التوتر العسكري بين كوريا الشمالية وجارتها الجنوبية يتصاعد، في وقت تتهم فيه سيول بيونغ يانغ، بالسعي وراء التمهيد لعمليات غزو إقليمية محتملة، وسط تصاعد حدّة المناورات العسكرية.

العديد من المناورات والاستفزازات العسكرية عمدت إليها كوريا الشمالية خلال الفترة الماضية، لترد جارتها الجنوبية بمناورات مماثلة بالتعاون مع حليفتها الولايات المتحدة الأميركية، فما تأثير هذه المناورات على مستقبل التوتر بين الكوريتين.

مناورات نووية مشتركة

الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول، أعلن الإثنين أن سيول وواشنطن تناقشان إجراء مناورات مشتركة للأسلحة النووية الأميركية، وذلك في مواجهة التهديدات المتنامية لكوريا الشمالية التي تملك السلاح النووي.

وبحسب ما نقلت صحيفة “تشوسون إلبو” الكورية الجنوبية، عن الرئيس يول، فإن “المظلة النووية الأميركية وردعها الموسع، لم تعد كافية لطمأنة الكوريين الجنوبيين من المخاطر القادمة من الشمال“.

يول أكد أن الأسلحة النووية المملوكة لواشنطن، يجب أن يتم تحضيرها، وتشارك المعلومات والمناورات والتدريبات بشكل مشترك بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، مشيرا إلى أن واشنطن “تلقت هذه الفكرة بشكل إيجابي“.

الصحفي والمحلل السياسي عامر المالكي، رأى أن هذه المناورات ليست مرتبطة فقط بالخطر القادم من كوريا الشمالية، بل إن الولايات المتحدة تسعى كذلك لمواجهة خطر الحزب “الشيوعي” الصيني المتنامي في المنطقة، وتفعل أدواتها من أجل ذلك.

المالكي قال في حديث خاص مع “الحل نت“، “في رأيي، الأمر لا يتعلق فقط بطمأنة الكوريين الجنوبيين. الولايات المتحدة تريد ألا تتعامل مع جميع الجبهات بشكل مباشر، لذلك تسعى لتفعيل أدواتها بالتعاون مع اليابان وكوريا الجنوبية لمواجهة خطر كوريا الشمالية والضغط على الصين في آن واحد“.

تهديدات أخرى

هذا التفعيل وفق المالكي، يجعل الوجود الأميركي إلى جانب كوريا الجنوبية أكثر فاعلية، ويواجه أيضا التهديدات الصينية، كذلك تم حث كندا على تغيير عقيدتها العسكرية، ورأينا كذلك الاستراتيجية الأخيرة لكندا لمواجهة المخاطر القادمة من الحزب “الشيوعي” الصيني في المحيط الهادي.

المالكي اعتقد كذلك في حديثه، أن واشنطن ترد بهذه المناورات، على التدريبات المشتركة بين روسيا والصين في المحيط الهادي، مشيرا إلى أن كوريا الشمالية قد تلجأ إلى مزيد من التصعيد خلال الفترة المقبلة، من خلال ربما تجربة أسلحة خطيرة.

حول ذلك أضاف، “كيم جونغ يسعى إلى جعل العالم ينتبه له سواء الحلفاء أو الأعداء، وأيضا إثارة إعجاب الشعب في الداخل وتعزيز الولاء للنظام الحاكم، لكن لا أعتقد أن هذا التصعيد سيصل إلى الحرب المباشرة، خاصة مع ما يحدث مع الصين وروسيا، جميع الأطراف لا ترى في الحرب مصلحة لها في المرحلة الراهنة“.

تصريحات رئيس كوريا الجنوبية، جاءت بدورها بعد دعوة رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ، إلى زيادة ترسانة بلاده النووية، بما يشمل الإنتاج الضخم لأسلحة نووية تكتيكية وتطوير صواريخ جديدة لاستخدامها في ضربات نووية مضادة، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء الكورية الشمالية الرسمية.

كيم أشار أيضا إلى أن بيونغ يانغ ستطوّر “نظاما آخر لصواريخ بالستية عابرة للقارات” لمواجهة ما وصفه بـ “العداء الأميركي والكوري الجنوبي“. وسبق هذه التصريحات، إطلاق كوريا الشمالية خمس طائرات بدون طيار نحو الحدود المشتركة، حيث أكدت سيول أن “الطائرات انتهكت المجال الجوي الكوري الجنوبي في المناطق الحدودية حول مقاطعة جيونج جي“.

التوترات العسكرية في منطقة شبه الجزيرة الكورية تصاعدت مؤخرا في عام 2022، إذ نفذت كوريا الشمالية عددا قياسيا من التجارب الصاروخية هذا العام، ما رفع من مستوى المخاوف حول نية بيونغ يانغ، تنفيذ عملية عسكرية مباشرة ضد جارتها الجنوبية. في حين كوريا الشمالية، أطلقت السبت ثلاثة صواريخ بالستية قصيرة المدى، كما أجرت عملية إطلاق أخرى فجر الأحد.

الحرب مستبعدة؟

جميع التحليلات تذهب للتأكيد أن هذه التحركات والمناورات المتبادلة، لن تؤدي في الغالب إلى وقوع مواجهات عسكرية مباشرة رغم تصاعد التهديد، وذلك لأن أيّا من الأطراف لا يرى مصلحة له من الدخول في حرب.

فالتحركات الكورية الشمالية، وما قابلها من رد من كوريا الجنوبية، يأتي في إطار استعراض القوة، بدون وجود نيّة حقيقية لاستخدام هذه القوة، بالتالي فإن الاتجاه نحو الحرب في المرحلة الراهنة سيكون في الغالب خسارة للجميع.

قد يهمك: ملامح الخطر الإيراني على منطقة الشرق الأوسط.. الاتفاق النووي حل؟

خلال الأشهر الماضية، تصاعدت وتيرة المناورات العسكرية بين الكوريتين، وقد أعلنت كوريا الشمالية مطلع الشهر الفائت، أنها أجرت اختبارات كبيرة ضرورية لمساعدتها على تطوير أول قمر تجسس لها، والذي يمكن استخدامه لمراقبة كوريا الجنوبية. ونشرت صورة جوية لسيول قالت إنها التقطت أثناء الاختبار.

جاء ذلك في وقت شهدت فيه الفترة الماضية، استئناف العمليات المشتركة بين أميركا وكوريا الجنوبية الصيف الماضي لأول مرة منذ خمس سنوات، حيث قالت القوات الجوية الأميركية، إن العملية التي أُطلق عليها اسم “عاصفة اليقظة” شارك فيها نحو 240 طائرة حربية تقوم بنحو 1600 طلعة جوية.

حرب الصواريخ هذه، جاءت بعد تحذير بيونغ يانغ، للولايات المتحدة، وكوريا الجنوبية، بوقف المناورات العسكرية، التي تجريانها في محيط شبه الجزيرة الكورية.

كوريا الشمالية، اختبرت عددا من الصواريخ العام الفائت وسط تصاعد التوترات في المنطقة.

تبادل إطلاق الصواريخ بدأ من جانب كوريا الشمالية في المياه القريبة من جارتها الجنوبية، ما أدى إلى انطلاق صافرات الإنذار في جزيرة أولونغ التي تسيطر عليها سول. وطلبت السلطات من سكان الجزيرة إخلاء المنازل والنزول إلى ملاجئ تحت الأرض في وقت سابق من شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

أحد الصواريخ الباليستية، عَبَر خط الحد الشمالي البحري، وهي منطقة متنازع عليها بين الكوريتين، وسقط الصاروخ في المياه الإقليمية عند نقطة هي الأقرب لكوريا الجنوبية التي يصل إليها صاروخ تطلقه الجارة الشمالية.

بموجب القانون الدولي، يحق للدول أن تطالب بحماية أراضيها حال سقوط صواريخ على بعد 12 ميلا بحريا من سواحلها.

التوترات بين الكوريتين تصاعدت منذ بداية العام الفائت، وشهدت شبه الجزيرة الكورية إطلاق حوالي 50 صاروخا من كوريا الشمالية في 2022، من بينها صاروخ باليستي واحد عبر إلى اليابان.

غواصة نووية أميركية وصلت إلى ساحل كوريا الجنوبية قبل نحو ثلاثة أشهر، للمشاركة في جولة جديدة من سلسلة التدريبات العسكرية المشتركة بين البلدين التي بدأت في آب/ أغسطس الماضي.

سلسلة التدريبات العسكرية المشتركة، المعروفة باسم “عاصفة اليقظة“، تُعد من أكبر التدريبات المشتركة التي تشارك فيها سول وواشنطن وأوسعها نطاقا، ويشارك فيها مئات الطائرات الحربية من الجانبين.

مع تصاعد وتيرة التهديدات من كوريا الشمالية والحزب “الشيوعي” الصيني، يبدو أننا سنشهد مزيد من التعاون العسكري بين واشنطن وحلفائها في المنطقة، خاصة اليابان وكوريا الجنوبية، فحتى مع استبعاد فكرة المواجهة المباشرة، يبدو أن واشنطن ترى من الضرورة استعراض قوتها مع الحلفاء لدعم فكرة استبعاد الحرب.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.