بعد أكثر من أربعة عقود على آخر دورة كانت قد استضافتها العاصمة العراقية بغداد، افتتح “مجلس النواب” العراقي يوم أمس الجمعة أعمال مؤتمر الرابع والثلاثون لـ “الاتحاد البرلماني العربي” ببغداد، في خطوة اعتبرها مراقبون أنها ستعزز من موقع العراق الإقليمي ودوره المحوري في قلب المنطقة العربية، وذلك بعد سنوات من العزلة التي عاشها.
استضافة بغداد لمؤتمر “الاتحاد البرلماني العربي”، تأتي في خضم انفتاح إقليمي ودولي على العراق، بعد أن استمر العراق منذ العام 2003، وحتى حدود العام 2019، كونه ساحة للصراعات الإقليمية والدولية، لتعود بغداد بعد ذلك وتشغل مساحتها الطبيعية، خصوصا بين عامي 2020-2022، وتلعب دورا إقليميا بارزا، لربما يمكن التماسه من خلال احتضان العديد من القمم الإقليمية والدولية المهمة.
في الثلث الأخير من العام 2020 والثلث الأول من عام 2021، بادرت العديد من القوى العربية في الشرق الأوسط مثل مصر والإمارات والسعودية والأردن، بالانفتاح على بغداد، ما انعكس في انعقاد قمم على مستوى القيادات السياسية العليا بين البلدان، وتنظيم زيارات متبادلة لتدعيم العلاقات الأمنية والمصالح الاقتصادية والتفاهمات في مجال الطاقة، وهو ما توازى معه اهتمام من قبل القوى الدولية وخاصة الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وفرنسا وألمانيا بما يشهده العراق من انفتاح داخلي وخارجي.
“الاتحاد البرلماني العربي” وإعادة العراق للحضن الإقليمي
في سياق ذلك، ستشارك 18 دولة بأعمال المؤتمر الـ 34 لـ “لاتحاد البرلماني العربي” المقام في بغداد، بحسب ما أعلنه الأمين العام للاتحاد فائز الشوابكة، يوم الخميس الفائت، مبيّنا أن من بين الثمانية عشر دولة سيشارك 14 رئيس برلمان و4 ممثلين عن رئيس البرلمان.
في حين أعلن البرلمان العراقي أمس الجمعة، افتتاح أعمال الدورة 31 الاستثنائية لـ “لجنة التنفيذية للاتحاد البرلماني العربي” في العاصمة بغداد، وقال في بيان إن رئيس لجنة العلاقات الخارجية النائب محمد صديق ممثلا عن رئيس “الاتحاد البرلمان العربي” محمد الحلبوسي افتتح أعمال استكمال الدورة 31 الإستثنائية.
اقرأ/ي أيضا: سياسة التقشف المالي.. علام تعول الحكومة الجزائرية لإنقاذ الاقتصاد؟
في الأثناء، وبالنظر لعنوان الدورة الحالية لمؤتمر “الاتحاد البرلماني العربي” الذي تحمله بـ “دعم العراق”، فمن المتوقع أن تساهم استضافة بغداد لأعمال المؤتمر، بعد غياب لعقود، في تعزيز دور العراق عربيا وإقليميا، وتعزيز التعاون البرلماني العربي باعتباره مرتكزا جوهريا في التضامن العربي كما تنص على ذلك ديباجة الأهداف التي تأسس الاتحاد بموجبها عام 1974، لا سيما في ضوء ما تشهد علاقات العراق مع محيطه العربي من تنامي مطّرد.
تعليقا على أهمية المؤتمر واستضافته من قِبل بغداد، يقول المحلل السياسي باسم الخزرجي في حديث لموقع “الحل نت”، إن في الأساس مجرد حضور 18 دولة عربية إلى بغداد يمثل مؤشرا إيجابيا كبيرا، في أن يعود العراق إلى حاضنته العربية بمثل هذه المؤتمرات، كما يؤشر قدرة بغداد على لم شمل العرب، وقدرتها على النجاع بمثل هذه التحديات، بالتالي يجب العمل على تمكن هذا الاتحاد، خصوصا في ضوء التحرك الإيجابي للعراق تجاه محيطه العربي خلال الفترة الماضية.
الخزرجي أوضح، أن مثالا على قدرة العراق هو استضافته لبطولة “خليجي 25” لكرة القدم في محافظة البصرة التي أبهرت العالم العربي، وعليه فإن بغداد على مر التاريخ كان له الكلمة الفصل في أغلب القرارات والأحداث التاريخية العربية، لذلك من الطبيعي أن تستمر في قيادة هذا التجمع العربي، بخاصة مع النظر إلى أن العقدَيين الماضيين شهد عزل للعراق عن محيطه العربي.
بغداد مقرا لـ “الاتحاد البرلماني العربي”؟
بيد إن ما يعزز هذا الانفتاح، ما ينتظر في البيان الختامي للمؤتمر المقام حاليا ببغداد، والذي يؤمل فيه على الأقل، أن تصبح بغداد مقرا لهذا الاتحاد؛ لإن بغداد لا يليق بها سوى أن تكون في المقدمة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن المؤتمر يأتي في ظل حالة من الدفء التي تشهدها العلاقات العراقية مع الدول العربية خصوصا المجاورة منه، وفقا للخزرجي، مشيرا إلى أن هناك تعاون مع الأردن والسعودية في مجالات النفط والغاز والكهرباء، في حين هناك شركات مصرية تعمل على الأرض في بناء الجسور وإعمارها بمحافظة نينوى.
كذلك لفت الخزرجي، إلى أنه من المؤمل أن تنخرط جهود هذه الشركات والتعاونات في تنفيذ أنبوب النفط الذي يُفترض أن يمتد من البصرة إلى ميناء العقبة منتصف العام الجاري، مبينا أنه على الرغم من أن الحكومة العراقية هي من ستتكفل بمد هذا الأنبوب الذي قد يكلف بحدود 9 مليون دولار، إلا إن دلالة ذلك يعني دخول العراق فعليا في التعاون مع الدول العربية، بالتالي أن دخول بغداد في التعاون مع حاضنتها العربية سيكون إيجابيا وله انعكاسات على مستوى العلاقات الاجتماعية والتعاون الاقتصادي.
اقرأ/ي أيضا: بعد 40 عاما.. ما دلالة عودة التعاون الأمني بين السعودية والعراق؟
طبقا لجدول الأعمال المنشور على موقع الاتحاد، فإن المؤتمر ينعقد من 24 إلى 27 شباط/فبراير الجاري، إذ بدأ منذ أمس الجمعة، بوصول الوفود ولقاء تشاوري لرؤساء البرلمانات والمجالس ورؤساء الوفود، يعقبها وليمة عشاء يقيمها رئيس “البرلمان العراقي” ورئيس دورة البرلمان الحالية محمد الحلبوسي على شرف الضيوف.
أما أعمال اليوم الثاني المصادف اليوم السبت، ستتضمن جلسة الافتتاح في قاعة بغداد في القصر الحكومي، كلمة يلقيها محمد الحلبوسي رئيس “مجلس النواب” العراقي، ويلقي رئيس مجلس النواب في مملكة البحرين أحمد بن سلمان المسلم كلمة مماثلة، إلى جانب كلمة الأمين العام لـ “جامعة الدول العربية” أحمد أبو الغيط، ثم تتوالى الندوات والاجتماعات بين أعضاء الوفود، فيما سيُختتم المؤتمر أعماله الاثنين المقبل، بعد أن تتفق الوفود المشاركة على صياغة البيان النهائي والاستماع إلى تقارير وتوصيات لجان المؤتمر.
رسائل سياسية
إلى ذلك، فمن جهته الخبير السياسي علي البيدر يرى، أن استضافة العراق لمثل هكذا تجمع عربي إقليمي ودولي، يؤشر بأن الساحة العراقية باتت بيئة مناسبة لاحتضان الفرقاء والأصدقاء على حد سواء، كما أن هنالك استقرار سياسي وأمني تعيشه البلاد، ما يعني أن هذه الحالة عززت الكثير من عمل مؤسسات الدولة في جوانب مختلفة الأمر الذي أهّل العراق لعقد هكذا قمم غير تقليدية على كافة المستويات والصُّعد.
غير أن البدير وفي حديث لموقع “الحل نت”، لفت إلى أن، مثل هذه القمة ذات أبعاد سياسية إلى حد كبير، إذ تمثل رسائل اطمئنان إلى المجتمع الدولي بأن العراق بات أكثر استقرارا، في حين تبعث برسائل مهمة إلى الأطراف المحلية بأن عليهم العمل على توسيع وتعزيز دورهم الإيجابي في رسم معادلة سياسية داخل البلاد أفضل مما عليه الآن، لافتا حول ما إذا سيتجاوز المؤتمر حدود البروتوكول، إلى أن الأمر يتوقف على رغبة الأطراف المشاركة في مساعدة العراق أو زيادة وتعزيز الشراكة مع بغداد.
كما بيّن، أن العراق يمتلك موارد هائلة بشرية وطاقية ومالية، وكلها يمكن أن تعظّم من موارده والتي ستستفيد منها باقي الأطراف، مشيرا إلى أن الأمر يتوقف كذلك على قدرة العراق في توفير بيئة استثمارية مناسبة في مجالات واضحة وصريحة؛ منها تعزيز الجانب الأمني والقضاء على ظاهرة السلاح المنفلت، وتجاوز البيروقراطية وتسهيل الإجراءات البنكية ومنح التأشيرات، فبالتالي أن كل هذه الأمور يمكن أن تجعل من الساحة العراقية مهيئة لاحتضان العديد من المشاريع في جوانب مختلفة.
في إطار ذلك، كان العراق على الدوام عنصرا أساسيا في معادلة التوازن السياسي والعسكري والاقتصادي في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط، وذلك بحكم مقوماته الحضارية والتاريخية والروحية والمادية، والدور الذي لعبه عبر التاريخين العربي والإسلامي. لكن الغزو العراقي للكويت في عام 1990 مثّل ضربة قوية لدور العراق وحضوره على الساحتين العربية والإقليمية، بعد أن كان يقدم نفسه على مدى ثماني سنوات خلال فترة الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988، عاملا وازنا في الأمن الإقليمي.
كما يُعد العراق من الدول المهمة والرئيسية في المنطقة، والتي لا يمكن أن تكون دون دور مؤثر في محيطها، ولو غاب هذا الدور أو تراجع لبعض الوقت لأسباب داخلية أو خارجية، فإنه يعود ويطرح نفسه على أذهان النخبة السياسية في الداخل من ناحية، وعلى القوى في المنطقة من ناحية أخرى؛ حال تهيأت الظروف لذلك.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.