عزز الزلزال الأخير في تركيا وسوريا والذي تسبب في خسائر بمليارات الدولارات من احتمالات عودة الرئيس السوري الذي كان منبوذاً على نطاق واسع إلى الحظيرة العربية، ولكن من غير المرجح أن يبدأ بعملية حقيقة لإعادة الإعمار على نطاق واسع في البلد المتضرر من الحرب.

مع دخول الصراع السوري عامه الثالث عشر اليوم الأربعاء، لا تزال حكومة الرئيس بشار الأسد ترفض تقديم تنازلات لخصومها المحليين، رافضة مطالب طويلة الأمد من قبل الولايات المتحدة وحلفائها كحل سياسي لا يزال بعيد المنال. في حين كثفت دول الخليج العربية الغنية بالنفط جهودها لتطبيع العلاقات مع حكومة الأسد، لكن محللين يقولون إن الشلل السياسي المستمر يرجح أن يمنعهم من ضخ مليارات الدولارات لإعادة الإعمار في سوريا.

على غرار القمم والاجتماعات السابقة، تتوجه الأنظار للأيام القادمة التي سيعقد فيها اجتماعا لنواب وزيري خارجية البلدين مع تركيا وإيران لبحث “جهود مكافحة الإرهاب” في سوريا. إذ كان من المقرر مبدئيًا أن يكون الاجتماع ثلاثيًا، لكن تمت إضافة إيران إلى المناقشة بعد أن أعربت عن رغبة البلاد في أن تكون جزءًا من المحادثة.

وصول الرئيس السوري، بشار الأسد، إلى موسكو الثلاثاء الفائت أي قبل أيام قليلة من عقد الاجتماع، وأيضا عقب تصريحات رسمية من دمشق بأنها لن تحاور الأتراك إلا إذا طبقوا شروطا قدمتها خلال اجتماعات سابقة، ورد أنقرة السريع على هذا التصريح بأن الاجتماع قائم بغض النظر عن التصريحات المتناقلة، يشير إلى أن الأسد حشد قوة ضاربة بعد زيارته لعُمان ولقائه وزراء خارجية بعض الدول العربية، ويريد الضغط على أنقرة من أجل تنفيذ شروطه.

عزلة الأسد انتهت؟

لعل الاستقبال الرسمي للأسد في سلطنة عُمان، في 20 شباط/فبراير الفائت، وتلقيه الاتصالات والزيارات الرسمية من دول العالم العربي وبعض الدول الحليفة له، كانت البوابة لاستقباله بمراسم رسمية لدى وصوله مطار “ڤنوكوڤا” الدولي، مبتدئاً زيارة رسمية إلى روسيا، أمس الثلاثاء.

أدى الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا في السادس من شباط/فبراير 2023، والذي أسفر عن مقتل أكثر من 50 ألف شخص، من بينهم حوالي 6000 في سوريا، إلى تفاقم الدمار الناجم عن الصراع السوري المستمر منذ 12 عاما والذي أودى بحياة ما يقرب من نصف مليون شخص.

“البنك الدولي” قدر في تقييم أولي بعد الزلزال أن الكارثة تسببت في أضرار مادية بقيمة 5.1 مليار دولار في كل من سوريا التي تسيطر عليها الحكومة والمعارضة. وقدرت الخسائر بنحو 226 مليار دولار بما في ذلك الأضرار الاقتصادية والمادية خلال السنوات الأربع الأولى من الحرب في عام 2016، أي حوالي أربعة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي لسوريا في عام 2010.

منذ تحول ميزان القوى لصالح الأسد خلال السنوات القليلة الماضية، أعادت الحكومة بناء أجزاء صغيرة من البلاد بمساعدة حلفائها. وتشمل هذه قسماً من السوق الذي يعود تاريخه إلى قرون في مدينة حلب الشمالية وبعض المساجد التاريخية في حلب ومدينة حمص المركزية. ومع ذلك، لا تزال مدن وبلدات وقرى بأكملها في حالة خراب، بينما تسبب الصراع في أضرار دائمة لأنظمة الكهرباء والنقل والصحة في البلاد.

يبدو أن الأسد مستعد للعودة السياسية في العالم العربي، بعد أكثر من عقد من قيام الدول العربية الأعضاء في “جامعة الدول العربية” المكونة من 22 دولة بتعليق عضوية سوريا بسبب حملته الوحشية ضد المتظاهرين ولاحقًا ضد المدنيين خلال الحرب.

يبدو أن التعاطف الدولي في أعقاب الزلزال أدى إلى تسريع التقارب الإقليمي الذي كان يختمر منذ سنوات. قبل المأساة، كانت الإمارات العربية المتحدة قد أعادت بالفعل علاقاتها مع دمشق، بينما كانت سوريا تزيد اتصالاتها مع تركيا، الداعم الرئيسي لبعض مكونات المعارضة.

بعد الكارثة، قدمت الدول العربية التي ساءت علاقتها مع دمشق مثل المملكة العربية السعودية مساعدات لسوريا التي تسيطر عليها الحكومة، جنبًا إلى جنب مع داعمي الأسد التقليديين، روسيا وإيران. وبدأ حلفاء واشنطن الرئيسين مثل الأردن ومصر وبعض دول الخليج في استعادة أو تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع الحكومة السورية.

