تطور في العلاقة التي تربط فصائل “الحشد” الشعبي العراقي بروسيا برزت مؤخرا بشكل ملحوظ، وعكس هذا التطور الزيارات المتبادلة بين مسؤولي الطرفين، وتطابق المواقف السياسية حيال العديد من القضايا الإقليمية والدولية، بدءا من الوضع في سوريا، وصولاً إلى الأزمة الأوكرانية.

روسيا تعتقد بأن العلاقة مع فصائل “الحشد” الشعبي قد تمكنها من الولوج إلى الساحة العراقية، وتدعيم موقفها العسكري في الساحة السورية، بينما تعتقد الفصائل وفقا لـ “مركز الإمارات للدراسات”، أنّ العلاقة مع روسيا، قد تُساعدها على تنويع مصادر دعمها العسكري والسياسي.

أما إيران فتدرك أهمية ترسيخ العلاقة بين فصائل “الحشد” الشعبي وروسيا، لأنها تُعزز من جهة الرؤية الإيرانية التي تقوم على فرضية أن “الحشد” يُمكن أن يقوم بدور إقليمي فوق وطني، على شاكلة الدور الذي يقوم به “حزب الله” اللبناني، ويجعل السياسة الخارجية العراقية تدور بشكل أو آخر ضمن فلك المصالح الإيرانية.

هذه العلاقة المركّبة تثير عددا من التساؤلات حول ارتباط روسيا بفصائل “الحشد” وغياب الدولة العراقية، والمصالح التي تحققها هذه الأطراف لبعضها، وكيف تستثمر إيران تنامي العلاقة بين هذه الأطراف.

تطور في العلاقات وزيارات متبادلة

بعد دخول روسيا الحرب في سوريا إلى جانب حكومة دمشق في أيلول/سبتمبر 2015، عملت روسيا على تنمية علاقاتها الأمنية مع الجماعات المسلحة العاملة في سوريا، وتحديدا تلك المتحالفة مع إيران. وشملت هذه السياسة فصائل “الحشد” الشعبي المنتشرة في سوريا، وكذلك تلك الناشطة في العراق، في إطار مسعى موسكو تعزيز مصالحها الإقليمية، ومسعى الفصائل تنويع مجموعة شركائها الدوليين.

اجتماع بين رئيس هيئة الحشد الشعبي والسفير الروسي في العراق

روسيا بدأت ببناء علاقاتها مع فصائل “الحشد” الشعبي، طبقا لـ “مركز الإمارات للدراسات” عبر غرفة التنسيق الرباعي التي تم إنشاؤها في بغداد في تشرين الأول/أكتوبر 2015، والتي ضمت روسيا وإيران والعراق وسوريا، بهدف تشكيل تكتل عسكري موازٍ للتحالف الدولي ضد تنظيم “داعش” الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية. وعبر هذه الغرفة افتتحت روسيا خط اتصال مباشر مع فصائل “الحشد” الشعبي، من أجل تنسيق التحركات على الحدود العراقية السورية. وتمكنت الفصائل عبر هذا التنسيق من الحصول على أسلحة ومعدات روسية لمواجهة تنظيم “داعش”.

الآونة الأخيرة شهدت تطورا ملحوظا في طبيعة العلاقة التي تربط فصائل “الحشد” الشعبي بروسيا، وهذا التطور عكسته الزيارات المتبادلة بين مسؤولي الطرفين، وتطابق المواقف السياسية حيال العديد من القضايا الإقليمية والدولية، حيث زار رئيس هيئة “الحشد” الشعبي، فالح الفياض، موسكو في أيار/مايو 2022، والتقى نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، وهي ليست الزيارة الأولى للفياض.

العلاقة بين فصائل الحشد الشعبي وروسيا شهدت تطورا لافتا في عام 2022، إذ لم يعُد الأمر يقتصر على التواصل مع الفياض فحسب؛ ففي 8 تشرين الثاني/نوفمبر 2022، زار السفير الروسي في بغداد إلبروس كوتراشيف، زعيم “عصائب أهل الحق” قيس الخزعلي، كما زار أكرم الكعبي، زعيم “حركة النجباء” موسكو، والتقى خلال زيارته بوغدانوف، مُقدما نفسه ممثلا لفصائل المقاومة الإسلامية في العراق، وتعتبر العلاقة بين “حركة النجباء” وروسيا، هي أكثر العلاقات وضوحا مُقارنةً بباقي الفصائل المسلحة المُنضوية ضمن “الحشد” الشعبي، وذلك بسبب التعاون المبكر بينهما على الساحة السورية.

أيضا وفق “مركز الإمارات للدراسات”، سعت طهران إلى إيجاد مزيد من التنسيق بين فصائل “الحشد” الشعبي وروسيا، خصوصا أن لدى الفصائل العديد من القوات التي تتمركز على الحدود العراقية السورية، إلى جانب أخرى توجد في الداخل السوري، وتحديدا في دمشق ودير الزور والحسكة ودرعا، حيث تحاول إيران دفع روسيا للنظر إلى “الحشد” الشعبي على أنه بوابة لمشاركة أوسع مع القوى الرافضة للوجود الأميركي في المنطقة، وهو ما قد يؤدي إلى تغيير الصورة النمطية المأخوذة عن “الحشد”، من كونه وكيلا إيرانيا إلى فاعل عراقي لهُ سياسات خارجية مستقلة.

الكاتب والمحلل السياسي العراقي، علي البيدر، مستشار مؤسسة رؤى للدراسات الاستراتيجية، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أنه من البديهي أن تخلق هكذا علاقة بين فصائل “الحشد” والأطراف التي تشترك بالمصالح والأهداف والرؤى وحتى الإيديولوجيا، فإيران قريبة من روسيا فمن الطبيعي أن يكون حلفاء إيران قريبين من روسيا وتَبعية هذه الفصائل لإيران عقائدية أكثر من كونها مبنية على مصالح وأهداف معينة.

أيضا فإن قوة روسيا قوة لإيران وقوة إيران قوة لهذه الفصائل التي تدرك أن أي ضعف في الجانب الإيراني والروسي سوف ينعكس سلبا على واقعها وإمكانياتها والدعم والتخطيط وكافة المواقف التي تجعلها أكثر قدرة على زيادة نفوذها سواء في العراق أو في المنطقة خاصة سوريا، حسب البيدر.

إقرأ:دوريات بحرية مع العراق والكويت.. تهديدات جديدة تواجه المنطقة؟

من جهة ثانية، فإن هناك عدم قدرة الأطراف العراقية سياسيا وحكوميا على جعل تلك الفصائل تعمل لخدمة الدولة العراقية ومؤسساتها الأمنية، وهذا يجعل تلك الفصائل تبدو أكثر قوة من مؤسسات الدولة وتبدو حاضرة في المشهد السياسي والأمني وتشارك في صناعة القرار العراقي، حتى أن صانعي القرار في العراق يأخذون بعين الاعتبار بعض المواقف لنفوذ ودور تلك الجماعات وذلك واضح جدا.

كيف تستثمر إيران تنامي هذه العلاقة؟

مصالح متبادلة تشجع على تطوير العلاقة بين فصائل “الحشد” الشعبي وروسيا، حيث يمكن توفير مصدر بديل للأسلحة والمعدات العسكرية من أجل تلافي تأثير العقوبات الأميركية المفروضة على فصائل “الحشد” وبعض قياداته، إضافة للغطاء الدولي الذي تشكله روسيا لـ”الحشد”، كما تبرز مصالح روسيا بجعل فصائل “الحشد” تسيطر على الحدود السورية العراقية لدعم حكومة دمشق، وأيضا ترسيخ الدور الروسي في العراق في مختلف الجوانب ومن بينها الاقتصاد.

في هذا السياق، يرى البيدر أن هناك مصالح تحققها روسيا من خلال علاقاتها مع “الحشد” الشعبي وهو استخدامها كورقة ضغط بوجه الولايات المتحدة، في محاولة لتقليص النفوذ الأميركي في العراق بشكل تدريجي، وهذه الفصائل مستعدة للقيام بأي دور يعزز علاقتها بالجانب الروسي.

فهذه الفصائل حسب البيدر، تعمل بطريقة ديناميكية حيث تستقدم السلاح والتخطيط والتدريب بشكل غير مباشر من روسيا وفي نفس الوقت تلجأ إلى الاستفادة من توفير غطاء دولي لوجودها من قِبل روسيا على اعتبار أن لديها قضية وتدافع عنها.

كيف تستثمر إيران تنامي هذه العلاقة؟

العلاقة بين روسيا و”الحشد” الشعبي تؤدي إلى ترسيخ الدور الإيراني في العراق، وذلك في ظل حالة التماهي بين المواقف الإيرانية والروسية تجاه بعض الملفات في المنطقة، كما أنها قد تجعل السياسة الخارجية العراقية تدور أكثر في فلك المصالح الإيرانية، وذلك في ظل التطابق الاستراتيجي والأيديولوجي بين فصائل “الحشد” الشعبي وإيران.

عناصر من الحشد الشعبي العراقي

أيضا تسعى إيران لدعم روسيا كحليف رئيسي لها من خلال وجود هذه الفصائل في ظل محاولات عديد من الدول الدخول إلى المنطقة كالصين وبعض الدول الأوروبية.

البيدر يشير إلى أن إيران تعمل على رد الجميل لروسيا فترى أن محاولة تقوية النفوذ الروسي من خلال هكذا أدوات يجعلها الأقرب إلى روسيا على حساب جهات أخرى كالصين، والآن هناك دول عديدة تحاول زيادة نفوذها في المنطقة كفرنسا وألمانيا، إضافة للصراع الرئيسي بين روسيا والولايات المتحدة.

أيضا فإن الحكومة العراقية تشكلت بمساعدة تلك الفصائل التي كان لها دور واضح في تشكيلها لذلك لا تستطيع الحكومة مواجهة الفصائل أو تقف ضدها، وهذا ما يجعل روسيا وإيران تستفيد من هذه الفصائل دون أن تمرّا عَبر الحكومة العراقية، وهو ما يجعل منها أدوات روسية وإيرانية.

من الواضح أن تحول “الحشد” الشعبي إلى اعتماد سياسة خارجية موازية للسياسة التي تعتمدها الدولة العراقية، إلى ما يشبه استنساخ نموذج “الحرس الثوري” الإيراني في العراق، كما أن نجاح فصائل “الحشد” الشعبي في توثيق علاقاتها مع روسيا، وتحديدا في المجال العسكري، قد ينعكس سلبا على الهيكل الأمني في العراق، وهذا ما يجعل في العراق دولة موازية للدولة العراقية، يمثلها “الحشد” تكون أداة إيرانية روسية سواء على الصعيد الداخلي العراقي أو على الصعيد الخارجي في دول المنطقة وخاصة في سوريا.

إقرأ أيضا:مخاوف كردستان العراق من هجوم إيراني بري.. ما حلول بغداد وأربيل؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.