ما إن حسمت وطئ قدمها في مجال الطاقة، يبدو أن بكين عادت لتوسع نفوذها في العراق، هذه المرة من خلال مشاريع البنى التحتية، حيث استحوذت بكين على معظم مشاريع خطة حل الاختناقات المرورية في العاصمة بغداد والتي أطلقتها الحكومة العراقية مطلع الأسبوع الحالي، لكن هذا التوسع السريع فتح باب السؤال على إذا ما كانت هناك مصلحة إيرانية في الأمر.

فبينما لم يكشف النقاب عن أي تفاصيل عن ما يزعم أنها اتفاقية صينية عراقية بشأن عقود البنى التحتية في البلاد، تستحوذ الشركات الصينية على مشاريع جديدة بالإضافة إلى مشاريع بناء المدارس، ومـن بين المشاريع الجديدة كانت حصة الأسد لبكين في الحزمة الأولى لمشاريع فك الاختناقات المرورية.

الأحد الماضي، أطلقت الحكومة العراقية، أول حزمة إجراءات متعلقة بمعالجة فك الاختناقات المرورية التي تعاني منها العاصمة بغداد منذ ما بعد العام 2003، حيث تستهدف تلك الخطة التي تعد الأكبر من نوعها حل أزمة الزحامات المزمنة التي تشهدها العاصمة بغداد يوميا، من أول ساعات الصباح وحتى المساء بسبب تضخم سكان المدينة وملايين السيارات التي تجوبها.

ماذا تضمنت مشاريع فك الاختناقات المرورية؟

الحزمة الأولى من تلك الإجراءات تمثلت بإنشاء جسور ومجسرات وأنفاق، فضلا عن تطوير عدد من التقاطعات والساحات، إذ تعد مشاريع المجسرات ضرورية لا سيما في ظل حاجة العاصمة بغداد إلى تنفيذ حلول دائمة لمسألة الزحمة المرورية، خصوصا في ظل استمرارها بتعطيل حياة المواطنين، حيث بات كل موظف بحاجة لساعتين للوصول إلى مكان عمله بسبب تلك الاختناقات، بحسب رئيس الحكومة العراقية.

الخطة تتكون من 19 مشروعا جديدا كمرحلة أولى لحل الاختناقات المرورية؛ استحوذت الشركات الصينية على 17 مشروع في منها بحسب صحيفة “الصباح” الرسمية، ومقرها العاصمة بغداد، في حين ذهبت المشاريع الأخرى لشركات عراقية وتركية بشكل محدود. وتتعلق المشاريع جميعها بتطوير واستحداث الطرق والجسور والمجسرات في مدينة بغداد في جانبي الكرخ والرصافة، فضلاً عن الطرق الخارجية التي تربط العاصمة بالمحافظات الوسطى والشمالية والغربية.

اقرأ/ي أيضا: مغادرة المغرب “القائمة الرمادية” لتمويل الإرهاب.. ماذا يعني ذلك؟

وزير الإعمار والإسكان بنكين ريكاني، أعلن أن المباشرة بالمشاريع ستبدأ بعد شهرين من الآن، بكلفة تقدر بـ 3 تريليونات دينار، أي ما يعادل 2.2 مليار دولار، مبينا أن بعض المشاريع سيتطلب العمل بها 24 ساعة لإنجازها، وكل مشروع يتطلب من تسعة إلى 18 شهرا لإكماله، هذا ويتم العمل على هذه المشاريع بمعية استشاري دولي مرموق في مجال تصميم هذه المشاريع.

استحواذ الشركات الصينية على معظم المشاريع، علله المستشار المالي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح، بالقول إن العراق يرتبط رسميا بـ “اتفاق إطاري” مع الحكومة الصينية، وإن تلك المشاريع تندرج ضمن ذلك الاتفاق، موضحا أن توقيع “الاتفاق الإطاري” والملاحقة الحسابية والنفطية بين الطرفين العراقي والصيني تم خلال عامي 2018 و2019، مبينا أن جانبا من ذلك الاتفاق يتولى تمويل تنفيذ مشاريع عمرانية من جزء من رصيد عائدات النفط المصدر إلى الصين وبواقع 100 ألف برميل نفط يوميا.

صالح يقول إن الحكومة خصصت جزءا من العائدات النفطية المصدرة إلى الصين للصرف على المشاريع الخدمية المرتبطة بالبنى التحتية ذات العلاقة المباشرة التي تمس حياة الشعب، مشيرا إلى أن هذا الأمر يتم وفق البرنامج الوزاري سواء في العاصمة بغداد أو عموم محافظات العراق، مشيرا إلى أن تخصيص جزء من مواد عائدات النفط مقابل الإعمار ليس أمرا غريبا بموجب “الاتفاق الإطاري” مع الصين.

بيد أن اتفاق العراق مع الصين والمعروف باسم “النفط مقابل الإعمار”، دخل حيز التنفيذ العام الماضي، عبر مشروع بناء 1000 مدرسة في المحافظات العراقية المختلفة، إلا أن الكثير من الاقتصاديين وحتى سياسيين عراقيين شككوا في جدوى المشاريع الناتجة عن الاتفاقية هذه ومدى إمكانية تنفيذ بنودها.

الاتفاقية العراقية-الصينية أعلن عنها للمرة الأولى في زمن رئيس الوزراء الاسبق حيدر العبادي، ومن ثم عند زيارة رئيس الوزراء الاسبق عادل عبد المهدي إلى بكين في أيلول/سبتمبر ،2019 وتشمل مجالات الطاقة وإعادة الإعمار والجسور ومشاريع الإسكان وغيرها، إلا أن أولى خطوات الاتفاقية ترجمت على أرض الواقع في عهد حكومة مصطفى الكاظمي عبر مشروع بناء الـ 1000 مدرسة.

ما علاقة إيران باستثمار الصين في العراق؟

ربطا بمشروع المدارس الذي لا يزال الحديث يجري عن تلكؤه، بل والذي كثيرا ما تحدث سياسيين، بأن الصين أحالته إلى شركات غير معروفة منها من تلقى المنحة الأولى وترك المشروع المكلف بإنجازه. بجانب الحديث عن التفاف صيني إيراني حاول من خلاله الطرفان الاستثمار في إطار الاتفاقية العراقية الصينية لإيجاد مخرج لطهران للتخفيف من العقوبات الدولية المفروضة عليها، في أن تتبنى الصين المشاريع وتأخذ الشركات الإيرانية مسؤولية تنفيذها، يعود الحديث مجددا حول إمكانية أن تكون لإيران مصلحة في مشاريع فك الاختناقات المرورية عن بغداد.

علاوة على ذلك، فإن الحديث يجري عن احتمالية محاباة صينية لإيران، من خلال إتاحة المجال للاستفادة من هذه المشاريع للتخفيف عن عزلتها الدولية، وذلك مقابل التخفيف من حالة الانزعاج والتوتر التي صدرت من قبل الجانب الإيراني تجاه حليفه الصيني بعد توسعة نفوذه في منطقة الخليج من خلال توقيع العديد من الاتفاقيات الاقتصادية مؤخرا.

تعليقا على ذلك، شرح الخبير السياسي العراقي علي البيدر في حديث لموقع “الحل نت”، بالقول، إنه على الرغم من اتفاقه حول العداء الصيني الإيراني للغرب والتحالف فيما بينهما، إلا أنه استبعد أن احتمالية أن تسمح بكين لحليفتها طهران وشركاتها في الاستفادة من هذه المشاريع بأي شكل من الأشكال، مبينا أن الصين تعتبر دولة براغماتية من حيث الجانب الاقتصادي، بالتالي هي تسعى إلى تحقيق أرباح لصالحها من هذه المشاريع كما أنها تذهب إلى أطراف الأرض لتنفيذ مشروع قد يعود إليها بأرباح لن تصل سوى إلى بضع ملايين الدولارات.

اقرأ/ي أيضا: تصاعد معدلات الجريمة أضعاف الإرهاب في العراق.. ما الخلل؟

لذلك فإن الصين لن تتيح المجال للشركات الإيرانية الاستثمار في هذا الجانب، لافتا إلى إمكانية حصول ذلك إلا في حال وجود تدخل عراقي، على الرغم من أن هذه الأمر منطقيا مستبعدا في الوقت الحالي، وعليه فإن بكين ومع مساعيها إلى الاستثمار في أرباح هذه المشاريع فلن تحابي طهران على أي حساب كان في هذا الجانب، ولذلك فإن دخول إيران على خط مشاريع فك الاختناقات المرورية أمرا مستبعد، وفي حال حدوثه فقد يحدث من خلال نافذة عراقية، على حد قول البيدر.

هذا ويشهد النفوذ الصيني توسعا ملحوظا في العراق في الآونة الأخيرة، فإلى جانب الاستحواذ على مشاريع فك الاختناقات المرورية وما سبقها من مشروع الـ1000 مدرسة، اتخذت الصين خطوات أكثر جرأة لتوسيع نفوذها الاقتصادي والاستثماري النفطي في العراق، حيث حصلت ثلاث شركات صينية على عقودا نفطية ضمن جولة التراخيص الخامسة بالرُّقع الاستكشافية والحقول الحدودية العراقية خلال الأيام القليلة الماضية.

العقود شملت استكشاف وتطوير وإنتاج الرقعة الاستكشافية “نفط خانة” في محافظة ديالى شرق العاصمة بغداد، وكان ذلك من حصة شركة “جيو جيد” الصينية، فيما حصلت شركة “جيو جيد” الصينية أيضا، على عقد تطوير وإنتاج حقل “الحويزة” النفطي في محافظة ميسان جنوبي البلاد، أما في محافظة البصرة أقصى الجنوب فقد تمت إحالة تطوير وإنتاج حقل “السندباد” النفطي إلى شركة “يو أي جي” الصينية كذلك.

توسع النفوذ الصيني في العراق

إضافة إلى ذلك، تحدثت تقارير غربية عن أن شركة “بتروجاينا” الصينية تسعى لأن تكون المشغّل الرئيسي لحقل “غرب القرنة 1” النفطي العملاق، وذلك في الوقت الذي تقترب فيه شركة “إكسون موبيل” الأميركية من مرحلة بيع حصتها في الموقع والتي تبلغ نسبتها 32.7 بالمئة من قيمة الأسهم.

تضم منطقة غرب القرنة الغنية بالبترول حقلي نفط كبيرين؛ هما “غرب القرنة 1” و”غرب القرنة 2″، وبحسب التقرير الأميركي يُعتقد أن “غرب القرنة 1” يحتوي على حوالي 9 مليارات برميل من احتياطات النفط، بيد أن وزارة النفط العراقية قالت في أوائل عام 2019، إن احتياطيات الحقل القابلة للاستخراج تزيد عن 20 مليار برميل، فيما قدّرت “وكالة الطاقة الدولية” حجم احتياطات الحقل بحدود 43 مليار برميل.

في مقابل ذلك، كان من المفترض أن يُمنح عقد تطوير حقل “غرب القرنة 1” فقط لشركة هندسة البترول والإنشاءات الصينية “تشاينا بتروليوم” في منتصف عام 2021، وكان العقد الهندسي الذي تبلغ قيمته 121 مليون دولار يهدف في البداية إلى تحديث المرافق المستخدمة لاستخراج الغاز المصاحب للبترول أثناء إنتاج النفط الخام، لكن المشروع توسع وعمق في نطاقه وحجمه ليشمل الأهداف التي تتوافق مع أنشطة شركة “بتروجاينا” الصينية، بحسب تحليل لخبير الطاقة البريطاني سايمون واتكنز، عن أسواق النفط العالمية.

إذ تم استخدام نموذج العقد الهندسي نفسه لمنح شركة “البترول الصينية” تطوير “حقل مجنون النفطي”، بعدما قررت شركة “شل” البريطانية الخروج من تطوير الحقل في عام 2017، لكن قبل منح الشركة الصينية العقد، تم توقيع عقدين لصالح الصين، كان أحدهما مع شركة “هيلونغ أويل للخدمات والهندسة” لحفر 80 بئرا بكلفة 54 مليون دولار، والآخر مع شركة الحفر العراقية بمساعدة صينية لحفر 43 بئرا بكلفة 255 مليون دولار، بحسب التقرير الأميركي.

إلى ذلك، وبعد فترة وجيزة من هذه العقود، دخلت شركة “أنتون أويل” الصينية كمستثمر أيضا في النفط العراقي، حيث وقّعت عقد إدارة مشروع وخدمات التطوير بـ “حقل مجنون” المقدرة احتياطاته بنحو 38 مليار برميل من النفط، وحاليا تسعى الشركات الصينية لزيادة إنتاج النفط من “حقل مجنون” من مستواه الحالي البالغ حوالي 240 ألف برميل يوميا إلى 600 ألف برميل يوميا بحلول عام 2026.

بالعودة إلى زحامات بغداد، فإن الشركات الصينية التي تم الاتفاق معها لتنفيذ المشاريع هي شركة “ترانس تك الهندسية”، وشركة “المجموعة السادسة للسكك الحديدية الصينية المحدودة”، و”شركة هندسة الدولة الصينية المحدودة”، و”شركة بناء المواصلات الصينية المحدودة الدولية”، و”شركة النهر الأصفر”، وفقا لتقارير.

في ظل هذا المشهد، فمن الواضح جليا أن الصين تكثف جهودها في زيادة تواجده داخل العراق، وذلك عبر الشركات الاستثمارات والاتفاقيات الاقتصادية، مستغلة الحاجة العراقية إلى تنفيذ المشاريع الخدمة والاقتصادية على حدة سواء، لاسيما فيما يتعلق بمجالات الخدمات والنفط الذي يمثل أكثر من 92 بالمئة من واردات الدولة العراقية، غير أنه ووفق تجربة مشروع الـ 1000 مدرسة، فلا يبدو واضحا ما إذا سيستفيد العراق من هذه الشراكة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة