ترحيل اللاجئين السوريين في تركيا، تحول من الترحيل الفردي إلى ترحيل عائلات بأكملها وبشكل دوري وهذا ما يحدث في العاصمة أنقرة، حيث أقدمت السلطات التركية على ترحيل قرابة 20 عائلة إلى الشمال السوري منذ مطلع شهر كانون الأول/ديسمبر الجاري، وفق ما وثّقه حقوقيون، كما قامت بتوقيف قرابة 50 عائلة أخرى قبل أيام قليلة من منازلهم، فيما تُثار مخاوف من ترحيلهم أيضا إلى المناطق الحدودية في شمال سوريا.

لم يسبق تسجيل أي إجراء مشابه خلال السنوات الماضية، إذ كان الترحيل يستهدف أشخاصا بشكل فردي، بعيدا عن تضمين عوائلهم، وإلى الآن لم يصدر أي تعليق رسمي حكومي بشأن هاتين القضيتين.

الحكومة التركية تنفي دائما ترحيلها لسورين قسرا إلى الشمال السوري، في الوقت الذي تعلن فيه بشكل دوري عن إحصائيات “العودة الطوعية”، لكن منظمات حقوقية من بينها “هيومان رايتس ووش” وثّقت عكس ذلك، حيث قالت في تقرير لها نشرته في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، إن “تركيا اعتقلت ورحّلت مئات اللاجئين السوريين رجالا وصبية هذا العام، واحتجزتهم تعسفيا وأجبرتهم على العودة إلى شمال سوريا”.

لكن وعقب هذا التقرير، قالت رئاسة الهجرة التركية إن “مزاعم المنظمة عارية عن الصحة، وأن تركيا تتعامل مع اللاجئين بما يتماشى مع القانون الدولي والتشريعات الوطنية، وفي هذا في السياق يُنقَل الأجنبي فقط إلى بلده الأصلي أو بلد ثالث آمن”.

أسباب مجهولة

معظم أفراد العائلات التي رُحلت في الحادثة الأولى التي وقعت في الثامن من الشهر الجاري، يمتلكون بطاقة الحماية المؤقتة “الكملك” الصادرة عن مديرية الهجرة في أنقرة، والبعض منهم يمتلك أيضا أماكن عمل وممتلكات منقولة، بحسب حديث الحقوقي طه الغازي، لـ”الحل نت”، إذ لم يُسمح لهم بتسوية أمورهم المالية، وتم ترحيلهم خلال 72 ساعة.

العوائل المرحّلة كانت تقيم في منطقة كهرمان كازان في أنقرة، وتم ترحيلهم عبر معبر “جرابلس” الحدودي إلى الشمال السوري، وفق الغازي.

فيما يتعلق بالحادثة الثانية، التي وقعت الخميس الفائت، يضيف الغازي بأن “السلطات الأمنية أقدمت على توقيف قرابة 50 عائلة سورية لاجئة مقيمة في منطقة شوبوك في ولاية أنقرة، وبحسب إفادات لبعض الموقوفين، فإن قسما من العائلات متواجدة في مركز الترحيل أكورت، والقسم الآخر تم نقله إلى مركز الترحيل أوغزلي في ولاية غازي عينتاب، وقد أكدوا عزم السلطات التركية ترحيل كل العائلات إلى مناطق الريف الشمالي خلال الأيام القادمة”، بحسب تعبيره.

رئاسة الهجرة التركية لم تصدر إلى الآن أي بيان بشأن قضيتي الترحيل والتوقيف، وفق الغازي.

بانتظار التوضيح

المتحدثة باسم “اللجنة السورية التركية المشتركة” إيناس النجار، قالت في حديثها لـ”الحل نت”، بأنهم “أرسلوا مذكرة معلومات بخصوص العوائل المرحلة في الدفعة الأولى، والطريقة التي تم ترحيلهم بها لرئاسة الهجرة التركية، حيث كان رد الأخيرة، بأن هؤلاء عليهم مشاكل أمنية، بدون توضيح ماهي نوعية هذه المشاكل”، وتضيف النجار، بأن “اللجنة” مستمرة في التواصل مع جميع العوائل إلى الآن.

قد يهمك: من جديد.. ترحيل سوريين من تركيا فما التفاصيل؟

“اللجنة” تواصلت أيضا مع وزارة الداخلية ومع “رئاسة اللاجئين في البرلمان التركي” وبانتظار التوضيح من الجانب التركي حول ما يحصل، وفق النجار.

ترحيل العائلات السورية، هو مخالف لنظام الحماية المؤقتة ولمواثيق ومعاهدات حقوق اللاجئين والإنسان الدولية، أيا كانت المبررات التي ستعتمدها الهجرة التركية أو المؤسسات الرسمية لتبرير ذلك، بحسب الغازي.

العائلات يجب أن تُعرض على المحكمة، وفق الغازي، وبناء على قرارها، يتم النظر بأوضاعها سواء بالترحيل أو التوقيف وفرض العقوبات المالية أو الإدارية، هذا في حال كان عليهم دعاوى قضائية، لكن ما حصل هو أن الترحيل تم خلال 72 ساعة دون عرض العائلات على المحكمة. هذا يضع الأمر ضمن الإجراء التعسفي، وفق تعبيره.

 كإجراء من شأنه أن يوقف عملية الترحيل، تنصح العديد من المنظمات الحقوقية والإنسانية العاملة في تركيا، بتوكيل محام فور التعرض للتوقيف في مركز الترحيل، إلا أن ارتفاع تكلفة أجور المحامين، يحول دون تمكّن معظم العائلات السورية من إجراءات التوكيل والطعن وإيقاف الترحيل.

انتشرت خلال الأيام القليلة الماضية، تسجيلات مصورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أظهرت شبّان ونساء وأطفال سوريين في المنطقة الفاصلة بين البوابة التركية والسورية لمعبر جرابلس، وقالوا إنهم تعرّضوا لـ”الترحيل تعسفيا وبثيابهم”.

استغلال ملف اللاجئين

منذ مطلع العام الماضي يتصدر ملف اللاجئين السوريين في تركيا حديث أحزاب المعارضة، التي اتجهت للضغط من خلاله على الحكومة، مطالبة بإرجاعهم إلى البلاد، وتقييد أعمالهم التجارية التي نمت على نحو ملحوظ، بحسب ما تظهره البيانات الرسمية.

هذا التصدّر جاء ضمن إطار المناكفات السياسية التي يربطها كثيرون بقرب موعد الانتخابات الرئاسية المقرر تنظيمها في شهر حزيران/يونيو 2023. وأيضا بمحاولة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بتعزيز رواية نجاح “العودة الطوعية” للسورين، بما يزيد من فرص نجاحه في الانتخابات القادمة.

الرئيس التركي، كان قد أعلن في شهر أيار/مايو الفائت، أن بلاده تعمل على مشروع يتيح “العودة الطوعية لمليون لاجئ سوري إلى بلادهم”، وأن المشروع سيكون “شاملا بصورة كبيرة”، وسينفذ في 13 منطقة على طول الحدود الشمالية لسوريا، بحسب موقع قناة “الحرة”.

بعد أشهر من إعلان “مشروع العودة الطوعية” من قبل أردوغان، كشف كلشدار أوغلو زعيم “حزب الشعب الجمهوري” عن خطة خاصة بحزبه وتتألف من 4 مراحل، واستعرض تفاصيلها أثناء لقائه سوريين في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، في ولاية كلس الحدودية.

صحيفة “جمهورييت” استعرضت تفاصيل خطة كلشدار أوغلو، بقولها، “إذا فاز حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات، فإن الخطوة الأولى التي ينوي اتخاذها هي الاجتماع مع الحكومة الشرعية في سوريا، وفتح السفارات لبعضها البعض”.

بعد ذلك، جاء في الخطة “سيتم بناء منازل ومدارس وطرق للاجئين الذين سيذهبون إلى سوريا، بفضل الأموال التي قدمها الاتحاد الأوروبي والاتفاقيات مع المقاولين الأتراك، كما سيتم السماح لرجال الأعمال في تركيا بإعادة فتح مصانعهم في سوريا”، بحسب الصحيفة.

لا يُعرف بالتحديد المدة الزمنية التي سيتم فيها تنفيذ “مشروع عودة المليون” الخاصة بالرئيس التركي حتى الآن، بينما حدد زعيم المعارضة مدّة مشروعه بعامين فقط.

في غضون ذلك تكشفت خطة ثالثة خلال الأسابيع الماضية، خاصة بـ”حزب الجيد” المعارض ذو الجذور القومية، إذ أعلن المتحدث باسمه، كورشاد زورلو أنهم تقدموا مؤخرا بطلب إلى وزارة الخارجية التركية، من أجل لقاء الرئيس السوري، بشار الأسد.

زورلو تحدث بأنهم يريدون مناقشة 4 قضايا في الاجتماع، الأولى هي “المساهمة في توفير الظروف الاقتصادية والاجتماعية والأمنية اللازمة للسوريين الذين اضطروا لمغادرة بلادهم للعودة إلى وطنهم”.

إحصائيات المرحلين

سجّل معبر “باب الهوى” الحدودي مع منطقة إدلب شمال غرب سوريا، ترحيل أكثر من 17 ألف لاجئ سوري منذ بداية العام الحالي، في حين بلغ تعداد المرحّلين من بوابة معبر “السلامة” شمال حلب أكثر من 16 ألف لاجئ، حسبما ما جاء في الاحصائيات التي نشرتها إدارتا المعبرين الحدوديين مع تركيا.

“تلفزيون سوريا” كان قد نقل عن مصادر قولها إن “السلطات التركية طلبت من إدارة المعابر التي تديرها الحكومة السورية المؤقتة مثل باب السلامة، عدم وصف العودة بالترحيل أو العائدين قسريا ضمن الإحصائيات الشهرية، والاستعاضة عن ذلك بوصف العودة الطوعية”.

اقرأ أيضا: حملة تدعو لترحيل السوريين في تركيا دون “عنصرية”

50 بالمئة من عدد الأشخاص المذكورين ضمن إحصائيات العائدين من تركيا، بحسب ذات المصادر، هم ممن أجبروا على توقيع أوراق العودة الطوعية، لكنهم في الواقع هم مرحّلون قسريا.

سياسة الترحيل غير الطوعي التي تتبعها أنقرة بحق اللاجئين السوريين من أراضيها على الرغم من امتلاك كثيرين منهم لبطاقة الحماية المؤقتة التركية “كملك” دون توضيح الأسباب، يراها مراقبون انتهاك وتجاوز لحقوق الإنسان واللاجئين، حيث تستغل أنقرة ورقة اللاجئين دائما في خدمة مصالحها الشخصية، وخاصة التوسع والامتداد في الداخل السوري.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.