مع استمرار الفراغ في كرسي الرئاسة اللبناني، أعلن مجموعة من النواب اللبنانيين، يوم الخميس الفائت، الاعتصام المفتوح داخل أروقة “مجلس النواب” وعدم مغادرته إلى حين انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية خلفا للرئيس السابق، ميشال عون، الذي انتهت ولايته في تشرين /أكتوبر الماضي.

“مجلس النواب” اللبناني كان قد عقد، الخميس، جلسته الحادية عشر لانتخاب رئيس للجمهورية، دون أن يتم الاتفاق على اسم يحظى بالأغلبية اللازمة من أصوات النواب، في مشهد واضح لفقدان كافة الأطراف والتحالفات السياسية في البلاد للأغلبية في “مجلس النواب” الجديد، الذي تم انتخابه في أيار/مايو 2022، الأمر الذي يحتّم الاتفاق على اسم يحظى بقبول عابر للانقسامات السياسية أو إبرام تسويات سياسية على غرار ما حصل عام 2016 حين انتُخب ميشال عون.

عملية الاعتصام التي بدأت الخميس في البرلمان، تُعتبر سابقة جديدة في الحياة السياسية اللبنانية، حيث تدفع للتساؤل حول أسباب استمرار فشل انتخاب الرئيس، وتأثير الاعتصام، وما إذا كان هناك أفق لحل هذه الأزمة.

سابقة جديدة لكنها إعلامية؟

جلسة يوم الخميس، تميزت عن سابقاتها بإعلان فريد من نوعه لم يسجل في تاريخ الحياة السياسية اللبنانية من قبل، جاء من ناحية النائبين ملحم خلف ونجاة صليبا، المحسوبَين على تكتل نواب “قوى التغيير”، الذي انبثق عن الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها البلاد بين عامي 2019 و2020، ونجح في تحصيل تكتل نيابي من 11 نائبا، حيث أعلن النائبان نيتهما البقاء في قاعة الهيئة العامة لـ”مجلس النواب” اللبناني، والاعتصام سلميا للضغط باتجاه انتخاب رئيس للجمهورية.

النواب اللبنانيون المعتصمون في البرلمان

الخطوة لاقت دعما من عدد من نواب المعارضة، بينهم حزب “الكتائب اللبنانية” الذي قال رئيسه النائب سامي الجميل، “ندرس الخطوة وقد ننضمُّ إليها في أي وقت”، فيما بدأت الاتصالات مع نواب وكتل أخرى بهدف توسيع دائرة المشاركة، وقرّر النواب البقاء في قاعة المجلس مع إطفاء التيار الكهربائي بعد الظهر، فيما حرص عدد من النواب على البقاء معهما لدعمهما وتأمين ما يحتاجان إليه.

من بين النواب الذين ساندوا الاعتصام، النائب وضاح الصادق، الذي قال في تصريحات صحفية، “هناك دعم كبير لقرار الاعتصام في المجلس، وما نطالب به ليس إلا تطبيق الدستور الذي ينص على إبقاء جلسات الانتخاب مفتوحة”، مضيفا، “الوضع السياسي المتأزم في لبنان كان بحاجة إلى مبادرة مختلفة، وما نعمل عليه اليوم هو التواصل مع الكتل لتأمين أوسع مشاركة”.

الصحفية اللبنانية في موقع “إندبندنت بالعربية”، سوسن مهنا، ترى خلال حديثها لـ”الحل نت”، أنه بالنسبة لاعتصام النواب فهو خطوة جيدة، لكن صداه سيكون إعلاميا، أما من ناحية التغيرات على الأرض فلن يحدث شيء لأن رئيس “مجلس النواب”، نبيه بري، يملك معظم مفاتيح الحل وهو أعلن عن رفع جلسة الانتخاب وترك الأمور كما هي عليه الآن، وهذا يُعيد إلى الأذهان فترة الاعتصامات في بيروت عامي 2007 و2008، عندما كان يقول “الأمر بيدي”.

قد يهمك:ما جديد التنقيب عن الغاز في لبنان؟

مهنا تضيف أن الاعتصام يعبّر عن وجهة نظر عدد من النواب لكن من المهم معرفة كم سينضم إلى هذا الاعتصام من النواب، وهذا غير واضح حتى الآن ومن غير المتوقع أن ينضم عدد كبير، كما أنه يجري تضييق على النواب المعتصمين بأشكال مختلفة من بينها قطع الكهرباء عنهم.

أسباب فشل انتخاب الرئيس

منذ  انتهاء ولاية الرئيس السابق، ميشال عون، في نهاية تشرين الأول/أكتوبر الماضي، فشل البرلمان الخميس للمرة الحادية عشرة في انتخاب خلف له جراء انقسامات سياسية عميقة، خصوصا أن أي فريق سياسي لا يملك أكثرية برلمانية تخوّله إيصال مرشح.

تجاذبات بين التيارات السياسية، وخاصة الكتلتين الرئيسيتين في البرلمان، وعدم حضور كتل أخرى للجلسات الانتخابية، أو انسحاب بعض الكتل من الجلسات، وعدم وجود كتلة تملك الأكثرية تسبب بفراغ رئاسي تعمقت معه الأزمة في لبنان.

في هذا السياق توضح مهنا، أن بعض الكتل قررت مقاطعة الجلسات، حيث بيّن وليد جنبلاط أن كتلته ستقاطع جلسات البرلمان التي سماها جلسات “فولكلورية” أو مكوكية، لعدم وجود نصاب كاف للانتخاب، وعدم حضور نواب من كتل أخرى.

أيضا حسب مهنا، فليس هناك في “مجلس النواب” كتلة قادرة على السيطرة حتى الآن، سواء “8 آذار” أو “14 آذار”، لأن هناك نواب “تغييرين” جاؤوا في الانتخابات البرلمانية الأخيرة وتسببوا بخرق المعادلات المعروفة، لهذا يحاول الفريقان الرئيسيان استقطاب النواب “التغيريين”، ولكن حتى الآن لا يوجد أي اسم مطروح للرئاسة على الرغم من أن “حزب الله” يريد طرح اسم سليمان فرنجية، وهو أي الحزب يحاول من خلال التعطيل الحالي تخيير اللبنانيين إما الاتفاق على فرنجية أو ستبقى الأمور كما هي عليه الآن.

أيضا ومن ضمن أسباب فشل انتخاب أو اختيار رئيس جديد للجمهورية، تشير مهنا إلى عدم وجود تغيرات دولية وإقليمية قادرة على التسبب بالدفع لإنهاء هذه الأزمة، فالمجتمع الدولي منشغل بعدة ملفات أبرزها الملف النووي الإيراني، والحرب الروسية في أوكرانيا، وهذه الأمور تنعكس على لبنان.

هل هناك أفق لحل الأزمة في لبنان؟

من الواضح أن استمرار الأزمة السياسية في لبنان تزيد من تدهور الوضع السياسي والاقتصادي، فبالتزامن مع فشل البرلمان الخميس، سجلت الليرة تدهورا قياسيا، إذ تجاوز سعر الصرف عتبة الخمسين ألفا في مقابل الدولار الأميركي الواحد، في مؤشر على عمق الأزمتَين السياسية والاقتصادية اللتَين لا تلوح أي حلول لهما في الأفق.

تبيه بري رئيس مجلس النواب اللبناني

أيضا فإن اللقاءات التي تجري بين جنبلاط و”حزب الله” والأحزاب الأخرى لا تبدو حتى الآن ذات نتيجة، خاصة مع الإصرار الضمني لـ”حزب الله” على ترشيح واختيار النائب في البرلمان سليمان فرنجية.

مهنا ترى أنه طالما لا توجد تسوية دولية أو إقليمية لاختيار رئيس للبنان كما يريده المجتمع الدولي وشريحة كبيرة من اللبنانيين، رئيسا إصلاحيا وقادرا على انتشال لبنان من المحنة التي يمر بها أي رئيسا يتمتع بالسيادة ولا يتبع لقوى خارجية فلن تستقر الأمور في لبنان.

أما إذا جرت الأمور على عكس ذلك، حسب مهنا، فإن الأوضاع ستبقى على ما هي عليه ولن يكون هناك حلول في الأفق والوضع صعب جدا والعملة اللبنانية في انهيار مستمر وصلت إلى 50 ألف ليرة مقابل الدولار، إضافة إلى انهيار على كافة المستويات والترهل في مؤسسات الدولة، لذلك حتى الآن لا يوجد شيء اسمه انتخاب رئيس جمهورية واللقاءات التي تجري بين الكتل السياسية والسياسيين هي لقاءات عَبثية ومَضيعة للوقت ليس إلا.

لا يبدو حتى الآن أن الكتل السياسية اللبنانية في البرلمان اللبناني قادرة على الاتفاق على اختيار مرشح مقبول لدى الجميع لشغل المنصب الرئاسي الفارغ، فلكل كتلة أجنداتها الداخلية الضيقة والخارجية المرتبطة بدول أخرى خاصة “حزب الله” الذي يُعتبر مع “حركة أمل” برئاسة رئيس مجلس النواب، نبيه بري أكبر معطلي هذا الاختيار.

إقرأ:هل سينجح الوفد القضائي الأوروبي في تأدية مهمته في لبنان؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.