مع ارتفاع الأسعار وموجة الغلاء في سوريا، هناك بعض الأحداث التي تشغل الرأي العام وتثير التساؤلات والاستفهامات حول طبيعة بعض الصفقات التي تُعقد على العلن وأهميتها. 

من بين هذه الأحداث، أثار بيع سيارة “بي إم دبليو” بمبلغ يصل إلى 4 مليار ليرة سورية حفيظة الكثيرين، لا سيما وأن 70 بالمئة من السوريين يعتمدون في شراء المواد الغذائية والمحروقات على “البطاقة الذكية”، والتي تدل على أن حاملها من الطبقة الفقيرة.

إلا أن هناك العديد من المناطق في سوريا التي تتمتع باقتصاد أقوى من غيرها. على سبيل المثال، تتمتع مدينة طرطوس باقتصاد قوي، مما يسمح للكثير من سكانها بالعيش في ظروف معيشية أفضل من سكان المناطق الأخرى، ولكن هل ذلك يسمح لهم باقتناء سيارة بمليارات الليرات.

مزاد السيارات للطبقة المخملية

قبل أيام بيعت في مزاد علني بدمشق، سيارة “بي إم دبليو” موديل “740i” والتي تعتبر سيارة كاملة الحجم فاخرة ألمانية المنشأ، يتم تصنيعها وإنتاجها بالكامل في ألمانيا، بقيمة 3 مليارات و850 مليون ليرة سورية، والذي يُعدّ ضعف سعرها المتعارف عليه دوليا والذي يقدر بـ 93 ألف دولار أي ما يعادل مليار ونصف ليرة.

بعض الماركات الأخرى التي تعرض للبيع بأسعار تتجاوز المليار ونصف مليار ليرة - إنترنت
بعض الماركات الأخرى التي تعرض للبيع بأسعار تتجاوز المليار ونصف مليار ليرة – إنترنت

سكان العاصمة دمشق تفاجؤوا بظهور سيارات سياحية حديثة من طراز 2023 في شوارع المدينة مع بداية فصل الصيف. ولكن هذا المشهد لم يكن مجرد استعراض للأناقة والتطور التكنولوجي، بل أثارت هذه السيارات التساؤلات لدى شرائح متعددة من السوريين، ولا سيما الفئات الفقيرة والمعدمة، حيال كيفية دخول هذه السيارات الحديثة إلى سوريا، رغم حديث الحكومة أن الغلاء والظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد لأنها تخضع لعقوبات دولية، بما في ذلك قانون “قيصر”.

لم يقتصر هذا الظهور المثير للجدل على الشوارع فقط، بل نشر موقع “صاحبة الجلالة” المحلي قبل أيام، إعلانا يكشف عن نيّة إقامة مزاد علني لبيع سيارات موديل العام 2023، وذلك في مدينة “الجلاء” بالصالة الرياضية على أوتوستراد المزة. وأضيف إلى ذلك الإعلان صور بعض السيارات الفاخرة المشاركة في المزاد.

في إطار التفاصيل الفنية لهذه الصفقات الفاخرة، توجد صالات عرض للسيارات في شوارع دمشق وغيرها من المناطق، حيث يتم عرض مركبات موديل هذا العام. فمن بين هذه المركبات، تحضر سيارة “رانج روفر” التي تُباع بمبلغ يصل إلى 960 مليون ليرة سورية.

بالإضافة إلى ماركة “فولكس فاجن جي تي آي” من عام 2023 بسعر يتراوح حوالي 600 مليون ليرة، أي ما يعادل 42 ألف دولار أميركي. كما تتوفر أيضا سيارات مثل “أودي كيو 3 سبورت” و”نيسان مورانو” من نفس العام بأسعار مشابهة تقريبا.

في سياق الحديث عن التنوع المتاح في معارض السيارات، يُذكَر أن هناك بعض الماركات الأخرى التي تُعرض للبيع بأسعار تتجاوز المليار ونصف مليار ليرة. ويلفت هذا الأمر انتباه الجميع ويثير تساؤلات حول القدرة الشرائية للأشخاص على اقتناء هذه السيارات الفارهة في ظل الوضع الاقتصادي المتردي والتحديات المالية التي يواجهها معظم شرائح المجتمع السوري.

بيع البضائع المحجوزة يستعر

تلك الأرقام الباهظة والأسعار الفلكية للسيارات تثير استفهامات واسعة النطاق حول توجهات الاقتصاد والمحاسبة في البلاد، فهل تعكس هذه الصفقات الاقتصاد الحقيقي في سوريا، وهل هناك شرائح فاخرة داخل المجتمع السوري قادرة على الاستثمار في سيارات بأسعار تفوق خيال الأغلبية.

سكان العاصمة دمشق تفاجئوا بظهور سيارات سياحية حديثة - إنترنت
سكان العاصمة دمشق تفاجئوا بظهور سيارات سياحية حديثة – إنترنت

كانت أمانة “جمارك” دمشق أجرت في أيار/مايو الماضي، مزادا علنيا مماثلا لبيع بضائع محجوزة لدى أمانتها وذلك بعد مضي مدة الحفظ القانونية المحددة قانونا. وأوضحت المديرية في بيان أن البضائع المحجوزة موضوع المزاد العلني تشمل أقمشة وأدوات مائدة ومطبخ وأجهزة كهربائية وسيراميك ورخاما، وقطع تبديل آليات، وفحما صناعيا، إلى جانب مواد متنوعة أخرى.

أمس الاثنين، أعادت مديرية “جمارك” دمشق الإعلان عن إجراء مزاد علني لبيع بضائع محجوزة لدى الأمانة، بعد أن مضت عليها مدة الحفظ القانونية وذلك في مقر مديرية التأهيل والتدريب بمديرية الجمارك العامة بدءا من 14 إلى 16 من آب/أغسطس الجاري.

في سوريا الفقر ليس للجميع

صفقات مزاد السيارات الفارهة تعد استثناءا يثير الاهتمام، فقضية بيع سيارة “بي إم دبليو” بهذا الثمن الضخم لا تتراكب مع البعض في زمن تتعاظم فيه تحديات الحياة المعاصرة والظروف الاقتصادية الصعبة داخل سوريا.

هل هناك شرائح فاخرة داخل المجتمع السوري قادرة على الاستثمار في سيارات بأسعار تفوق خيال الأغلبية - إنترنت
هل هناك شرائح فاخرة داخل المجتمع السوري قادرة على الاستثمار في سيارات بأسعار تفوق خيال الأغلبية – إنترنت

خلال الأسبوع الفائت، أثارت تصريحات المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن، أن 90 بالمئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر. فئة معينة داخل سوريا، اعتبرت هذه الشريحة الأرقام التي تخص الفقراء في سوريا هي خيال، مشكّكين بأن يعيش السوريون تحت خط الفقر بالفعل، وأن هذا مجرد رقم يحاول إثارة التعاطف ولفت انتباه العالم.

كميش بفاريان الذي يعيش في طرطوس، ذكر أن طرطوس وحدها يوجد بها نصف مليون يمتلكون سيارات من ماركة “أودي” و”بي إم دبليو” و”مرسيدس”، وأيضا هناك شريحة لا بأس بها تتوافد للسهر في أرقى نادي ومجمع سياحي بالمدينة “البورتو” يوميا، فضلا عن مرتادي الشاليهات.

عدد المركبات المسجلة لدى الحكومة السورية وصل حتى نهاية عام 2022 إلى 2.051.977 مركبة، منها 1.501.301 مركبة تعمل على البنزين و550.676 على المازوت.

التوازن بين النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية هو تحدي حقيقي تواجهه الحكومة السورية، إذ إن قضية بيع سيارة “بي إم دبليو” بمبلغ خيالي يعكس واقع الثروة والفقر في المجتمع. وهذه الصفقة  تثير التساؤل عن التوازن الاقتصادي ومدى تأثير ثروات القلة على مصير الأغلبية في ظل استعار رفع الأسعار وانخفاض قيمة العملة المحلية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات