منذ أكثر من عام ونصف، تخوض الأردن حربا مفتوحة على حدودها الشمالية مع سوريا، ضد تجار ومهربي المخدرات، وقد فشلت جميع المساعي الأردنية في إنهاء ظاهرة تهريب المخدرات، حتى إن عمان لجأت إلى مسارات أمنية وسياسية عديدة لإرساء الأمن والاستقرار على حدودها مع سوريا.

استمرار الانفلات الأمني على الحدود المشتركة مع سوريا، دفع بالأردن إلى طلب المساعدة الأميركية بشأن “حرب المخدرات” المتنامية على الحدود الشمالية في البلاد، خاصة وأن جزءا كبيرا من مسؤولية انتشار المخدرات يعود إلى الميليشيات الإيرانية المنتشرة في مناطق الجنوب السوري.

عمان حاولت في وقت سابق إعادة علاقاتها مع دمشق، مدفوعة بالتحديات الأمنية على الحدود، حيث كانت تعوّل على مساعدة دمشق لها في إنهاء ظاهرة تهريب المخدرات والحدّ من وجود الميليشيات الإيرانية المسؤولة عن هذه الظاهرة، الأمر الذي لم تستطع فيه دمشق تقديم أي شيء لنجاحه، فما هو تأثير الطلب الأردني على ملف التطبيع مع دمشق.

تعاون أردني أميركي؟

خلال زيارة لوزير الدفاع الأميركي لويد أوستن للأردن، طلب الملك الأردني عبد الله الثاني من وزير الدفاع الأميركي المساعدة في خوض حرب المخدرات، وذلك خلال لقاء جمع الجانبان في العاصمة الأردنية عمان، وقد حمّل عبد الله الثاني الميليشيات المدعومة من إيران المسؤولية عن تهريب المخدرات على الحدود.

الملك الأردني ناقش كذلك مع الجانب الأميركي تصاعد نفوذ الميليشيات الإيرانية على الحدود السورية الأردنية، ذلك ما يشير إلى أن عمان فقدت الأمل في أن عودة العلاقات مع دمشق يمكن أن تساهم في نجاح التّحديات الأمنية، خاصة وأن دمشق لا تستطيع التحكم في النفوذ الإيراني المتصاعد في سوريا.

بالتأكيد فإن موافقة واشنطن على مساعدة الأردن في هذه المسألة ستؤثر بشكل كبير على ملف التطبيع بين عمان ودمشق، ورغم أن الجانب الأميركي لم يتطرق حتى الآن إلى هذا الحديث، إلا أن المسؤولين الأميركيين أعلنوا في مناسبات عديدة رفض بلادهم القاطع لمحاولات التطبيع التي بدأت خلال العام الماضي من قبل بعض الدول العربية وكان من بينها الأردن.

بحسب تقرير لوكالة “رويترز” فإن الأردن يريد مزيدا من المساعدات الأميركية،  لتعزيز الأمن على الحدود، وقد قدمت واشنطن فعلا في وقت سابق مساعدات بقيمة نحو مليار دولار، لإنشاء مراكز حدودية على الخط الفاصل بين سوريا والأردن، وفي حال وافقت واشنطن على الطلب الأردني فإن مزيدا من المراكز الأمنية يمكن لواشنطن إقامتها لكبح جماح الميليشيات الإيرانية في المنطقة.

تجدر الإشارة إلى أن أوستن وصل إلى الأردن، في مستهل زيارة لعدد من دول المنطقة بينها مصر وإسرائيل، لبحث التهديدات الإيرانية المتصاعدة في المنطقة، مع الحلفاء الإقليميين الرئيسيين، خاصة بعد تصاعد نشاط إيران النووي، الأمر الذي زاد من حدة التهديدات الإسرائيلية بشن ضربات عسكرية ضد مواقع إيران النووية.

ملف الحدود المشتركة

الباحث في العلاقات الدولية الدكتور إياد المجالي، رأى أن الأردن يحاول استثمار كافة أدواته السياسية لمواجهة الخطر الناتج عن الاختراق الأمني في حدوده المشتركة مع سوريا، مشيرا إلى أن الأردن يعطي أولوية للحوار الدبلوماسي مع دمشق، لكن الأخيرة عجزت عن الحدّ من عمليات التهريب وهو أمر خارج سلطتها.

المجالي قال في حديث خاص مع “الحل نت”، إن “السلطات الأردنية تستثمر أدواتها السياسية لمواجهة التحديات الأمنية من بؤرة الاختراق الأمني على الحدود الشمالية، والمتمثلة بعصابات وميليشيات مسلحة تعمل بشكل مكثف على تهريب المخدرات وممارسة الجرائم الإنسانية في تلك المناطق”.

أما طلب المساعدة من الجانب الأميركي، فجاء باعتبار أن الولايات المتحدة ما تزال من أبرز الفاعلين في المؤثرين بتلك المنطقة، خاصة وأن جولة وزير الدفاع الأميركي جاءت بالأصل لمناقشة المخاطر الناتجة من وجود وتوسع الميليشيات الإيرانية في دول الشرق الأوسط، وهي المسؤولة  بشكل أساسي عن إدخال المخدرات إلى الأردن.

دخول واشنطن على خط مساعدة الأردن في مواجهة التحديات الأمنية على حدودها الشمالية، سيعني بشكل أو بآخر فشل جميع محاولات إعادة العلاقات بين عمان ودمشق، فمن المتوقع أن تشترط واشنطن على الأردن وقف كافة محاولات التطبيع مع دمشق، من أجل مساعدتها على إرساء الأمن والاستقرار على الحدود المشتركة.

ملف التطبيع إلى النهاية؟

الجانب الأميركي أعلنها مرات عدة أنه يرفض جميع محاولات التطبيع الإقليمية مع دمشق، بل وقد هدد في أعقاب كارثة الزلزال، كل من يحاول استغلال الكارثة من أجل إعادة دمشق إلى الدائرة الإقليمية بعقوبات مماثلة وفق قانون “قيصر”، الأمر الذي أدى بكثير من الدول إلى إعادة حساباتها قبل إتمام عملية التطبيع.

قد يهمك: قصف إسرائيلي يستهدف مطار حلب.. المساعدات الإيرانية سبب تصعيد تل أبيب؟

قضية المخدرات هي من أبرز القضايا التي أرّقت الأردن خلال السنوات القليلة الماضية، فالاشتباكات المستمرة على الحدود المشتركة بين الأردن وسوريا بين القوات الأردنية وميليشيا تهريب المخدرات، تظهر مدى إصرار تلك الميليشيات على تهريب المخدرات نحو الأردن، وذلك على الرغم من تشديد الحراسة الأردنية وضبط كميات كبيرة بشكل دوري من المواد المهرّبة.

الأردن يواجه صعوبات كبيرة في إيقاف تدفق المخدرات إلى أراضيه، لا سيما مع إصرار الميليشيات المتمركزة على الحدود من الجانب السوري على تهريب المخدرات، بالرغم من كل الضربات التي يوجهها حرس الحدود الأردني، الذي أكد أن الحرب على المخدرات جزءا من الأمن القومي والوطني، حيث تتواصل محاولات تهريب الحبوب المخدرة من سوريا باتجاه الدول الخليجية عبر الأردن.

اتجاه الأردن إلى استثمار علاقاته مع واشنطن من أجل مواجهة قضية المخدرات، سيشكل بدوره ورقة ضغط إضافية على دمشق التي حاولت إعادة علاقاتها مع عمان مستغلة الحدود المشتركة، إلا أن دمشق فشلت في تقديم أي ضمانات أمنية لعمّان من أجل استمرار العلاقات التي بدأت بزيارات واتصالات متبادلة، لكنها فشلت بالنهاية في الوصول إلى أي نتيجة.

الحكومة الأردنية، حاولت كذلك أن تسلك المسارات الدبلوماسية، مدفوعة بالتحديات الأمنية على حدودها، حتى لجأت إلى الجانب الروسي، الذي لم يلتزم بتعهداته المتمثلة بإبعاد الميليشيات الإيرانية عن المناطق الجنوبية، وبالتالي معالجة قضية انتشار المخدرات على الحدود الأردنية السورية.

كذلك حاول الأردن جمع توافق عربي خلال العام الماضي، بشأن التوصل إلى مبادرة عربية للمساهم في دفع العملية السياسية في البلاد، ما قد يساعد على حل المشاكل الأمنية في الجنوب السوري، لكن الرفض المتواصل من قبل دمشق لجميع المبادرات السياسية، يبدو أنه دفع بالأردن إلى استخدام آخر أوراقه المتمثلة باللجوء إلى الجانب الأميركي.

في النهاية فقد أظهر فشل جميع المحاولات الأردنية، مدى خروج الميليشيات الإيرانية الموجودة على الأراضي السورية، عن سيطرة القيادة المركزية في دمشق، وهي رسالة على ما يبدو إلى كل الدول التي تسعى إلى إعادة علاقاتها مع دمشق، أن الأخيرة لم تعد تملك ما تقدمه على الصعيد الإقليمي والدولي، في ظل الهيمنة لكلّ من الجانب الإيراني والروسي على البلاد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة