في ظل العجز المتواصل في الموازنة التونسية، بعد إقرار موازنة العام الجاري، واعتماد الحكومة في زيادة مدخولها عبر فرض الضرائب، تتزايد الاحتجاجات في الشارع التونسي، رفضا لقوانين الموازنة.

بالتأكيد الأزمة الاقتصادية العالمية ألقت بظلالها على الاقتصاد التونسي كغيره من اقتصادات الدول، بالتالي لا يمكن الحديث حاليا عن فرص بيد الحكومة للإنعاش الاقتصادي، خاصة في ظل تنامي مؤشرات التضخم والبطالة وتراجع قيمة العملة المحلية أمام الدولار، فهل تكون الموازنة سببا في حدوث عصيان ضريبي في البلاد.

عصيان ضريبي؟

دعوات إلى عصيان ضريبي، تصاعدت منذ إقرار قانون موازنة العام الجاري، الذي زاد الضغوط الجبائية على الأفراد ومختلف القطاعات، إذ من المتوقع أن تجمع الحكومة أكثر من 40 مليار دينار من الضرائب، أي نحو 13 مليار دولار قبل نهاية 2023، بزيادة 12.5 بالمئة عن المداخيل التي جرت تعبئتها العام الفائت.

القانون الذي دخل حيز التنفيذ مع بداية العام الجاري، يواجه انتقادات واسعة من قبل المؤسسات والأفراد، وهو الذي شهد رفع الضرائب، على شاغلي عدد من الوظائف، مثل المحامين والمهندسين والمحاسبين، من 13 إلى 19 بالمئة، فضلا عن الزيادة في غرامات التأخير على التصاريح الضريبية ورسوم تسجيل أحكام قضائية، إضافة إلى فرض ضريبة على ثروة العقار بقيمة 0.5 بالمئة.

هذه الدعوات صاحبتها تنفيذ عدد من المحامين الشبان، وقفة احتجاجية في المحكمة الابتدائية بالعاصمة تنديدا بما اعتبروه إجراءات جبائية مجحِفة في قانون المالية لسنة 2023، “ستؤدي إلى إثقال كاهل المواطنين وتمس قدرتهم الشرائية وتحول دون نفاذهم إلى الحق في العدالة” حسب تعبيرهم.

الخبير الاقتصادي التونسي نادر سفيان، رأى أن قانون الموازنة الجديد، جاء نتيجة طبيعية لتوقف المباحثات مع “صندوق النقد الدولي” حول إقراض تونس، مشيرا إلى أن نجاح سياسة التقشف يعتمد على قدرة الحكومة التقدم في ملف مكافحة الفساد.

فشل خطة الاقتراض

سفيان قال في حديث مع “الحل نت”، “خلال النصف الثاني من العام الفائت، كانت الحكومة تعوّل على الحصول على قرض بقيمة نحو 1.9 مليار دولار على مدى 4 سنوات، إلا أن صندوق النقد الدولي، قرر إرجاء ملف تونس إلى أجل غير مسمى، فكان اللجوء إلى التقشف ورفع الضرائب”.

لا يبدو أن هناك معطيات تشير إلى وجود احتمالات قوية لانفراج أزمة الاقتصاد التونسي، لكن السياسة الجديدة للحكومة، خاصة وأن حظوظ البلاد أصبحت ضعيفة للغاية في الحصول على قرض دولي، هذا يعني أن نتائج الإجراءات المحلية وحدها ستعكس الوضع الاقتصاد للفترة القادمة.

سفيان اعتقد في حواره أن الحكومة قد تلجأ إلى تنفيذ سياسة رفع الدعم عن بعض فئات المجتمع، أو بعض المواد الموجودة في قائمة الدعم الحكومي لتوفير النفقات والتقدم في عملية تغطية العجز.

من المخاطر التي تواجه الاقتصاد التونسي بعد قوانين الموازنة الجديدة، هروب قطاعات واسعة نحو السوق الموازية، ما يؤثر على حجم الموارد الجبائية التي تنوي الحكومة تعبئتها هذا العام، وهو ما يشبه عصيان ضريبي بشكل غير مباشر.

سفيان أضاف كذلك أن “على الحكومة أن تتجاوز حالة عدم الاستقرار السياسي، لإقرار آليات من شأنها مكافحة الفساد، الاعتماد على الموارد الجبائية سيكون بلا فائدة إذا استمر الفساد في المؤسسات، فضلا عن أن هذه القوانين تشجّع فعلا على اللجوء للتهرب أو العصيان الضريبي”.

قد يهمك: مبادرة “إنقاذ تونس من الانهيار“.. مأزق سياسي مرتقب؟

سفيان ختم حديثه بالقول، “بالتأكيد سنشهد المزيد من الاحتجاجات على قرارات الموازنة، برأيي لن تصل إلى العصيان الضريبي، سيكون هناك ربما تخفيف من حدة هذه القوانين لامتصاص غضب الشارع، وإذا تم تطبيق قوانين الموازنة الجديدة يمكن لنسبة العجز أن تنخفض من 7.7 إلى حوالي 5 بالمئة”.

بالعودة إلى احتجاجات المحامين التونسيين، فقد وصف عميد المحامين حاتم مزيو، في كلمة ألقاها، قانون المالية بـ”قانون المجبى”، معتبرا أنه تضمن رفعا للدعم عن بعض المواد خلافا لما يؤكده رئيس الجمهورية. كما انتقد مزيو غياب أية إجراءات تحفيزية في قانون المالية لدفع الاقتصاد والاستثمار وتشجيع المبادرة الخاصة في البلاد.

مؤشرات سلبية

مؤشرات الاقتصاد التّونسي أنبأت منذ بداية العام الفائت، أنه مُقبِل على أزمة، تستوجب حلولا عاجلة بحسب تقرير لوكالة “الأناضول التركية”، فنسبة التضخم في البلاد عرفت ارتفاعا “غير مسبوق” وصل إلى 9.8 بالمئة، خلال تشرين الثاني/نوفمبر الماضي وهي أعلى نسبة تسجلها تونس منذ تسعينيات القرن الماضي.

ارتفاع معدلات التضخم رافقه شحّ في المواد الأساسية الأمر الذي أرهق المواطن التونسي، فأغلب المساحات الكبرى والمتاجر حددت لزبائنها كمية الشراء لبعض المنتجات، على غرار الحليب والزيت والدقيق والبيض والقهوة والزبدة.

السلطات أرجعت ندرة هذه المواد إلى ما اعتبره رئيس الجمهورية قيس سعيد “احتكار” كبار التجار لهذه المنتجات.

الضرائب في تونس، تمثل مصدر الدخل الأساسي والمباشر لموازنة البلاد، التي تعاني عجزا بأكثر من 7 بالمائة وتحتاج إلى ما لا يقل عن 4.7 مليارات دولار من القروض الخارجية لتوفير النفقات الأساسية المرسمة بالميزانية. ومؤخرا، قرر “البنك المركزي” التونسي رفع سعر الفائدة الرئيسية 75 نقطة إلى 8 بالمائة، في ثالث زيادة من نوعها خلال سنة 2022.

الموازنة التي يجري الاحتجاج عليها، كانت قد صدرت أواخر العام الفائت، حيث قدرت حكومة تونس موازنة البلاد خلال عام 2023 بـ69.6 مليار دينار، أي ما يعادل 22.4 مليار دولار، مسجلة بذلك زيادة بنسبة 14.5 بالمئة مقارنة بموازنة سنة 2022.

من المتوقع أن يبلغ العجز الصافي للميزانية ما يقرب من 8.9 مليارات دينار، أي ما يمثل 5.5 بالمئة، من الناتج المحلي الإجمالي، بينما يُتوقع أن يبلغ حجم الدين العمومي 125.7 مليار دينار، وهو ما يعادل 77.4 بالمئة، من الناتج المحلي للبلاد، وينتظر وفق وثيقة الميزان الاقتصادي، أن ترتفع خلال سنة 2023 نفقات تسديد خدمة الدين العمومي بنسبة 44.4 بالمئة، لتبلغ 20.7 مليار دينار.

كذلك، بيّنت وثيقة الميزان الاقتصادي، الصادرة عن وزارة الاقتصاد والتخطيط، أن نفقات التأجير الخاصة بـ 685 ألف موظف يعملون في القطاع الحكومي ستبلغ 22.7 مليار دينار، أي ما يمثل 14 بالمئة من الناتج، مقابل كتلة أجور مقدرة بنحو 15.1 بالمئة بقانون الموازنة التعديلي لسنة 2022.

تونس تواجه وضعا اقتصاديا صعبا، فضلا عن تأزم الوضع السياسي بعد إجراء انتخابات برلمانية لم تتجاوز نسبة المشاركة العامة فيها 9 بالمئة، وسط تبادل الاتهامات بين الرئيس التونسي قيس سعيّد والمعارضة السياسية.

لا يبدو أن هناك مؤشرات تدل على تحسن الوضع الاقتصادي في تونس هذا العام، خاصة فيما إذا استمر التوتر السياسي بين السلطة والمعارضة، فضلا عن استمرار تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي ألقى بظلاله على مختلف اقتصادات العالم، ليبقى السؤال، هل ستنجح الحكومة في إقناع مواطنيها بسياسة التقشف الجديدة وزيادة الضرائب عبر قوانين الموازنة التونسية الجديدة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.