خلال الأيام القليلة الماضية، ارتفعت مؤشرات احتمالية أن تشن إسرائيل غارات على أماكن تمركز الميليشيات الإيرانية والمرافق التي تستخدمها لنقل معداتها عادة في الشمال السوري، في وقت تحدثت فيه تقارير عن استغلال إيران لملف المساعدات الإنسانية لنقل معدات وأسلحة عبر الطرق البرية والمطارات السورية.

التصعيد الإسرائيلي ضد إيران في سوريا له العديد من المؤشرات، ففضلا عن ملف نقل إيران لمعدّات عسكرية وأسلحة نحو سوريا وميليشيا “حزب الله” اللبناني، فإن التعقيدات التي حاوطت الملف النووي الإيراني، سيجعلها ربما تتحرك بمفردها خلال المرحلة الراهنة لردع المخاطر الإيرانية في الشرق الأوسط.

أسباب التصعيد الإسرائيلي

الميليشيات الإيرانية عمدت خلال الأسابيع القليلة الماضية، إلى السيطرة الكاملة على المساعدات الإنسانية التي تصل إلى حلب، وقد أكدت تقارير وشهادات أن المجموعات الإيرانية أشرفت على إفراغ وتوزيع معظم قوافل المساعدات التي وصلت إلى مطار حلب الدولي، فهل استغلت إيران كارثة الزلزال وملف المساعدات لنقل معدات وأسلحة، الأمر الذي أدى بطبيعة الحال إلى تصعيد عسكري إسرائيلي.

التصعيد الإسرائيلي عبّرت عنه الطائرات الإسرائيلية، عندما نفذّت ليل الثلاثاء هجوما بالصواريخ استهدف مطار حلب الدولي، ما أسفر عن خروج المطار عن الخدمة، وقد أكدت وكالة “سانا” المحلية في سوريا، أن مصدر القصف طائرات إسرائيلية هاجمت المنطقة من جانب البحر المتوسط، في وقت لم تعلن إسرائيلي تبنيها للعملية، وهي السياسة التي تتبعها تل أبيب في معظم عملياتها ضمن الأراضي السورية.

الهجمات الإسرائيلية سبقتها بأيام، تحركات إيرانية غير اعتيادية تحت غطاء “نقل المساعدات”، حيث وصلت خلال الأيام الماضية، أكثر من 14 طائرة إيرانية، قالت وسائل إعلام سورية محلية إنها تحمل “مساعدات طبية وغذائية وإغاثية”، وهبطت في مطارات حلب ودمشق واللاذقية، في وقت أكد فيه محللون أن مطار حلب تحول إلى وجهة سالكة وآمنة لتهريب الأسلحة من قبل إيران خلال فترة نقل المساعدات لمتضرري الزلزال.

الباحث في الشأن الإيراني مصطفى النعيمي، رأى أن التصعيد الإسرائيلي ضد الميليشيات الإيرانية مرتبط بخطوط حمراء سابقة  لتل أبيب، بعدم تجاوز إيران لفائض قوة معين في سوريا، معتبرا أن استغلال إيران لملف المساعدات من أجل تقوية نفوذها وتدعيم قواتها على الأراضي السورية استفز بطبيعة الحال الجانب الإسرائيلي الذي لم يتأخر بالرد.

خطوط حمراء تجاوزتها إيران

النعيمي قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “إسرائيل وعلى لسان مسؤوليها في الحكومات المتعاقبة أعلنتها ولأكثر من مرة، أنها ستستهدف فائض القوة الإيرانية في سوريا، لكن على ما يبدو الجانب الإيراني حتى هذه اللحظة لم يفهم الرسالة، وبات يستثمر في إدارته للكارثة إلى جانب النظام السوري، وأرسل شحنة أسلحة وربما أرسل القطع الأساسية المستخدمة في مشاريع تطوير الصواريخ الباليستية قصيرة المدى، وهذا يُعتبر خرقا للخطوط الحمراء التي رُسمت للدور الإيراني وحجم تموضعه في سوريا”.

بناء على التحركات الإيرانية، فإن حروب الاستنزاف ستبقى قائمة، كما أن إسرائيل لن تتوقف عن مهاجمة القواعد الإيرانية وشحنات الأسلحة التابعة لها، في حال لم تلتزم طهران بالخطوط الحمراء التي وضعتها إسرائيل والمتعلقة بحجم الانتشار الإيراني ومدى تسليحه في سوريا.

إيران عمدت إلى استثمار الكارثة لإنشاء جسر جوي بين طهران وحلب خلال الأسابيع الماضية، بهدف نقل أسلحة ومعدات عسكرية، كما استغلت طهران الكارثة لتوسيع نفوذها الداخلي في حلب، عبر الإشراف على توزيع المساعدات وإنشاء مراكز إيواء تابعة لها، وتشرف على اختيار العائلات التي يتم استقبالها في تلك المراكز.

عن ذلك أضاف النعيمي، “أرى أن سلاحَي الاستخبارات الإسرائيلي والأميركي، لم تهدأ عمليات سطعه الجوية في الجغرافيا السورية لا سيما مراقبة المطارات، وتأتي الضربة الأخيرة استكمالا للمشروع الإسرائيلي المرتكز على سياسة جز العشب، من خلال استهداف فائض القوة الإيرانية، وأعتقد أنه بموجب المعلومات الأميركية التي مُررت لإسرائيل، تم استهداف شحنة الأسلحة قبل أن يتم توزيعها على الميليشيات التابعة لمشروع إيران في سوريا وبالتالي استثمار الطائرات المدنية في إرسال الأسلحة إلى الميليشيات سيعرض تلك الطائرات لمخاطر كبيرة”.

قد يهمك: الجزائر ترفع إنتاج الغاز بـ 10 مليارات متر مكعب.. فشل الخطة الروسية لخفض الإنتاج؟

 لا يرغب أحد بتوسيع نطاق وتداعيات الاشتباك في سوريا، لكن الجانب الإيراني مصرّ على إرسال تلك الشحنات، التي يتم استهدافها بشكل دوري عبر سلاح الجو الإسرائيلي، وهنا لفت النعيمي إلى أن “إيران ستبقى تعمل على تسيير طرق التصدير الثلاث الجوية والبحرية والبرية في آن معا، من أجل إيصال ما يمكن من التكنولوجيا والمسيّرات لاستخدامها كمصدات عسكرية وأمنية متقدمة في الجغرافيا السورية، تحيد أي ضربة جوية للمفاعلات النووية الإيرانية”.

دور التحركات الإيرانية في التصعيد

استمرار التحركات الإيرانية، سيعني بالتأكيد مواصلة الهجمات الإسرائيلية على مواقع هذه التحركات بين الفينة والأخرى، وسيبقى الجانب الإسرائيلي يعمل منفردا ضد هذه التحركات، دون الرجوع إلى أية اتفاقية دولية سواء في مسار الملف النووي أو غيره، وبالتالي ترك الباب مفتوحا على مصراعيه من قبل الولايات المتحدة التي أفسحت المجال العملياتي للجانب الإسرائيلي بتنفيذ الغارات الجوية في سوريا.

 وفق النعيمي فإنه حتى المعلومات الاستخبارية التي يحصل عليها الجانب الإسرائيلي، تأتي في سياق التعاون المشترك المبرم بين الولايات المتحدة وإسرائيل في استهداف فائض القوة الإيرانية في سوريا، رغم أن إيران تحاول الالتفاف على تلك العقوبات الأممية بحق شركات الطائرات المدنية التابعة لـ “الحرس الثوري” والتي تستغل الفراغ الأمني بموجب تداعيات كارثة الزلزال إلا أن الجانب الإسرائيلي ما زال يتعامل مع الطائرات الإيرانية التابعة لـ “الحرس الثوري” الإيراني كأهداف ويتم متابعتها.

من ملامح استغلال إيران لكارثة الزلزال لتعزيز نفوذها في حلب،  حيث تصدرت خلال عمليات الإنقاذ شخصيات إيرانية المشهد في حلب على حساب مسؤولي الحكومة السورية، وأوضحت جولة القنصل الإيراني نواب نوري، بين الأحياء بعد حدوث الكارثة، مدى هيمنة النفوذ الإيراني في المحافظة السورية، وتبعتها أيضا جولة قائد فيلق “القدس” التابع لـ”الحرس الثوري” الإيراني، وبدى كأنه مشرفا على الآليات الإيرانية التي شاركت في عمليات الإنقاذ.

وفق تقارير صحفية، فإن شحنات المساعدات القادمة إلى حلب عبر مطار حلب الدولي، تم الإشراف على عمليات تفريغها ونقلها إلى المستودعات داخل الأحياء، من قِبل مجموعات تابعة لـ”لواء الباقر” التابع للميليشيات الإيرانية، وبالطبع كان لمراكز الإيواء التي افتتحتها إيران في حلب الحصة الأكبر من هذه الشحنات.

تجدر الإشارة إلى أنه بالتأكيد لا يمكن فصل الملف النووي عن العمليات العسكرية التي تنفذها إسرائيل ضد الميليشيات الإيرانية في سوريا، لذلك فإن أحد أبرز أسباب التصعيد المحتمل ضد المواقع الإيرانية في سوريا، سيكون نابع من تطورات الملف النووي، ومع إصرار إيران على تطوير برنامجها النووي، سيكون لإسرائيل عمليات إضافية ضد أي تحرك إيراني في سوريا.

بالتالي فإن معطيات المرحلة الراهنة، تشير إلى ارتفاع محتمل لعمليات القصف الإسرائيلي ضد المواقع الإيرانية في سوريا، خاصة مع تصاعد التحركات العسكرية الواضحة من قبل إيران استعدادا لعمل عسكري محتمل مرتبط بنشاطها النووي، ومع عدم قناعة الغرب بالخيار العسكري ضد إيران، فإن إسرائيل ستبقى منفردة بالتصدي لإيران عبر العمليات العسكرية المركزة وغيرها من أساليب عمليات الاغتيال واستهداف المنشآت النووية في العمق الإيراني.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.