يوم الخميس الفائت، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على شركة في الصين لقيامها بتقديم صور أقمار صناعية في أوكرانيا لمساعدة مجموعة المرتزقة “فاغنر” الروسية، التي تعرضت لضغوط أميركية متزايدة مؤخرا بسبب تقديمها مجموعة متنوعة من الخدمات للحكومة الروسية، تتراوح من التدريب إلى تقديم الخدمات الأمنية والدعم العسكري، ليتضح من ذلك أن الشركات الصينية لاعبا رئيسيا في الصراع الأوكراني.

دخلت “فاغنر” لأول مرة في أوكرانيا في عام 2014 مع اندلاع الثورة الأوكرانية وبدء الحرب في الجزء الشرقي من البلاد. من خلال امتدادات خدماتها الأمنية، قدمت “فاغنر” الدعم القتالي والتدريب للقوات الروسية في دونيتسك ولوهانسك ومناطق أخرى على خط المواجهة. فضلا عن الخدمات الأمنية، بما في ذلك حراسة المنشآت العسكرية وتسيير دوريات في نقاط التفتيش وتدريب القوات الروسية والمرتزقة المتطوعين فيها. أثار هذا تساؤلات حول دور “فاغنر” في الصراع ومدى عمله كقوة مرتزقة لصالح الحكومة الروسية.

في عام 2015 وحتى العام الجاري وسعت “فاغنر” وجودها في أوكرانيا ودول أخرى. بدأت الشركة في تجنيد رعايا أجانب وتزويدهم بالتدريب العسكري، وهذا يشمل الأوكرانيين والروس والأوروبيين وفي الشرق الأوسط السوريين وأيضا آخرين في القارة السمراء الذين يدربونهم على تكتيكات حرب العصابات. أفادت وسائل إعلام روسية أن بعض مقاتليها كانوا ناشطين في الصراع، كما ورد أن “فاغنر” تزود الضباط العسكريين بالمعدات والأجور، بالإضافة إلى التدريب الذي يتلقونه.

تثير مشاركة الشركات الصينية في كل من الصراع الأوكراني عددا من الأسئلة الأخلاقية والقانونية. قد يُنظر إلى أنشطة الشركة على أنها انتهاك للمعايير الدولية، وكذلك انتهاك للقوانين الدولية التي تحكم النزاعات المسلحة. علاوة على ذلك، قد تؤدي أنشطتها مع “فاغنر” إلى زعزعة الاستقرار في أوكرانيا، لأن وجود شركة عسكرية أجنبية خاصة قد يؤدي إلى تفاقم التوترات بين مختلف الأطراف داخل البلاد.

السلم الدولي في خطر؟

إن إشراك الشركات الصينية لمساعدة “فاغنر” له تأثير سلبي هائل على السلم الدولي. إذ أصبحت الصين منخرطة بشكل متزايد في تقديم المساعدة للمنظمات الإجرامية ، بشكل أساسي في شكل مساعدة الشركات. هذه المساعدة لها آثار واسعة النطاق على الأمن المحلي والدولي. تأثير مساعدة الشركات الصينية على المنظمات الإجرامية على إنفاذ القانون والاقتصادات الوطنية الدولية برأي خبراء الساسة الدوليين.

وزارة الخزانة ووزارة الخارجية الأميركية، أعلنت الخميس الفائت، عن سلسلة من الإجراءات حيث صنفتا رسميًا مجموعة “فاغنر” على أنها منظمة إجرامية عابرة للحدود، وهي خطوة استعرضها البيت الأبيض الأسبوع الماضي. وقال وزير الخارجية أنطوني بلينكين في بيان، إن العقوبات الجديدة “ستزيد من إعاقة قدرة الكرملين على تسليح آلة الحرب التي تخوض حربًا عدوانية ضد أوكرانيا، والتي تسببت في موت ودمار غير معقول”.

ليست “فاغنر” ما استهدف في هذا القرار، بل أعلنت وزارة الخزانة أيضا فرض عقوبات على شركة مقرها لوكسمبورغ تابعة للشركة الصينية “شاشا تايني” لبحوث علوم وتكنولوجيا الفضاء، لأنها جمعت صور الأقمار الصناعية فوق أوكرانيا من أجل تمكين عمليات “فاغنر” القتالية هناك.

أعضاء مجلس الشيوخ الذين طالبوا بفرض عقوبات على الصين ما لم تقيد صادرات التكنولوجيا المهمة للصواريخ والتطبيقات العسكرية الأخرى من قبل روسيا. حيث قال بوب مينينديز، الرئيس الديمقراطي للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ “نحن بحاجة إلى قطع رأس الثعبان بكل طريقة ممكنة”، وهنا يقصد عدم تجاهل إمكانية فرض عقوبات على الصين.

الخبير في علوم الجريمة المنظمة، جيرالد كايدن، أوضح لـ”الحل نت”، أن مساعدة الشركات الصينية للمنظمات الإجرامية تُستخدم في المقام الأول لتسهيل أنشطتها المالية غير المشروعة، بما في ذلك غسيل الأموال وتمويل الإرهاب والتهرب الضريبي. وتساعد هذه المنظمات الإجرامية على التهرب من الكشف أثناء تورطها في جرائم مالية معقدة على نطاق واسع. يتم استخدام عائدات هذه الأنشطة لتمويل عمليات المنظمة، مما يسمح لها بالتوسع من حيث الحجم والنطاق. في بعض الحالات، أصبحت هذه المنظمات قوية بما يكفي لتهديد استقرار البلد المضيف، وخلق بيئة أمنية خطيرة، خصوصا وأن “البيت الأبيض” ذكر الجمعة الفائت، أن لدى فاغنر حوالي 50 ألف مقاتل في أوكرانيا، 80 بالمئة منهم من السجون.

يمكن أيضًا الشعور بآثار مساعدة الشركات الصينية للمنظمات الإجرامية في قطاع إنفاذ القانون بحسب كايدن. على سبيل المثال، في البلدان التي تكون فيها هذه المساعدة أكثر انتشارًا، تم إعاقة قدرة أجهزة إنفاذ القانون على التحقيق في الجرائم المالية والإنسانية ومقاضاة مرتكبيها. 

قد تستخدم المنظمات الإجرامية المساعدة في شراء الأسلحة ورشوة المسؤولين عن إنفاذ القانون، وبالتالي إعاقة العدالة وتمكينها من مواصلة أنشطتها. من المحتمل أيضًا أن يتم استخدام مساعدة الشركات الصينية لشراء خدمات المحامين الفاسدين الذين يقدمون المشورة القانونية للمنظمات الإجرامية العاملة في البلاد.

دعم الجريمة المنظمة

بالإضافة إلى التأثيرات على تطبيق القانون، فإن مساعدة الشركات الصينية للمنظمات الإجرامية مثل “فاغنر” لها تأثير عميق على اقتصاد الدولة المضيفة. تضع الأنشطة الإجرامية عبئا ماليا هائلا على موارد البلد، مما يؤدي إلى انخفاض التنمية الاقتصادية والاستثمار. وعلاوة على ذلك، قد تستخدم المنظمات الإجرامية مواردها لابتزاز الأموال من الشركات المحلية، مما يزيد من إحباط النشاط الاقتصادي. 

كما يمكن استخدام عائدات أنشطتهم لتمويل الحملات السياسية أو المرشحين، وبالتالي خلق بيئة سياسية غير صحية حيث تكون المنظمات الإجرامية قادرة على التلاعب بالعملية السياسية.

باختصار وفقا لحديث الخبير في علوم الجريمة المنظمة، فإن مساعدة الشركات الصينية للمنظمات الإجرامية لها تأثير بعيد المدى على الأمن المحلي والدولي. فهو يساعد المنظمات الإجرامية على التهرب من الكشف أثناء تورطها في جرائم مالية وإنسانية معقدة على نطاق واسع، ويعيق قدرة إنفاذ القانون على التحقيق في الجرائم المالية ومقاضاة مرتكبيها.

كذلك له تأثير اقتصادي سلبي، ومن الواضح أنه يجب اتخاذ خطوات لمعالجة هذه القضية، مثل زيادة التعاون بين وكالات إنفاذ القانون الدولية، وتشديد القوانين التي تستهدف أولئك الذين يقدمون المساعدة للمنظمات الإجرامية، وإدخال قدر أكبر من الشفافية والمساءلة في القطاع المالي.

التعاون مع مجموعة “فاغنر” الروسية يزيد من جرائمها، هذه حقيقة لا يمكن إنكارها وفقا لحديث كايدن، فالمجموعة سيئة السمعة تشتهر بارتكاب جرائم، مثل القتل والخطف والابتزاز والسرقة، بتوجيه من الحكومة الروسية.

زعيم المجموعة يفغيني فيكتوروفيتش بريغوجين، المعروف باسم “طباخ بوتين”، هو صاحب مطعم سابق له صلات وثيقة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وقد ارتبط بعدد من المعاملات التجارية المشبوهة، بما في ذلك شراء النفط في منطقة أبخازيا الانفصالية وإنشاء قاعدة عسكرية في جمهورية إفريقيا الوسطى. يُعتقد أن شركاته التي يوجد العديد منها في روسيا، تستخدم لغسيل الأموال والتهرب من الضرائب.

بالإضافة إلى ذلك، يُشتبه على نطاق واسع في تورط هذه الشركة في جرائم مختلفة في منطقة دونباس في أوكرانيا وأجزاء أخرى من أوروبا الشرقية. يُعتقد أن الشركة متورطة في قتل المتظاهرين المناهضين للحكومة بيلاروسيا في عام 2019 وخطف ناشطين في دونباس في عام 2015.

كما تورطت مجموعة “فاغنر” في عدد من الجرائم الأخرى، بما في ذلك مبيعات الأسلحة غير المشروعة إلى ليبيا، وأنشطة المرتزقة في سوريا، وسرقة ملايين الدولارات من النفط من العراق. بالإضافة إلى ذلك، تم ربط الشركة بعدد من الهجمات الإلكترونية على منظمات ومؤسسات في أوكرانيا واستهداف شخصيات سياسية في الدول الأوروبية، بما في ذلك هجوم البرنامج الضار “نوت باتيا” الضخم لعام 2017.

يمكن أن يُعزى تورط مجموعة “فاغنر” في مثل هذه الأنشطة الإجرامية بشكل مباشر إلى علاقاتها الوثيقة بالحكومة الروسية. من خلال تزويد المجموعة بالدعم المالي واللوجستي، فإن الحكومة الروسية تغض الطرف بشكل أساسي عن ارتكاب أي جرائم ترغب فيها. وقد مكن ذلك مجموعة “فاغنر” من أن تصبح واحدة من أقوى شركات المرتزقة في العالم وترتبط بشركات أخرى مثل الشركات الصينية.

تدخل الصين غير المباشر في الحرب

لقد أثرت علاقة بكين مع موسكو بعمق على بلدانهما وتفاعلهما المتبادل في الأسواق العالمية. بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، كان هناك تدهور في العلاقات الوثيقة بين البلدين. ومع ذلك، مع حلول القرن الحادي والعشرين والديناميكيات المتغيرة على الساحة الجيوسياسية الدولية، أصبحت الشراكة الصينية الروسية مكونا حاسما في الشؤون الاقتصادية والأمنية العالمية.

تزود روسيا الصين بالطاقة والمساعدات العسكرية. والجدير بالذكر أن روسيا أصبحت واحدة من أهم موردي النفط والغاز للصين، حيث تمثل حوالي 25 بالمئة من إجمالي الواردات. هذه الموارد ضرورية لاستمرار رفاهية الاقتصاد الصيني وتقدمه نحو الهيمنة التكنولوجية العالمية. هذه الشراكة مفيدة أيضا لروسيا، حيث تزودها برأس مال استثماري تشتد الحاجة إليه وحليف يمكن الاعتماد عليه في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

التعاون بين البلدين يمتد ليشمل المساعدة العسكرية أيضا. في عام 2019، وقعت روسيا عقدا كبيرا للمبيعات العسكرية لتزويد “الحزب الشيوعي” الصيني بأحدث أنظمة الدفاع الجوي من طراز S-400، مما أدى إلى تحسين القدرات التكنولوجية للجيش الصيني بشكل كبير. وبالمثل، في عام 2020 ، اتفق البلدان على صفقة قدمت فيها روسيا تكنولوجيا أسلحة شعاع الليزر إلى القوات المسلحة الصينية. أدى هذا التعاون إلى تحسين قدرة البلدين بشكل كبير على حماية حدودهما.

تمتد الشراكة بين الحزب “الشيوعي” الصيني و”الكرملين” إلى ما هو أبعد من مجرد الطاقة والشؤون العسكرية. يعمل البلدان أيضًا على تجميع مواردهما في الاقتصاد العالمي، عبر دعم مصالحهما والشركات المتربطة بهما ولكن دون ضلوع الحكومات بشكل مباشر في هذه القضية، وهو ما حدث مؤخرا مع الشركة الصينية التي زودت “فاغنر” بصور جوية لمناطق في أوكرانيا من أجل تسهيل نشاط المجموعة.

مكنت الشراكة بين الصين وروسيا كلا البلدين من الاستفادة من زيادة الأمن والقدرات العسكرية المعززة والوصول الإضافي إلى الأسواق الاقتصادية العالمية بعد خضوع روسيا للعقوبات الدولية. حيث خلقت العلاقة غير الشرعية بين البلدين إطارا اقتصاديا وأمنيا متبادل المنفعة أدى إلى مزيد من الاستقرار المالي والعسكري للبلدين المنبوذين بسبب حكومتهما. ومع استمرار الصين في تطوير التقنيات وتوسيع نطاق وصولها الاقتصادي إلى الأسواق الخارجية، من المتوقع أن يصبح التعاون بين البلدين أكثر فاعلية في استمرار الغزو الروسي على أوكرانيا.

بوابة الإرهاب تتوسع؟

تسبب تعاون الحزب “الشيوعي” الصيني مع “الكرملين” في الترويج للإرهاب في حدوث محنة بل ومأساة في جميع أنحاء العالم. على الرغم من أن الصين حليفة لروسيا، فقد قدمت لموسكو مساعدة عسكرية ومساعدة مالية ودعما أيديولوجيا لتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط وما وراءه. وقد مكن ذلك روسيا من نشر نوع الإرهاب كمجموعة “فاغنر” التي صنفتها الولايات المتحدة بالمنظمة الإجرامية، والذي يستهدف المدنيين والأبرياء، مما أدى إلى مقتلهم.

هذه العلاقة بين الطرفين تتبع نمط تقديم الصين الدعم لحليفها في متابعة أهداف سياستها الخارجية. استخدمت روسيا هذه المساعدة لاستهداف الغرب وزعزعة استقرار دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا الوسطى. تدعم الصين روسيا من خلال توفير الأسلحة العسكرية والتكنولوجيا والاستخبارات. وقد مكّن هذا روسيا من تعزيز وجودها في المناطق المتنازع عليها، وإجراء عمليات سرية، ونشر تكتيكات الإرهاب.

إن أبرز مثال على الإرهاب مكنت الصين روسيا من خلاله هي سوريا. تسببت الحرب السورية في معاناة هائلة، حيث قتل الآلاف ونزح الملايين. ساعد دعم الصين التكنولوجي لروسيا ومجموعة “فاغنر” على تمديد الصراع وقتل المدنيين. بالإضافة إلى ذلك، سهلت المساعدات الاقتصادية الصينية لروسيا على موسكو شراء أسلحة متطورة وتأجيج الحرب. وقد مكّن هذا الجيش الروسي من بسط نفوذه في المنطقة.

علاوة على ذلك، امتد دعم الحزب “الشيوعي” الصيني للإرهاب الروسي إلى دول أخرى، بما في ذلك ليبيا واليمن وباكستان، وفي ليبيا، تتهم الصين بمساعدة القناصة الروس على مهاجمة المدنيين، في انتهاك للقانون الدولي. في اليمن، تتهم الصين بتقديم الدعم للمتمردين الحوثيين المسؤولين عن العديد من انتهاكات حقوق الإنسان. في باكستان، أفادت التقارير أن الصين قدمت أسلحة لـ “طالبان” وغيرها من الجماعات الجهادية، مما تسبب في معاناة هائلة للسكان.

كان للتعاون بين بكين وموسكو في الترويج للجماعات الإجرامية تأثير مدمر وواسع النطاق. من خلال توفير الدعم المالي والعسكري والأيديولوجي لموسكو، مكّنت بكين روسيا من نشر نوع الإرهاب الخاص بها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا الوسطى.

الآن يزيد التعاون مع مجموعة “فاغنر” من نفوذها وبالتالي يزيد من قدرتها على ارتكاب المزيد من الجرائم. من خلال تزويدها بالموارد، تغض الحكومة الروسية الطرف بشكل أساسي عن أنشطة الشركة المشكوك فيها. وهذا يبعث برسالة خطيرة إلى المنظمات الإجرامية الأخرى، وكذلك إلى المجتمع الدولي، مفادها أن النشاط الإجرامي مسموح به؛ لذلك من مصلحة المجتمع الدولي إدانة مجموعة “فاغنر” وأنشطتها ومحاسبتها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.