بزيارة الرئيس السوري الرسمية إلى موسكو، يطرح الأسد وبحسب مصادر في وزارة الخارجية السورية، لـ”الحل نت”، أربعة شروط بعد التشاور عليها مع مسؤولين في دول عربية، تتضمن السماح للجيش التركي بشن عملية عسكرية محدودة في شمال شرق سوريا، لكن ذلك مشترط بانسحابها من شمال غربي سوريا، أيضا إيقاف النشاط الاقتصادي التركي في مناطق النفوذ التركي بسوريا كالليرة التركية ومكاتب البريد التركية.

أيضا تتضمن الشروط السورية، عودة سيطرة دمشق على المعابر الحدودية التي تديرها المعارضة السورية، في حين أن التقارب التركي السوري السياسي مشروط بعقد قمّة ثنائية بين الرئيسين الأسد ورجب طيب أردوغان، على أن يكون جدول تنفيذ هذه الشروط خلال أربعة أشهر.

طاولة الاجتماع الرباعي تعج بالشروط

منذ بدء إثارة ملف التطبيع بين أنقرة ودمشق، والأخيرة تسعى لاستغلال ضيق الوقت بالنسبة لأنقرة، وفرض شروط وصِفت في بعض الأحيان بـ”التعجيزية”، الأمر الذي دفع بأنقرة للجوء إلى روسيا ثم إلى إيران للضغط على الحكومة السورية، من أجل الإسراع والتقدم في ملف التطبيع.

الاجتماع الرباعي هو آخر ما تم التوصل إليه برعاية روسية، وسيجرى على مستوى نواب وزراء خارجية الدول الأربع المزمع عقده يومي 15 و16 آذار/مارس الجاري، كانت دمشق ترفض حتى الآن حضوره، إلا مع قبول ضمانات إضافية، حيث أفادت صحيفة “الوطن” السورية، أن دمشق ستؤجل حضور الاجتماع الرباعي إلى حين الحصول على مجموعة من الضمانات.

زيارة الأسد تؤكد الزعيمان السوري والروسي، سيتحدثان عن “مزيد من تطوير التعاون الروسي السوري في المجالات السياسية والتجارية والاقتصادية والإنسانية، فضلاً عن آفاق تسوية شاملة للوضع في سوريا وحولها”، بحسب بيان “الكرملين”.

الأسد الذي استقبله نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، وممثل بوتين الخاص في الشرق الأوسط، في موسكو مع وفد من حكومته الوزارية، يبدو بنظر المحلل السياسي، محمد عبيد، أنه جاء بعد قبول قيادة دمشق، بالشروط التي عرضت عليه من قبل حلفائه إيران وروسيا، فيما تنتظر رد الجانب التركي عليها.

موسكو من جهتها، بحسب ما ورد لـ”الحل نت” من مصادر دبلوماسية، تؤيد المدة الزمنية التي تضعها دمشق. إلا أنها تضع شرط الحوار والمصالحة بين البلدين أساسا لدعمهما في القضايا الدولية، إذ ترى موسكو أن فتح العلاقات الدبلوماسية دون شروط بين دمشق وأنقرة بوابة لحل كافة القضايا العالقة.

أيضا لم تغفل موسكو حقها في سوريا، فهي تضع شرط وجود قواتها على الحدود مع تركيا، وأيضا الحصول على عقد اقتصادي مع دمشق مدته 45 عاما يضمن لها المشاركة بإعادة الإعمار وشراء المساعدات الإنسانية والإغاثية من مؤسساتها بالروبل الروسي.

طهران هي الأخرى التي فرضت نفسها على الطاولة المستديرة للدول الثلاثة، قدمت شروطها خلال زيارة وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان إلى دمشق ومن ثم أنقرة، في التاسع من آذار/مارس الفائت، خصوصا أن هبوط طائرة عبد اللهيان في “حميميم” بدلاً من مطار “دمشق” الدولي له دلالات مهمة.

إيران تريد من أنقرة السماح للقوات التي تدعمها طهران في سوريا بالمشاركة في عمليات الجيش السوري في شمال غربي سوريا، أيضا طرحت مشروعا لشن حملة عسكرية على شمال شرقي سوريا كونه امتداد لعملياتها في البادية السورية. أيضا لم تقتصر الشروط الإيرانية على المستوى العسكري، بل تضع طهران شرط تسليم بعض قادة المعارضة العسكريين والسياسيين لدمشق من أجل محاكمتهم، وإنهاء العقوبات الاقتصادية التي تستهدف شركاتها داخل سوريا.

من جهتها أنقرة وبحسب المصادر الدبلوماسية، ترفض جميع الشروط التي تضعها الدول الثلاث، وتصر على أن الانفتاح الدبلوماسي مع دمشق يبقى على شكل لقاءات رسمية حتى ضمان مخاوفها. كذلك فإن الحكومة التركية لا تعارض شن الجيش السوري والروسي معركة على شمال شرق سوريا؛ لكن دون الاستعانة بمليشيات محلية تدعمها إيران، وأيضا دون عقد تسوية مع “الإدارة الذاتية”.

الشرط الذي تتنازل عنه أنقرة، هو السماح للجيش السوري بشن حملة عسكرية محدودة في شمال غربي سوريا، وهي المناطق التي تسيطر عليها “تحرير الشام” المصنفة على لوائح الإرهاب الدولية، في حين تصر على حوار وعملية سياسية يدخل فيها عناصر محدودة من المعارضة السورية.

هل ينجح الاجتماع الرباعي؟

لم تنفذ سوريا قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الصادر في كانون الأول/ديسمبر 2015 كخريطة طريق للسلام في سوريا. قبول خريطة الطريق هو مطلب رئيسي للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لتطبيع العلاقات مع دمشق. يدعو القرار إلى عملية سياسية بقيادة سورية، تبدأ بتشكيل هيئة حكم انتقالية، تليها صياغة دستور جديد وتنتهي بانتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة.

لكن مع الانفتاح العربي مع دمشق، وخصوصا مع انتداب مدير إدارة المخابرات العامة السورية، حسام لوقا، ليكون عراب المصالحة السعودية السورية، والتي ترجمت بزيارة سرية جرت في الخامس من آذار/مارس الجاري، وتحرك قائد “فيلق القدس” إسماعيل قاآني، إلى بيروت عشيت وصول الأسد إلى موسكو ليطلع القيادة اللبنانية على آخر التطورات، يشير بحسب عبيد، إلى أن الملف السوري تعقد على مستوى الحلول الجذرية؛ لكن الاجتماع الرباعي سيفضي لحل دبلوماسي على مستوى علاقة دمشق مع دول الجوار.

دمشق تستمد قوتها في فرض شروطها على تركيا بحسب المتحدث باسم المصالحة السورية، عمر رحمون، بأن “المنتصر هو من يضع الشروط”، إذ ترى دمشق أن الاتصالات والزيارات الدبلوماسية والانفتاح على الأسد هو نقطة نصر سياسي، لذلك بالنسبة له، فإنه لا مؤشرات على عقد الاجتماع الرباعي في موسكو كما أعلنت أنقرة، مستشهدا بحديث معاون وزير الخارجية السورية، أيمن سوسان، بأن “مشاركتنا لا تزال قيد البحث”، على الرغم من أن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، ذكر أنهم يقومون بالاستعدادات.

طبقا لما يراه عبيد، فإنه مع الصراع المستمر منذ ما يقرب من 12 عام في سوريا، بدأ الأمل في إعادة الإعمار والحل السياسي يتضاءل. ومما زاد الطين بلة، حشد الرئيس بشار الأسد مؤخرًا قوة ضاربة وممارسة الضغط على أنقرة لتلبية مطالبه. “الأسد في خضم صراع على السلطة على أمل استعادة السيطرة على سوريا. وبعد زيارته لسلطنة عُمان ولقائه وزراء خارجية بعض الدول العربية، يتخذ موقفا أكثر عدوانية تجاه أنقرة من أجل تلبية مطالبه”. ويشمل ذلك اتفاق أنقرة على مستقبل بعض المناطق التي تسيطر عليها “الإدارة الذاتية” في شمال وشمال شرق سوريا، مع التأكد أيضا من موافقتهم على عملية روسية سورية لمكافحة الجماعات الإسلامية في محافظة إدلب.

إذا لم توافق تركيا وروسيا على مطالب الأسد، فإن الوضع سيزداد توتراً. على وجه الخصوص، سوف يزداد ضعف وقف إطلاق النار الهش بالفعل. يمكن أن يكون لهذا تأثير مدمر على الشعب السوري، الذي عاش بالفعل الكثير من الصراع. علاوة على ذلك، قد يعني ذلك تصعيدًا للنزاع، حيث يلجأ كلا الجانبين إلى تكتيكات أكثر تطرفاً.

في هذه المرحلة، من الصعب تحديد الآثار الدائمة لمطالب الأسد. من ناحية، قد يعني ذلك مزيدا من الانقسام للأطراف الفاعلة في الملف السوري، خاصة إذا نجح الأسد في صراعه على السلطة. علاوة على ذلك، نظرًا لأن الأسد يستفيد من الوجود التركي في شمال سوريا، فقد تكون هناك صعوبة أكبر في تلقي المساعدة لتلك المناطق الأكثر احتياجًا.

وعليه، فإن مستقبل سوريا السياسي غير مؤكد. مع اقتراب الحرب من عامها الثالث عشر، من الواضح أن الأمل في إعادة الإعمار والحل الشامل بدأ يتلاشى. يستغل الأسد الوجود التركي ويمارس الضغط على أنقرة لتلبية مطالبه، لكن من المستحيل معرفة ما سيعنيه ذلك لمستقبل سوريا. ومع ذلك، من الواضح أن الوضع يزداد سوءًا، وأن المزيد من التصعيد قد يعني المزيد من المأساة للشعب السوري.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة