الولايات المتحدة الأميركية، أقرت قانون المخدرات ضد حكومة دمشق، بالتزامن مع محاولات روسية تغيير البيئة الاستراتيجية لسوريا عبر التقارب الحاصل بين أنقرة ودمشق، ما يضع هذا القانون في سياق الصراع الأميركي الروسي، ومحاولة استباقية الهدف منها إرباك الترتيبات الروسية في سوريا.

القانون يتيح للولايات المتحدة القيام بمختلف الأعمال الاستخبارية والتجسسية بهدف السيطرة على تجارة وصناعة المخدرات، وخاصة في ظل الاتهام الأميركي أن العملية تديرها الأجهزة الأمنية والعسكرية السورية، وتستدعي العمليات التنفيذية في مرحلة لاحقة صناعة شبكات تجسسية كاملة، قد تتحوّل إلى بنية مخابراتية متكاملة تجعل الأمن السوري مكشوفا بدرجة كبيرة.

أيضا فإن القانون الأميركي يؤسس لإشكالية إقليمية جديدة، إذ إنه يدفع نحو إضعاف أي اعتبارات منطقية لإعادة العلاقات مع دمشق، رغم أن الكثير من الأطراف الإقليمية تدرك أن تشديد عزلة حكومة دمشق سيدفعها إلى الانزياح نهائيا لإيران وتركها تتغلغل في سوريا إلى أبعد مدى.

هذا القانون وما سينتج عنه يطرح تساؤلات حول ما مدى التأثير فيما يخص التطبيع مع دمشق، وهل يشكل عودة قوية لأميركا إلى سوريا، وما جرى من عملية تسليم الحدود والمعابر للفرقة الرابعة، وتأثيرات القانون على سوريا.

علاقة القانون بالتطبيع مع دمشق

في تقدير الولايات المتحدة، فإن التحركات التي ترصدها واشنطن على خط أنقرة دمشق وبرعاية موسكو، ربما تهدف إلى أكثر من مجرد تنسيق سوري تركي بشأن قضايا محدّدة، إلى صياغة واقع إقليمي جديد هدفه تهميش الدور الأميركي في سوريا أو محاربته.

زيارة وزير الخارجية الإماراتي لسوريا في عملية تطبيع مع حكومة دمشق

أيضا تهدف أميركا من القانون إلى محاولة إفشال مخطط روسيا القاضي بتعويم حكومة بشار الأسد، إقليميا وعربيا، وأيضا إحراج تركيا، التي تستعجل التطبيع مع دمشق، وخاصة بعد فشل مهمة جيمس جيفري المبعوث الأميركي السابق إلى سوريا، في إقناع تركيا بالتراجع عن التطبيع مع حكومة دمشق.

الولايات المتحدة كررت مؤخرا في تصريحات عديدة على لسان مسؤوليها، رفضها للتطبيع الذي يجري مع حكومة دمشق مذكرة بالجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها هذه الحكومة.

إقرأ:أدوار سعودية وأردنية في الملف السوري.. ما الذي سيحصل؟

الصحفي عمار جلو، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن قانون مكافحة المخدرات الأميركي يأتي بشكل موازي لقانون “قيصر” للعقوبات على الحكومة السورية وداعميها، لكن يتيح مجالا أوسع للتحرك الأميركي ضد دمشق، ومن الواضح أن الهدف الرئيسي منه تعطيل إعادة تأهيل حكومة بشار الأسد، ومنع المهرولين إليها من الاستمرار بالتطبيع.

عودة أميركية لسوريا؟

الولايات المتحدة تسعى إلى تحويل سوريا إلى أزمة للرئيس بوتين، من خلال وضعها على سكة عدم الاستقرار نتيجة الواقع الاقتصادي المنهار، وخاصة أن القانون يأتي في سياق أزمة اقتصادية غير مسبوقة وسط انهيار العملة المحلية ونقص حاد في السلع والخدمات.

في مقابل ذلك، فإن روسيا وتركيا وإيران تُسارع في تثبيت نظام إقليمي في سوريا والعراق، يُرسِّخ مصالحها، ويعزل واشنطن، وهو ما سيشكل خطرا على الوجود الأميركي في المنطقة.

في هذا السياق، يرى جلو أن القانون لا يشكل تغييرا في الوجود الأميركي في سوريا، فهو في الأصل بدأ بالعودة مؤخرا إلى سوريا من خلال القواعد الأميركية التي عاد إليها الأميركيون، أي أن الولايات المتحدة قادرة على التعامل حاليا مع المواضيع التي تعتبرها تهديدا لمصالحها في سوريا وتجعل لها اليد العليا في أي تغيير خلال المرحلة القادمة.

أيضا فإن الولايات المتحدة لن تكون لوحدها في مواجهة حكومة دمشق وحلفائها الروس والإيرانيين، فقد شكل القانون جبهة جديدة تحت مسمى مكافحة المخدرات جاءت على شكل واسع، ضمّت إلى جانب الولايات المتحدة عددا من الدول على رأسها السعودية والأردن، حيث سيكون لهما دور حيوي في هذه الاستراتيجية، باعتبارهما أكبر المستهدفين من تجارة المخدرات، وقد يتركز الدور السعودي على الدعم المالي وتوفير المعدات اللازمة للجانب الأردني، ومن الممكن إنشاء غرفة عمليات مشتركة بين هذه الدول لمتابعة تجارة وتهريب المخدرات، بحسب جلو.

هل عودة الفرقة الرابعة للحدود تحد إيراني لأميركا؟

مع مطلع العام الجديد، صدر قرار عن حكومة دمشق بتسليم المعابر الحدودية الرسمية وغير الرسمية إلى الفرقة الرابعة المعروفة بارتباطها بإيران، وإلى جانبها قوات أمنية تابعة للفروع الأربعة الرئيسة في سوريا، الأمن العسكري، المخابرات الجوية، المخابرات العامة، الأمن السياسي والذين يلعبون دورا مساندا للفرقة التي تتحكم في كل شيء.

يوم أمس وصلت الدفعة الأولى من قوات الفرقة الرابعة إلى معبر نصيب الحدودي، بحسب معلومات خاصة حصل عليها “الحل نت”، كما ستصل اليوم الإثنين قوات جديدة من الفرقة الرابعة والمخابرات الجوية.

جلو يرى أن تسليم المعابر للفرقة الرابعة هو لشرعنة عمليات التهريب وإصباغ الرسمية عليها. وغالبا ما يأتي قرار كهذا بتلاقي مصالح الأجنحة السلطوية في الدولة، مع أحد الدول المهيمنة. بمعنى ضغط إيراني مع الفرقة الرابعة تلاقت مع رغبة لدمشق بزرع هواجس لدى دول الجوار من هذه الخطوة، تجعلهم يأتونه لنقاشها والتراجع عنها، بدل قدومهم بأحاديث الحل السياسي، وفي نفس الوقت يستمر تهريب المخدرات عبر الحدود.

لكن بحسب جلو، لا يمكن اعتبار وجود الفرقة الرابعة على الحدود ردّ إيراني مباشر على القانون، إيران رغم اعتمادها، من خلال أذرعها على تبييض الأموال وتهريب المخدرات لتمويل عملياتها، إلا أن الاستراتيجية الإيرانية تسعى حثيثة للتموضع جنوب سوريا، ما يجعلها تزيد تطويق إسرائيل، وتمنحها فرصة للتغلغل في الأردن لإكمال هذا التطويق، وللعبور إلى المملكة السعودية، مع ما للأردن من أهمية لدى إيران سياسيا وأيدولوجيا. ولذلك تم صدور قرار تسليم المعابر للفرقة الرابعة.

هل تشتعل المواجهات في الجنوب بعد القانون؟

تقارير تشير إلى أن احتمال عودة واشنطن للتنسيق مع فصائل المنطقة الجنوبية أمرا وارد بدرجة كبيرة، وما يدعم مثل هذا الاحتمال، النشاط العسكري الملحوظ للقوات الأميركية، التي أعادت مؤخرا هيكلة قوات “مغاوير الثورة” في التنف وتدريبها على أحدث الأسلحة، وإزالة الألغام من ريف البادية وصولا إلى ريف السويداء، في مؤشر على وجود رغبة أميركية بربط هذه المناطق بجنوب سوريا لإحكام قبضتها على الحدود السورية الأردنية وعزل تأثيرات حكومة دمشق وميليشيات إيران نهائيا.

أيضا فإن التحركات الأخيرة في محافظة درعا تشي بأن ما يجري تمهيد لاستهداف التواجد الإيراني خلال المرحلة القادمة، خاصة عمليات محاربة تنظيم “داعش” التي جرت مؤخرا وانتهت بقتل خليفة التنظيم وإعلان الولايات المتحدة أنه قتل على يد “الجيش الحر” بحسب التعبير الأميركي.

جلو يشير إلى أن الموقف الإسرائيلي مهم في هذا الجانب، خاصة مع عودة الفرقة الرابعة إلى الحدود الجنوبية، حيث تعمل على منع أي استقرار للإيرانيين ومن معهم بجانب الحدود والذي قد يدفعها لتوسيع عملياتها في الجنوب السوري.

أيضا بحسب جلو، فإن الولايات المتحدة بدأت نهاية العام الماضي بترتيب أوضاعها في شرق وجنوب سوريا، وسط أنباء عن بدء إعادة تشكيل بعض الفصائل في الجنوب من أجل محاربة المخدرات، وهذا ما سيزيد من الانخراط الأميركي في المنطقة.

ما تأثير القانون على مستقبل سوريا؟

على المستوى الاقتصادي، سيكون للقانون انعكاسات خطيرة على الاقتصاد السوري الذي يمر بأسوأ مراحله، وسيفاقم القانون من أزمة الاقتصاد السوري، كما يؤكد القانون على ضرورة وضع استراتيجية لتعبئة حملة اتصالات عامة بهدف زيادة الوعي بمدى ارتباط حكومة دمشق بتجارة المخدرات غير المشروعة، في مسعى الهدف منه إيجاد سياسة دولية متماسكة في مواجهة تجارة المخدرات التي مصدرها سوريا، والتي فاقت بنسب كبيرة ما تنتجه بعض دول أميركا الجنوبية وآسيا.

شحنة كبتاجون قادمة من سوريا إلى السعودية

بحسب جلو، التأثير بنصوصه الموجودة شبه معدوم، فحديثه عن تفكيك تجارة المخدرات. لكن التفسيرات السياسية الأميركية للقانون هي التي تحدد ذلك. ومعروف عن الولايات المتحدة توسعها في تفسير القوانين أو القرارات عندما تتوجه سياستها لتنفيذ أمر ما.

أما بالنسبة لنظام الحكم في سوريا، فإن طرفي النقيض في سوريا، أميركا وروسيا متفقتان ضمنيا، على عدم وجود دور لبشار الأسد في الحل السوري، ولكن نتيجة المناكفات وعدم التوافق بينهما، إضافة لعدم ظهور بديل مقبول فعلا هو من منح الأسد هذا العمر السياسي، حسب جلو.

قانون مهم ضد تجارة المخدرات السورية، إذ يعطي للولايات المتحدة الحق بتوسيع عملياتها في سوريا وخاصة مراقبة الحدود بالطائرات المسيّرة والأقمار الصناعية، واستهداف أي شحنات للمخدرات في أي منطقة، ومن المهم معرفة كيفية تطبيقه خلال المرحلة القادمة من خلال الإجراءات العسكرية والأمنية والاقتصادية ودور دول الجوار السوري.

إقرأ أيضا:القمة الثلاثية في طهران.. إلغاء العملية التركية في سوريا؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.