في أول زيارة لمسؤول أميركي إلى إسرائيل بعد تشكيل الحكومة الجديدة الأكثر تطرفا في تاريخها، وصل مستشار الأمن القومي لـ”البيت الأبيض”، جيك سوليفان، إلى تل أبيب في 18 كانون الثاني/يناير الجاري، بعد أن شهدت المنطقة توترا كبيرا بين إسرائيل والأردن وأيضا مصر، وعلى الساحة الفلسطينية، وجاء التصعيد بعد وصول بنيامين نتنياهو إلى السلطة مجددا في 21 كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي، إذ شكّل حكومة ائتلافية يمينية تضم أكثر الشخصيات السياسية الإسرائيلية تطرفا، ولهم تاريخ في معاداة العرب والمسلمين، وقام وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير باقتحام المسجد الأقصى بعد توليه منصبه الوزاري، حيث أوضح بشكل عملي برنامج الحكومة الجديدة الذي يضم بعض النقاط التي تمسُّ الأردن بشكل مباشر كالتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية إلى جانب محاولات في تغير وضع الأقصى، وجعل القدس عاصمة لدولة “إسرائيل”، وإحياء التطبيع مرة أخرى مع الدول العربية.

الأنظار تتجه إلى زيارة مرتقبة لوزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إلى تل أبيب أواخر الشهر الجاري، وذلك في محاولة للتوصل إلى نقاط تفاهم بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية التي ليست على وفاق مع شخص نتنياهو، وأيضا لتهدئة الأوضاع في المنطقة بعد أن اشتعلت مع وصوله للحكومة.

مؤشرات تنذر بتصعيد خطير

لم يكن اقتحام بن غفير للمسجد الأقصى التصعيد الوحيد منذ توليه منصبه رغم أهمية هذا الاقتحام الذي مرّ مرور الكرام، إذ كان لاقتحام رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق أرييل شارون، للأقصى في العام 2000 سببا رئيسا للانتفاضة الفلسطينية، إلا أن الاقتحام الأخير تلاه قرار إسرائيلي بمنع رفع العلم الفلسطيني وتمزيقه، وكان آخرها منع الشرطة الإسرائيلية للسفير الأردني في تل أبيب، غسان المجالي، بالتجوال في باحات المسجد الأقصى، الأمر الذي دفع الأردن إلى استدعاء السفير الإسرائيلي في عمان وتسليمه “رسالة شديدة اللهجة”، ويُعرف عن نتنياهو مواقفه الشخصية ضد الأردن إذ أن تاريخ الخلافات بين الطرفين يشهد على ذلك.

 بدوره أكد، الكاتب السياسي الأردني، حمادة فراعنة، في حديثة إلى “الحل نت” أن العلاقات الأردنية – الإسرائيلية “ستبقى في حالة توتر طالما بقي نتنياهو رئيسا لحكومة المستعمرة، وستزداد حدّة مع تركيبة حكومته الجديدة، وتحالفه مع الأحزاب اليمينية الأكثر تطرفا، خاصة مع حزبي بن غفير وسموتريتش المتحالفين في إطار تجمع الصهيونية الدينية”.

قد يهمك: بين الاقتصاد والسياسة.. مستقبل العلاقات الأردنية الإسرائيلية إلى أين؟

من جهته أكد، جواد الحمد، رئيس مركز “دراسات الشرق الأوسط” في الأردن، في حديثه لـ“الحل نت” أن “نتنياهو يشكل تحديا كبيرا، وكان سببا لتوتر شديد في العلاقة مع الاردن، وتسبب بأزمة في عملية السلام، وأصرّ على برنامج مناهض للمصالح الأردنية العليا في القدس والاستيطان، وخطة ضم الضفة الغربية وغيرها”، بحسب تعبيره.

التوقعات الأردنية تشير إلى توتر قد بدا في علاقة الطرفين، وأن الأردن يشعر بأن الحكومة الجديدة بوصفها حكومة يمينية متطرفة وفاشية، إنما يستعد لأزمات عدة في علاقاته مع هذه الحكومة، وفق الحمد، وأن محاولات الأردن عبر أطراف عربية والولايات المتحدة، التأثير للجم سياساتها العدوانية لا تزال غير مؤكدة.

الوصاية على المقدسات والتوسع في الضفة

لم تخفي الحكومة الجديدة في برنامجها نيّتها على تغير وضع الأقصى الراهن، وكان ذلك جليا باقتحام بن غفير للأقصى، ربما كرسالة مباشرة إلى الأردن الذي يمتلك حق الوصاية والرعاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية، وهو من أكثر الملفات التي تقلق الأردن، وكان وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، قد شدد على “احترام الوضع التاريخي والقانوني القائم في المقدسات والوصاية الهاشمية عليها”، وذلك في اتصال هاتفي أجراه مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، على إثر اقتحام الأقصى.

في حوار أجرتها شبكة “سي إن إن” الأميركية، مع العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، وردا على محاولات تغيير الوضع الراهن في الأقصى بصفته الوصي على المقدسات في القدس، يقول“إذا أراد جانب ما أن يفتعل مواجهة معنا، فنحن مستعدون جيدا”.

الكاتب حمادة فراعنة، كشف عن النقاط التي يخشاها الأردن بموضوعَين رئيسين وما ينبثق عنهما وتداعياتهما، “الأول أن القدس الموحدة عاصمة للمستعمرة الإسرائيلية، والثانية أن الضفة الفلسطينية ليست فلسطينية عربية وليست محتلة، بل هي يهودا والسامرة أي جزء من خارطة المستعمرة الإسرائيلية، وتداعيات ذلك بعمليات التهويد للقدس والضفة، وبناء مستوطنات وتوسيعها، وطرد الشعب الفلسطيني”.

مواصلة فرض الاقتحامات اليومية للمسجد الأقصى من قبل المستوطنين اليهود الأجانب، وفرض الشراكة والتقسيم للحرم زمانيا كما هو حاصل اليوم، والانتقال نحو التقاسم المكاني، بما يتعارض مع أن المسجد مسجدا للمصلين، ومقدس للمسلمين، وبالتالي رفض الوصاية الهاشمية والرعاية الأردنية للحرم ولسائد المقدسات الإسلامية والمسيحية، وفق فراعنة.

هو ما أكد عليه جواد الحمد، بقوله إن “إشكالات الأردن مع سياسات هذه الحكومة، تتمثل بتوجّهاتها المتطرفة ضد الشعب الفلسطيني بارتكاب جرائم يومية ضده، ومحاولة دفن الأمل بإقامة دولة فلسطينية بعملية تسوية سياسية، وكذلك بخصوص المخاطر على المسجد الأقصى والقدس والوصاية الهاشمية ، وتنامي التوسع الاستيطاني وضم أراضي الضفة الغربية ، وتهديد الحدود الأردنية، ومسألة عودة اللاجئين الفلسطينيين وغيرها”، على حد تعبيره.

اقرأ أيضا: منطقة حرة بين الأردن وإسرائيل.. ما قصتها؟

فراعنة ينوه على أن الوصاية الهاشمية والرعاية الأردنية “مصدرها فلسطيني، بدأت مع الشريف حسين حيث قدر الفلسطينيون موقفه الرافض لوعد بلفور وسايكس بيكو عبر رسالة تقدير وجهها له قادة ووجهاء فلسطين عام 1923 وذلك تعبيرا عن ثقتهم به واحتراما لمكانته كهاشمي، وقد تجدد ذلك في اتفاق وقعه الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع الملك عبد الله الثاني في 23 آذار/مارس 2013 تأكيدا على الوصاية الهاشمية والرعاية الأردنية لمقدسات فلسطين والقدس”.

“صفقة القرن” و”اتفاقات إبراهام”

فترة حكم الرئيس الأميركي الأسبق، دونالد ترامب، والذي تزامن مع وجود نتنياهو في السلطة، شكلت أصعب الفترات التي مرت على الأردن، إذ كانت “صفقة القرن” أو “اتفاقات إبراهام”، التي رسم وخطط لها نتنياهو وجاريد كوشنر، مستشار ترامب وزوج ابنته، في العام 2020، أحد أبرز الملفات التي شكلت ضغطا كبيرا على الأردن، والذي كان رافضا لكل بند في هذه الصفقة جملة وتفصيلة.

 لكن برنامج الحكومة الجديدة تضم إعادة اتفاقات “إبراهام” والتطبيع مع المملكة العربية السعودية، وهو ما أشار إليه نتنياهو عند استقباله سوليفان، ويقلق الأردن العودة إلى هذا الملف مجددا الذي تسبب في محاصرة الأردن اقتصاديا، والضغط السياسي والدبلوماسي على مدار حكم ترامب والتي كانت أسوأ فترة بالعلاقات الأردنية – الأميركية، إذ ينص أحد بنود هذه الصفقة أن الأردن دولة بديلة للفلسطينيين، مقابل دعم مادي كشف عنه العاهل الأردني وقتها، لكن الأردن رفض كل ذلك، ما يشير أن الوضع في الفترة الحالية مختلف.

الأردن ينسّق اليوم مع الدول العربية جميع خطواته لمواجهة سياسات الحكومة الإسرائيلية والتصعيد الكبير في الضفة الغربية، إذ توجه الملك الأردني إلى العاصمة الإماراتية أبو ظبي، للقاء عدة قادة عرب، وكان قبلها قد عقد الأردن قمة فلسطينية مصرية في النقب، وتشير جميع التحركات على أن الأردن يسير اليوم بدعم عربي. ويرى الحمد أنه من “المفترض أن العلاقات المصرية الأردنية تكون مدخلا أساسيا لمواجهة هذه الحكومة بالتضامن مع العلاقات الفلسطينية-الأردنية، والأردنية – الخليجية”.

في حين وصف فراعنة صفقة القرن “بالمشروع الأميركي الذي ولد ميتا، لطالما رفضها الفلسطينيون، ولم يتجاوب معها الأردن، فالأردن يمتلك أهم ورقة في الصراع وهي ثقة الفلسطينيين به، ونضالهم العملي على الأرض في مواجهة الاحتلال”.

مما لا شك فيه أن الغزو الروسي لأوكرانيا قد غير شكل العالم، وغير أيضا نظرة الولايات المتحدة للأمور، إذ أن واشنطن بدأت تتعامل مع الدول العربية على أنها دول حليفة لا تابعة كما كان قبل الغزو، والتي ستسعى للجم طموحات نتنياهو، لعدم إشعال المنطقة بتوترات قد يقف العرب فيها صفا واحدا، في الوقت الذي يشهد العالم بأسره تقلبات في التحالفات السياسية، كما ستسعى واشنطن إلى خلق توازن بين حلفائها لتحقيق مصالحهم بحيث لا تكون على حساب الحليف الآخر، كما كان في السابق.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.