في خطوة اعتبرتها المغرب غاية الأهمية، أعلنت مجموعة العمل المالي “فاتف” منذ أسبوعين، إزالة المغرب مما يسمى بـ”اللائحة الرمادية”، المعنية بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وجاء هذا القرار بناء على توصيات خبراء مجموعة العمل المالي، تأسيسا على زيارتهم الميدانية للمغرب في كانون الثاني/يناير من العام الحالي.

الإعلان عن القرار تم في نهاية اجتماع استمر ثلاثة أيام للهيئة العامة، التي تتخذ من العاصمة الفرنسية باريس مقرا لها، برئاسة السنغافوري، راجا كومار. وذلك بعد أن تمّ تحليل عمل السلطات القضائية، وتعمل الجهات القضائية الخاضعة لإشراف خاص مع مجموعة العمل المالي لمعالجة أوجه القصور الاستراتيجية في أنظمة مكافحة غسل الأموال.

بموجب القرار لم يعد المغرب يخضع لمثل هذا الإشراف الخاص من مجموعة العمل المالي. حيث أكدت المجموعة أنها أكملت خطة العمل مع المملكة المغربية، والتي صاحبتها إصلاحات رئيسية. إذ قررت الجلسة العامة، تنفيذ هذه التدابير التقدم بطريقة مستدامة، وأن هناك الالتزام السياسي اللازم لضمان ذلك التنفيذ في المستقبل.

مكاسب للمغرب بعد المغادرة؟

خروج المغرب من اللائحة الرمادية سيكون له تأثير إيجابي على التصنيفات السيادية وتصنيفات البنوك المحلية. فضلا عن أنه سيعزز صورة المغرب وتموقعه في المفاوضات مع المؤسسات المالية الدولية. إضافة إلى ما سيكتسبه من ثقة المستثمرين الأجانب في الاقتصاد الوطني، بحسب ما أفادت به الحكومة المغربية.

الحكومة المغربية اعتبرت أن تقرير مجموعة العمل المالي تضمّن خلاصات إيجابية، بناء على زيارتهم الميدانية للمغرب في كانون الثاني/يناير 2023. كما أن المجموعة ثمّنت التزام المغرب مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في الآجال المحددة. فيما رأت أن قرار مغادرة المغرب لمسلسل المتابعة المعززة، أو ما يُعرف بـ”اللائحة الرمادية”، جاء تتويجا للجهود والإجراءات الاستباقية المتخذة من جانب البلاد، في شأن التدابير التشريعية والتنظيمية والخطوات التحسيسية والرقابية، التي حرصت على تنزيلها مختلف السلطات والمؤسسات المعنية بتنسيق من الهيئة الوطنية للمعلومات المالية، وبشراكة مع الأشخاص الخاضعين والقطاع الخاص.

بناء على ذلك، جددت الحكومة المغربية التزامها القوي بمواصلة تعزيز المنظومة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب انسجاما مع تطور المعايير الدولية ذات الصلة، معتبرة أن هذا الالتزام أضحى ذا طابع استراتيجي ومؤسساتي يسعى لحماية النظام المالي الوطني من أخطار الجرائم المالية.

اقرأ/ي أيضا: تسميم الطالبات.. محاولة أخرى لمنع الفتيات من التعلم في إيران؟

في الأثناء، قال مسؤول في “البنك المركزي” المغربي الشهر الماضي، إن وضع تلك المعايير من شأنه أن يدفع نحو الخروج من “القائمة الرمادية” للبلدان الخاضعة لتدقيق خاص، ويصب حتما في مصلحة جهود الرباط لاستعادة تصنيف استثماري أعلى، في حين نقلت “رويترز” عن وثيقة، أن المغرب أعلن عن خطط لإصدار سندات بالدولار وكلّف بنوك “بي إن بي باريبا” و”سيتي بنك” و”دويتشه بنك” و”جيه بي مورجان” بالإشراف على الاكتتاب وترتيب اجتماعات مع المستثمرين.

مجموعة العمل المالي تُعدّ منظمة حكومية دولية استُحدثت عام 1989 في فرنسا، ومهمتها وضع المعايير وتعزيز التنفيذ الفاعل للتدابير القانونية والتنظيمية والتشغيلية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ودعم انتشار التسلح والتهديدات الأخرى ذات العلاقة بنزاهة النظام المالي الدولي.

كما تضم المجموعة 39 عضوا، وتعهد أكثر من 200 بلدا وولاية قضائية بتطبيق مبادئها، في حين لم يطرأ أي تعديل على “القائمة السوداء” للدول التي تطرح مخاطر عالية بتبييض الأموال أو تمويل الإرهاب أو نشر أسلحة الدمار الشامل.

موقف المغرب من “اللائحة الرمادية”

تعليقا على القرار، قال مكتب رئيس الوزراء المغربي في بيان إن قرار المجموعة سيكون له أثر إيجابي على التصنيفات السيادية والبنوك المحلية، بالإضافة إلى تحسين صورة المغرب ومكانته الدولية وتعزيز ثقة المستثمرين الأجانب في البلد.

هذا وكان وفد من مجموعة العمل المالي قد حلّ بالمغرب في الفترة بين 16 و23 كانون الثاني/يناير الماضي، من أجل معاينة مدى تطبيق البلاد لالتزاماتها بمحاربة غسيل الأموال، مما دفع “البنك المركزي” المغربي نحو الرهان بقوة على مغادرة المملكة لـ “القائمة الرمادية” للملاذات الضريبية من أجل تحصيل امتيازات مالية واقتصادية عدة.

حول أهمية القرار، شرح الباحث في الشأن المغربي عبد المنعم الكزان، بالقول إن خروج المغرب من “اللائحة الرمادية”، أو من منطقة المتابعة المعززة، جاء نتيجة التزام المغرب بتوصية لجنة العمل المالي الدولية لسنة 2021، وذلك بعد مراقبة ميدانية لمجموعة من القطاعات الحكومية والشركات والبنوك، بالإضافة إلى دراسة الترسانة القانونية المغربية التي تمت إعادة تنظيمها خلال العامين الماضيين بما يتلاءم مع المتطلبات، لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وذلك سواء في مجال قوانين مراقبة تمويلات ومصاريف الجمعيات، أو مجال مراقبة دوران الأموال للشركات والأشخاص من حيث مصدر هذه الأموال وطريقة صرفها.

اقرأ/ي أيضا: ثلثي موازنة العراق لجيش الموظفين.. ماذا لو اضطرب سوق النفط؟

في حديث لموقع “الحل نت”، أوضح الكزان، أن هناك لائحة سوداء تضم دولا مثل إيران وكوريا الشمالية، فيما هناك لائحة رمادية لازالت تضم تركيا وجنوب إفريقيا على سبيل المثال، بالتالي قرار مغادرة المغرب عن اللائحة الرمادية. يعني أنها نالت تصويت حوالي 200 عضو يمثلون الدول والهيئات والمنظمات بالإجماع، لافتا إلى أن من إيجابيات هذا التصنيف هو تكريس اعتبار المغرب دولة شفافة ماليا مما يشجع على الاستثمارات الدولية، على اعتبار أن محاربة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، يسمح بالمنافسة الحرة والنزيهة لهذه الشركات أيضا.

الخبير في الشأن المغربي بيّن أيضا، أن ذلك يسمح بالرفع من مؤشر الثقة الذي يدفع بالرفع من قيمة البنوك والتدولات المالية في البورصة، وكذلك الرفع من سعر صرف العملة وإلى غير ذلك من الفوائد، فضلا عن ما يساهم به من خفض سعر فائدة القروض الدولية للمغرب والتي يوجهها غالبا إلى الاستثمار، مشيرا إلى أن هذه كلها تعد مؤشرات إيجابية سيكون لها دورا في استقطاب رؤوس الأموال الدولية أولا، كما سيساعد في دفع القطاعات الصناعية الثقيلة والدفاعية إلى التقدم.

امتدادا لمكاسب المغرب من مغادرة “القائمة الرمادية” لتمويل الإرهاب، أن المغرب بدأ يجني ثمار ذلك، حيث تم توقيع عدة اتفاقيات مع “المفوضية الأوربية” خلال هذا الأسبوع، بقيمة تقدر بـ 500 مليون يورو، بحسب الكزان، الذي لفت إلى أن المغرب يتمتع بموقع إستراتيجي واستقرار أمني وسياسي وبنية تحتية متينة، وهذه عوامل كلها من شأنها تبسيط المساطر الإدارية، وتعزيز الاستقرار الضريبي، وتجويد شفافية الصفقات العمومية وتحسين آجال الأداء المالي، بالتالي لم يبقَ على المغرب سوى أن يحافظ على هذا التصيف وتجويده مستقبلا، على اعتبار أنه تصنيف متحرك.

منذ إدراجه على اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي، عمل المغرب على اتخاذ مجموعة من الإصلاحات التشريعية من خلال إقرار تعديلات على قانون مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب حتى تتلاءم مع القوانين والتشريعات الدولية.

إجراءات حكومية

بالتالي، يؤكد عدد من المراقبين أن رفع اسم المغرب من القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي الدولية يشكل إجراء مهما لتعزيز مكانة المملكة لدى المؤسسات المالية الدولية، والمساعدة في الحصول على تمويلات للمشاريع والاستثمارات مع تحسين مناخ الأعمال.

في غضون ذلك، سلطت وكالة التصنيف الأميركية “موديز” الضوء على الأثر الإيجابي لسحب المغرب من القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي الدولية، مبرزة أن هذا القرار يعزز الثقة في النظام المالي الوطني.

“موديز” أوضحت في تعليقها حول قرار مجموعة العمل المالي، أن هذا الإعلان يُعدّ إيجابيا للبنوك المحلية والنظام المالي الوطني على نطاق أوسع، إذ سيقلل من مخاطر السمعة المترتبة عن المستويات المتزايدة للمراقبة من طرف مجموعة العمل المالي الدولية، كما سيعزز الثقة في النظام المالي المغربي.

كما اعتبرت وكالة التصنيف الأميركية أن هذا القرار سيسهّل علاقات البنوك المغربية مع بنوك المراسلة الدولية، وغرف المقاصة، والمستثمرين، من خلال تقليص مخاطر التأخير في المقاصة وتسوية المدفوعات عبر الحدود وعمليات الاستلام، وعبر دعم تدفقات رأس المال نحو البلد.

يشار إلى أن “الهيئة المغربية لسوق الرساميل” كانت قد نشرت العام الماضي، دورية تضم الالتزامات المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب المفروضة على الأشخاص الخاضعين لمراقبة الهيئة، على ضوء آليات تشريعية وتنظيمية جديدة، كما أصدرت الهيئة أيضا نسخة من دليلها العملي المتعلق بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

بناء على ذلك، فإن أمام المغرب مهمة المحافظة على مكانتها بين الدول المؤتمنة في الجانب المالي، الأمر الذي سينعكس بإيجابية كبيرة على البلاد، لاسيما فيما يخص تعزيز الاستثمارات الخارجية، ورصانة البنوك المغربية.  

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة