في الوقت الذي أصبحت فيه الأسعار المرتفعة الشغل الشاغل للمواطن في سوريا، ثمة سلع تباع بأرقام “فلكية”. وبينما أصبح هم المواطن في هذا البلد تمرير يومه وبأقل التكاليف، حتى أن المأكولات الشعبية “فلافل وحمص وفول” أصبحت من النوادر بالنسبة له، فإن الطبقة المخملية في هذا البلد المتعب تشتري موبايلات “الآيفون” مقابل 36 مليون ليرة سورية.

لا يمكن لجميع السوريين توفير هذا المبلغ اليوم لأكثر من 13 سنة بسبب رواتبهم وأجورهم الضئيلة، والتي يبلغ متوسطها من 150 إلى 200 ألف ليرة سورية، في حين أن أمراء الحرب وتجار الحرب يستطيعون دفعها من أطراف جيوبهم كما يقولون.

بطبيعة الحال هذا الاختلاف الكبير في مستوى المعيشة بسوريا يدفع بالفقراء للهجرة ومغادرة البلاد التي يزداد إفقارهم فيها يوما بعد يوم، في حين يرتفع رصيد المترفين وأصحاب الأموال الذين لا يتأثرون بسعر الصرف أو باقي الأزمات التي تحدث في البلاد.

الآيفون بـ 36 مليون

في السياق، تشهد سوق الموبايلات في سوريا خلال الأيام القليلة الماضية تحولات جذرية في أسعار الهواتف الذكية، حيث تأثرت هذه الأسعار بشكل كبير بالتقلبات الحادة في سعر الصرف. فقد شهدت الليرة السورية انخفاضا كبيرا في قيمتها مقابل الدولار، حيث تجاوز سعر الصرف حاجز 12 ألف ليرة سورية للدولار الواحد. وقد كان هذا الانخفاض الكبير في قيمة الليرة السورية عاملا رئيسيا في ارتفاع أسعار الموبايلات بشكل ملحوظ، على اعتبار أن مبيع هذه الأجهزة تكون وفق سعر الصرف.

بالتالي، سجلت أسعار الموبايلات في سوريا ارتفاعا جديدا، حيث وصلت الزيادة بالأسعار لـ 10 ملايين بأحد الأجهزة خلال شهر واحد فقط. وأكد أحد بائعي أجهزة الموبايل لموقع “أثر برس” المحلي يوم أمس الأربعاء، أن الأسعار الجديدة للهواتف النقالة باتت تتغير بشكل شبه يومي، وارتفعت بنسبة كبيرة خلال شهر واحد فقط، مبينا أن سلسلة سامسونغ هي الأكثر مبيعا.

بمقارنة أسعار الموبايلات منذ بداية شهر تموز/يوليو الفائت حتى مطلع آب/أغسطس، فكان سعر موبايل كالاكسي إس 23 ألترا بداية الشهر الماضي 20 مليون ونصف، واليوم سعره يتجاوز 28 مليون ليرة، وجهاز سامسونغ كالاكسي زد فولد3 جي5 كان سعره 18 مليون واليوم صار سعره 26 مليون ليرة سورية، وجهاز جي كالاكسي إس 22 ألترا5 كان سعره 15 مليون و700 ألف، واليوم سعره حوالي 23 مليون ليرة، كالاكسي آي73 جي5 كان سعره قبل شهر حوالي 6.5 مليون واليوم سعره حوالي 9 مليون.

أما أجهزة الآيفون، فكان سعر آيفون14 برو ماكس بداية شهر تموز/يوليو الماضي 24 مليون ليرة سورية، واليوم سعره حوالي 34 مليون ليرة سورية، وجهاز آيفون14 برو كان سعره 22 مليون واليوم حوالي 31 مليون، وموبايل آيفون14 كان سعره 15 مليون أما اليوم فسعره حوالي 21 مليون.

حول أجهزة الشاومي فكان سعر جهاز شاومي ريدمي نوت 12 برو، بداية الشهر الماضي حوالي 4 مليون و700 ألف، واليوم 6.5 مليون ليرة، وجهاز شاومي بوكو إكس4 برو جي5 كان سعره قبل شهر حوالي 4 مليون أما اليوم فسعره 5.5 مليون.

بالنسبة لأجهزة الريلمي فكان سعر جهاز ريلمي8 بداية تموز/يوليو الماضي 3 مليون، أما اليوم فسعره 4.4 مليون، وجهاز ريلمي سي35 كان سعره 2.7 مليون، واليوم سعره 3.7 مليون. وجهاز أوبو رينو6 جي5 كان بـ 5.2 مليون واليوم سعره 7.3 مليون.

الفوارق في أسعار الموبايلات

في المقابل، إذا قورنت أسعار الآيفون 14 برو ماكس في عدة دول عربية، فستكون سوريا الأغلى والأرخص بالسعر الرسمي في أميركا. وإزاء هذا الفارق الكبير انتقد العديد من المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي هذا الأمر، ومن بينهم مراسل قناة “الميادين”، السوري رضا الباشا، حيث كتب “سعر موبايل الآيفون في سوريا يتجاوز 3 آلاف دولار، في حين أن سعره في دبي 1200 دولار بعد حساب ربح التاجر، وفي العراق 1250 دولار”.

الباشا انتقد سياسات الحكومة السورية، قائلا “عندما نتحدث عن الأتمتة والحكومة الالكترونية، اقلها دعوh لنا ما يمكننا من اقتناء ادنى مقومات التكنولوجيا، لن اتحدث عن الآيفون بل عن اي موبايل أندرويد، فسعره اليوم يتجاوز ملايين الليرات وهو لا يصلح لأكثر من تفعيل واتسآب، كفانا شعارات عن أتمتة وتكنولوجيا وما شابه، التكنولوجيا بحسب أسعار هذا البلد مخصصة لمافيا الحرب ومن يحصل أمواله بطرق ملتوية حالها كحال كل تفاصيل الحياة بسوريا.. هذا البلد الذي يفتقد لأدنى مقومات الحياة”.

بينما انتقد آخرون بقولهم “لأ و فوق كل هاد كل شيء على الموبايل مقفول وما بيفتح ولا بيشتغل و المزايا ع الفاضي، شركة أبل اذا بتفتح فرع بسوريا لتكيف وتسكر كل فروعها بدول العالم، سبقوا الشركة المصنعة، كل موبايل بيربح مع جماعتنا 3 أضعاف الكلفة”.

هذا ورفعت الحكومة السورية أسعار جمركة الموبايلات “التصريح الجمركي” للمرة الرابعة منذ مطلع 2023، مؤخرا، وكانت نسبة الارتفاع ما بين 15 و25 بالمئة، وذلك من دون إعلان رسمي عن القرار.

أسعار جمركة الموبايلات تختلف وفقا للماركة والصنف وتاريخ الصنع فبلغ سعر جمركة جهاز آيفون 14 برو ماكس نحو 8 ملايين و400 ألف ليرة سورية، وجمركة جهاز سامسونغ إس23 ألترا7 ملايين و 980 ألف ليرة سورية. ومع ارتفاع سعر الصرف فإن جمركة الموبايلات ترتفع معها تلقائيا، وكأنها تسعر بالدولار وليست بالليرة السورية، وهذا استغلال واضح لجيوب المواطنين من قِبل هذه الحكومة التي باتت تحصل الأموال من كل حدب وصوب على حساب المواطنين.

من جانب آخر، صدم يوم الأحد الماضي، مشتركو شركة “سيريتل” للاتصالات، وخاصة الطلاب الجامعيون ذوي الدخل المحدود، بإعلان الشركة عن رفع أسعار باقات الانترنت ابتداء من الأول من شهر آب/أغسطس الجاري، وهو الرفع الثاني للأسعار في هذا العام.

على وسائل التواصل الاجتماعي، انتشرت رسائل “سيريتل” المثيرة للجدل والتي تتضمن ارتفاعا جديدا في أسعار باقات الإنترنت، مما أثار استياء المشتركين الذين أكدوا أن هذه الزيادة ستجعلهم بحاجة إلى الاقتراض من أجل شراء رصيد الإنترنت وتفعيل الباقات.

بهذا التداعي الكارثي، يرى الطلاب أن “سيريتل” ستحول الباقات الاعتيادية المخصصة للجمهور إلى سلعة فاخرة وفاحشة الثمن، مما يجعلها حكرا على الطبقة البرجوازية المخملية، وتنفصل عن أهمية تلبية احتياجات الجمهور الواسع.

الفقراء “عالة” على الأغنياء!

في سياق الاختلاف في الطبقات المجتمعية في سوريا، ظهر تصريح المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن، كأحد تلك الأرقام التي لفتت انتباه شريحة داخل سوريا. إذ اعتبرت هذه الشريحة الأرقام التي تخص الفقراء في سوريا هي خيال، مشكّكين بأن يعيش السوريون تحت خط الفقر بالفعل، وأن هذا مجرد رقم يحاول إثارة التعاطف ولفت انتباه العالم.

من الواضح أن تصريح المبعوث الأممي إلى سوريا غير صحيح لدى بعض السوريين الذين لديهم نظرة على الوضع المحلي، فالبنسبة لهم ليس جميع السوريين فقراء، هناك من يعيشون في فقر، لكن هناك أيضا من يعيشون في راحة، ويتمتعون بأعلى درجات الرفاهية.

مؤخرا ذكر غير بيدرسن، أن 90 بالمئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، وهذا خطير جدا، ويحصل العاملون في البلاد على أقل من 8 دولارات شهريا، بينما كانوا يحصلون في حزيران/يونيو الفائت على 18 دولارا، أي أن العائلة لا تستطيع تحمّل تكلفة وجبة يوميا.

هناك العديد من الأسباب التي جعلت تصريح بيدرسن مبالغ فيه، فبحسب التعليقات التي رصدها “الحل نت”، فإنه قبل 8 سنوات، حدثت العديد من التغيرات في الاقتصاد السوري، مما أدى إلى تحسّن الأوضاع المعيشية للكثيرين.

كميش بفاريان الذي يعيش في طرطوس، ذكر أن طرطوس وحدها يوجد بها نصف مليون معهم سيارات من ماركة “أودي” و”بي إم دبليو” و”مرسيدس”، وأيضا هناك شريحة لا بأس بها تتوافد للسهر في أرقى نادي ومجمع سياحي بالمدينة “البورتو” يوميا، فضلا عن مرتادي الشاليهات.

بفاريان أفاد حسب قوله، أن دلالة ذلك أنه لا يوجد 90 بالمئة تحت خط الفقر، والمعلومة أو الرقم الذي ذكره بيدرسن مبالغ فيه، قائلا “فيك تجرب و تدخل البورتو وتلف فيه إذا بدك تتأكد من كلامي، رح تشوف العجب”، مضيفا أن “قصدي إذا هيك بطرطوس يعني بسوريا بشكل تقريبي في فوق 5 مليون مرتاحين تماما”.

بينما ريموندا نصور، التي تعيش في اللاذقية، ذكرت أن التعليقات حول وجود شريحة غنية في سوريا، هي نظرة أصحاب هذه الشريحة الذين لا يرون سوى “النماذج المرتاحة” على حد وصفها، لأن باقي المواطنين هم “أموات من الفقر والجوع والبهدلة”.

الطبقة الغنية أو ما تُعرف محليا بـ”المخملية” في سوريا تعيش حياة الرفاهية في الوقت الحاضر، حيث لا تحتاج إلى القلق بشأن قضايا المأكل والمشرب والحاجات اليومية.

من المثير للدهشة أن الفواكه، التي كانت في السابق تعتبر جزءا من تلك السلع التي يمكن للأُسر السورية شراؤها للاستهلاك اليومي، أصبحت الآن مادة للتصوير فقط وللطبقة المخملية. كما أن المأكولات الشعبية صارت عبئا على نسبة واسعة من السوريين.

حيث ارتفع سعر قرص الفلافل ثلاثة أضعاف، وبحسب تقارير صحفية، فإن تحضير وجبة من الفطور بأكلات شعبية خفيفة بات يكلّف نحو 50 ألف ليرة لشراء نصف كيلو فول ومثله مسبحة ونحو 30 قرص فلافل وكمية قليلة من المخلل وتضاف إليها تكلفة الخبز والشاي والسكر، وهو ما يساوي تقريبا نصف راتب الموظف الحكومي.

قرص الفلافل بلغ سعره في الأسواق السورية اليوم 200 ليرة سورية، في وقت أكدت فيه صحيفة “الوطن” المحلية مؤخرا، أن هذا السعر مرشّح للارتفاع بحسب عدد من أصحاب المحال المختصة ببيع المأكولات الشعبية، وذلك كنتيجة طبيعية لارتفاع تكاليف إعداد المأكولات بأنواعها.

في العموم، فإن استمرار هذا الاختلال والفوارق في مستوى المعيشة بسوريا، سيعزز يوما بعد الآخر الطبقة الفقيرة من السوريين للتفكير في الهجرة خارج البلاد وتأمين حياة كريمة لهم ولعوائلهم، فلا يعقل أن يعيش المواطن في هذه البلاد وهو محروما من أبسط مقومات العيش، بينما غيره من أصحاب الأموال وأمراء الحرب يعيشون حياتهم على أكمل وجه.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات