تساؤلات عديدة تثار حيال الفرضيات المتناقلة التي تدور حول مصير أيمن الظواهري وخليفته، محمد صلاح زيدان الذي يحمل الاسم الحركي “سيف العدل”. فمنذ إعلان الولايات المتحدة الأميركية قبل نحو خمسة أشهر عن العملية التي قالت إنها أدت إلى مقتل زعيم “القاعدة” الظواهري، ما زال التنظيم يرفض الاعتراف بفقدان خليفة مؤسسه أسامة بن لادن.

منذ إعلان مقتل الظواهري في كابل، وآلة دعاية تنظيم “القاعدة” الإرهابي تبث، مثلما فعلت الأسبوع الماضي، رسائل بالصوت أو الفيديو غير مؤرخة للظواهري، من دون تأكيد أو نفي وفاته.

بالنظر إلى أن كل الخيارات تقريبا مفتوحة، وفق ما قاله الباحثان رافايلو بانتوتشي وكبير تانيجا في أوائل كانون الأول/ ديسمبر الماضي، على موقع “لوفير” من المحتمل أن تكون واشنطن مخطئة في شأن وفاته”. وذكرا أيضا، في إعلانات سابقة عن تصفية قياديين متطرفين عادوا إلى الظهور بعد ذلك، لكنهما أشارا إلى أن “الأمر يبدو غير مرجح بالنظر إلى الثقة التي تحدث بها الرئيس الأميركي جو بايدن عن الضربة التي أودت بمقتل الظواهري”.

لكن هذه الفرضيات تستدعي التساؤل حول مصير الظواهري وعدم وفاته، بالإضافة إلى تساؤل حول تداول فرضية مفادها بأن المجموعة فشلت في الاتصال بـ”سيف العدل”، الخليفة المفترض للظواهري، لكن تفيد المعلومات بأن “العدل” يختبئ في إيران، وهل سيكون العدل ورقة بيد النظام الإيراني، وكيف ستستفاد طهران منه.

كذلك، تساؤل حول الإدارة الحقيقية للتنظيم، وهل يوجد خليفة مجهول أو وجود مجلس قيادة يلعب دور قائد المجموعة، وأخيرا، بالنظر إلى أن جميع الخيارات تقريبا مفتوحة لهذه الفرضيات يبقى السؤال لماذا يروّج التنظيم لمثل هذه الفرضيات، ما الدوافع والأسباب.

مات “إكلينيكيا”؟

مطلع آب/أغسطس 2022، أعلن الرئيس بايدن، مقتل الظواهري بضربة نفذتها طائرة من دون طيار في كابل عاصمة أفغانستان. وأعلن مسؤول كبير في الإدارة الأميركية أن الظواهري 71″ سنة”، كان على شرفة منزل من ثلاثة طوابق في العاصمة الأفغانية عندما استهدف بصاروخين من طراز “هيلفاير” آنذاك.

منذ ذلك الحين، ما زالت آلة دعاية التنظيم تبث رسائل بالصوت أو الفيديو غير مؤرخة لزعيمها المصري، من دون تأكيد أو نفي وفاته. موقع “سايت” الذي يرصد أنشطة الجماعات المتطرفة، ذكر على الإنترنت في 23 كانون الأول/ديسمبر الماضي، أن تنظيم “القاعدة” نشر فيديو مدته 35 دقيقة يزعم أنه بصوت زعيمه الظواهري، والتسجيل غير مؤرخ، ولم يشر النص بوضوح إلى إطار زمني محدد لتوقيت تسجيله، بحسب وكالة “رويترز”.

هانز جاكوب شندلر، مدير مركز “أبحاث مشروع مكافحة التطرف” (سي إي بي)، قال لـ”وكالة الصحافة الفرنسية”، إنه “أمر غريب حقا. لا يمكن لشبكة أن تعمل في غياب قائد لها. إنها تحتاج لشخصية يدور حولها كل شيء”.

في هذا السياق يرى الدكتور سامح إسماعيل، الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الجهادية والمحاضر في العلوم السياسية وفلسفة التاريخ، أن مقتل الظواهري في غارة أميركية دقيقة يوم 32 تموز/يوليو الماضي، والإعلان عنه رسميا في 2 آب/أغسطس الماضي، يكتنفه بعض أو كثير من الغموض، ذلك لأن المتحدث باسم “طالبان” ذبيح الله مجاهد، نفى وجود أي دليل على مقتل الظواهري أو العثور على جثته، وطالب بفتح تحقيق في ذلك، مع وجود اعتراضات على تنفيذ مثل هذه الغارات داخل العمق الأفغاني، لكن كل هذا لم يؤدِ إلى نتيجة ولم يتم التأكد من العثور على جثة الظواهري بعد، وهذا أمر شديد الغموض والالتباس، لا سيما أن التنظيم نفسه لم يصرّح بعد بمقتل خليفته ولم يعلن بعد عن تعيين سيف العدل خليفة له.

قد يهمك: مشاركة إريتريا في الصومال.. تحالف إقليمي آخر يحتاجه القرن؟

إسماعيل أثناء حديثه لموقع “الحل نت”، أردف أيضا أن من الأمور التي تزيد من هذا الغموض أن التنظيم بث مؤخرا تسجيلا صوتيا زعِم أنه للظواهري، دون أن يذكر تاريخه، مما يزيد الغموض حول الموضوع برمته، وإن كانت آراء المراقبين والمحللين تذهب لتأكيد الرواية الأميركية بمقتل الظواهري، هذا لأن واشنطن لا تستطيع أن تضع نفسها في هذا الموقف الحرج للغاية أيضا عندما تعلن مقتل شخصية بحجم الظواهري ثم يظهر في شريط فيديو.

بالتالي ليس مستبعدا إصابة الظواهري بجروح قوية وربما مات إكلينيكيا أو مات بالفعل، ورغم أن الرأي كان بوفاته سريريا إلا أنه لم يتم الإعلان عن وفاته بسبب حجم الصراع داخل التنظيم نفسه، ذلك لأن سيف العدل لديه أكثر من منافس.

بينما الباحث في شؤون الأصولية، عمرو عبد المنعم، يرى أن فرضية عدم وفاة الظواهري، مستبعدا تماما، لأنها لو كانت صحيحة لستغلتها “القاعدة” وأحرجت الإدارة الأميركية بهكذا أمر.

أواخر آب/أغسطس الفائت، قال المتحدث باسم “طالبان” ذبيح الله مجاهد، إن الحركة لم تعثر على جثمان الظواهري زعيم “القاعدة” وإنها تواصل التحقيقات بعد أن قالت الولايات المتحدة إنها قتلته بغارة جوية في كابل.

بحسب البيان الرسمي لحكومة “طالبان”، فإن “إمارة أفغانستان الإسلامية ليست لديها معلومات عن وصول ووجود أيمن الظواهري في كابل”. وكانت هذه المرة الأولى التي تأتي فيها “طالبان” على ذكر اسم الظواهري منذ إعلان الرئيس بايدن نجاح العملية التي أدت إلى مقتله.

الجدير ذكره، أن الظواهري يعتبر من أحد العقول المدبرة لهجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 التي راح ضحيتها نحو 3 آلاف شخص في الولايات المتحدة، وقد فقد أثره منذ أكثر من 10 سنوات.

ورقة بيد طهران؟

في المقابل، هنالك فرضية متداولة أخرى مفادها بأن المجموعة فشلت في الاتصال بسيف العدل، المقدم السابق في القوات الخاصة المصرية الذي انضم إلى حركة “الجهاد الإسلامي” المصرية في الثمانينيات، حيث اعتُقل ثم أُطلق سراحه وتوجه إلى أفغانستان لينضم إلى “القاعدة” مثل الظواهري الذي صار نائبا له.

بحسب الوكالات الإعلامية الغربية، فإن سيف العدل يختبئ في إيران، قال الباحثان رافايلو بانتوتشي وكبير تانيجا “من الواضح أنه يعيش في بيئة خطيرة تحدّ من حركته”.

بدوره، يرى إسماعيل أن “إيران ليست على اتفاق سياسي كامل مع التنظيم الذي يمثّل النظير السني لنظام الملالي، وأن هناك تنافسا قويا بين الطرفين، حتى لو عداء واشنطن يجمعهما، لكن وجود سف العدل في إيران أمرا مستبعدا”.

كذلك، قد يكون وجود سيف العدل في إيران غير صحيح، لكن لا يُستبعد أن يكون له علاقات وثيقة مع طهران، حيث تحاول الأخيرة استخدام جميع الأوراق المتاحة للضغط على الولايات المتحدة، خاصة في ظل استمرار الاحتجاجات الشعبية في إيران، وبالتالي وفق تقدير إسماعيل، يرجح أن تستخدم طهران هذه الورقة ضد واشنطن، رغم أنها مهمة جدا بالنسبة للأخيرة، إلا أنها تستطيع التعامل معها وتحديد مكان الزعيم المفترض لـ “القاعدة”، إذا أرادت أو نفذت عملية نوعية حتى لو كانت داخل إيران، و هذا ليس مستثنى أيضا، لكن إسماعيل يشير إلى أن سيف العدل ربما يكون مقيم في أفغانستان أو دول الجوار أو أي دولة إقليمية لأفغانستان، معتبرا أنها بيئة مناسبة ومتاحة للغاية للاختباء فيها.

من جهته، عبد المنعم، يعتقد أثناء حديثه لـ”الحل نت”، بأن إيران تتحكم بشكل كبير في “القاعدة” منذ تأسيسها وهناك اتصالات بينهم تدعمها أدوات بين الطرفين وتتخذهم “مخلب قط” ضد الغرب والحكومات العربية، وتستخدمهم بطريق أو بأخرة لتنفيذ مخططاتها وأطماعها في كثير من الدول.

هذا بالإضافة وفق تقدير عبد المنعم، إلى أن إيران تعرف جيدا البيت الداخلي لـ”القاعدة”، لكن الظواهري لم يكن معجب بالعلاقة المباشرة بين التنظيم وطهران وخاصة رجال “الحرس الثوري الإيراني” المتفاعل مع “القاعدة”.

بينما يقول شندلر إن “سيف العدل يمثل مسؤولية، ولكنه أيضا ورقة بيد النظام الإيراني”، يمكن لطهران بحسب ما يخدم مصالحها، أن تسلمه للأميركيين أو بالعكس أن تدعه يوجه ضربات لهم.

لكن المراقبين يرون الأمر من منظور سيناريو آخر فيقولون إن صمت “القاعدة” فرضته عليها حركة “طالبان”. فقد قتل الظواهري في حي راق في كابل، حيث لم تتمكن الحركة من أن تتجاهل وجوده.

شندلر، قال إن “قرار طالبان عدم التعليق على قتله يمكن أن يكون جزءا من جهودها لإدارة علاقاتها الهشة ولكن العميقة مع “القاعدة”، مع مراضاة واشنطن التي وعدوها بعدم السماح للتنظيم بأن يتصرف كما يحلو له. ولكن ربما لاقى العدل حتفه أيضا، أو اختبأ لتجنب مصير سلفه وزعيمي تنظيم “داعش” اللذين قتلا بفاصل ثمانية أشهر عام 2022.

هذا ويُعد سيف العدل، من أبرز المرشحين لخلافة الظواهري. ويُرجح أنه يبلغ من العمر 60 عاما تقريبا، وبفضل خبرته العسكرية والإرهابية، يُعد تقريبا من قدامى المحاربين في التنظيم الإرهابي. وصنفه مكتب “التحقيقات الاتحادي الأميركي” واحدا من أكثر الإرهابيين المطلوبين في العالم بمكافأة تبلغ قيمتها 10 ملايين دولار. وكانت صورة قد انتشرت لسيف العدل، في وقت سابق، رجّحت معها احتمالية قيادته لـ”القاعدة”.

من يدير التنظيم؟

جميع المعطيات وأغلب التقديرات تشير بأن هناك تكتما على ما يجري داخل التنظيم يختلف تماما اليوم عن ذاك الذي نفذ هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة.

قد يهمك: “داعش” يعاود الظهور في لبنان.. ما مآلات تجدّد التهديدات الإرهابيّة؟

بالتالي، فإن صمت التنظيم في شأن ما بعد الظواهري الذي عُيّن بعد ستة أسابيع فقط من مقتل بن لادن، “يعكس الأهمية المحدودة لتنظيم القاعدة المركزي، إنه رمز يوحّد الجماعات عبر الحدود، ولكن أهميته متدنية فيما يتعلق بعملياتها”، كما يقول باراك مندلسون، الأستاذ في جامعة “هارفرد” في بنسلفانيا.

مندلسون المتخصص في الجماعة الجهادية، يشير إلى أن هذا الفراغ في سلطة وقيادة التنظيم ليس كبيرا جدا، ومن هذا المنظور تواجه “القاعدة” وتنظيم “داعش” صعوبات متشابهة.

لكن توري هامينغ، أستاذ العلوم السياسية الدنماركي في قسم دراسات الحرب في جامعة “كينغز كوليدج” في لندن، يقول إنه “على رغم من إعلان تنظيم داعش تعيين زعيمين جديدين، إلا أن أحدا لم يسمع بهما من قبل. ومع ذلك ظلت الجماعات التي تدور في فلكه موالية لخليفة مجهول”، مضيفا “بالنسبة إلى القاعدة، يمكن أن يكون الأمر نفسه مع وجود مجلس قيادي يؤدي دور أمير الجماعة”.

عبد المنعم، يرى بأن هناك “مجلس قيادي” بالتنظيم ويسمة بـ”مجلس شوري”، ولديه دور وحضور قوي جدا وهذا يظهر في أبحاث “القاعدة” الشرعية الذي ظهر مؤخرا سواء ما ينشر في مجلة “أمة واحدة” أو أبحاث مثل “حكم القتال في صفوف الحكومات المرتدة” كذلك داسة صنعتها الوحدة الشرعية للتنظيم عن العلمانيون العرب.

عبد المنعم يعتقد بأن التنظيم “يروّج” ولا يحسم أمر مقتل الظواهري وعدم اختيار قيادة بديلة، وذلك بهدف تشتيت الانتباه وعدم تركيز الأجهزة والتبعات المركزية لمراصد الإرهاب الدولي على التنظيم وقياداته وقواعده. وهذا يعطي فرصة للتنظيم لإلتقاط أنفاسه وإيجاد ملاذات أمنة في دول ليس بها اهتمام بتنظيمات الإرهاب الدولي.

في حين اختتم إسماعيل حديثه بالقول “الأيام والأسابيع القادمة كافية لكشف حقيقة هذه الفرضيات، رغم أن كل السيناريوهات مفتوحة ومرجحة، لكن قد يكون الخلاف داخل التنظيم هو الذي يعيق الإعلان الرسمي عن مقتل الظواهري”.

على الرغم من مرور كل هذه المدّة على مقتل الظواهري، فإنه حتى الآن لم يتم اختيار بديل له من قِبل التنظيم، كعادة الإعلان بسرعة عن القيادات، ما يشير بحسب باحثينَ في الجماعات الأصولية إلى خلاف تنظيمي قد يؤدي إلى تفكك التنظيم وتشرذمه والذي قد يؤدي إلى نهايته.

 باحثون في الشأن الأصولي أشاروا إلى أن عدم الإعلان عن الزعيم الجديد للتنظيم حتى الآن يكشف عن صعوبات في اختيار البديل، الذي يصلح لقيادة التنظيم، لافتينَ إلى وجود خلاف تنظيمي يُلقي بظلاله على هيكل التنظيم، ويُعزز فرص استقلال الأفرع.

بالتالي، وفق كل هذه التداولات والفرضيات، يبقى الغموض محيطا بتنظيم “القاعدة” ومصير الظواهري وخليفته، فبعد مرور أكثر من 30 عاما على وجودها، لم تشهد “القاعدة” سوى خلافة واحدة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة