تسارع العلاقات التركية السعودية.. “النقلة النوعية” نحو شراكة استراتيجية؟

عقب عودة العلاقات إلى طبيعتها مؤخرا بين تركيا والسعودية، باتت الخطوات تتسارع لزيادة حجم التبادل التجاري والاستثمارات بينهم، إذ توجت الاجتماعات بين مسؤولي البلدين خلال الآونة الأخيرة، بعقد منتدى الأعمال والاستثمار التركي السعودي في مدينة إسطنبول، في كانون الأول/ديسمبر 2022، بمشاركة كبار المسؤولين، ورجال الأعمال، والمستثمرين الأتراك والسعوديين.

المنتدى عمد طرح فرص الاستثمار في كلا البلدين، في وقت ارتفع فيه حجم التبادل التجاري بينهما من 3.7 مليار دولار عام 2021 إلى 4.3 مليار دولار العام الجاري، واضعا هدفا مرحليا لزيادته إلى 10 مليارات دولار، وهدفا أكبر للوصول إلى 30 مليار دولار في العام 2030.

مؤخرا أكدّ وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، أنّ تطبيع العلاقات بين تركيا والسعودية جرى بسرعة، وأنّ علاقات التعاون بين الجانبين تتطور في العديد من المجالات بما فيها مجال الصناعات الدفاعية.

جاء ذلك في معرض رده على سؤال صحفي بخصوص تطبيع العلاقات مع السعودية والتعاون بين الجانبين في مجال المسيرات، بالعاصمة أنقرة، خلال اجتماع “تقييم نهاية العام” الذي يتضمن فعاليات وزارة الخارجية التركية.

في سياق متصل كان وزير الاستثمار السعودي خالد بن عبد العزيز الفالح، قد أكدّ هو الآخر بأنّ “تركيا والسعودية يمثلان أكبر اقتصادين في المنطقة، ويعملان على تطوير العلاقات الاستثمارية بينهما، وأنّ الرياض لديها حافز لتحسين أنشطتها المشتركة مع أنقرة في فترة ما بعد جائحة كورونا”.

تسارع العلاقات

لماذا تتسارع السعودية في علاقاتها مع تركيا، وماهي الأهداف في ذلك وهل تأتي تلك المساعي على حساب دعم السعودية لمصر وهل فضلت الرياض دعم أنقرة على حساب القاهرة.

عن هذا السؤال، يجيب الصحفي والكاتب المتخصص بالشأن التركي، سركيس قصارجيان، الذي يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، بأنّه من المهم التأكيد على فصل التوافق السياسي عن نظيره الاقتصادي، ومن المؤكدّ أنّ السعودية والإمارات والبحرين بمرحلة من المراحل استخدمت سلاح الاقتصاد للضغط على أنقرة، ولكن هذه الدول وحتى غيرها بما فيها مصر لم تذهب للمقاطعة الاقتصادية مع تركيا، كما هو الحال بين بعض الدول وإسرائيل أو بين الغرب وروسيا، والتي تأخذ نوع من أنوع ممارسة الضغوطات لا أكثر.

قد يهمك: عودة العلاقات التركية الخليجية.. توافق مصالح أم هدنة سلام؟

في الوقت الحالي، فإنّ الاقتصاد يتطور نتيجة تطور العلاقات السياسية، حيث يعتبر قصارجيان، بأنّ “المفهوم الحديث للسياسة، هو تطوير السبل والأدوات الاقتصادية في مسار العلاقات بين الدول، وهنا يجب الأخذ بعين الاعتبار أنّه حتى في فترة الخصومة، فقد كان هناك حركة تجارية بين السعودية والإمارات من جانب وتركيا من جانب آخر، وبالتالي فإنّ تسارع التبادل التجاري وتطور العلاقة التجارية والاقتصادية بين البلدين مرتبط بتطور العلاقة السياسية”.

مع الأخذ بعين الاعتبار الفرص الاستثمارية التي نشأت نتيجة تراجع الاقتصاد التركي والوضع الصعب للشركات التجارية التركية وفقدان الليرة التركية لقيمتها، وهذا أتاح بحسب قصارجيان، فرص اقتصادية كبيرة جدا للدول الخليجية والأجنبية.

 هذا التراجع حرّض وشجع هذه الدول على الاستثمار في تركيا، باعتبار أنّ الوضع الاقتصادي في تركيا محفز للاستثمار، وبالتالي فإنّ قضية تطور العلاقات السياسية بين الرياض وأنقرة ترتبط بحسب قصارجيان، بعدة عوامل منها الفرص التي خلقتها الحالة الاقتصادية التركية، وتراجع الاقتصاد والعملة المحلية التركية، إضافة إلى أهمية تركيا الجيوسياسي والموقع الجغرافي والقوة الاقتصادية لها، كل هذا يحفز على ضخ المزيد من الاستثمارات الاقتصادية على الأرضي التركية.

لا يمكن نسيان أن تركيا اليوم عدا أنّها صلة الوصل بين آسيا وأوروبا، هي أيضا جسر العبور بين روسيا وأوروبا، بحسب قصارجيان، كل هذا من شأنه أن يعزز ويقدم فرص استثمارية أكبر للشركات الخليجية الراغبة في العمل في السوق الروسية وليس فقط في السوق الأوروبية.

بالتالي لا يمكن القول أنّ تطور العلاقات بين الرياض وأنقرة من الناحية الاقتصادية على وجه الخصوص، لا يعني تراجع دعم السعودية لمصر بحسب رؤية قصارجيان، فيجب التفريق بين الواقع السياسي والواقع الاقتصادي، حتى مصر التي توترت علاقتها مع تركيا في مرحلة من المراحل ولم تكن على ما يرام في فترة المقاطعة المصرية لتركيا، لكن كان هناك بالمقابل علاقات تجارية على مستوى مقبول جدا بين أنقرة والقاهرة، ولم تتوقف الحركة التجارية في تلك الفترة بين الطرفين.

الاقتصاد نقطة ارتكاز في العلاقات بين الطرفين

بالعودة إلى التحركات التركية الأخيرة مع دول المنطقة، نرى أنّ العلاقات مع السعودية كانت آخر المحطات التي وصلت إلى نتائج ملموسة، وما ذلك إلا لأنّ الانفتاح السعودي مع الجانب التركي كان يؤسس له ليكون ذا خطوات ثابتة وإن بدت قصيرة، ولكنها ضمن خطة شاملة تبدأ من البوابة الاقتصادية، لأنّها تعدّ نقطة ارتكاز أولى في العلاقات الدولية.

اقرأ أيضا: اتفاق الرياض وتل أبيب.. المصلحة كمحدد في السياسة الخارجية؟

هذا ما يذهب إليه الأكاديمي والباحث السياسي التركي مهند حافظ أوغلو، خلال حديثه لـ “الحل نت”، بأنّ “سياسة الرياض تتسم بالانضباط من جهة، وبالمغامرة من جهة أخرى إذ يبدو أنّ السعودية تريد أن تصل إلى قمة الانفتاح بكل مجالاته، لتكون قبلة لكل دول المنطقة، بمعنى آخر تسعى لأن تتحول من دولة متوسطة القوة إلى فوق متوسطة القوة باعتبار أنّها دولة طموحة”.

من ضمن هذا الطموح وفق ما يشير إليه أوغلو، هو تحركها الاستثماري مع أنقره، لأنّ الأخيرة تشكل نقطة وهمزة وصل بين السوق الشرقي والغربي، فضلا عن دورها الدولي في توازن العلاقات بين الشرق والغرب، لذلك كان هذا التسارع في العلاقات مع الجانب التركي لما له من أبعاد متعددة، ولأنّ الأخير بحاجة كذلك لتلك الاستثمارات السعودية، سيما في هذه المرحلة التي تفرض ثقلها وسلبياتها على دول العالم ككل ومنها تركيا.

من هنا يستبعد أوغلو أنّ تكون المسألة مسألة تفضيل أو محاباة، بقدر ما هي مسألة أولويات اقتصادية-سياسية تجعل كل دولة لها سلم أولويات خاص بها، لأن الحقبة الدولية المختلفة كليا والتي تمثلت بوباء “كورونا” ثمّ الحرب على أوكرانيا، مما جعل لكل عاصمة إقليمية أو حتى دولية لها تحدياتها وأهدافها، وكذلك أولويات تتناسب مع طبيعة ظروفها الخاصة فضلا عن العامة.

مصالح مشتركة

أما المحلل السياسي والأكاديمي السعودي وحيد حمزة هاشم، فيذهب إلى رؤية مشابهة لما ذهب إليه كلا من قصارجيان وأوغلو في رؤيتهما، مؤكدا في تصريحات خاصة لـ”الحل نت”، أنّ “عادة العلاقات الثنائية بين دولتين في مختلف النواحي خاصة التجارية، لا تعني أنّ العلاقات تبنى على حساب دول أخرى خاصة إن كانت من الدول الحليفة، ويشير إلى أنّ “العلاقات المصرية-السورية كانت علاقات ثنائية متميزة منذ عام 2011، فجميع دول العالم تسعى لتحقيق أهدافها ومصالحها القومية مع الدول الأخرى، وذلك إذا ما تطابقت أو تقاربت تلك المصالح معها”.

بطبيعة الحال فإنّ هاشم يعتبر بأنّ الحكومة السعودية لديها اهتمام بإنشاء شراكات استراتيجية مع جميع دول المنطقة التي يمكن أن تسهم في الحفاظ على الأمن الإقليمي، وتركيا لا تقل أهمية عن مصر ولهما دور فاعل في أمن واستقرار دول المنطقة، ويشدد على أنّ تقارب العلاقات السعودية التركية لا تعني التباعد عن دولة مصر، بل على العكس حتى وإن بدت أنّها تعكس اهتماما أكثر بتركيا دون مصر، لكن لا تعني أنّ هذا مؤشر بالتقليل من دور مصر الإقليمي وأهميتها الإقليمية، خاصة على مستوى دول المنطقة العربية الـ 22 دولة.

خلاصة القول أنّ تطور العلاقات بين الرياض وأنقرة مرهون ومرتبط بالدرجة الأولى بالنفعية الاقتصادية أكثر من الجانب السياسي الذي يخضع لمعايير أخرى تماما، على اعتبار أنّ سياسة الطرفين تختلف في المنطقة وكلا منهما يسعى لإيجاد موطأ قدم ونفوذ له في الشرق الأوسط، بل وحتى فرض رؤيته، وبالتالي فإنّ الملف الاقتصادي هو الذي يجمع الطرفين ويجعل العلاقة بينهما تتطور بشكل أكبر من الحالة السياسية التي تأخذ طابع التنافس والصراع على المنطقة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.