الهجوم الذي استهدف منشأة عسكرية إيرانية حساسة في مدينة أصفهان، أثار معلومات حول ارتباطه بشكل أو بآخر بالبرنامج النووي الإيراني، تساؤلات حول دلالات الهجوم، وما إذا كان مرتبطا بخيار عسكري للتعامل مع استغلال إيران لتعثر المفاوضات حول الاتفاق النووي، لفرض وقائع جديدة من خلال زيادة تخصيب اليورانيوم والتنصل من التزاماتها مع “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”.

موقع “واللا” الإسرائيلي، قال إن المنشأة التي تعرضت للهجوم هي مصنع لإنتاج أسلحة متطورة تابعة لوزارة الدفاع الإيرانية، حيث يتم تنفيذ أنشطة تتعلق بتطوير صواريخ متطورة للغاية، ونقل الموقع عن مصدر وصفه بالمطلع دون أن يسمّه قوله إن “الهجوم كان دقيقا جدا، حيث تعرضت أربع أجزاء مختلفة من المنشأة المستهدفة للهجوم من الجو وتضررت جميعها”، مشيرا إلى أن الهجوم تم تنفيذه بأربع طائرات.

لطالما كانت إسرائيل تعارض عودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي، أو تطالب على الأقل بوضع خيار عسكري على الطاولة، يهدف لتعطيل مسار البرنامج النووي الإيراني، في حال فشل الاتفاق أو مماطلة إيران في تنفيذ التزاماتها بموجبه، خاصة بعد الكشف عن آثار يورانيوم في مناطق لم تفصح إيران عن قيامها بأنشطة نووية فيها.

تطور مهم للغاية جاء على شكل هجوم بطائرات مسيرّة ضد أحد أكثر المنشآت الإيرانية حماية وتأمينا، ليُثير عددا من التساؤلات أهمها، دلالات هذا الهجوم وأهميته، وهل ما جرى استراتيجية جديدة تجاه إيران أم أنه للضغط عليها، ونتائج الهجوم عسكريا على إيران وبالنسبة للخارج، وما الرد الإيراني المتوقع، وهل يمكن أن يتكرر هذا الهجوم خلال المرحلة القادمة.

دلالات الهجوم

صحيفة “يديعوت أحرنوت” الإسرائيلية، أشارت إلى أن الهجوم قد يكون هدفه منشأة عسكرية تستخدمها إيران لتطوير صواريخ تفوق سرعة الصوت بمساعدة روسية، لافتة إلى أن إيران ستحتاج مثل هذه الصواريخ لاستخدامها في إنتاج رأس حربي نووي.

العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده الذي سبق وأن اغتالته إسرائيل

الصحيفة أوضحت أيضا، أن الجهة التي نفذت الهجمات ضد المنشأة الإيرانية تمتلك قدرات استخباراتية وتكنولوجية متقدمة للغاية، ما يسمح لها بتنفيذ هجوم جوي على منشأة صناعية عسكرية حساسة تابعة لـ “لحرس الثوري”، وهي منشأة محمية بمجموعة من بطاريات الدفاع الجوي.

هاني سليمان، الباحث في الشؤون الإيرانية، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن هذه الهجمات تشكل أهمية كبيرة من حيث التوقيت حيث يعاني النظام الإيراني عددا من الضغوط سواء في الداخل نتيجة الاحتجاجات والوضع المتأزم وعدم قدرته على الحسم، إضافة إلى الارتدادات الخارجية الناتجة عن هذه الاحتجاجات كالعقوبات والمواقف الغربية.

أيضا فإن استهداف مجمع المصانع شمال أصفهان وهو موقع استراتيجي وتحقيق خسائر من أربع جهات، هو ضربة قوية للنظام الإيراني الذي يتحدث دائما عن القوة والقدرات الأمنية وهذا ما أثبت أن هناك نقاط ضعف لدى هذا النظام، حسب سليمان.

من جهة ثانية، يرى سليمان أن هذه الضربة هي تصفية حساب من قبل حكومة نتنياهو التي بدأت عهدها بها، وهي الحكومة الأكثر تشددا والأقدر على مواجهة إيران، وهذا مؤشر على أن الفترة القادمة ستحمل مواجهة إسرائيلية إيرانية شديدة وستكون الأمور أكثر تعقيدا.

سليمان يشير إلى أن هذه الضربة ليست الأولى التي توجهها إسرائيل لإيران في الداخل الإيراني، ففي تموز/يوليو 2020 استهدفت منشأة “نطنز” النووية وألحقت بها أضرارا كبيرة، وتكرر الأمر في نيسان/أبريل 2021 ثم في حزيران/يونيو 2021 باستهداف أجهزة الطرد المركزي في منطقة قرغ، إضافة لاستهداف العلماء وقيادات “الحرس الثوري”.

من الدلالات المهمة أيضا حسب سليمان، أن حيثيات العملية تؤكد أنه تم استخدام مسيرّات من داخل إيران ما يعزز فكرة الاختراق الأمني والاستراتيجي للنظام الإيراني، وقد عجزت إيران أكثر من مرة عن التصدي لمثل هذه الهجمات، ما يؤكد أن الاختراق مستمر وعميق.
اقرأ: لماذا يجب انضمام إسرائيل إلى البحرية العربية في البحر الأحمر؟

بالإضافة إلى ذلك، أثبتت العملية أن هناك ضعفا كبيرا في الدفاعات الجوية الإيرانية، ما يشير إلى أن المنظومات الدفاعية الإيرانية غير قادة على التصدي لمثل هذه الهجمات، وتاريخ الفشل الإيراني في هذا المجال معروف.

تنسيق إسرائيلي أميركي؟

 هجوم أصفهان جاء بالتزامن مع زيارة يقوم بها مدير المخابرات المركزية الأميركية، ويليام بيرنز، لإسرائيل، وبعد أيام من أكبر مناورات عسكرية واسعة بين الجيشين الإسرائيلي والأميركي، كانت تحاكي سيناريوهات متنوعة من بينها شن هجوم ضد إيران.

أيضا فإن هناك تقديرات إسرائيلية عدة، قد أشارت إلى أن واشنطن اتخذت خطوات قاسية ضد إيران، في أعقاب قمع الاحتجاجات التي اندلعت بعد مقتل الشابة الإيرانية مهسا أميني، معتبرة أن هذه الخطوات تمثل طريق اللاعودة إلى الاتفاق النووي من قبل الإدارة الأميركية، خاصة بعد أن اعتبر الرئيس الأميركي جو بايدن، في تصريحات سابقة له، الاتفاق النووي “في حكم الميت”، بعد جمود طويل وتعثر للمفاوضات والجهود الأوروبية الرامية لإحيائه.

صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، نسبت إلى مسؤولين أميركيين وأشخاص مطلعين أن إسرائيل هي التي نفذت غارة سرية بطائرة مسيرّة استهدفت مجمعا دفاعيا في إيران، حيث تبحث الولايات المتحدة وإسرائيل عن طرق جديدة لاحتواء طموحات طهران النووية والعسكرية.

أيضا أشار “معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي”، إلى أن الحادث دراماتيكي وغير عادي، وهذه رسالة أميركية لإيران ضد التعاون مع روسيا، وتؤكد رغبة الولايات المتحدة في العمل عسكريا مباشرة ضد إيران.

سليمان يرى أن هناك رغبة مؤكدة من قبل إسرائيل بشكل خاص ثم الولايات المتحدة باستهداف إيران، لافتا إلى أن إسرائيل تعمل منذ مدة على الضغط على الإدارة الأميركية لاتخاذ استراتيجية مغايرة لما تتبعه في التعامل مع إيران، كما كان هناك تسريبات من تقارير إسرائيلية تتعلق بأنشطة إيران في المنشآت النووية من أجل اتخاذ الولايات المتحدة والغرب مواقف أكثر تشددا ضد إيران.

لكن بحسب سليمان، حتى الآن لم تتبلور رؤية أميركية بشكل واضح لمهاجمة إيران عسكريا، لكن هذا لا يعني عدم وجود تنسيق أميركي إسرائيلي، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة تفسح المجال لإسرائيل لاستهداف إيران من خلال إعطائها الضوء الأخضر، أي أنه من المؤكد أن الولايات المتحدة كانت على علم باستهداف أصفهان.

ما طبيعة الرد الإيراني المُنتظر؟

وزارة الدفاع الإيرانية أفادت أن طهران أحبطت محاولة هجوم من ثلاث طائرات رباعية صغيرة استهدفت مصنعًا للذخيرة في مدينة أصفهان، بجوار موقع تابع لمركز أبحاث الفضاء الإيراني، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على عمله في برنامج الصواريخ الباليستية.

منشأة نطنز النووية الإيرانية

كما أضافت أن الدفاعات الجوية أسقطت إحدى الطائرتين المسيرّة بينما انفجرت الطائرتان الأخريان فوق المستودع، مما تسبب بأضرار طفيفة في السقف، فيما وصف وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان الانفجار بأنه ضربة جبانة.

الإعلام الإيراني المقرب من النظام لفت إلى أن مثل هذه الضربة لن تثني إيران عن الاستمرار في طريقها النووي السلمي.

سليمان يلفت إلى أن المواجهة الإيرانية الإسرائيلية خلال الفترة الماضية شهدت أدوات مختلفة، خاصة عمليات الاغتيال التي نفذتها إسرائيل تجاه العلماء النوويين الإيرانيين وقادة “الحرس الثوري”، وآخرها الضربة في أصفهان.

لذلك يمكن لإيران أن ترد من خلال أساليب مختلفة، من بينها ميليشياتها في سوريا ومن خلال “حزب الله” اللبناني، وأيضا استهداف ناقلات النفط، والحرب السيبرانية بين الطرفين وحرب الطائرات المسيرّة، لكن أهم أداتين يمكن أن تعتمد عليهما إيران في الرد، المزيد من التعاون مع روسيا في حربها ضد أوكرانيا وتزويدها بالمسيرّات، والمزيد من الخروج من الإجراءات الخاصة بالاتفاق النووي سواء بزيادة نسبة تخصيب اليورانيوم، أو استخدام أجهزة الطرد المركزي المتطورة أو كمية اليورانيوم المخصب للضغط على إسرائيل والغرب.

مواجهة مفتوحة بين إسرائيل وإيران، افتتح بها بنيامين نتنياهو عهد حكومته الجديدة ليؤكد أن الأكثر تشددا في مواجهة الطموحات النووية الإيرانية وأنه لن يتوانى عن ضرب أي هدف إيراني يُعتقد أنه يشكل خطرا، في الوقت الذي لا يبدو أن هناك ردّا إيرانيا واضحا وسط الضغوطات التي تتعرض لها إيران داخليا وخارجيا.

قد يهمك:إسرائيل نحو تطرف ديني بعد الانتخابات.. ما علاقة إيتمار بن غفير؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.