للتغير المناخي أثر كبير على الحياة بشكل عام، حيث أدى خلال العامين الماضيين إلى حدوث تغيرات خطيرة وربما تكون دائمة في حالة كوكبنا الجيولوجية والبيولوجية والنظم البيئية، كما تسببت هذه التغيرات بحدوث الكثير من المخاطر البيئية تجاه صحة الإنسان، مثل نضوب طبقة الأوزون، وفقدان التنوع الحيوي، إضافة إلى الضغوط على الأنظمة المنتجة للغذاء وانتشار الأمراض المُعدية بشكل عالمي، لكن ذلك لم ينتهي عند هذا الحد.

إذ ربط مكتب “الأمم المتحدة” المعني بالمخدرات والجريمة في أحدث تقرير له، بين الكوارث المرتبطة بتغير المناخ وجرائم “الاتجار بالبشر”، حيث أن مغادرة سكان المناطق المتضررة من الكوارث الطبيعية تحرمهم من سبل عيشهم التقليدية، وبالتالي تجعلهم أكثر عرضة للوقوع ضحايا عصابات “الاتجار بالبشر”.

ذلك أظهر أن التغير المناخي يمثل خطرا مزدوجا، أولا على منازل وصحة وعمل الملايين من الأشخاص حول العالم، وثانيا أنه يعرض المتضررين لمخاطر متنامية جراء وقوعهم تحت قبضة جماعات إجرامية، وذلك بناء على جملة استنتاجات.

بيانات تثبت علاقة التغير المناخي بـ “الاتجار بالبشر”

تأكيدا على ذلك، دراسة مكتب “الأمم المتحدة” المعني بالمخدرات والجريمة والتي نُشرت يوم الثلاثاء الماضي، حول أثر التغيرات المناخية على ارتفاع معدلات عمليات “الاتجار بالبشر”، اعتمدت على بيانات من 141 دولة خلال الفترة 2017-2020، وتحليل معطيات 800 قضية قانونية تم رفعها مرتبطة بالموضوع.

عمليات “الاتجار بالبشر” تنامت في مناطق النزاعات، كما وبحسب معدوا التقرير الأممي، فأنها ستصبح في السنوات القادمة مناطق بأكملها غير صالحة للسكن، و ستتأثر خاصة المجموعات البشرية التي تعيش بشكل أساسي من أنشطتها في الزراعة أو صيد السمك، إذ سيجدون أنفسهم محرومين من سبل عيشهم ومجبرين على الفرار من مجتمعاتهم وسيُصبحون فرائس سهلة للمتاجرين بالبشر.

اقرأ/ي أيضا: سياسة البرلمان المغربي الجديدة نحو أوروبا.. تعزيز علاقات أم فراق؟

هذا وتسببت الكوارث المرتبطة بالمناخ خلال 2022 في نزوح أكثر من 23,7 مليون شخص داخليا، بينما اضطر كثيرون آخرون إلى الانتقال خارج بلدانهم، ودليلا على ذلك فأن الأعاصير المدمرة التي ضربت الفلبين وبنغلادش، تسببت في نزوح أعداد كبيرة من السكان، إضافة إلى إعصار “هايان” الذي ضرب الفلبين في 2013 وتسبب بمقتل ما يقرب من 6,300 شخص ونزوح 4,4 مليونا آخرين، فضلا عن تسجيل قرابة 670 حالة اتجار بالبشر في المناطق المتضررة من الإعصار، في حين ذكرت مصادر حكومية ومنظمات غير حكومية مباشرة أن هذه الحالات زادت بعد الكارثة.

تأثيرات التغير المناخي بـ “الاتجار بالبشر” تزداد يوما بعد يوم، فمؤخرا تشير تقارير إلى اكتشاف حالات اتجار بالبشر بشكل شائع في سونداربانس ببنغلادش، وهي أكبر غابات “المنغروف” في العالم، والمعرضة بشكل خاص للكوارث المتعلقة بتغير المناخ، بحسب التقرير الصادر عن مكتب “الأمم المتحدة”.

مثال آخر على ذلك، في غانا، دفعت الفيضانات وموجات الجفاف المتكررة بعدد كبير من سكان الأرياف للنزوح إلى المدن، حيث وجدوا أنفسهم في كثير من الأحيان مضطرين للعمل في وظائف ذات مداخيل منخفضة وعرضة لمخاطر جمة، وذلك إلى جانب ضحايا الاستغلال في مناطق النزاع، مثل أوكرانيا.

مؤشرات مطمئنة حول أثار التغير المناخي

بيد أنه وعلى الرغم من تلك الأرقام الصادمة، التي تشير إلى مدى تأثير التغير المناخي على حياة البشر في العالم، وما يمكن أن تتسبب به على مستوى كافة الأصعدة، إلا أنه لوحظ لأول مرة منذ البدء بجمع البيانات في عام 2003 والتي أتاحت جمع معلومات عن أكثر من 450 ألف شخص، انخفاض عدد ضحايا “الاتجار بالبشر” المسجلين في العالم في 2020 والذي بلغ 11 بالمئة على أساس سنوي.

لكن مع ذلك، فإن جائحة “كورونا” حدت من القدرة على اكتشاف الحالات “الاتجار بالبشر”، خاصة في البلدان الفقيرة في آسيا وأميركا اللاتينية وإفريقيا، حيث قامت العصابات بمواجهة إغلاق الأماكن المفتوحة للجمهور مثل الحانات والنوادي الليلية وما إلى ذلك، بنقل أنشطتها إلى أماكن غير عامة وحتى أقل أمانا، وفق ما جاء في التقرير الأممي، الذي أثار تساؤلات عدة حول الموضوع، أبرزها ما الرابط الأساسي بين التغير المناخي و”الاتجار بالبشر”.

اقرأ/ي أيضا: إريتريا وصراع النفوذ.. عمق استراتيجي على البحر الأحمر

لفهم العلاقة ما بين أثار التغير المناخي و”الاتجار بالبشر” تحدث موقع “الحل نت”، إلى الخبير البيئي رمضان حمزة، وقال إن الرابط بين التغير المناخي و”الاتجار بالبشر” يعود إلى هشاشة في مقومات العيش والمتمثلة بالزراعة والصناعة، فعندما تقل الأمطار وتكثر الفيضانات، ومع تأثيرات تغيرات المناخ التي تكون على شكلين إما جفاف أو كوارث الفيضانات، تدفع بالسكان إلى ترك بيئتهم والتوجه إلى بيئة أخرى.

بالتالي وبحسب أستاذ الاستراتيجيات والسياسات البيئة، عادة ما تكون البيئة الأخرى التي سينتقل لها الإنسان المهاجر أو النازح، غير مهيئة له سواء كان صغيرا أو كبيرا بالعمر. الأمر الذي يتسبب بتشتت العائلة والعادات والتقاليد، ليؤدي مؤخرا إلى انحراف الإنسان، وهذا الانحراف ينتهي بالوقوع في شبكات “الاتجار بالبشر”، مبينا أن “الاتجار بالبشر” تتعدد أنواعه مثل الاتجار بالأعضاء البشرية، أو التحرش الجنسي، أو الاتجار بالنساء والشباب في أنشطة البغاء.

لذلك يبين حمزة، أن هذه الحالة تمثل أمرا مفاجئا للإنسان واختلاف لأسسه ومعاييره، وما تمثله من علاقة بين التغير المناخي و”الاتجار بالبشر”، لافتا إلى أنه لعلاج ذلك هناك حالتين؛ هي التكيف مع المناخ والتخفيف من آثاره، والحالتين تعتمدان على مصادر المياه، إذ أن توفير المياه النظيفة وتحلية الملوثة منها، وتحديد الاستخدامات التي يجب أن تكون بطريقة حديثة تعتمد على تقنيات الري الاقتصادي دون هدر.

أسباب قابلة للعلاج وأرقام صادمة

حمزة أشار كذلك إلى أن الابتعاد عن طرق الري القديمة التي تتسبب بضياع المياه واستهلاكها سواء بالزراعة أو الحاجة المحلية، والتي تؤدي فيما بعد إلى تقليل الحصص بين سكان المنطقة واندلاع النزاعات فيما بينهم، وتنتهي أحيانا بأحد أطراف النزاع لترك المنطقة، كلها تصب بصالح توفير مصادر المياه ما يعني توفير الزراعة والصناعة والصحة الجيدة للسكان، وهي عوامل كلها تحدّ من “الاتجار بالبشر”.

وفقا لـ ”مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”، منذ عام 2010، يضطر حوالي 21.5 مليون فرد سنويا إلى مغادرة المناطق التي يعيشون فيها بسبب الكوارث المتعلقة بالتغيرات المناخية، سواء الفيضانات أو الارتفاع الكبير في درجات الحرارة، أو العواصف وغيرها من الظواهر المتعلقة بالتغيرات المناخية. ومن المتوقع أن يشهد هذا الرقم ارتفاعا كبيرا خلال العقود القادمة، حيث تقدر بعض المراكز البحثية المتخصصة أن يصل عدد النازحين بفعل المناخ إلى 1.2 مليار فرد بحلول 2050.

أيضا فالتغيرات المناخية لعبت دورا لافتا في النزوح بين الأعوام 2011 و2015، بسبب حدوث جفاف شديد ارتبط بالنزاعات الحادة خاصة في منطقة غرب آسيا، والتي تشمل المشرق العربي في الفترة ما بين 2010 و2012، عندما حدثت تطورات ما يسمى بـ ”الربيع العربي”، وحدوث ثورات في تونس وليبيا واليمن وسوريا، وأدت إلى حروب أهلية في الدول الثلاث الأخيرة.

تزايد أعداد المهاجرين بفعل تداعيات تغير المناخ ليست قضية مستقبلية تحتمل الجدل بشأنها، بل واقعية وفي تزايد مستمر، كما تظهر الأرقام، بل أنها ظاهرة فرضت نفسها على أجندة حوارات مؤتمرات المناخ المتعاقبة منذ 2016 أو ما قبل ذلك.

وسط هذه الحالة، فإن وجود مهاجري المناخ سيكون أمرا اعتياديا خلال السنوات القادمة، خصوصا مع ظهور أصوات تنادي بالبدء في تغيير اتجاهات الأفراد لتبني مشاعر مرنة نحو الانتماء إلى الأرض، بحيث يكونوا أكثر تقبّلا للتحرك وترك مناطقهم التي اعتادوا عليها، والانفتاح على أفكار غير تقليدية من قبيل الاندماج في مجتمعات متنوعة، والعيش في مدن قطبية جديدة والبدء في تعميرها، بحيث يشهد العالم مرحلة من العمران الجديد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.