بعد معاناة طويلة فرضتها الجزائر على المغرب نتيجة حاجة الأخيرة للغاز الجزائري وما انتجه ذلك الخلاف من تمدد للنفوذ الروسي في المنطقة، تسعى الرباط في الوقت الحالي في التحول إلى دولة مصدرة للطاقة عقب النجاحات في مجال التنقيب عن الغاز، ما فتح عين المملكة على مشاريع عملاقة لتصدير الغاز نحو الأسواق العالمية، خصوصا مع امتلاك أكثر من 20 تريليون قدم مكعبة من احتياطات الغاز الطبيعي ما يعتبر رقما قياسيا.

حيث أكد الرئيس التنفيذي لشركة “ساوند إنرجي” البريطانية المكلفة بالتنقيب عن الغاز والنفط بالمغرب غراهام ليون، أن المغرب يمتلك ثروة كبيرة من احتياطات الغاز الطبيعي، وذلك سيساعده على تحقيق اكتفاء ذاتيا، بل ما سيدفع بالبلاد للتوجه نحو تصدير الغاز للأسواق عالمية.

بناء على تلك النجاحات، تدرس الشركة البريطانية مشروعين محوريين وتبحث تنفيذهما، ويتعلق أحدهما بتزويد الأسواق الصناعية الكبرى بالغاز الطبيعي المسال، بينما الآخر يتضمن تطوير خط أنابيب لإمداد أسواق الكهرباء بالغاز، ومن المتوقع أن يحظى المشروعان بالدعم والتأييد واتخاذ قرار استثماري نهائي في العام الوشيك.

أهمية تحول المغرب للاستثمار في الغاز

في حين يمكن أن يوفر المشروع الأول حوالي 100 مليون متر مكعب سنويا من الغاز المسال للأسواق الصناعية، مستهدفا بدء الإنتاج والبيع في الربع الأول من عام 2024، بحسب الرئيس التنفيذي للشركة، في وقت وضع المغرب خارطة طريق وطنية في ثلاث مراحل لتطوير الغاز الطبيعي تمتد بين 2021 – 2050، خدمة للإستراتيجية الطاقية الوطنية، ولتحديد بنية السوق والفاعلين وتحفيز التطور التدريجي للطلب، وتطوير البنية التحتية، والوصول إلى طاقة تنافسية، وتحسين القدرة التنافسية للمصدرين الصناعيين، وتنمية أنشطة المناولة الأخرى للقطاع.

وسط ذلك، يتوقع للمغرب الذي فقد في وقت سابق تدفقات الغاز الطبيعي الجزائري في تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2021، والتي كانت تعد أكبر مصدر لها للغاز المستورد إثر اندلاع أزمة دبلوماسية بينهما ولما تحمله من ضغوطات نتيجة ذلك، قد يحدث تغييرا حقيقيا في قواعد اللعبة بعد الاكتشافات الكبيرة في مجال الغاز، ولعلها تضع المملكة في الصدارة وتخلق لها ثروة محلية بل وفائضا للتصدير.

اقرأ/ي أيضا: لقاءات سرية وإعادة هيكلة للحكومة السورية.. ما علاقة الدور العربي؟

ليس ذلك فحسب، بل ما يمكن أن تحققه المغرب من خلال اكتشافات الغاز قد يتجاوز حدود إيجاد مخرجا لعوامل الضغط الجزائرية، إلى أبعد من ذلك بعدم الحاجة إلى روسيا التي تسعى جاهد إلى تكريس نفوذها في منطقة الشمال الإفريقي، التي استطاعت خلال العقدين الماضيين، إعادة تأكيد حضورها ودورها فيه، من خلال استخدام أدواتها الدبلوماسية التقليدية: السلاح والغاز والطاقة النووية، وبعض الأدوات الاقتصادية الأخرى، خصوصًا في مناطق نفوذها الجيوسياسي.

إذ شهدت العلاقات بين روسيا وشمال إفريقيا إعادة تنشيط لها منذ بداية الألفية، بعد انحسار وتراجع خلال عقد التسعينات لأسباب تتعلق بعدم الاستقرار السياسي والتدهور الاقتصادي عقب تفكك الاتحاد السوفياتي.

حيث ركزت روسيا في انطلاقتها الجديدة عقب استلام الرئيس فلاديمير بوتين السلطة سنة 2000، على الحلفاء التقليديين للاتحاد السوفيتي في المنطقة، مثل ليبيا والجزائر، لكن على أسس جديدة؛ اللافت فيها محاولة نسج علاقات شراكة استراتيجية مع الدول التي كانت تدور في فلك الغرب إبان الحرب الباردة، مثل المغرب وتونس.

وإذا كانت “ثورات الربيع العربي” سنة 2011 قد خلطت أوراق السياسة في المنطقة، فإن روسيا جعلت منها فرصة للتموقع، من منطلق انحيازها للأنظمة، وبحجة الحفاظ على وحدة الدولة وسيادتها، معتمدة في ذلك على أزمات المنطقة خصوصا فيما يتعلق بين الجزائر وتونس.

لذلك فإن “اعتماد الجزائر على تدفقات الغاز في الضغط على الدول المنافسة والخصوم هذا خطأ إستراتيجي في الحقيقة من السذاجة تكراره، خصوصا مع النظر إلى ما تمر به روسيا الدولة الحليفة للجزائر”، كما يقول خبير العلاقات الدولية مراد فاضل، في حديث لموقع “الحل نت“.

إذ بيّن فاضل أن الجزائر عليها الاتعاظ من الدرس الروسي، لاسيما مع الأخذ بعين عين الاعتبار الفوارق بين كميات إنتاج وتصدير الغاز بين الدولتين، إذ إن روسيا التي تمثل وحدها نسبة 45 بالمئة من صادرات الاتحاد الأوربي لم ينجح رهانها على الغاز، متسائلا: فما هو وزن الجزائر أم ذلك.

المغرب وإنتاج الغاز

فاضل أوضح أن المغرب لا تحتاج سوى كميات الغاز التي تشغل فيها محطتين لتوليد الطاقة الكهربائية، وحتى حاجتها على تلك الكميات معتمدة على أبعاد استراتيجية دولية، لافتا إلى أن المغرب تحصل على كميات الغاز الجزائري من خلال الأنبوب الغازي الذي يمر من الجزائر إلى إسبانيا عبر أراضي الرباط.

بالتالي عندما حاولت الجزائر الضغط على المغرب في هذا الجانب، لم تتحمل أكثر من سنتين في الاستغناء عن واردات هذا الأنبوب، وهو ما دفعها إلى إعادة الاتفاق حول إعادة ضخ الغاز إلى مدريد وهو ما يعني بالضرورة أن تعود المغرب لتحصل على مكاسبها.

على الرغم من ذلك، فإن توجه الرباط حول الاستثمار بالغاز، سيضع حدا لتلك الضغوط حتى وإن كانت مؤقتة، لكنه لها تأثيرا كبيرا، وفقا لما يراه خبير العلاقات الدولية، مشيرا إلى أن تلك الضغوطات اضطرت العاهل الملكي إلى إبداء المرونة والتوجه نحو دول روسيا والصين سواء في مجالات الطاقة أو مجال السلاح، لتقديم دولته منافسة إلى غريمه الجزائري الذي أخذ يستخدم علاقته من حيث الاعتماد على الواردات الروسية والصينية تحديدا العسكرية منها وسيلة للضغوط على الرباط.

اقرأ/ي أيضا: ملامح الخطر الإيراني على منطقة الشرق الأوسط.. الاتفاق النووي حل؟

ولفت إلى أن المغرب دولة تمتلك علاقات تاريخية واستراتيجية مع الغرب، لذلك أن التحول من دولة تعتمد على الوقود الاحفوري إلى الغاز، ومن ثم التصدير، لن يضع أمامها عائقا للتحول باتجاه الغرب بشكل شبه تام، وهذا يعني قطع الطريق على روسيا والصين في منطقة الشمال الإفريقي، لسبب أن تحول المغرب إلى مورد عالمي للغاز هذا يعني أنه سينتزع مكانة الجزائر في هذا المجال والتي تتعامل معها أوروبا لهذا الغرض، فضلا عن أن العلاقات الاقتصادية الاستراتيجية التي ستبنيها المغرب مع الغرب سيفرض على الأخير أن توفير الدعم العسكري والغطاء الدولي، ما يعني أنها لن تحتاج روسيا والصين بعد ذلك.

جدير بالذكر أن المغرب يستهلك حوالي 1 مليار متر مكعب من الغاز سنويا، ويعتبر من أقل معدلات استهلاك الغاز، وسيخول استغلال غاز حقل “تندرارة” الحصول على جزء من حاجياته لتشغيل محطتي الطاقة الحرارية لعين بني مطهر وتاهدارت، فيما قد يكون ميناء “الناظور” غرب المتوسط، محطة لاستقبال وتخزين الغاز المسال المستورد مستقبلا، لتتم فيه إعادته إلى حالته الغازية قبل نقله إلى المناطق الصناعية ومحطات إنتاج الكهرباء.

كميات الغاز المغربي

حسب عدد من الدراسات الجيولوجية، يتوفر المغرب على احتياطات من الغاز الطبيعي تقدر بـ1.44 مليار متر مكعب، وهو ما قد يخول للمغرب الانضمام إلى منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك“، مبرزة في ذات السياق أن “المكتب الوطني للهيدروكربونات والمعادن” قد عمل مؤخرا على تقديم شروط استثمار جذابة لفائدة شركات التنقيب وإنتاج النفط والغاز.

وحسب مذكرة التفاهم التي جرى توقيعها بين الدولة، ممثلة في “المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب“، وشركة “ساوند إنرجي” بخصوص حقل “تندرارة“، أظهرت أن المغرب سيتمكن من تقليص نسبة استيراد الغاز المستعمل في الكهرباء بنسبة تصل إلى 30 بالمئة، أي أنه سيربح حوالي 800 مليون درهم، ما يعادل 83 مليون دولار.

يذكر أن شركة “ساوند إنرجي” تدير ثلاث مناطق في شرق المملكة، حيث تمتلك 47.5 بالمئة من رأس المال الاستثمارات في الشرق، مقابل 27.5 بالمئة لشلمبرغير، و25 بالمئة لـ“لمكتب الوطني للهيدروكربونات والمناجم“.

وخلال عام 2018، أعلنت الشركة البريطانية اكتشاف حقل للغاز الطبيعي في عملية تنقيب عن الهيدروكربونات غرب حوض “واد سبو” بالقنيطرة، إذ يلامس حجم الاحتياط النفطي بالبئر 10200 متر مكعب من الغاز الطبيعي، بإنتاج صاف يصل إلى 55 ألف برميل، مؤكدة أن المخزون الذي تم اكتشافه هو الأكبر في المنطقة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.