وسط دائرة التوتر الدولي والإقليمي، أعلنت الصين زيادة إنفاقها العسكري على الجيش بأكثر من 7 بالمئة في عام 2023، بينما حذرت من التهديدات المتصاعدة في المنطقة، وزيادة التهديدات الخارجية، الأمر الذي فسّره خبراء إلى حاجة بكين لبناء القدرات الدفاعية التي تتناسب مع النمو الاقتصادي.

إعلان بكين عن زيادة إنفاقها العسكري، جاء في ثاني أكبر ميزانية عسكرية على مستوى العالم، وذلك بعد تحديد الصين هدفها بتحقيق نمو اقتصادي بمقدار 5 بالمئة هذا العام 2023، وهو أدنى مستوى للنمو الصيني في عدة عقود، حيث أشارت خطة الموازنة الصينية لهذا العام المالي لزيادة الإنفاق العسكري إلى 225 مليار دولار، وذلك في ضوء المحاولات الخارجية لقمع واحتواء الصين المتصاعدة في الفترة الأخيرة، بحسب ما تحدث به رئيس الوزراء المنتهية ولايته لي كه تشيانغ.

زيادة الصين للإنفاق العسكري، يأتي في سياق محاولات بكين استخدام جيشها لتهديد الدول الأخرى المجاورة لها مثل كوريا الجنوبية واليابان، مما يشكل تهديدا لاستقرار المنطقة، وفق رؤية ديفيد سيدني نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي السابق لشؤون الأمن القومي في آسيا الذي تحدث لقناة “الجزيرة”، مؤكدا أن الصين قامت خلال السنوات الأخيرة بعسكرة منطقة بحر الصين الجنوبي بزعم أنها جزء من مياهها الإقليمية، حيث ترسل غواصات وسفنا حربية إلى هناك، الأمر الذي يتطلب التصدي لتلك التصرفات من خلال التعاون بين الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة مثل اليابان وكوريا الجنوبية.

ما وراء زيادة الصين لإنفاقها العسكري؟

في حين رأى الإعلامي والباحث السياسي الصيني رونغ هوان، أن الأسباب التي دفعت الصين لزيادة إنفاقها العسكري إلى حاجة بكين لمواجهة التحديات الأمنية المعقدة، التي تشمل التحالفات العسكرية حول الصين من قبل الولايات المتحدة الأميركية وزيادة التواجد العسكري الأميركي في منطقة آسيا والمحيط الهادي، وزيادة الإنفاق العسكري السريع في اليابان.

زيادة الصين لإنفاقها العسكري بشكل طفيف هو من أجل الدفاع عن نفسها، وعلى اعتبار أنها تسعى للحفاظ على السلام والاستقرار في آسيا والمحيط الهادي، وجعلها منطقة تنمية لا منطقة للصراع الجيوسياسي، بحسب هوان الذي نقلت عنه “الجزيرة”، نفيه للاتهامات الغربية للصين بزيادة الإنفاق العسكري بهدف الهيمنة وتهديد جيرانها.

اقرأ/ي أيضا:  ذبول أنهار العراق.. كيف يمكن للجفاف الزاحف أن يسبب الأزمة القادمة؟

غير أن الرواية الصينية لا تبدو مطابقة للواقع، لاسيما وأن الإعلان الصيني عن هذه الزيادة في الإنفاق العسكري، يأتي وسط توترات متصاعدة في العلاقات بين واشنطن وبكين. إذ شهدت العلاقات الأميركية الصينية توترات في السنوات القليلة الماضية بسبب قضايا تتعلق بالشؤون التجارية وحقوق الإنسان وغيرها من الأمور، ناهيك عن قضية مناطيد التجسس، التي زادت الأمور سوءا على مستوى العلاقات الصينية الأميركية خلال الشهر الماضي، بعد أن أسقطت واشنطن منطادا صينيا قالت إنه يُستخدم للمراقبة.

على الرغم من ارتباط الموضوع بمستوى التنافس الصيني الأميركي في إطاره العام، لكن على ما يبدو، بحسب خبراء، أن السبب الرئيسي وراء زيادة بكين لإنفاقها العسكري يكمن في إمكانية إقدامها على غزو تايون في السنوات المقبلة، وذلك ما تؤكده التحركات العسكرية الصينية حول تايوان التي تدّعي الصين أنها امتداد لأراضيها وتصرّ على عدم الاعتراف بسيادتها، وأنه لا بدّ من إعادتها تحت سلطة بكين.

في سياق ذلك، كان رئيس “مجلس الدولة” الصيني لي كه تشيانج، قد قال أول أمس الأحد، إن بكين ستتخذ خطوات حاسمة لمحاربة انفصال تايوان في عام 2023 ودفع العملية السلمية لإعادة التّوحد مع الجزيرة، في حين كانت وزارة الدفاع التايوانية قد تتبعت تسعَ طائرات عسكرية صينية وأربعَ سُفن بحرية حول جميع أنحاء الجزيرة، خلال اليومين الماضيين.

تحركات الصين العسكرية تجاه تايوان

وفقا لوسائل إعلام نقلت عن وزارة الدفاع التايوانية، أنه من بين طائرات جيش “التحرير الشعبي” التسع، تم تعقّب أربع طائرات في الركن الجنوبي الغربي من منطقة تحديد الدفاع الجوي التايوانية، حيث دخلت ثلاث طائرات مقاتلة من طراز “شنيانج جى 16” القطاع الجنوبي الغربي من الجنوب، بينما حلّقت طائرة استطلاع “شنشي Y-8” من الغرب، فيما لم تعبر أي طائرة تابعة للجيش الصيني خط الوسط لمضيق تايوان خلال هذا الوقت.

علاوة على ذلك، فمنذ بداية هذا شهر أرسلت بكين 63 طائرة عسكرية و11 سفينة بحرية حول تايوان، ومنذ أيلول/سبتمبر 2020، زادت الصين من استخدامها لتكتيكات المنطقة الرمادية من خلال إرسال طائرات بشكل روتيني إلى منطقة تحديد الدفاع الجوي التايوانية.

اقرأ/ي أيضا: سعي الجزائر لدور قيادي في مالي.. انخراط متزايد وحفاظ على النفوذ؟

في غضون ذلك، علّق العميد العسكري المتقاعد وخبير الأمن الاستراتيجي عدنان الكناني، على زيادة الصين لإنفاقها العسكري، بالقول إن صعود الصين وظهورها كقوة اقتصادية منافسة للولايات المتحدة الأميركية في بعض المجالات، إضافة إلى صعودها كقوة صناعية، بات يمثل عامل إزعاج لبعض الدول، لما له من تهديد على مصالحهم الاستراتيجية.

لذلك دفعها هذا الشعور إلى تأسيس منظومة دفاعية تحاول من خلاله جعل خصومها يراجعون حساباتهم قبل الإقدام على خطوة تجاهها، لذلك تدخل زيادة المصروفات العسكرية والقدرة القتالية الصينية في إطار وضع احتياطات دفاعية تعزز القدرات الهجومية التي تمتلكها بكين.

أما حول احتمالية وجود حرب محتملة، يقول خبير الأمن الاستراتيجي والعميد العسكري، لـ”الحل نت”، إن “الحرب في حال وجدت فستكون هناك اصطفافات عالمية، مشيرا إلى أن هناك مؤشرات على أن العالم ذاهب باتجاه حرب عالمية ثالثة، بالتالي ووفق تلك المؤشرات، فسيكون هناك حلف صيني روسي كوري شمالي إيراني، بمواجهة الولايات المتحدة الأميركية”.

خشية يابانية من تهديدات صينية

بشكل مماثل، تنظر اليابان إلى تزايد التوغلات الصينية في المجال الجوي لتايوان ضمن التهديدات الأمنية الرئيسية للبلاد، إذ إن سلوك الصين يمكن أن يؤدي إلى صراع كبير بين واشنطن وبكين حول تايوان، وهو صراع من المحتمل أن تنجرّ إليه اليابان، نظرا لقربها من مضيق تايوان، وحقيقة أنها تضم قاعدة عسكرية أميركية كبيرة في “أوكيناوا” يمكن أن تصبح هدفا للهجمات الصينية.

من أجل مواجهة كل هذه “التحديات”، أقرت طوكيو خلال الأشهر القليلة الماضية، وللمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، زيادة كبيرة في الإستراتيجية الدفاعية في الإنفاق العسكري السنوي، من 1 بالمئة إلى 2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، حيث ستُنفق طوكيو نحو 320 مليار دولار على مدى 5 سنوات، وستصل ميزانية الدفاع السنوية إلى ما يقرب من 80 إلى 90 مليار دولار بحلول عام 2027، كما تستهدف اليابان شراء 16 مقاتلة أميركية “إف 16″، وتطوير المقاتلة النفاثة “إف إكس” بالاشتراك مع بريطانيا وإيطاليا، فضلا عن تمويل بحوث تطوير صواريخ بعيدة المدى وفرط صوتية.

يُشار إلى أن الجيش الصيني يضم الآن في صفوفه مليونين و35 ألف رجل وامرأة، حسب “مركز الأبحاث البريطاني” و”المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية”، وهذا العدد يتوزع بشكل خاص بين القوات البرية 965 ألفا، والجوية 395 ألفا، والبحرية 260 ألفا، والوحدة المسؤولة عن الصواريخ الإستراتيجية كذلك 120 ألفا.

إلى ذلك، تمتلك الصين نحو 350 رأسا نووية، وفقا لأرقام تعود لعام 2022 أوردها “معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام”، كما تمتلك 3 حاملات طائرات، تعمل اثنتان منها فقط حاليا والثالثة في مرحلة اختبار في البحر، ومع ذلك فإن عمليات إقلاع وهبوط الطائرات على هذه السفن معقدة وتتطلب تدريب العديد من الطيارين، وهو إجراء طويل للغاية، في حين تملك بيكين قاعدة عسكرية واحدة فقط في الخارج وهي في جيبوتي، وتقول إنها مخصصة بشكل أساسي لعمليات مكافحة القرصنة في المنطقة.

في ظل هذا المشهد، والمعطيات التي تشير إلى تأخر بكين الكبير من حيث القدرات العسكرية بموازاة الولايات المتحدة الأميركية التي تفوق قدراتها هذه الأرقام بشكل كبير جدا،  فعلى ما يبدو أن الصين تحاول المواكبة في إطارة التقدم العسكري، وذلك أيضا بما يضمن لها قوة يمكنها من خلالها التقدم خطوة نحو تايوان، وهو ما لا يمكن حصوله في الوقت الحالي في ضوء هذه القدرات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.