متضاربة هي الأنباء عن مشاركة وفد دمشق في الاجتماع الرباعي بين وزراء خارجية كل من دمشق وأنقرة وموسكو وطهران، الخاص بمناقشة الملف السوري، وتحديدا عودة العلاقات بين أنقرة ودمشق وفق آلية يتفق عليها المجتمعون في موسكو خلال الأسابيع القليلة القادمة.

منذ بدء إثارة ملف التطبيع بين أنقرة ودمشق، والأخيرة تسعى لاستغلال ضيق الوقت بالنسبة لأنقرة، وفرض شروط وصِفت في بعض الأحيان بـ”التعجيزية”، الأمر الذي دفع بأنقرة للجوء إلى روسيا ثم إلى إيران للضغط على الحكومة السورية، من أجل الإسراع والتقدم في ملف التطبيع.

اجتماع رباعي هو آخر ما تم التوصل إليه برعاية روسية، وبين تأكيد روسيا على البدء بالاجتماعات على مستوى نواب وزراء الخارجية، تفيد مصادر مطلعة في دمشق، أن الحكومة السورية تطلب الحصول على ضمانات من أجل المشاركة في الاجتماع، الأمر الذي يثير التساؤلات حول مصير هذا الاجتماع ومدى قدرة أنقرة على التعامل بدبلوماسية مع محاولات دمشق عرقلة أو تأخيرة عودة العلاقات.

عرقلة الاجتماع؟

الاجتماع على مستوى نواب وزراء خارجية الدول الأربع المزمع عقده يومي 15 و16 آذار/مارس الجاري، ترفض دمشق حتى الآن حضوره، إلا مع قبول ضمانات إضافية، حيث افادت صحيفة “الوطن” السورية، أن دمشق ستؤجل حضور الاجتماع الرباعي إلى حين الحصول على مجموعة من الضمانات.

يبدو أن دمشق تسعى لتأجيل الاجتماع الرباعي، لتستغل اقتراب الانتخابات التركية، وبالتالي يكون اقتراب الانتخابات الرئاسية في تركيا، ورقة ضغط إضافية بيد دمشق، خاصة وأن أنقرة تسعى للمضي قدما في ملف التطبيع قبل بدء الانتخابات، وفي هذا المسعى قررت دمشق شروطها السابقة المتعلقة بانسحاب القوات التركية من مناطق الشمال السوري.

قد يهمك: دمشق لن تشارك في اجتماعات “اللجنة الدستورية”.. انهيار جسر الانقسامات السياسية؟

في المقابل فإن تركيا ستضطر إلى مزيد من الوساطات مع الجانب الروسي من أجل الضغط على دمشق لحضور الاجتماع، رغم أن زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى موسكو قبل أيام، كانت توحي بأن بوتين اتفق مع الأسد فيما يخص تفاصيل الاجتماع للمضي قدما بملف التطبيع مع أنقرة، خاصة وأن التقارب بين دمشق وأنقرة هو هدف استراتيجي لروسيا عملت عليه بشكل مكثف خلال الفترة الماضية.

فشل مساعي دمشق

الباحث السياسي الدكتور باسل معراوي، رأى أن محاولات دمشق في عرقلة الاجتماع الرباعي، تأتي ضمن مساعي دمشق في الضغط على أنقرة ومحاولة فرض بعض الشروط، رغم أنها تعلم أن تطبيق هذه الشروط أمر مستحيل، لذلك ربما سيكون هناك ضغط روسي من أجل حضور وفد خارجية دمشق، وذلك لما لهذا الاجتماع مصلحة عليا لروسيا وأنقرة معا.

معراوي قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “دمشق لديها مصالح كبيرة في التطبيع مع أنقرة، أهمها فك العزلة السياسية والدبلوماسية المفروضة عليها، كذلك فتح المعابر وتفعيل النشاط الاقتصادي، لكنها تحاول استغلال عامل الوقت والمناورة لرفع سقف التفاوض ليس أكثر، والشروط التي يضعها النظام السوري، هي ليست قابلة للتحقيق لكن الإصرار عليها يجعل ربما أنقرة تفكر في تقديم ما هو ممكن”.

دمشق تشترط لقبول التطبيع مع أنقرة، وضع خارطة طريق لانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، إضافة إلى الوقف الكامل للدعم المقدم من الحكومة التركية للمعارضة السورية، وهنا يمكن القول إن أقصى ما يمكن أن تقدمه أنقرة في هذا الشأن هو وضع جدول زمني طويل الأمد لسحب قواتها، وربط هذا الأمر بتطبيق القرارات الأممية المتعلقة بالملف السوري.

ما يدعم كذلك فشل دمشق في تعطيل الاجتماع الرباعي، الرغبة الروسية الواضحة في نجاح هذا الاجتماع، وهنا أوضح معراوي أن جوهر مسار الاجتماع “مهم جدا بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل غيره، فنجاح الاجتماع يعني تحقيق نصر سياسي مهم في منطقة مضطربة وبالتالي تقديم بلاده كقوة عظمى راعية للحلول”.

بحسب المصادر الدبلوماسية، ففي حال عُقد الاجتماع في الموعد الذي حددته روسيا وتركيا، فإن نائب وزير الخارجية التركي براق أقتشابار سيترأس الوفد التركي في الاجتماع، وسيكون الاجتماع تمهيدا لاجتماع وزراء خارجية الدول الأربعة لاحقا، كذلك سيترأس الممثل الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وإفريقيا ميخائيل بوغدانوف، الوفد الروسي، فيما يمثل إيران مستشار الشؤون السياسية لوزير الخارجية علي أصغر حجي، على أن يشارك نائب وزير خارجية دمشق أيمن سوسان.

نسف ملف التطبيع؟

الحكومة السورية ربما تفشل في تعطيل انعقاد الاجتماع، لكن نجاحها في تأخيره، سيمثل بمثابة ضربة للجهود الدبلوماسية التي تبذلها أنقرة للمضي قدما في ملف التطبيع، فرفض دمشق لحضور الاجتماع بعد أيام واضطرار روسيا للضغط على الأسد لإرسال وفد من وزارة خارجيته سيأخذ بعض الوقت وبالتالي نجاح دمشق في تأجيل الاجتماع، واستغلال ذلك لرفع سقف الضمانات والشروط.

حول ذلك أضاف معراوي، “بالتأكيد سيرغم الرئيس الروسي، الأسد على إتمام الاجتماعات، لأن المشروع بالأساس مصلحة روسية، والرئيس بوتين يهمه جدا فوز الرئيس أردوغان بالانتخابات وتجيير ذلك الحدث لصالحه بحملته الانتخابية tفي روسيا ضد منافسه الذي يخشى أن يرتمي بأحضان الناتو، ناهيك عن أن توجهه غير معروف لحد الان على الاقل”.

في المقابل فإن إصرار دمشق على وضع الحواجز أمام ملف عودة العلاقات قد يعود عليها بضرر كبير بعد فترة، فبقاء ملف التطبيع دون تقدم إلى ما بعد الانتخابات التركية، سيعني ربما تراجع أهميته في حال حقق أردوغان الفوز في السباق الرئاسي، ولن يعود لورقة عودة العلاقات مع الأسد أية أهمية، وبالتالي يفقد الرئيس السوري فرصة عودة علاقات بلاده مع لاعب إقليمي مهم كتركيا.

وهذا ربما ما ستُفهمه موسكو لدمشق خلال الأيام القليلة الماضية، إذ إن المبالغة في المماطلة ووضع العراقيل، ستوصل دمشق إلى نقطة اللاعودة، وبالتالي نهاية ملف عودة العلاقات مع أنقرة إلى أجل غير معلوم، وهو ما لا تريده موسكو بالتأكيد خلال المرحلة الراهنة.

ملف التقارب بين دمشق وأنقرة، هو هدف استراتيجي قديم بالنسبة لروسيا، وقد عملت عليه منذ سنوات، عبر دخولها كوسيط ضامن للتنسيق بين أنقرة ودمشق عبر منصة “أستانا” إلى جانب إيران، لكن أنقرة قاومت وقتها كل الضغوط والمغريات الروسية لإعادة العلاقات مع دمشق، وكانت تشترط شرعنة مسار حل سياسي مدعوم إقليميا ودوليا، حتى قبِلت مؤخرا نتيجة الضغوط الداخلية المتعلقة بصراع السلطة والمعارضة.

الباحث السياسي رأى كذلك أن ما شجع أنقرة نحو التطبيع مع دمشق، “رفض واشنطن القاطع لأي تحرك عسكري تركي جديد، على الحدود السورية التركية، وتقويض التحركات التركية في الأراضي السورية، الأمر الذي أدى إلى موافقة أنقرة على اقتراح روسي إيراني، من شأنه أن يدعم عودة العلاقات مع دمشق”.

على الرغم من كل تلك الجهود لتطبيع العلاقات مع أنقرة، إلا أن معظم المؤشرات تدل على فشل حتمي لهذه الجهود، فالجانب الأميركي ما زال مصرّا على عدم تطبيع أي دولة لعلاقاتها مع دمشق، إضافة إلى أن الأخيرة لا تملك ما تقدمه لأي دولة من أجل إعادة علاقاتها، وربما أنقرة تدرك هذه الحقيقة، لكنها ترغب في التقدم خطوة فقط قبل الانتخابات، ومن ثم العودة إلى نقطة الصفر من بوابة رفض الشروط “التعجيزية” التي تحاول فرضها دمشق، وبذلك تضمن أنقرة تحقق أهدافها من وراء هذا الملف، ويكون لديها المبررات لنسفه فيما بعد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.