منذ بدء الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية اندلعت حرب بين روسيا وأوروبا سلاحها الرئيسي مصادر الطاقة، استهلت موسكو خطواتها في تخفيض إمداد الدول الأوروبية بالغاز، إلى أن بدأت أوروبا بالرد وتحديد سقف لأسعار الغاز الروسي.

الاتحاد الأوروبي يُعتبر منذ سنوات من أبرز زبائن الغاز الروسي، ففي عام 2020، زوّدت روسيا الاتحاد الأوروبي بما يقدر بنحو 25 بالمئة من النفط و40 بالمئة من الغاز الذي استهلكه الاتحاد خلال ذلك العام، وفق وكالة “يوروستات” للإحصاءات.

روسيا انتظرت على ما يبدو الشتاء لإعلان النصر على أوروبا، لكن الأخيرة أعدت العدة وملأت خزانات الاحتياط واتخذت إجراءات عديدة، مكّنتها من عدم الاستسلام إلى بوتين الذي استخدام الغاز كسلاح في الحرب، فهل خسر الأخير حرب الشتاء.

أوروبا تخلصت من الاعتماد على الغاز الروسي؟

الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسية الأمنية جوزيب بوريل، قال إن الاتحاد الأوروبي تخلص تماما من الاعتماد على الطاقة من روسيا، وذلك بعد عودة أسعار الغاز إلى مستوياتها الطبيعية قبل بدء الغزو الروسي لأوكرانيا.

بوريل أشار في تصريحات لصحيفة “الدياريو” الإسبانية، ونقلتها “الشرق الأوسط“، أن أوروبا مرّت بمرحلة شديدة التوتر من ارتفاع أسعار الطاقة، لكنها تخلصت من الاعتماد على روسيا في غضون أشهر.

على الرغم من هذه العودة للأسعار، وسلسلة الانخفاضات التي شهدتها أسعار النفط ومصادر الطاقة خلال الأشهر القليلة الماضية، إلا أن أسواق الطاقة ما تزال تشهد توترات وتذبذبات، الأمر الذي أرجعه بوريل إلى “مشكلة هيكلية للطاقة” بعيدا عن الوضع في أوكرانيا، معربا عن أمله في أن تقدم المفوضية الأوروبية مقترحا لتصحيح الوضع قريبا.

بعيدا عن إمداد الغاز الروسي بشكل مباشر إلى أوروبا، فقد استطاعت الحرب توجيه ضربات عدة لروسيا منذ بدء حرب الطاقة، فكانت للعقوبات الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية تأثيرات كبيرة على الاقتصاد الروسي، الذي يعتمد على تصدير النفط كمورد أساسي لخزينة الحكومة.

من جانبه رأى الخبير في اقتصادات الطاقة نهاد إسماعيل، أن أوروبا لم تتخلص تماما من الاعتماد على الغاز الروسي في سد احتياجاتها من الطاقة، مشيرا إلى أن الإجراءات التي اتخذتها أوروبا مؤخرا ساعدتها كثيرا على مجابهة روسيا، ولتجاوز أزمة الطاقة.

قد يهمك: سيول وواشنطن تناقشان إجراء مناورات نووية.. ما مستقبل التوتر بين الكوريتين؟

إسماعيل قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “لم تتخلص أوروبا بشكل كامل من الاعتماد على الغاز الروسي، عشرة بالمئة لا تزال تصل إلى بعض أعضاء الاتحاد الأوروبي من خطوط أنابيب روسية عبر تركيا، ونسبة أقل من خلال صفقات مع شركات وسيطة. رسميا توقف الغاز الروسي من خط يامال وخط نورد ستريم”.

إجراءات ساعدت أوروبا

مع قرب قدوم الربيع وتقلص الاستهلاك وارتفاع نسب التخزين في خزانات الاحتياطية، فضلا عن نجاح أوروبا في إيجاد بعض المصادر البديلة للغاز، مكّن ذلك الدول الأوروبية من تحقيق هدف تقليل الاعتماد على الغاز الروسي، فضلا عن انخفاض أسعار مصادر الطاقة.

حول ذلك أضاف إسماعيل، “باختصار الاقتصاد في الاستهلاك، ووجود بدائل وارتفاع المخزونات، ساعد أوروبا في تجاوز انقطاع الغاز الروسي، ولكن فرض مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي سقف على سعر الغاز، سيخلق اضطراب وتعقيدات في السوق”.

في إطار مواجهتها لأزمة نقص الغاز بعد انخفاض الإمدادات الروسية، رفعت الدول الأوروبية وارداتها من الغاز المسال الأميركي، وقد ارتفعت صادرات الغاز الطبيعي المسال الأميركية بنحو 12 بالمئة خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2022 إلى حوالي 74 مليار متر مكعب.

تقرير لمركز “سياسة الطاقة العالمية” في جامعة كولومبيا الأميركية أشار إلى أن أزمة الطاقة في أوروبا، ساهمت في زيادة سريعة في صادرات الغاز الأميركي، حيث جنت شركات الطاقة الأميركية نحو 35 مليار دولار من تصدير الغاز إلى أوروبا. كما حققت الشركات الأميركية أحجام تصدير قريبة من قدرتها القصوى البالغة أكثر من 130 مليار متر مكعب على أساس سنوي في الشهر الخامس والسادس من العام الفائت.

غير أن بُعد المسافة بين أميركا وأوروبا، سيفرض تكاليف عالية جدا على عمليات وصول الغاز الأميركي إلى الدول الأوروبية، وبعد دخول الغاز المسال إلى المحطات الأوروبية وخروجه بصورة غازية، ستصبح الفاتورة ثقيلة جدا على المنشآت الصناعية والأفراد في المنازل، وهذه من أبرز صعوبات تحول اعتماد أوروبا على الغاز المسال.

من ملامح مساعي أوروبا تجاوز الاعتماد على الغاز الروسي، مشاريع تهيئة بنية تحتية وتشييد محطات طاقة، تسمح لها باستيراد الغاز المسال عبر النواقل البحرية وتحويله إلى شكله الغازي وضخه عبر الشبكات المحلية.

ألمانيا وبلجيكا والعديد من الدول الأوروبية أعلنت خلال الأشهر الماضية، أنها بصدد بناء ثلاث محطات لتسييل الغاز، إضافة لمحطتين لإنتاج الهيدروجين الغاز، ما سيسمح لها باستيراد الغاز المسال بشكل أوسع.

كذلك سعت أوروبا خلال العام الفائت، إلى البحث عن منتجينَ جُدد لاستقبال الغاز عبر الأنابيب، أو حتى عبر النواقل البحرية، فكانت أميركا في طليعة الدول التي بدأت بنقل الغاز إلى أوروبا، فضلا عن المساعي الأوروبية المتواصلة لزيادة حجم الغاز الطبيعي من دول شمالي إفريقيا وبشكل خاص الجزائر.

تبعات حرب الطاقة

بالعودة إلى نتائج حرب الطاقة، ففضلا عن الإجراءات التي اتخذتها أوروبا لتجاوز أزمة الطاقة، فقد أدت هذه الحرب إلى خسائر فادحة في الاقتصاد الروسي، الذي لم ينجو من تبعات سلبية كبيرة ستستمر خلال العام الجاري، رغم ارتفاع أسعار النفط في بعض الأوقات.

حكومات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي كانت قد اتفقت قبل أسابيع، على حدِّ أقصى لأسعار النفط الروسي المنقول بحرا قدره 60 دولارا للبرميل، مع آلية تعديل لإبقاء سقف السعر أقل بخمسة بالمئة من سعر السوق.

هذا الاتفاق، يأتي ضمن محاولة الغرب للضغط على عائدات “الكرملين” النفطية مع الحفاظ على الإمدادات العالمية ثابتة وتجنب زيادة الأسعار، وصُمم هذا الحد على أنه طريقة للسماح لروسيا، أكبر مصدر للنفط العالمي، بتزويد الأسواق، من دون أن تحصل موسكو على الفائدة الكاملة من بيعها النفط.

عجزٌ يُقدر بـ 147 مليار دولار في الموازنة الروسية، بحسب إعلان موسكو مطلع العام الجاري، وذلك نتيجة الانخفاض في صادرات النفط في روسيا، فضلا عن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، ما جعل الاقتصاد الروسي في مهب العاصفة.

في مسعى أيضا لتقليص “صندوق تمويل الحرب الروسي”، جمّد الغرب 300 مليار يورو، من احتياطي النقد التابع لـ “لبنك المركزي” الروسي، ولحرمان روسيا من التقنيات والسلع الروسية، حظر الغرب تصدير كل أنواع التقنية تقريبا، وكذلك مبيعات السلع والخدمات باهظة الثمن، لموسكو.

“صندوق النقد الدولي”، تنبأ بانكماش الاقتصاد الروسي بنسبة ما بين 3 إلى 5 بالمئة خلال عامي 2022 و2023، وهي نسبة تزيد عن تنبؤات الصندوق قبل اندلاع الحرب بانكماش قدره 2 إلى 3 في المئة.

حتى الآن لا يستطيع الخبراء القول إن أوروبا تجاوزت الأزمة بشكل كامل، إذ أنها لا تزال تواجه تحديات عديدة، خاصة وأن ارتفاع أسعار الطاقة خلال العام الماضي، ساهم في ارتفاع معدلات التضخم لمستويات قياسية، لم تصل لها الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي منذ عدة سنوات، مما زاد من الاضطرابات الاجتماعية في بعض الدول.

روسيا هي من بدأت بحرب الطاقة، لكن مهما كانت الثمار التي جنتها من استخدام مصادر الطاقة كسلاح في الحرب، فإن غالبية الخبراء يؤكدون أنه من الصعب على روسيا مواصلة هذا الأمر كاستراتيجية بعيدة المدى، وبالتالي فإن بوتين سقط في فخ حرب الطاقة وأدخل بلاده في القائمة السوداء العالمية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.