة، ولاسيما في القطاعات الأكثر حيوية، ناهيك عما يتخذه الفرنسيون من المغرب وجهة سياحية في المرتبة الأولى، وهذا كله يضع المغرب ضمن قائمة الدول الأولى لدى باريس.

ومع ذلك، فالعلاقات المغربية الفرنسية كثيرا ما شهدت توترات، لاسيما فيما يتعلق بقضية الصحراء الغربية، وما كانت قضية التأشيرات بين البلدين إلا واحدة من تمظهرات ذلك الخلاف الذي يسعى الجانبان إلى الإبقاء عليه تحت الطاولة، لافتا إلى أن عمق ذلك الخلاف، يستند إلى الجنبة الثانية وهو أولويات فرنسا، التي تفرض عليها عدم الاعتراف بسيادة الصحراء الغربية، كما يقول الخبير السياسي في حديثه لموقع “الحل نت“.

ما مآلات التقارب الفرنسي المغربي على قضية الصحراء؟

عزيز بيّن، أن أولويات فرنسا تعتمد على العلاقات الاقتصادية واستقرار الاقتصاد الوطني لديها، وهذا بطبيعة الحال يفرض عليها تنويع العلاقات والشراكات، وأن في السياسية بمفهومها الواسع، أو في العلاقات الاقتصادية، إذا كان بلد معين يريد استقرار وضعه الاقتصادي لا يضعه مرهونا بضغط طرف معين، بل عليه الاعتماد على أكثر من سوق، ومد جذوره إلى أكثر من دولة، متسائلا في الوقت ذاته. فكيف ما لو تعلق الأمر بفرنسا والجزائر والمغرب.

وحول ذلك، أشار عزيز، إلى أن فرنسا تُعد المستعمر للبلدين، وعلى الرغم من أن العلاقات مع الجزائر لا توازي العلاقات مع المغرب، لكنها تتسم أيضا ببعض الخصوصيات والتي منها الامتداد التاريخي والبشري المتداخل بحكم الاستعمار، لذلك تحاول فرنسا على حفظ توازن العلاقات بين البلدين دون خسارة طرف على حساب آخر، لذلك تجدها تدعم المغرب دوليا في قضية الصحراء الغربية، لكنها لا تعترف بها شخصيا.

اقرأ/ي أيضا: الإرهاب الإشعاعي والنووي.. لماذا تراجعت روسيا عن تهديداتها المتنامية؟

بالتالي، يمكن القول؛ إن فرنسا والمغرب لا يمكنهما لاستمرار بالخصومة، لسبب أن طبيعة العلاقات وتداخلها تفرض ذلك، لذلك من المتوقع أن تقدم باريس بعض التنازلات فيما يتعلق بقضية التأشيرات، لأنها تعي جدا حساسية العلاقة مع الرباط وأهميتها، لكن إعادة تعيين سفير جديد والحديث عن زيارة مرتقبة لوزيرة خارجية فرنسا في الأيام القريبة، لا يعني حسم قضية الصحراء الغربية، بحسب عزيز.

عزيز يعزو سبب عدم حسم ملف الصحراء الغربية بين المغرب وفرنسا إلى طبيعة الوضع الدولي والإقليمي، مبيّنا أن الغزو الروسي لأوكرانيا وتفاقم أزمة الطاقة في العالم جعلت من فرنسا بأمس الحاجة إلى الجزائر في الوقت الحالي، على اعتبار أن الجزائر في الوقت الراهن، هي إحدى روافد أوروبا وفرنسا تحديدا بالغاز، فضلا عن ذلك أن باريس تعي جيدا مؤشرات انخراط الجزائر في علاقات مع روسيا والصين، لاسيما على مستوى التبادل التجاري والسلاح، لذلك من الطبيعي أن تخشى أن اعترافها بسيادة المغرب على الصحراء الغربية سينهي كل التبادل التجاري والاستثماري الفرنسي، إلى صالح روسيا والصين اللتان بدأتا بالتمدد في إفريقيا.

ومن المقرر أن يمهّد إعادة تعيين سفيرا فرنسيا جديدا في المغرب، إلى زيارة وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا. حيث ستتوجه الوزيرة الفرنسية إلى الرباط يومي 15 و16 كانون الأول/ديسمبر الحالي لمناقشة ملف التأشيرات الشائك، وإعداد مشروع برنامج لزيارة الرئيس إيمانويل ماكرون المقررة في يناير، على ما أفادت الخارجية.

خطوة فرنسا الدبلوماسية تجاه المغرب

يُذكر أنه من المقرر أن تصل الوزيرة مساء يوم 15، وستعقد اجتماعا في اليوم التالي مع نظيرها ناصر بوريطة، حيث سيناقشان كل مواضيع العلاقات الثنائية، خصوصا ملف التأشيرات، بهدف تحديد آفاق طموحة ومبتكرة لهذه العلاقة المميزة، على أساس أن فرنسا والمغرب شريكان كبيران على صعيد الاقتصاد والتعليم والأمن والتعاون، وهو ما يحتّم معالجة مجمل المواضيع في إطار هذه الزيارة، بحسب الخارجية الفرنسية التي لم تحدد ما إذا كانت قضية الصحراء الغربية ستُناقش خلال زيارة الوزيرة.

باريس كانت قد قررت في سبتمبر 2021، خفض تأشيرات الدخول الممنوحة للمغاربة بالنصف، مبررة ذلك بإحجام المملكة عن إعادة استقبال رعاياها المقيمين في فرنسا بصورة غير قانونية، بالمقابل وصفت الرباط هذا الإجراء، بغير المبرر، فيما اعتبرته المنظمات الإنسانية غير الحكومية بأنه “مهين“، وهو ما أدى إلى توتر في العلاقات بين البلدين منذ عام.

أما حول قضية الصحراء الغربية والموقف الفرنسي، فقد كان لاعتراف واشنطن في كانون الأول/ديسمبر 2020، بسيادة المغرب على المستعمرة الإسبانية السابقة (الصحراء الغربية)، في مقابل استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل، قد مثّل احراجا كبيرا لباريس، وهو ما ساعد في تأثر العلاقات المغربية الفرنسية كثيرا، إذ أنه ومنذ ذلك الوقت تحث الرباط فرنسا، بالاعتراف بدورها في سيادة المغرب على الصحراء الغربية.

يُشار إلى أن السفير الفرنسي الجديد هو المدير العام لشركة “بيزنس فرانس” كريستوف لوكورتييه، ومن المقرر أن يتولى مهامه قريبا جدا، حيث سيكون بوسعه استقبال الوزيرة خلال هذه الزيارة ومعاودة تحديد آفاق البلدين الطموحة التي تأمل فرنسا بأن تستمر في إطار العلاقات المتميزة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.