على نحو معاكس لجهود الجهاز الحكومي الصيني في دعم الاقتصاد الوطني الذي يعاني من سلسلة أزمات داخلية وخارجية، تراجعت العملة الصينية “اليوان” إلى أدنى مستوياتها منذ خمسة عشر عاما، وذلك وفقا لتعاملات يوم أمس الخميس، الأمر الذي تسبب بخسائر كبيرة في قيمة “اليوان” أمام الدولار الأميركي.

“اليوان” الصيني، بحسب بيانات سوق هونغ كونغ؛ خسر نحو 4.7 بالمئة من قيمته مقابل الدولار منذ بداية العام الجاري، كما خسر في الأسواق الصينية نحو 4.8 بالمئة من قيمته منذ بداية العام حتى يوم الأربعاء الماضي، وفقا لشركة “فاكت سيت” الأميركية، حيث بلغ سعر الدولار يوم الأربعاء 7.2432 ليوان في سوق الصرف المحلي، وتراجع إلى 7.2542 للدولار في مصارف الأوفشور.

هذه الخسارات والتراجع القياسي بالنسبة لـ “اليوان” الصيني، جاءت في وقت تنفّذ فيه بكين جملة سياسات تهدف إلى دعم المستهلكين وتجاوز الأزمات التي منها أزمة العقارات، ودعم النمو الاقتصادي، وغيرها من الأزمات التي تتعلق بالقطاع الصناعي والاستثماري؛ وأهمها دعم قيمة العملة الوطنية ومحاولات تدويلها، غير أنها على ما يبدو لم تفلح بذلك بحسب معطيات قيمة العملة الحالية وإمكانية تداعياتها على مستقبل الاقتصاد الصيني.

عقبات تواجه الاقتصاد الصيني

فبينما لا يزال الاقتصاد الصيني يعاني من جملة معوقات اقتصادية أضرت به، ويرى خبراء أنها السبب بتراجع قيمة “اليوان” الصيني أمام الدولار الأميركي، تشير أوساط اقتصادية إلى أن خفض “البنك المركزي” المسمى بـ “الشعب الصيني”، سعر الفائدة على “اليوان” في خطوة متضاربة مع توجهات السياسة النقدية الغربية، قد ساهمت أيضا بشكل مباشر بتراجع قيمة عملة “اليوان”، على الرغم من اتخاذ خطوات عدة لدعم العملة.

إذ فاجأ بنك “الشعب الصيني” الأسواق الشهر الماضي بتخفيض أسعار الفائدة، والتي قال الاقتصاديون في مصرف “ستاندرد تشارترد” البريطاني إنها إشارة واضحة للتيسير النقدي وتهدف إلى رفع معنويات المستهلك والمستثمرين، لكن لاحظ محللو البنك البريطاني أن الخفض زاد من فروقات أسعار الفائدة بين الصين والولايات المتحدة، الأمر الذي كان أحد المحركات الكبيرة لضعف “اليوان” خلال العام الماضي.

كما اتخذ بنك “الشعب الصيني” سلسلة من الخطوات لدعم قيمة العملة، بما في ذلك جعل اقتراض العملات الأجنبية أكثر تكلفة بالنسبة للشركات في الصين، غير أن هذه الخطوات جاء في وقت لايزال المستهلك الصيني يعاني من أزمات داخلية، بالتالي لم تساهم خطوة خفض الفائدة في زيادة النمو الاقتصادي، وفق خبراء.

يشار إلى أن بنك “الشعب الصيني” يحدد يوميا سعرا مرجعيا لـ “اليوان” مقابل الدولار، في حين يستخدم الاقتصاديون السعر اليومي لـ “اليوان” كمقياس لمدى احتمال تدخل بنك “الشعب الصيني” في السوق للتأثير على العملة. فيوم الأربعاء الماضي، تم تثبيت سعر “اليوان” عند 7.2046 مقابل الدولار.

تعليقا على ذلك، قال الخبير الاقتصادي علي قيسية، إن قيمة “اليوان” الصيني مرتبطة بخفض معدلات الفائدة في الصين، لذلك أن التراجع في قيمة العملة الصينية سببه خفض معدلات الفائدة الذي تحتاجه الصين لتعزيز قدراتها التصديرية لتكون منتجاتها أكثر تنافسية في الأسواق التصديرية خصوصا في آسيا وأوروبا والأسواق الغربية.

ما وراء تراجع “اليوان” الصيني

بالتالي إن هذا ما يعزز ما يُطرح حول أن السياسات الصينية النقدية لم تكن فعالة حيال “اليوان” الصيني، ويؤكد حقيقة تراجع الصادرات الصينية حول العالم، وهو ما تعتمد عليه الصين في نموها الاقتصادي. 

تراجع “اليوان” الصيني لمستويات قياسية/ إنترنت + وكالات

علاوة على ذلك، أشار قيسية في حديث لموقع “الحل نت”، إلى أن خروج المستثمرين من الصين أيضا له دور في تراجع قيمة “اليوان”، بالرغم من أن تراجع “اليوان” ليس له تأثير على الصين، لأنها تعتمد على قدراتها التصديرية وبناء احتياطي أكبر من العملات الأجنبية.

بمعنى أنه في حال استمرار تراجع القدرات التصديرية الصينية وعدم تدارك هذا التراجع في الصادرات، فإن مستقبل الاقتصاد الصيني أمام تحديات كبيرة لا شك ستضر بمشروع بكين الذي تحاول من خلاله الاستمرار في كونها واحدة من أعمدة الاقتصاد العالمي.

بناء على ذلك، لفت خبير الاقتصاد إلى أن الصين بحاجة لإيجاد مزيد من الزخم لاستقطاب مستثمرين أجانب أكثر، لتحسين أدائها العقاري الذي يعاني من إشكاليات، مؤكدا أن هذا القطاع يحتاج لقدوم مستثمرين أجانب جدد أكثر، وهذا ما يمثل أكبر تحديات الاقتصاد الصيني، مشيرا إلى أن من بين أسباب تراجع قيمة العملة أيضا الحرب التجارية بين أميركا والصين، حيث هناك قيود على أشباه الموصلات ووصول السلع الصينية إلى الولايات المتحدة الأميركية وبالعكس.

أثناء ذلك، فقد الانتعاش الاقتصادي في الصين قوته، حيث تظهر البيانات الرسمية الأخيرة في بكين تراجعا كبيرا في التصنيع ومبيعات المنازل الجديدة والتوظيف والصعوبات التي يواجهها تعافي الاقتصاد من سلسلة طويلة ومؤلمة من القيود لمحاربة جائحة “كوفيد- 19″، وإلى جانب ذلك تراجعت صادرات الصين في أيار/مايو بنسبة 7.5 بالمئة عن العام السابق.

في حين عزا محللون التراجع بقيمة “اليوان” بهذه السرعة، إلى أربعة أسباب رئيسية وهي؛ بطء تعافي الاقتصادي الصيني من جائحة “كورونا” خلافا للتوقعات، حيث جاء التعافي أبطأ من توقعات المصارف الاستثمارية الغربية، وثانيا سحب المستثمرين الأجانب أموالهم من أسواق المال الصينية، كما أن المصدرين والشركات الصينية اختاروا الاحتفاظ بحصيلة مبيعاتهم بالدولار والعملات الأجنبية الأخرى بدلاً من تحويلها إلى “اليوان”.

مساعي تعزيز الاقتصاد

أما السبب الثالث، يكمن في خفض “البنك المركزي” الصيني سعر الفائدة على “اليوان”، حيث كان المركزي الصيني يأمل عبر خفض الفائدة مساعدة المستهلك على الاقتراض، وتبعا لذلك تعزيز القوة الشرائية المحلية.

تحديات اقتصادية تواجه مستقبل الاقتصاد الصيني/ إنترنت + وكالات

في هذا الصدد، قال رئيس أبحاث آسيا في مصرف “أيه أن زد” النيوزيلندي، خون جوه، لقد وصل ضعف “اليوان” إلى مرحلة شعر فيها المستثمرون بأنه مُبالغ فيه، فيما قال محللون في شركة “نورث إيست سيكيوريتيز” في تعليقات لصحيفة ” ساوث تشاينا مورنينغ بوست” الصادرة أمس الخميس في هونغ كونغ، إذا واصل “اليوان” تراجعه بسرعة كبيرة، فقد يضطر ذلك “البنك المركزي” لإعادة ما يسمى بالعامل المعاكس للدورة الاقتصادية، لدعم سعر الصرف.

وسط ذلك، وعلى الرغم من توقعات تشير إلى أن تراجع “اليوان” ربما يساهم في زيادة حجم الصادرات الصينية، إلا أنه من جهة أخرى ربما يعمل ضد سياسة تدويل تلك العملة في الوقت نفسه، في وقت تسعى الصين جعل “اليوان” عملة دولية في العالم، فيما أظهرت بيانات في سوق الصرف، أن المصدّرينَ الأجانب باعوا العملة الصينية مقابل عملات أكثر قابلية للتحويل، مثل الدولار واليورو، مما زاد من تراجع قيمة “اليوان”.

في مقابل ذلك، يعتزم بنك “الشعب الصيني” تركيز إجراءاته لتحقيق استقرار “اليوان” الصيني بعد تراجعه إلى أقل مستوياته منذ 15 عاما، في ظل المخاوف من ضعف قوة التعافي الاقتصادي للصين، وبحسب بيان نقلته وكالة “بلومبرج” للأنباء؛ أشار بنك “الشعب الصيني” إلى أنه سيتبنى إجراءات شاملة ويوازن التوقعات بشأن العملة، مضيفا في تقريره ربع السنوي عن السياسة النقدية والصادر اليوم الجمعة أنه سيعمل بحزم على منع خطر التقلبات الكبيرة لسعر الصرف.

 في تقرير “البنك المركزي” الصيني، جاء بعد صدور بيانات اقتصادية صباح اليوم عن انكماش نشاط قطاع التصنيع في الصين مجددا خلال حزيران/يونيو الماضي، في حين فشلت القطاعات الأخرى في تحسين أنشطتها، الأمر الذي يؤشر على مخاطر حول مستقبل الاقتصاد الصيني.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات