اليوم الثلاثاء، يستضيف الأردن مؤتمر “بغداد 2″، حيث ستشارك فيه كل من الإمارات ومصر والسعودية وقطر وتركيا وإيران والعراق وفرنسا، إضافة إلى عُمان والبحرين كعضوين جديدين، كما أنه من المقرر أن يحضر وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، ومعاونه إنريكي مورا، الذي تولى التنسيق المباشر لمباحثات النووي الإيراني، كما يشارك في المؤتمر أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، وأمين عام مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وممثلون عن الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي.

المؤتمر يأتي بحسب خبراء في ظل أوضاع صعبة إقليميا ودوليا، حيث سيتناول 5 ملفات بارزة هي، الأوضاع في العراق ولبنان وسوريا ومكافحة الإرهاب وأمن الغذاء والطاقة ونووي إيران.

إيران الحاضرة في المؤتمر، ممثلة بوزير خارجيتها، أمير عبد اللهيان، كانت وُجهت الدعوة للرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، الذي أوفد وزير خارجيته كممثل لإيران، لكن على الرغم من ترحيب طهران بفكرة الحوار، واستعدادها للمشاركة في قمة “بغداد 2″، نتيجة مزيح من الضرورات الناجمة عن موقع إيران المنعزل في المجتمع الدولي، وتغير أولويات الدبلوماسية الإيرانية في عهد حكومة المحافظين، إلا أن ترحيبها بالمشاركة لا يعني بالضرورة ترحيبها بالانخراط في حوار إقليمي شامل، يهدف إلى وضع حلول للملفات الخلافية.

مؤتمر في وقت تكثر فيه الملفات الخلافية في المنطقة، ما يدفع للتساؤل حول أهداف المؤتمر، وأهمية حضور إيران فيه، وهل ستنخرط إيران في حوار مع الدول الإقليمية، ومستقبل العلاقات بين إيران ودول المنطقة.

أهمية المؤتمر وأهدافه

المنطقة شهدت العديد من مشاريع الحوار الطموحة التي لم تجد حتى الآن طريقها إلى طاولة أعمال صُنّاع القرار الإقليميين والعالميين. وترددت على مدار السنوات الماضية مُبادرات ووساطات عدّة، تعكس هيمنة هاجس الاستقرار، والرغبة الجماعية في الحصول على آلية إقليمية مُستدامة لفض الخلافات، وامتصاص الاحتقان، بُغية ضمان مسار سياسي أكثر انسجاما مع المشاريع التنموية الطموحة التي أطلقتها أطراف إقليمية وازنة.

من مؤتمر بغداد 2 في الأردن “وكالات”

لذلك تبدو فكرة الحوار الإقليمي أهم أهداف المؤتمر، التي يُمكن أنْ تكون البوابة الحقيقية لتجاوز حالة اللاأمن، وتخطي وضعية عدم الاستقرار التي وضعت الشرق الأوسط على حافة الحرب أعواما متعدّدة، تعززت خلالها الاضطرابات الإقليمية، نتيجة تعارُض رؤى اللاعبين.

من جهة ثانية، ضغطت فرنسا بقوة من أجل أن ينعقد المؤتمر قبل نهاية العام الجاري بعد حلحلة الوضع السياسي الداخلي في العراق حيث كان يصعب الدعوة إلى قمة قبل أن يتم انتخاب رئيس للجمهورية وتعيين رئيس للحكومة.

في هذا السياق، يرى الخبير الاستراتيجي الأردني، الدكتور عامر سبايلة، خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن أهمية المؤتمر أنه يجمع كل الأطراف الإقليمية على طاولة واحدة لتناقش المواضيع التي تهم الجميع، والتي قد تبدأ بالموضوع الأمني وهو الأهم في هذه المرحلة في سياق عودة الإرهاب بصورة قوية في المنطقة.

بالتالي بحسب سبايلة، قد يشكل هذا المؤتمر نواة في النهاية لبناء آلية تعاون إقليمي بحضور الجميع بحيث تتعزز فكرة مصالح كل الأطراف على حساب خلافاتهم.

قد يهمك:حجم تأثير محادثات الملف النووي الإيراني على واقع الميلشيات الإيرانية في سوريا

أيضا سيكون ملف مساعدة العراق على توفير الأمن والازدهار موجودا، إضافة لملف اللاجئين السوريين في دول الجوار، والأزمة السياسية اللبنانية التي تدفع فرنسا بقوة لحلها.

ما أهمية وجود إيران في المؤتمر؟

مؤتمر “بغداد 1″، الذي عُقد في العراق في آب/أغسطس 2021، كان نموذجا أوليا واعِدا لحوار إقليمي يجمع أطرافا إقليمية ودولية مؤثرة في الملفات الخلافية. واليوم، تعملُ الهواجسُ المُشتركة على الدفع قدُما بالنسخة الثانية من هذا الحوار في العاصمة الأردنية عمّان التي تأمل أنْ تنجح في إذابة الثلوج بين صُناع القرار الإقليمي.

أيضا فإن الدعوة إلى “منظومة إقليمية” خارج إطار “الجامعة العربية”، أو “مجلس التعاون الخليجي” إنما تستهدف إشراك أنقرة وطهران. وتبدو هذه الفكرة منطقية، إذ لا يُمكن البتّ في أي من الملفات الإقليمية من دون التفاهم مع أنقرة وطهران، اللتين تمتلكان مصالح ورؤى وطموحات هيمنة إقليمية واضحة.

أيضا فإن انخراط طهران في مثل هذا الحوار الإقليمي مهم جدا؛ إذ تُعد إيران الطرف الذي تدور معه الخلافات الأساسية في أهم الملفات. وطالما أن محاولات الحوار الثنائي لم تنجح في بلوغ مرحلة التوافق الإقليمي، فربما يكون الحل في حوار إقليمي شامل.

سبايلة يؤكد أن وجود إيران في المؤتمر مهم، وذلك بسبب الاعتراف بأن إيران هي لاعب إقليمي أساسي، وهي جزء أساسي من المشاكل الموجودة في المنطقة، بسبب سياساتها العدوانية، وتمددها في عدة دول، وقدراتها الصاروخية البالستية التي تهدد المنطقة.

لذلك في النهاية لا بد من الحديث مع إيران، وقد يكون المناخ مناسبا جدا بسبب تعمق الأزمة في إيران والتي قد تكون مضطرة للانخراط في حوار إقليمي وإيجاد حلول تهدئة للأوضاع في محيطها وبالتالي انعكاس ذلك على خلق حالة تهدئة في الداخل الإيراني، حسب سبايلة.

إيران بين انتقائية الحلول والضغوط

على الرغم من طرح الحكومة الإيرانية سياسة التجاور، واتخاذها بعض الخطوات الرمزية إزاء المحيط العربي، لكنها كانت خطوات انتقائية، وغيبت البلدان العربية التي تمثل الخلافات معها بؤرة العقدة الإقليمية. كما أن الحكومة الإيرانية أعلنت منذ يومها الأول، عزمها تعزيز سياسة دعم الميليشيات باعتبارها أحد ركائز السياسة الخارجية في العهد الجديد بحسب تعبير الوزير عبداللهيان، ما يعني استمرار تجاهل السياسة الإيرانية للدول، ومواصلة التعامل مع مستويات دون الدولة.

أيضا اليوم وقبيل عقد المؤتمر، قال وزير الخارجية الإيرانية، أمير عبداللهيان، في تصريحات صحفية، “مستعدون لاستئناف العلاقات مع الرياض وفتح سفارتي البلدين، نحن بمثابة أخوة وأمن السعودية من أمننا”.

حسب سبايلة، فإنه بلا شك ليس هناك أي دولة بما فيها إيران تتخلى عن نفوذها في الإقليم إلا إذا اضطرت لذلك، واليوم الأزمة في إيران عميقة وعلاقتها مع دول الجوار سيئة، وعلى المستوى الدولي هي في حالة أقرب إلى العزلة وتسير باتجاه عزلة أكبر، فهي مضطرة إلى إحداث تغيير في نمط علاقاتها والإثبات للجميع حسن نيتها، لذلك من الممكن أن تكون الظروف مواتية لإيران لإرسال مثل هذه الرسائل.

لكن من جهة ثانية، هناك فجوة كبيرة بين موقف الحكومة الإيرانية، وبين موقف الدولة العميقة، فلا يزال زمام المبادرة في الملفات الإقليمية الرئيسة، خارج يد الحكومة، تحت سيطرة أجهزة الدولة العميقة، ومؤخرا كان وجود قائد فيلق القدس في بغداد أثناء محاولات تشكيل الحكومة العراقية، مثالا بارزا على استمرار تدخل “الحرس الثوري” الإيراني في الملفات الإقليمية؛ ما يعني استمرار بقاء هذه الملفات خارج صلاحيات وزارة الخارجية الإيرانية.

أيضا فإن الحكومة لا تزال بعيدة كل البعد عن التأثير في برامج الصواريخ والمسيرات، وهو ما ظهر بوضوح في غياب المعلومة لدى وزير الخارجية الإيراني حول تقديم السلاح للجانب الروسي، ثم اضطراره لتغيير تصريحاته.

بالنتيجة فإنه من أجل التعامل مع إيران فيما يتعلق بالملفات الإقليمية الخلافية، يجب أن يكون الحوار مع الدولة العميقة أي الجهة التي تملك الصلاحيات، والتي ترفض حتى الآن وضع هذه الملفات على طاولة الحوار، وكان المرشد الأعلى علي خامنئي، صرح في 26 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أن فكرة انخراط إيران في مفاوضات حول الحد من نفوذها الإقليمي أو الانسحاب من المنطقة بحسب تعبيره، والحد من تطلعاتها في امتلاك الصواريخ والمسيّرات فكرة مرفوضة تماما.

من الواضح أن مؤتمر “بغداد 2″، يؤكد على حاجة المنطقة لحوار شامل لكل أطرافها لحل المسائل الخلافية، لكن في الوقت نفسه يسود تشاؤم كبير من نتائج المؤتمر وانعكاساته على علاقات إيران بدول المنطقة في المستقبل في ظل وجود الدولة العميقة في إيران والتي ترفض خسارة نفوذها في المنطقة.

إقرأ:الاتفاقية الصينية في العراق.. ضغط إيراني وتهديد للشركات الأجنبية

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة