السيارات الكهربائية والسيارات ذاتية القيادة، تتحول تدريجيا إلى مصدر تهديد أمني، بسبب اتصالها الدائم بالإنترنت والقدرة على جمع كمية كبيرة من البيانات تشمل قائد السيارة والبيئة المحيطة بها، إذ تشير تقارير إلى أن السيارات الكهربائية وذاتية القيادة بإمكانها جمع وتخزين وإرسال بيانات عن سلوك وتفاصيل مكالمات القائد، وتاريخ وتفاصيل تصفح الإنترنت والبريد الإلكتروني والرسائل القصيرة، ومعدل السرعة، وموقع ومسار الرحلات.

أيضا بإمكان السيارات الكهربائية وذاتية القيادة، التي تضم عددا كبيرا من الكاميرات ومكبرات الصوت والمَجسّات، جمع بيانات عن المشاة القريبين، والسيارات المحيطة، وشبكة الطرق والجسور في المدينة، وشبكات الاتصالات المعززة بتكنولوجيا الجيلَين الخامس والسادس، والتقاط صور لأماكن حساسة مثل القواعد العسكرية والمعامل والمباني الحكومية.

التهديد الأساسي، يتجسد في إمكانية نقل هذه البيانات عبر الحدود، واستخدامها من قِبل دولة مُعادية، لذلك تم تصنيف نقل هذا النوع من البيانات بواسطة سيارات أجنبية تهديدا للأمن القومي من قِبل بعض الدول، وهذا ما يطرح التساؤل حول التهديدات التي تمثلها هذه السيارات، ونظرة بعض الدول إليها، ومستقبل التنافس في تصنيعها.

التهديد السيبراني وسرقة المعلومات

بالتوازي مع مخاطر الاختراق التي أوجدها “إنترنت الأشياء”، يُتوقع أن يقدم “إنترنت المركبات” فرصا مماثلة للقراصنة “هاكرز” بالسيطرة على كاميرات السيارة، إلى التحكم فيها عن بُعد، والاستيلاء على البيانات المخزنة في ذاكرتها الإلكترونية، وقد تحوّل مجموعات متطرفة، السيارات عن بُعد إلى أسلحة. فضلا عن ذلك، بإمكان القراصنة الإلكترونيين اختراق الشبكات الرابطة للسيارات ذاتية القيادة والسيطرة على مجموعة منها، أو اختراق القاعدة الرئيسة المشغِّلة لها في بلد المنشأ.

سيارة “نيو” الصينية “وكالات”

أما من ناحية التجسس وسرقة المعلومات، يمكن تقسيم هذا التهديد إلى قسمين، الأول متعلق بدولة المَصنع وعلاقتها بالدولة المستضيفة للسيارات. فكلما كانت الأجهزة الأمنية في دولة المَصنع قادرة من الناحية القانونية على الوصول إلى قاعدة البيانات الرئيسة، كالمؤسسات الأمنية لدولة ما، تتراجع فاعلية أنظمة الحماية السيبرانية في تأمين بيانات السيارات. والقسم الثاني متصل بقدرة تلك السيارات على جمع المعلومات الاستخباراتية، وهو ما يحوّلها إلى منصات تجسس وقاعدة للتنافس التكنولوجي ومهدد للأمن القومي.

الدكتور عمرو صبحي، خبير أمن المعلومات والتحول الرقمي، يوضح خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن أي شيء يتصل بالإنترنت قد يتعرض لتهديد إلكتروني ويكون هدفا ثمينا للمخترقين، وقد باتت السيارات الكهربائية هدفا جديدا أمام “الهاكرز”، من أجل كسب العديد من المغانم، وفي عمل خبراء أمن المعلومات يُطلق على السيارات الكهربائية المتصلة بالإنترنت مسمى “الإنترنت للأشياء” أو “آي أو تي”، حيث أن السيارات الكهربائية تدعم خطة الاستدامة البيئية والحفاظ على البيئة من مخاطر الوقود ولكن في نفس الوقت ينتج عنها مخاطر أخرى.

من هذه المخاطر، اختراق لأجهزة الشحن والتحكم عن بُعد، اختراق السيارة والتحكم عن بُعد ما يسبب حوادث كثيرة، التحكم في درجة حرارة السيارة، اختراق السيارة بفيروسات “الفدية”، لمنع التحكم بها واستخراج البيانات منها، واستهداف السيارات في اختراق مؤسسات أخرى عن طريق استخدامها كنقطة وصول فقط، بحسب صبحي.

قد يهمك:من إفريقيا إلى آسيا.. كيف تستقطب الصين الشباب لخدمة مشروعها التوسعي؟

كمثال على ذلك بحسب صبحي، في عام 2015 تم اختراق سيارة نوع “جيب شيروكي” وتم التحكم بها بالكامل من خلال نظامها المسمى “أن كونكت”، حيث تم التحكم بتشغيل مكيفات الهواء والراديو ورش المياه على الزجاج الأمامي، وأخيرا تم إيقاف السيارة وكل ذلك من خلال اختراقها بواسطة حواسيب محمولة، وهذا ما دفع الشركة لاستدعاء 1,4 مليون سيارة وغرامات تقدر بـ 105 مليون دولار أميركي.

تنافس أميركي صيني ما مستقبله؟

السيارات الكهربائية وذاتية القيادة المصنَّعة في كلٍّ من الولايات المتحدة والصين، تنطوي على عناصر تهديدية أمنية من منظور الحكومتين، فبالنسبة للصين، أصدرت السلطات الصينية في آذار/مارس 2021، قرارا بعدم السماح بدخول سيارات “تيسلا” الكهربائية الأميركية إلى مقرات المباني الحكومية، والمؤسسات الحساسة، مثل مؤسسة الفضاء الوطنية، وثكنات جيش “التحرير الشعبي” وقواعده العسكرية، وطُبّق هذا القرار أيضاً في مناسبتين لاحقتين خلال شهري حزيران/يونيو وتموز/يوليو من العام نفسه، الأولى بمنع هذا النوع من السيارات من الاقتراب من مقر التجمع السنوي للمسؤولين الحاليين والسابقين في الحزب “الشيوعي” الحاكم في منتجع “بيداهي” بإقليم هيباي لمدة شهرين؛ والثاني بحظر مرور السيارات في مدينة شينغدو بسبب زيارة الرئيس شي جين بينغ، إلى إقليم سيشوان الواقع على بعد 60 كيلومترا في حزيران/يونيو الماضي.

كما تبعت هذه القرارات تقييما حكوميا أمنيا مفصَّلا لسيارات “تيسلا” توصل إلى كونها خطرا على الأمن القومي. ويبنى هذا التقييم على قانونَي أمن البيانات وحماية البيانات الشخصية، وقد أجبرت السلطات الصينية شركة “تيسلا” على فتح مركز بيانات لتخزين جميع البيانات في سياراتها في الصين.

أما الولايات المتحدة، فتتخذ إجراءات أكثر صرامة تجاه التكنولوجيا الصينية، وعلى رأسها شركات “هواوي” و”زد تي إي” وغيرها، وإلى جانب التنافس التكنولوجي بين الجانبين ومسار “الانفصال” طويل الأمد، ثمة دوافع أمنية تركز السلطات الأميركية على تسويقها ضمن ضغوطها على الدول الأخرى للتخلص من شبكات هواوي للجيل الخامس للاتصالات “5 جي”.

مؤخرا، بدأ العنصر الأمني التهديدي للسيارات ذاتية القيادة بإثارة قلق مُشرّعين أميركيين منذ السماح في تموز/يوليو الماضي لشركة “أوتو إكس” الصينية بإجراء تجارب للسيارات ذاتية القيادة في شوارع ولاية كاليفورنيا. فقد بدأ “الحزب الجمهوري” في ممارسة ضغوط على “الإدارة الأميركية للسلامة على الطرق السريعة”، وهي جهة حكومية، لفرض المزيد من القيود على السيارات الصينية، ومن المهم الإشارة هنا إلى أن قانون “الرقائق والعلوم” الذي أقرته الإدارة الأميركية في 9 آب/أغسطس الماضي، يحظر الاستثمار في أو بيع الرقائق الإلكترونية إلى الصين، ما يعني خنق صناعة الرقائق الصينية ومن ثم شركات السيارات الكهربائية وذاتية القيادة الصينية في المستقبل القريب.

لذلك وبحسب صبحي، فإنه على الرغم من الإقبال الكبير الذي تجده السيارات الكهربائية المصنّعة في الصين مثل “فولفو” و”لوتس”، إلا أن السوق الأميركية تعتمد على سيارات “تيسلا” بشكل كبير، خاصة مع وجود تداعيات أمنية ترتبط بأمن المعلومات للحكومة الأميركية.

في هذا السياق أيضا، تعمل الأمم المتحدة على حماية مركباتها من خلال اعتماد لوائح حيز التنفيذ في أربعة محاور رئيسية، وهي إدارة المخاطر السيبرانية على المركبات، وحماية المركبات وفقا لنهج الأمان حسب التصميم، وكشف الهجمات والدفاع ضدها، وتوفير تحديثات البرامج من حيث الأمان وإدخال أساس قانوني لبرامج “أو تي إيه” للتحديثات عبر الأثير للسيارة، بحسب صبحي.

التنافس في أمن المعلومات

من المتوقع أن يشتد التنافس بين الولايات المتحدة والصين في صناعة هذه السيارات خلال السنوات القليلة القادمة، ويتمخض عن هذا التنافس تصاعد في التنافس الجيوستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين، مع تكهنات بتحول المكون الأمني بالتدريج الى ساحة تنافس موازية للتنافس التجاري القائم بالفعل على الهيمنة المستقبلية على سوق السيارات العالمي.

سيارة تسلا الأميركية “وكالات”

صبحي يرى أن التنافس كبير جدا بين الولايات المتحدة والصين، ولكن ليس على إنتاج هذه السيارات وحسب، إنما تنافس في أمن المعلومات وسرية البيانات، مع وجود شركات كبيرة لتأمين البيانات التي تخص كل الإنترنت للأشياء مثل شركة “كاسبر سكاي لاب”.

بالنتيجة، من المتوقع أن تقوم الولايات المتحدة بتشديد قواعد عمل شركات تصنيع السيارات الكهربائية وذاتية القيادة الصينية في الولايات المتحدة انطلاقا من الدوافع الأمنية، وأيضا فرض عقوبات أميركية على استخدام واستيراد المكونات الصلبة وأنظمة التشغيل المستخدمة في تصنيع مركبات المستقبل الصينية من خلال إدراج المصنّعين على “قائمة الكيانات” الصينية المتعاونة مع جيش “التحرير الشعبي”، وفرض ضغوط أميركية على الدول الحليفة وتلك المستضيفة لقواعد عسكرية أو قوات أميركية على أراضيها لفرض قيود، أو حظر بالكامل للسيارات الكهربائية وذاتية القيادة الصينية في الدولة، وغير ذلك من الإجراءات التي تمكّن الولايات المتحدة من تحجيم الصين والحد من قدرتها السوقية في المستقبل.

إقرأ:الصين والتوجه إلى الخليج عبر السعودية.. دور مثير للتساؤلات والشكوك؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.