“اللجنة الدستورية السورية” كانت آخر مسارات العملية السياسية التي بدأت عملها أواخر عام 2019 برعاية أممية، وهي الأمل الأخير بالتوصل لحل سياسي ينهي أزمة الصراع المستمر في سوريا منذ نحو 12 عاما، لكنها فشلت في تحقيق أي نتائج تدعم مسار الحل السياسي في البلاد ضمن القرار 2254 لمجلس الأمن الدولي.

بعد ثمانية جولات عقدتها اللجنة منذ تأسيسها، وطرح العديد من القضايا المتعلقة بالدستور دون أن تفضي إلى نتائج إيجابية ملموسة، يتم الإعلان اليوم عن تهديد انعقاد الجولة التاسعة من اجتماعات “اللجنة الدستورية”، وذلك بسبب عدم حضور وفد حكومة دمشق، الناتج بدوره عن عدم حضور الوفد الروسي.

بصرف النظر عن حضور وفد دمشق أو الوفد الروسي، فإنه بالنظر إلى آخر جولة من اجتماعات اللجنة، فقد تم طرح العديد من قضايا الدستور خلال أيار/مايو الماضي، من قبيل “الحفاظ على مؤسسات الدولة وتعزيزها، وسيادة الدستور، وموقف المعاهدات الدولية، والعدالة الانتقالية”، إلا أن اللجنة المصغرة لم تنجح في كتابة أي مادة من مواد مشروع الدستور، فهل يكون عدم حضور وفد دمشق الرصاصة القاضية في مسار الحل المتعلق بـ “اللجنة الدستورية”.

غياب موسكو يعني غياب دمشق

عدم حضور الوفد التابع لحكومة دمشق، كشف عنه مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاص إلى سوريا غير بيدرسن، قائلا إن الوفد التابع لدمشق لن يشارك في اجتماعات “اللجنة الدستورية السورية” في جنيف طالما لن تحضر روسيا، مشيرا إلى أن المناخ الدولي اليوم قد يجعل الحل الشامل في سوريا مستحيلا.

في ظل الصراعات الدولية العديدة التي ازدادت وتيرتها خلال السنوات الماضية، انخفض الاهتمام الدولي بالملف السوري إلى أدنى مستوياته خلال 12 عاما، وهو ما جعل الجهود الدولية تتوجه إلى ملفات أخرى أكثر أهمية بالنسبة للمجتمع الدولي على حساب الملف السوري، وهو ربما ما قصده بيدرسن عندما قال “إن المناخ الدولي يصعّب الحل الشامل في سوريا”.

بالعودة إلى عدم حضور الوفد الروسي، فإن موسكو حاولت منذ منتصف العام الماضي عرقلة انعقاد الجولة التاسعة من الاجتماعات، واشترطت نقل مكان اجتماعات “اللجنة الدستورية السورية” خارج جنيف، واقترحت مسقط أو أبوظبي أو الجزائر، اقتراح فسره محللون بأنه ناتج عن الخلاف السياسي مع سويسرا نتيجة الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية، كذلك حاولت روسيا سحب مرجعية العملية السياسية التفاوضية بملفاتها الأربعة “الحكم، الدستور، الانتخابات، مكافحة الإرهاب” من الأمم المتحدة، وهو الأمر الذي رفضته المعارضة السورية والأمم المتحدة.

المحامي والمحلل السياسي سليمان القرفان، رأى أن عدم حضور وفد دمشق وتهديد انعقاد اجتماعات “اللجنة الدستورية”، لا يعني الكثير لمسار العملية السياسية، وذلك لأن وفد حكومة دمشق سعى دائما لتعطيل الحل السياسي، مشيرا إلى أن الوفد الروسي ساعد كثيرا وفد دمشق عبر وضع العراقيل أمام انعقاد اجتماعات اللجنة، معتقدا أنه لا توجد أية بوادر لآليات جديدة يمكنها دفع العملية السياسية السورية إلى الأمام.

دور موسكو في تعطيل الاجتماعات

القرفان قال في حديث مع “الحل نت”، “النظام السوري لن يحضر اجتماعات اللجنة الدستورية القادمة، لأنه ومنذ موافقته على الانخراط في عمل اللجنة، لم يكن جادا وكان يسعى دوما للتعطيل ومنع إحراز أي تقدم، وقد عبّر عن ذلك وليد المعلم وزير الخارجية السوري قبل رحيله، بأن الوفد سيغرقهم بالتفاصيل في إشارة إلى خطة واضحة من أجل تعطيل مسار الحل السياسي برمته”.

عن محاولات الروس تعطيل انعقاد جولات اجتماعات اللجنة، أوضح القرفان أن الوفد الروسي عرقل انعقاد الاجتماعات، عبر الطلب من الأمم المتحدة سفر الوفد الروسي من موسكو إلى جنيف بشكل مباشر، وقد استغل العقوبات الأوروبية على موسكو والطيران الروسي، لعرقلة وصول الوفد الروسي إلى جنيف وبالتالي ضمان عدم انعقاد الاجتماعات.

حول ذلك أضاف، “روسيا طلبت من الأمم المتحدة ضمان سفر الوفد الروسي من موسكو الى جنيف بشكل مباشر، وهو الأمر الذي لا تملكه الأمم المتحدة خاصة في ظل وجود قرار بمنع الطيران الروسي من دخول أجواء دول الاتحاد الأوروبي، وبالتالي ليس هناك فرصة لانعقاد جولات جديدة للجنة الدستورية في المدى المنظور”.

بيدرسن أراد كذلك أن يجدد الاهتمام بالملف السوري بعد كارثة الزلزال، التي اعتبرها بمثابة “جرس إنذار للعالم بأن المأساة السورية لم تنتهِ بعد”. وقد أدت الكارثة إلى الاهتمام مجددا بالشأن السوري خلال الأسابيع الماضية لا سيما على المستوى الإقليمي، لكن هذا الاهتمام تحول إلى استغلال دمشق وبعض الدول في إعادة الحكومة السورية إلى الدائرة الإقليمية بعيدا عن شروط الانخراط جديا في العملية السياسية.

قد يهمك: الأردن يطلب مساعدة أميركية بشأن المخدرات.. نهاية ملف التطبيع الأردني مع دمشق؟

المحلل السياسي أشار في حديثه إلى أنه يعتقد أن مساعي بيدرسن، “ستبوء بالفشل ولن تكون هناك اجتماعات جديدة للجنة، رغم أن نظام الإجراءات الخاص بعمل اللجنة يسمح بعقد الجولات بمن حضر، إلا أن المبعوث يدرك عدم جدوى ذلك بغياب الروس ومن خلفهم وفد النظام السوري”.

آليات جديدة للحل السوري؟

منذ أن أردك المبعوث الدولي تراجع الفائدة من اجتماعات “اللجنة الدستورية السورية”، لا سيما بعد نتائج آخر جولة التي جاءت مخيبة للآمال،  كانت هناك العديد من المبادرات الإقليمية والدولية، للبحث عن مسارات جديدة لدفع العملية السياسية في سوريا، وقد طالب المبعوث الدولي في آب/أغسطس الماضي، المجتمع الدولي بفتح مسارات جديدة للحل السياسي في سوريا، بما يتماشى مع قرارات مجلس الأمن.

بيدرسن قال في كلمة أمام مجلس الأمن، “على المجتمع الدولي التحرك في مسارات أخرى تتعلق بقرارات مجلس الأمن الدولي وآخرها القرار 2254، والعمل على إعادة الأمن والاستقرار إلى سوريا“.

روسيا تعمل حاليا على عقد اجتماع رباعي يجمع كل من دمشق وموسكو وأنقرة وطهران، لبحث قضايا متعلقة بالملف السوري، ويعتقد بعض المحللون أن هذا الاجتماع يمكن أن يفضي بطريقة أو بأخرى لإيجاد آلية من شأنها دفع العملية السياسية، وذلك بهدف إرضاء الجانب الأميركي الذي يرفض بشكل قاطع أي عملية تطبيع مع دمشق، دون تحقيق شرط الانخراط جدّيا بالحل السياسي.

لكن غياب الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي عن هذه الاجتماعات، قد يعقّد من مسألة إنتاج آلية مناسبة للدفع قُدما في الحل السياسي السوري، ذلك بما يضمن جدية هذه الآلية وضمان عدم تمييعها لاحقا كما حصل مع “اللجنة الدستورية”، وهو ما أكده القرفان قائلا “لا أعتقد أننا سنرى أي آليات جديدة لحلّ سياسي يتمخض عن الاجتماع الرباعي القادم، نظرا لغياب الجانب الأميركي والاتحاد الأوروبي وبعض الدول العربية الفاعلة بالملف السوري عن هذا الاجتماع”. 

بالتالي لن يتم الاتفاق على أي صيغة جديدة أو  رؤية للحل في سوريا بعيدا عن هذه الأطراف، ولا يُتوقع منه سوى التأكيد على القرارات الدولية، لاسيما القرار رقم 2254 وكذلك التأكيد على المسار الدستوري.

“اللجنة الدستورية” في طريقها على ما يبدو للفشل الذي قد يُعلنه المبعوث الدولي في أية لحظة فيما يخص انتهاء عمل اللجنة، بعد عمل استمر لنحو أربع سنوات دون تحقيق أيّ من أهدافها المعلنة، خاصة بعد إصرار دمشق على أن عمل اللجنة ينحصر في تعديل مواد في دستوره الذي وضعه عام 2012.

بينما تريد المعارضة دستورا جديدا يحدّ من صلاحيات منصب رئيس الجمهورية، وتُجرى على أساسه انتخابات تحدد مستقبل البلاد وفق ما ينص عليه القرار الدولي 2254، المستند إلى بيان “جنيف 1” الذي صُدر في منتصف عام 2012، والذي رسم خريطة حل للقضية السورية، تنص على “إقامة هيئة حكم انتقالية، باستطاعتها أن تُهيّئ بيئة محايدة تتحرك في ظلها العملية الانتقالية”.

يبدو أن الملف السوري يجب عليه أن ينتظر اجتماع العديد من الدول الكبرى المنشغلة حاليا في ملفات عديدة، وذلك لفرض آلية محددة تضمن تحقيق ما جاء في قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالحل السياسي السوري، وإلا سيبقى الملف السوري معلّقا بين مماطلات دمشق والدول المحيطة، التي تسعى فقط لتحقيق مصالحها في سوريا، بعيدا عن هدف التقدم بالعملية السياسية، وأبرزها بالطبع روسيا وتركيا وإيران، الذين يديرون الاجتماعات المتعلقة بالملف السوري خلال السنوات القليلة الماضية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.