منذ تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، لا تزال قضية تسميم مئات الطالبات الإيرانيات تتفاعل، لاسيما مع الإعلان عن تسمّم عشرات التلميذات بالقرب من العاصمة طهران الثلاثاء الماضي، ليرتفع عدد المدارس التي تعرضت لتسمم إلى أكثر من 30 مدرسة وفي أربعة مدن إيرانية، في حين يجري الحديث عن وقوف جهات تتبع إلى النظام ويعارضون تعلّم الفتيات خلف تلك الحالات.

أول حالة تسمم مؤكدة قد أبلغ عنها في إحدى مدارس مدينة قم، حيث أصيبت 18 تلميذة بأعراض مرضية ونقلن إلى المستشفى في 30 تشرين الثاني/نوفمبر ومنذ ذلك الحين، تضررت 58 مدرسة على الأقل في ثماني محافظات، بحسب وسائل إعلام محلية، وشملت معظم الحالات فتيات في المدارس الابتدائية والثانوية، فيما تحدثت بعض التقارير عن إصابة تلاميذ ذكور ومدرّسين أيضا.

تزايد الحالات أثار غضب شعبي بسبب ما بات يُعتقد أنها هجمات منظمة، في حين قدّمت الجهات الحكومية المعنية أسبابا متضاربة لمرض التلاميذ، وأمر الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بإجراء تحقيق لمعرفة السبب الجذري، وذلك في الوقت الذي يعتقد فيه الكثيرون في إيران أن الطلاب يتعرضون للتسمم عمدا في محاولة لإغلاق مدارس الفتيات، التي كانت واحدة من مراكز الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي انطلقت منذ أيلول/سبتمبر الماضي.

إيران وتبرير هجمات السم

في الأثناء، قال وزير الصحة الإيراني إن مئات الفتيات الإيرانيات في مدارس مختلفة تعرضن لهجمات تسميم خفيفة خلال الأشهر القليلة الماضية، فيما أشار إلى أن التحقيق في مصدر هذا السم الخفيف وما إذا كان تحركا مقصودا ليس من اختصاص وزارتي.

بالمقابل، ذكرت منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي أن بعض التلميذات اللاتي نقلن إلى المستشفى قلن إنهن شعرن بالغثيان وتسارع نبضات القلب، في حين نقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية عن نائب وزير الصحة، يونس بناهي قوله يوم الأحد الماضي، تبين أن البعض يريدون إغلاق المدارس، خاصة مدارس الفتيات.

اقرأ/ي أيضا: زيادة الصين لإنفاقها العسكري.. استعدادات لحرب محتملة؟

حوادث التسمم التي انطلقت من مدينة قم وسط إيران، قد امتدت إلى 25 من أصل 31 إقليما في إيران، الأمر الذي دفع بعض أولياء الأمور إلى عدم إرسال بناتهم للمدارس وتنظيم احتجاجات، فيما وصفت المتحدثة باسم “البيت الأبيض” كارين جان بيير، تسمم الفتيات بأنه أمر مخزٍ، وقالت في مؤتمرها الصحفي اليومي؛ إذا كانت عمليات التسميم هذه على صلة بالمشاركة في الاحتجاجات عندها يكون التحقيق فيها من ضمن صلاحيات بعثة “الأمم المتحدة” الدولية المستقلة لتقصي الحقائق في إيران.

وسط ذلك، لم تستبعد التوقعات بأن النظام الإيراني من يقف خلف هذه الحالات، وذلك بالنظر لاستمرار الحكومة الإيرانية في القمع القاسي للاحتجاج، بحسب “بي بي سي” عربي، التي نقلت عن البروفيسور سيمون ويسلي، الطبيب النفسي وعالم الأوبئة في “كينجز كوليدج، لندن، بأن المراحل المبكرة من التسمم بغالبية المركبات تكون متشابهة إلى حد كبير، يبدأ نبضك في التسارع، وتشعر بالإغماء، وتصبح شاحبا، وتصاب بتقلصات في معدتك، وتشعر بالرجفة. وهذه الأعراض قد تكون من عدوى أو تسمم أو قلق جماعي.

تعليقا على حالات التسمم ومن يقف خلفها، وما إذا كانت هناك دوافع معينة خلف هذا الأمر، يقول المحلل السياسي الأحوازي حسن راضي، في حديث لموقع “الحل نت”، إن النظام الإيراني وأجهزته الأمنية هم من يقفون خلف حالات التسمم التي تضرب المدارس الإيرانية، مبينا أن السبب وراء ذلك هو شعور النظام بتمرد الفتيات والمواطنين ضده، لاسيما فيما يتعلق بقضية فرض الحجاب على الفتيات، فضلا عن استمرار الاحتجاجات التي تنادي بإسقاط نظام خامنئي في المدارس. 

النظام الإيراني ومسؤوليته عن تسمم الطالبات

إن عدم التزام الطالبات بتوصيات النظام الإيراني بالحجاب وغيرها، وفي ضوء استمرارهن في الاحتجاج ضده وتمزيق صور خامنئي؛ قرر النظام القيام بهذا العمل لمعاقبة الفتيات والتلاميذ عامة من خلال خلق حالة من الرعب والخوف في المدارس، وذلك من أجل إسكات الفتيات وإخضاعهن للشروط والتعليمات التي يريدها، يرى راضي.

فيما أشار إلى أن عمليات تسميم الطالبات والتلاميذ، يعد نوعا من التطور في وسائل القمع التي يستخدمها النظام الإيراني، حيث وجد وسيلة يختفي خلفها، خصوصا مع صعوبة معرفة الفاعل؛ فبدل من عمليات قمعه للمحتجين والمعارضين في الشوارع ويلحق وينتج عن ذلك ضجة من قبل منظمات حقوق الإنسان والمواطنين، لجأ لهذه الأعمال الخفية.

حوادث تسمم الطالبات الإيرانيات هي جريمة مرتكبة من قبل النظام الإيراني دون غيره، وبعيدة كل البعد عن ما يتحجج به النظام بأن هناك إرهابيين أو جهات أمنية خارجية تقوم بهذه العمليات ضد الفتيات، بل أنها دليلا على عجزه والتنصل عن مسؤوليته، يؤكد راضي، ويشير إلى أن النظام لو كان جادا فعلا في الكشف عن من يقف خلف حالات التسمم هذه، لشرع في مراقبة المدارس عبر الكاميرات أو غيرها من الوسائل الأمنية، وتفتيشها، وهكذا كان سيتمكن ببساطة من كشف المسؤول عن هذه الأعمال. 

اقرأ/ي أيضا: دائرة الملاحقة تضيق على الكاظمي.. هل يشتعل صراع العروش؟

أما فيما يتعلق بإمكانية أن تتسبب حالات التسمم هذه في زيادة زخم الاحتجاجات في إيران، لفت راضي إلى أنه في الأساس بدأت الاحتجاجات تخرج من جديد على إثر حالات التسمم، من قبل أهالي الطلبة والمعلمين، الذي يطالبون بالكشف عن الجهات التي تقف خلف تسمم أبنائهم، كما عاد النظام لممارسة القمع ضد هذه الاحتجاجات واعتقال المعلمين، بالتالي فإن هذا سيدفع باتجاه عودة الاحتجاجات بشكل واسع إلى البلاد، مشيرا إلى أنه من المحتمل أن يختلق النظام سيناريو ليتنصل به من جريمته، مقابل إلقاء التهمة على أشخاص قد يكونوا أبرياء ويجبرهم من خلال التعذيب أن يتحملوا مسؤولية ذلك.

هذا ولم تكن قضية تسميم الطالبات أول انتهاك أو جريمة بحق النساء والفتات الإيرانيات، ففي عام 2014 تظاهر الناس في شوارع مدينة أصفهان بعد موجة هجمات باستخدام الأحماض بدا أن هدفها هو ترويع النساء اللائي ينتهكن قواعد اللباس المفروضة في البلاد، وتسبب ذلك في تشويه وجوه عدد من النساء.

أما حول مدى جدّية السلطات الإيرانية في الكشف عن الجناة في قضية تسمم الطالبات، كتبت السياسية الإصلاحية أذر المنصوري على تويتر؛ لو كانت هويات منفذي الهجمات بالأحماض قد تحددت وعوقبوا آنذاك لما تجرأت مجموعة من الرجعيين على فتياتنا البريئات في المدارس، في حين انتقد العديد من كبار رجال الدين والمشرعين والساسة الحكومة، لأنها لم توقف هجمات السم ولأنها أعلنت عن أسباب متناقضة لها، بينما حذر البعض من أن انتشار الإحباط بين العائلات قد يشعل مزيدا من الاحتجاجات.

النظام الإيراني يفقد داعميه؟

أثناء ذلك، وفي مؤشر على فقدان الثقة في النظام الإيراني، علق رجل الدين البارز الطباطبائي البروجردي، على هجمات السّم، بالقول؛ يدلي المسؤولون بتصريحات متناقضة. أحدهم يقول إنها متعمدة، وآخر يقول إنها مرتبطة بالأمن، ومسؤول ثالث يلقي باللوم على أنظمة التدفئة في المدارس، مبينا أن مثل هذه التصريحات تزيد عدم ثقة الناس في المؤسسة.

في حين أن رجل الدين السّني البارز، وخطيب صلاة الجمعة في زاهدان إيران، مولوي عبد الحميد، قد قال، إن الكثيرين يعتقدون أن التسممات الجارية في المدارس هي استمرار لقمع الاحتجاجات، مشيرا إلى أن هؤلاء الفتيات كن يحتجن في المدارس والآن يتم استهدافهن.

إلى ذلك، وفي خطوة لاحتواء الغضب الشعبي، وصف المرشد الأعلى علي خامنئي أول أمس الاثنين، تعرض تلميذات إيرانيات للتسمم بأنه جريمة لا تغتفر يجب أن تكون عقوبتها الإعدام إذا ثبُت أنها متعمدة.

في مقابل ذلك، أفاد موقع “إيران إنترناشيونال”، باستمرار موجة الهجمات السّمية بكثافة على مدارس البنات في مختلف المدن الإيرانية، حتى يوم الأحد الماضي، فيما يفرض النظام قيودا على المعلومات، في حين تواصلت الاحتجاجات على خلفية ذلك، واتسع نطاقها لتشمل طهران وأصفهان وكرمانشاه وأردبيل.

يشار إلى أن إيران قد شهدت منذ 17 أيلول/سبتمبر الماضي احتجاجات واسعة، بعد وفاة الشابة مهسا أميني عقب أيام من اعتقالها على يد قوات “شرطة الأخلاق” بسبب عدم الالتزام بقواعد الحجاب، وسط اتهامات للشرطة بتعنيفها وضربها.

فيما لا تزال الاحتجاجات التي قُتل فيها المئات واعتقل الآلاف مستمرة حتى الآن ولكن بزخم أقل، وعلى الرغم من عدم كشف السلطات الرسمية عن أعداد الضحايا حتى اللحظة، إلا أن مؤسسات حقوقية تشير إلى مقتل أكثر من 500 شخص واعتقال عشرات الآلاف.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة