تتجه الأنظار إلى العلاقات السعودية الإسرائيلية، لاسيما في ظل الحديث الدائر حول المحادثات التي تروّج لاتفاق محتمل بين الجانبين، والتي عززها حديث رئيس الوزراء الإسرائيل بنيامين نتنياهو، ما قبل فوزه في الانتخابات الأخيرة، حيث أكد أن مسار عمله الرئيسي سيكون الترويج للتحرك على غرار اتفاقات “إبراهيم” مع المملكة العربية السعودية.

نتنياهو، وفي مقابلة صحفية أجرتها معه قناة “العربية” السعودية في الخامس عشر من كانون الأول/ديسمبر الماضي، تحدث عن أن اتفاقا من هذا النوع سيعزز الموقف الإقليمي الثابت ضد إيران، ويساهم في استقرار المنطقة، ويساعد في التوصل إلى حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لكن ذلك بقية محل شك ما إذا كانت تلك الجهود ناجحة، أو يمكن تطبيقها فعليا في الوقت الحالي.

اللافت وسط تلك التكهنات، أن استطلاعا للرأي العام أجراه “معهد واشنطن” في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي بالسعودية، أشار إلى نتائج ربما قد تكون خارج التوقعات، ما أثار اهتماما كبيرا من قبل المراقبين، حيث شمل الاستطلاع 1000 مشارك، تمت مقابلتهم جميعا شخصيا، وأظهر نسب مثيرة للغاية.

أرقام مثيرة للاهتمام

أظهر الاستطلاع أن 43 بالمئة من المستجيبين يؤيدون الاتصال المستمر مع إسرائيل، في وقت تشهد العلاقة بين الجانبين تطورا ملحوظ في الآونة الأخيرة، حيث استضافت المملكة العربية السعودية مؤتمرا مصرفيا لكبار السّن بمشاركة ممثل إسرائيلي، فضلا عن استضافة فريق إسرائيلي في حدث رياضي دولي.

اقرأ/ي أيضا: بعد “كورونا“.. عودة العالم للإغلاقات مجددا بسبب المتحور “باي“؟

في حين يعتقد 21 بالمئة فقط من المجيبين أن اتفاقات “إبراهيم” كان لها تأثير إيجابي على المنطقة، علاوة على ذلك، يعتقد 90 بالمئة من المستطلعين أن نتائج الانتخابات في إسرائيل ستؤدي إلى نتائج سلبية في المنطقة، فيما جاءت النسب على شكل غير متوقع فيما يتعلق بالولايات المتحدة لأول مرة منذ عقد من الزمان.

حيث تراجعت أميركيا في سلّم اهتمامات السعوديين إلى ثالث أهم دولة بالنسبة للمملكة العربية من بين المستجيبين، إذ صنف 57 بالمئة العلاقات مع الصين على أنها “مهمة“، ورأى 53 بالمئة نفس الشيء عن العلاقات مع روسيا، وفضّل 41 بالمئة فقط إقامة علاقة مع الولايات المتحدة، في الوقت نفسه، عرّف 73 بالمئة من المستطلعين الحرب في أوكرانيا بأنها لها تأثير سلبي على المنطقة.

بطبيعة الحال، مثّل استطلاع الرأي من هذا النوع أهمية كبيرة من حيث مستقبل العلاقات بين البلدين، لاسيما في دولة مثل السعودية التي يصعب فيها التعبير عن مثل هذه القناعات، وإذا ما كان اتفاق “إبراهيم” قد اقترب بين الطرفين، غير أن مراقبين أشاروا إلى الأمر يعتمد على كيفية نظر المملكة العربية إلى مثل هذه الخطوة بالفعل في الرياض وانعكاساتها على مستوى مصلحة الدولة، فضلا عن ما يمكن أن تقدّمه هذه العلاقة بما يخص تعزيز موقف السعودية في المنطقة وردع التحدّ الإيراني.

مصلحة الرياض مع إسرائيل

إضافة إلى ذلك، ثمة أسئلة أخرى قائمة حول المشهد الغامض، تتعلق بقدرة نتنياهو على تقديم الخدمات للإدارة الأميركية الديمقراطية، وذلك بالنظر إلى نوعية العلاقة التي تحكم الطرفين، فضلا عن موقف المملكة العربية السعودية فيما إذا كانت تمتلك القدرة على تجاوز القضية الفلسطينية مرة أخرى دون الإضرار بموقعها الإقليمي، وخاصة الاستقرار في الساحة الداخلية.

للإجابة عن هذه الأسئلة يقول المحلل السياسي داود القيسي، إن الحديث عن تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل في الوقت الحالي قد لا يكون فاعلا إلى الحد المطلوب الذي يمكن أن يدفع بالطرفين إلى تفعيل علاقات متبادلة، خصوصا مع عودة نتنياهو إلى سدّة الحكم وممارسة حكومته في الأيام الأولى ضد الفلسطينيين، مشيرا إلى أن ذاكرة الشعوب العربية تحمل ذكريات سيئة عن نتنياهو بالتالي هذا يمثل نقطة مهمة في مساعي الحكومات العربية في التقارب مع إسرائيل، وليس على مستوى السعودية فحسب.

تقر/أي أيضا: مواجهة بين الأمم المتحدة و“طالبان“.. المساعدات الأفغانية معرضة للخطر بسبب حظر المرأة؟

القيسي وفي حديث لموقع “الحل نت“، أشار إلى أن تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل يحتاج إلى تهيئة الأوضاع العامة بما فيها الرأي العام للشعوب العربية، كما تحكمه ظروف المنطقة والعالم، مبيّنا أن المنطقة الإقليمية في الوقت الحالي تعيش ظروفا أفضل مما كانت عليه، لا سميا في ظل جهود التهدئة التي تقودها جميع الأطراف المتخاصمة بما فيها السعودية وإيران، “حيث يسعى الطرفان إلى إيجاد أرضية مستقرة لوقف التدافع المستمر منذ سنوات بينها في اليمن، إضافة إلى دعم جهود العراق ومحاولات تثبيت النظام في سوريا، لذلك لا يوجد ما يدفع السعوديين في الوقت الحالي للجوء إلى إسرائيل”.

إضافة إلى ذلك، فإن علاقة اليمين الإسرائيلي لا يمكن وصفها بالعلاقة الصحية مع الجانب الأميركي تحديدا إدارة الرئيس جو بايدن، وهذا يمثّل عاملا مهما في دعم عمليات التطبيع الإسرائيلي مع دول المنطقة، موضحا أن تسريع عمليات ما تُعرف بالسلام شهدت ذروتها في عهد الرئيس الأميركي السابق ترامب، حيث مثل ترامب نقطة أساسية في دفع عجلة الاتفاقات والضغط على دول المنطقة للقبول بها، وهو ما نتج عنه كخطوة أولى في التطبيع بين البحرين والإمارات مع إسرائيل بمباركة سعودية، ولو كان ذلك ممكنا حينها لرضخت السعودية أيضا، بحسب القيسي.

مصالح مؤجلة

علاوة على ذلك، أن ما يشهده العالم من تدافع القطبية العالمية المتمثل بالصراع العسكري في الحرب الروسية على أوكرانيا، والسباق الاقتصادي بين الغرب والصين، له تأثيرات أخرى على مستوى عمليات التطبيع مع إسرائيل، كما يرى المحلل السياسي، ويشير إلى أن عمليات التطبيع تستند على تطلعات الدول ومصالحها التي تقيمها للاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني، وفي ظل المشهد العالمي الحالي الذي لم تتضح صورته بعد من الطبيعي ستنتظر السعودية اكتمال الصورة الأخيرة التي ستحدد بناء عليها مواقفها.

يُذكر أنه في آذار/مارس الماضي، قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إن المملكة تنظر إلى إسرائيل كحليف محتمل في العديد من المصالح المشتركة، وذلك خلال مقابلة مع مجلة “أتلانتيك” الأميركية، كذلك لم تبدِ السعودية معارضة حين قررت حليفتها الإمارات تطبيع العلاقات مع إسرائيل، كأول دولة خليجية وثالث دولة عربية تقوم بهذه الخطوة في أيلول/سبتمبر 2020، قبل أن يطبّع المغرب والبحرين علاقتهما أيضا مع إسرائيل وفي الوقت الذي يسير السودان فيه على النهج نفسه.

في غضون ذلك، سمحت السعودية لكل الرحلات الجوية المتجهة إلى الإمارات والمغادرة منها بعبور أجوائها، بما في ذلك الطائرات الإسرائيلية، في حين قال موقع “أكسيوس” الأميركي خلال منتصف العام الماضي، إن إدارة بايدن تعمل على وضع خريطة طريق لتطبيع العلاقات، فيما ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن إسرائيل والسعودية تبحثان عبر واشنطن مسائل اقتصادية وسياسية.

وسط ذلك، وعلى الرغم من مؤشرات التقارب الأخير، يستبعد خبراء أن يحدث تطبيع في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز، لطالما أن الملك سلمان ردد في خطاباته؛ أن الملكة يمكن أن تطبع العلاقات مع إسرائيل فقط حين تقوم دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية المحتلة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.