لا يزال “البنك المركزي” العراقي، يسعى لضبط سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي، منذ شهر شباط/فبراير الماضي، حيث تم إطلاق الحزمة الثالثة لتسهيل إجراءات الحصول على الدولار، أول أمس الثلاثاء، على خلفية الارتفاع في أسعار الصرف الذي تشهده الأسواق الموازية منذ تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، لكن لم يتضح بعد إن كانت هذه الإجراءات كافية لإعادة التوازن لأسعار الصرف أم لا.

فمنذ نحو أربعة أشهر تشهد أسعار صرف الدولار في العراق ارتفاعا وصلت إلى مستويات قياسية منذ العام 2004، وعلى الرغم من الإجراءات الحكومية لا يزال التباين في سعر الصرف قائما حتى الآن، حيث يتجاوز سعر الدولار في الأسواق الموازية السعر الرسمي الذي حدده “البنك المركزي” بأكثر من 20 نقطة.

كل ذلك على خلفية القيود التي فرضها “البنك الفيدرالي” الأميركي، على تعاملات العراق الاقتصادية في سياق الحد من وصول الدولار للدول التي تقع تحت العقوبات مثل إيران وسوريا ولبنان، وكذلك نتيجة لإجراءات “المركزي” العراقي بمنع عدة مصارف أهلية من دخول “مزاد بيع العملة” بعد تحذيرات من وزارة الخزانة الأميركية من أنها ضالعة في تهريب العملة الصعبة، بالإضافة إلى فرض منصة إلكترونية لبيع الدولار والحوالات الخارجية.

إجراءات حكومية

بناء على ما تقدم، قررت الحكومة العراقية في مطلع الشهر الماضي، خفض سعر الدولار من 1460 دينار لكل دولار، إلى 1300 دينار، غير أن أسعار الدولار استمرت في الارتفاع إلى نحو 1530 دينار مقابل الدولار الواحد، الأمر الذي يعزوه خبراء إلى قلة تراجع مبيعات “مزاد العملة”.

“مزاد العملة”، هي نافذة يعتمد “البنك المركزي” عليها منذ سنوات كأحد أدوات تثبيت سعر صرف الدينار ومنع المضاربة به، حيث يسمح “المركزي” للبنوك الخاصة والأهلية وشركات التحويل المالي والصرافة المرخصة بالدخول في “مزاد العملة” لشراء الدولار بالسعر الرسمي لتبيعه فيما بعد مع الأرباح بفارق نقطة عن سعر الشراء، إلا أن كثيرا ما شابت هذه العملية الاتهامات بالفساد، فضلا عن ما يصفه متخصصون بوسيلة لاستنزاف العملة الصعبة، ووسيلة بدائية يمكن الاستعاضة عنها بطرق أكثر حداثة للحفاظ على قيمة الدينار العراقي، لاسيما فيما يتعلق بتحولها إلى نافذة لتهريب العملة.

اقرأ/ي أيضا: شراكة الجزائر والصين.. تحدٍ جريء ضد استراتيجية الشمال الإفريقي؟

في غضون ذلك، ومع استمرار تباين أسعار صرف الدولار، جاءت الحزمة الثالثة لتسهيل إجراءات الحصول على الدو، بهدف تسهيل الحصول على الدولار للمواطنين الراغبين في السفر إلى الخارج، حيث سيتم احتساب سعر الصرف الرسمي البالغ 1320 دينار لكل دولار عن طريق بطاقة الدفع الإلكتروني المصدرة من الجهات المرخصة عند استخدامها في الخارج.

آلية حصول المواطنين الراغبين بالسفر على الدولار، ستكون من خلال البطاقات مسبقة الدفع، سواء كانت بالدولار أم الدينار، غير المرتبطة بحساب مصرفي، ما يجعلها في متناول اليد، وبسقف قدره 10,000 دولار قابلة لإعادة التعبئة، بحسب بيان صدر عن “المركزي”، وبين أنه يحق للمصرف وشركات الدفع الإلكتروني المرخصة الحق في إصدار هذه البطاقات.

كذلك الأمر سيشمل البطاقات الدائنة، لكن بالسقف الذي يحدده المصرف بحسب تصنيفه للزبون، مع إمكانية تعزيز ما تم استخدامه منه لاحقا، علما أن بطاقات الدفع المَدينة، وهي مرتبطة بحساب الزبون لدى المصرف بضمنها الرواتب الموطنة، والتي يمكن استخدامها للدفع بالدولار بحسب رصيد الزبون لدى المصرف، وعلى أساس سعر الصرف الرسمي للدولار.

من ذلك كله، ستكون حصة المسافر من الدولار النقدي بواقع 2000 دولار، وسيتم المباشرة بهذه الآلية ابتداء من يوم الأحد القادم، مع إمكانية استخدام البطاقات المذكورة بما يتيح للمواطنين تغطية طلباتهم من الدولار، ويجنب المواطن حمل كميات كبيرة من النقد، وبما ينسجم وتوجهات دول العالم لمغادرة استخدام النقد إلا في نطاق ضيق.

هل تسيطر إجراءات “المركزي” العراقي على سعر الدولار؟

إلى ذلك، ستستمر مبيعات “البنك المركزي” اليومية من الدولار النقدي إلى المصارف وشركات الصرافة وشركات التوسط ببيع وشراء العملة الأجنبية المجازة، بمستوياتها دون تخفيض، لغرض تأمين طلبات المواطنين للأغراض المبلغ بها، هذا وسيتم أيضا تغطية حوالات مستوردي الذهب واعتماداتهم للشركات المسجلة لدى “الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية” في وزارة التخطيط.

قبل ذلك، كان “المركزي” العراقي، قد أصدر حزمتين من التسهيلات لتلبية الطلب على الدولار في جانبي النقد والتحويلات الخارجية، وشملت التسهيلات زيادة سقف البيع النقدي لأغراض السفر، وتوسيع نطاق المعاملات المسموح بتمويلها بالعملة الأجنبية.

 بالإضافة إلى ذلك تسهيل وتوسيع إجراءات التحويلات الخارجية للشركات المسجلة في وزارة التجارة والمشاريع المسجلة في وزارة الصناعة والمشاريع الزراعية والحيوانية المرخصة، وفروع الشركات الأجنبية المسجلة لدى دائرة تسجيل الشركات في وزارة التجارة الاتحادية، والمشاريع الاستثمارية بجميع أنواعها المرخصة من هيئات الاستثمار والمكاتب العلمية المرخصة أصوليا من نقابة الصيادلة.

اقرأ/ي أيضا: مشاريع بكين في العراق.. التقاطع المظلم للمال الإيراني والتوسع الصيني

اليوم ورغم تغيير سعر الصرف وإطلاق ثلاث حزم لتسهيل إجراءات الحصول على الدولار، إلا أن الفجوة لا تزال كبيرة بين السعر المحدد وبين ما يُباع في الأسواق، حيث أفاد متعاملون في سوق الصيرفة العراقية بأن سعر صرف الدينار سجل صباح أمس الأربعاء، ارتفاعا جديدا إلى نحو 157 ألف دينار عراقي مقابل الـ 100 دولار، بعد يوم واحد من إطلاق الحزمة الثالثة لتسهيل الحصول على الدولار.

علاوة على ذلك، لا يزال المعروض من الدولار في الأسواق العراقية محدودا، حيث يتم تداوله في نطاق محدود، ويواجه المواطنون صعوبات كبيرة في الحصول على ما يحتاجونه من الدولار، وبأسعار تتجاوز السعر الرسمي. 

تعليلا لذلك، يرى خبراء ومتخصصون في السياسيات المالية، أن الحكومة استعجلت في قرارها بتغيير سعر الصرف، لأن أزمة العملة لا تتعلق بسعر الصرف، والمعالجات ليست بقرار تغيير سعر الصرف، إذ إنها تتعلق بتهريب العملة إلى الخارج، بالتالي أن الإجراءات الحكومية والمالية من دون إيجاد حل لهذه المسألة لن ينفع بإعادة السعر الطبيعي لسوق الصرف.

تهريب العملة يفاقم من أزمة الاقتصاد العراقي

في مقابل ذلك، فإن السوق العراقي الآن يعاني الكثير من مشاكل الركود والعجز الاقتصادي، بسبب الأموال المهربة إلى الخارج، كما أنه ليست هناك استثمارات داخلية توظف للمجالات الإنتاجية والتجارية، مما زاد من مستويات الفقر والانخفاض الحاد في الطلب على السلع بسبب تهريب الأموال العراقية إلى الخارج.

إلى ذلك، تُقدر تخمينات أميركية حجم التحويلات المالية العراقية المهربة، حسبما نشرته مجلة “واشنطن إكزامنر” في شباط/فبراير الفائت، بثلاثمئة مليار دولار خلال ثماني سنوات، بين 2012 و2020، وهذه الأموال حولت بالدولار الأميركي عبر دول عديدة، كما أفادت تقارير رسمية أوردتها المجلة، أن “الحرس الثوري” الإيراني، هو المستفيد الأكبر من هذه الأموال، وفق ما نقله موقع “سكاي نيوز” عربي.

وفقا لذلك، استمرت هذه التحويلات حتى شهر تشرين الثاني/نوفمبر العام الماضي، ليقرر “مجلس الرقابة المالية ومكافحة تمويل الإرهاب” التابع لوزارة الخزانة الأميركية الحد من خطورتها، وبدأ يمارس ضغوطا على الحكومة العراقية من أجل إيقافها، ونتيجة لتلك الضغوط، بدأ “البنك المركزي” العراقي، باستخدام نظام التحويل الإلكتروني الذي يتطلب إدراج تفاصيل دقيقة عن المتسلمين النهائيين للأموال المحولة.

وفقا لتقارير سنوية سابقة، عُدت التحويلات المالية الدولية والمحلية إحدى أكثر الأدوات استخداما لغسل الأموال للأعوام 2019 و2020 و2021، وتبدو هذه الأرقام متطابقة إلى حدّ ما مع ما تحدث عنه في وقت سابق، عضو لجنة النزاهة النيابية في “مجلس النواب” العراقي، النائب هادي السلامي بشأن خسائر العراق من عمليات غسل الأموال.

النائب العراقي أشار إلى إحدى تلك الحالات، وهي أنه في عام 2020 فقط باع “البنك المركزي” 40 مليار دولار أميركي في مزاد بيع العملة، والتي يفترض أن تقابلها القيمة ذاتها من الاستيرادات بـ 40 مليار دولار، لكن قيمتها بلغت 14 مليار دولار فقط، وهذا يعني أن قيمة عمليات الفساد قُدرت بنحو 23 مليار دولار أميركي في العام المذكور.

في عام 2021 بلغ حجم العملة المبيعة في المزاد 30 مليار دولار أميركي، في حين بلغت قيمة الاستيرادات 13 مليار دولار فقط، والفارق بينهما، بحسب السلامي، يمثل ما يخسره العراق من عمليات غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

بحسب المعطيات، فإن الحديث عن جدوى الحزم التي يطلقها “المركزي” العراقي، أملا في السيطرة على أسعار صرف الدولار، قد يكون بعيد المنال، لاسيما في ظل الحديث عن استمرار تهريب العملة عبر ما بات يُعرف بالـ “حوالات السوداء”، وهي التي تتم عبر البر أو الجو، متجاوزة القيود المفروضة على الحوالات الخارجية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.