مع إعلان بريطانيا عزمها إرسال دبابات من نوع “تشالنجر 2” إلى أوكرانيا، أصبحت لندن آخر عضو في ناد يبدو أنه يتزايد من الدول التي منحت أوكرانيا أسلحة يمكن أن تستخدم للهجوم والدفاع، كما أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مطلع الشهر الحالي نيّته إرسال مجموعة غير محددة العدد، من المركبة “آي إم إكس 10 آر سي”، وهي دبابات خفيفة من المتوقع أن تكون على أهمية كبيرة في الحرب الدائرة في أوكرانيا لقدرتها على تدمير الدبابات.

كما أعلن الرئيس البولندي، أندريه دودا، خلال زيارة إلى أوكرانيا، الأربعاء الفائت، أن بلاده مستعدة لتزويد كييف بـ 14 دبابة ثقيلة متطوّرة من نوع “ليوبارد-2″ على أن يحصل ذلك في إطار تحالف دولي يُجري العمل حاليا على بنائه، وفقا لـ”فرانس برس”.

هذا التغير في نهج التسليح الأوروبي يدعو للتساؤل حول الأسباب التي دعت الأوروبيين لاتخاذ هذا النهج، وأهمية زيارة زيلنسكي للولايات المتحدة في تغيير النهج، وهل بدأت الحرب تتجه نحو تحرير الأراضي الأوكرانية التي احتلتها روسيا.

أسباب تغيير نهج التسليح

على الرغم أن توجه “الناتو” كان ينصب على تزويد كييف بأسلحة دفاعية، وفي المقام الأول أسلحة لمواجهة القصف الروسي المتكرر والواسع، يمكن أن تصبح الدبابات رأس حربة في أي هجوم أوكراني لاستعادة الأراضي المحتلة.

الدكتور خالد الغزي، خبير العلاقات الدولية والسياسات الخارجية، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن التغير في الموقف الأوروبي ناتج عن عدة مسائل برزت مؤخرا، أبرزها أن الموقف الروسي لا يزال يصرّ على شروطه وكأن الحرب لم تبدأ بعد أو لا تزال في بدايتها، أي إصرار بوتين على الشروط التي يضعها رغم الانتكاسات التي تعرض لها جيشه، وهو ما أعطى مبررا للغرب الذي كان يحاول إعطاء فرصة لروسيا لتعديل مواقفها والجلوس إلى طاولة الحوار والتوصل لحل للأزمة بطرق دبلوماسية.

منظومة صواريخ بارتريوت

أيضا القصف الصاروخي الذي تنفذه روسيا ضد المباني والمساكن المدنية والقطاعات الحيوية والبنية التحتية الأوكرانية في تهديمٍ ممنهج يطال كل شيء وفق سياسة الأرض المحروقة التي باتت تستخدمها روسيا بشكل كبير.

كذلك بحسب الغزي، فإن الأوروبيين يرون أنه لا مجال لإسقاط أوكرانيا بأي طريقة لأنها خط أحمر وهو ما أبلغوه للروس بأنهم لن يهادنوا في ذلك، كما أن الأوروبيين باتوا يعرفون أن الحرب الحالية هي حرب موجهة ضدهم حيث بات المنطق الأوروبي يعتبر روسيا هي الخطر والعدو لأوروبا.

إقرأ:بين التكتيك والاستراتيجية.. ما دلالات الانسحاب الروسي من خيرسون الأوكرانية؟

الغزي يضيف أن هناك نقطة مهمة وهي تهديد الأمن الأوروبي الذي باتت تستخدمه إيران عبر مساعدة روسيا مباشرة بتزويدها بالمسيّرات التي تضرب المدن الأوكرانية في حين على الدول الأوروبية إعادة بنائها، وأيضا السلاح الإيراني المُصنّع في سوريا والذي يتم جلبه لاستهداف أوكرانيا، وأيضا الصفقة التي عُقدت بين إيران وروسيا لتزويد الأخيرة بصواريخ باليستية بعيدة المدى.

أهمية زيارة زيلنسكي للولايات المتحدة

مؤخرا زار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الولايات المتحدة للطلب من الأميركيين والأوروبيين استمرار دعم أوكرانيا في الدفاع عن نفسها في وجه روسيا، وألقى زيلنسكي خطابا أمام “الكونغرس” الأميركي، طالب فيه بدعم عسكري نوعي قادر على تغيير موازين الحرب.

الغزي يرى أن زيارة زيلنسكي للولايات المتحدة والخطاب الذي ألقاه أمام “الكونغرس” يحمل رسائل لكل من روسيا والصين وإيران بأن الولايات المتحدة ستغير نهجها وستعمل على تقديم الدعم لأوكرانيا بكل ما تحتاجه، ومن هنا لوحظ سريعا الضغط الأميركي والتغير في السياسة لجهة الإفراج عن كل المطالب الأوكرانية التي تم طلبها سابقا، وأهمها التّزود بصواريخ “باتريوت” المضادة للطائرات والصواريخ، إضافة إلى معدات وناقلات ودبابات تساهم عمليا بتغيير الواقع الاستراتيجي على الأرض.

هذا الواقع حسب الغزي هو كسر للمحرمات خاصة بقرار الرئيس ماكرون بتزويد أوكرانيا بدبابات قتالية، وهو إشارة للدول الغربية الأخرى باتباع النهج الفرنسي على الرغم أن فرنسا كانت أكثر الدول مطالبة بالحوار بين الطرفين.

الخسارة الممنوعة للطرفين

بالنظر إلى أنواع الدبابات والمدرعات التي أعلنت الدول الأوروبية أنها ستزود أوكرانيا بها فإن روسيا ستتعرض لخسائر كبيرة خلال المرحلة القادمة لكن حسب خبراء لن يسمح الأوروبيون بخسارتها.

الغزي يرى أن الغرب بات يعلم أن خسارة أوكرانيا ممنوعة، وفي نفس الوقت يعلم أن خسارة روسيا صعبة أيضا فالغرب لا يريد هزيمة روسيا لما لذلك من تأثير سلبي عليه وأكثر من يفهم هذه الناحية هم الأوكرانيون ولذلك يبررون تأخر الدعم الغربي لهم في الحرب.

دبابة ليوبارد – 2

الموقف الغربي حسب الغزي يعتمد على عدة أسئلة مهمة، ماذا سيحل بالأسلحة النووية الروسية حال هزيمتها، وكيف سيكون وضع الإسلام في جنوب روسيا، ومن سيسيطر على سيبيريا، وماذا سيحل بما وراء القوقاز، وكيف سيكون الوضع في دول وسط آسيا والتي تعتبر مستعمرات روسية، وما مستقبل النفط والغاز الروسيين، وفوق كل ذلك الخطر الصيني الذي يمكن أن يتمدد نحو الاتحاد الأوروبي في حال انهارت روسيا، إضافة إلى الانقسامات المناطقية والعرقية التي ستحدث كما جرى بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.

من هنا جاء التسليح الأوروبي لأوكرانيا للتركيز على نقطتين، الأولى وهي ضرورية لأوكرانيا لكي تصل إلى توازن رعب ناري من أجل تحقيق انتصارات معينة لكن بشرط عدم ضرب المدن الروسية وإنما ضمن المناطق التي احتلتها روسيا فقط، والثانية الرسالة التي أوصلها الرئيس الأوكراني وهو يرتدي الزي العسكري، بأن أوكرانيا ستقوم بصرف المساعدات التي تتلقاها من الغرب في سبيل الدفاع عن الديمقراطية والدفاع عن أوروبا.

لذلك يعلم الغرب بشكل دقيق ما هي المساحة التي تساهم بها الأسلحة المقدّمة إلى أوكرانيا، وقد بدأت الدول الغربية بالفعل بنقل الأسلحة والدبابات إلى أوكرانيا، وهناك توازن آخر قادم في المجال الجوي من خلال صواريخ “باتريوت” وهو ما يمنع الروس من السيطرة على الأجواء الأوكرانية.

إذا فالسلاح الأوروبي سيمكّن أوكرانيا من شن هجوم واسع النطاق سيؤدي إلى إحداث توازن وهذا الأمر سيؤدي إلى إعادة فتح الحوار لحل الأزمة وجلب الروس إلى طاولة الحوار دون شروط، لذلك فإن الاستراتيجية الروسية تغيرت من خلال تغيير القادة وتسليم رئيس أركان الجيش الروسي قيادة المعركة نتيجة للصعوبات التي يواجهها الجيش الروسي في أوكرانيا، حسب الغزي.

الغزي ختم بأن روسيا لم تتمكن من تحقيق إنجازات حقيقية خلال فترة طويلة من القتال لذلك تحاول الوصول إلى مدينة سوليدير الصغيرة للسيطرة عليها بأي شكل، من أجل القول أنها حققت إنجازات أمام الرأي العام الروسي الداخلي، وذلك في سبيل إجراء تعبئة داخلية قوامها يصل إلى نحو 500 ألف شخص هي القوة التي ستمهد للهجوم الثاني على أوكرانيا وهو ما لا يريده الأوروبيون أيضا.

معركة كبيرة بالنسبة لروسيا التي اعتادت خلال السنوات الماضية على معارك صغيرة في القرم وسوريا وجورجيا، تواجه فيها فعليا الغرب بشكل كامل والذي لن يسمح لها بالانتصار تحت أي ظرف، في الوقت الذي يصرّ فيه بوتين على شروطه التي وضعها في بداية الغزو لأوكرانيا والتي لا يبدو أنه بات قادرا على فرضها.

قد يهمك:ما أهمية خيرسون الأوكرانية في المعركة الفاصلة للغزو الروسي؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.