مع استعدادات البرلمان العراقي إقرار موازنة العام الحالي، وفي ظل عدم استقرار سوق النفط، تتصاعد حدّة التحذيرات من دخول البلاد أزمة مالية حادة، جراء زيادة التخصيصات المالية في الموازنة التشغيلية للعراق، لاسيما مع تزايد أعداد الموظفين، في ضوء اعتماد اقتصاد البلاد بشكل شبه كلي على الموازنة العامة.

 العراق يعتمد في نفقاته بشكل كامل على الموازنة العامة، التي تشكل صادرات النفط منها نحو 92 بالمئة من إيرادات الدولة العراقية، وهو الأمر الذي زادة من حدة التحذيرات تخوفا من انهيار أسعار النفط التي انتعاش العراق منها مؤخرا نتيجة ارتفاع أسعار سوق النفط بسبب أزمة الغزو الروسي لأوكرانيا، مما يجعل الاقتصاد متأرجحا لارتباطه بأسعار النفط العالمي.

في الأثناء، تشير آخر التقديرات الصادرة عن اللجنة المالية في “مجلس النواب” العراقي، إلى أن 70 بالمئة من الموازنة التشغيلية في العراق تذهب إلى رواتب الموظفين، خصوصا وأنه بحسب الموازنة العامة الاتحادية العراقية لسنة 2021، يوجد في العراق 3263834 موظفا، خصصت الموازنة لهم أكثر من 53 تريليون دينار.

وفقا لتصريحات نيابية، فإن الموازنة المالية للعام الحالي ستتضمن زيادة في عدد الموظفين من خلال تحويل الكثير من أصحاب العقود إلى الملاك الدائم، مبينة أن عدد الموظفين سيبلغ حوالي 4 ملايين بعد تثبيت العقود في موازنة 2023.

الموظفون العراقيون وتحديات الدولة والنفط

العراق هي الدولة الأكبر بعدد الموظفين الحكوميين نسبة إلى مجمل القوى العاملة بالاعتماد على دراسة أعدتها “منظمة العمل الدولية”، وبيانات نشرتها مؤسسة “عراق المستقبل” المستقلة المعنية بالشؤون الاقتصادية ضمن دراسة شاملة، حيث بلغت نسبة العاملين في القطاع الحكومي 37 بالمئة بين مجموعة دول شملتها الدراسة.

اقرأ/ي أيضا: زيادة الصين لإنفاقها العسكري.. استعدادات لحرب محتملة؟

القطاع الحكومي في العراق بات يمثل الأكثر ضغطا على الموازنة العامة للدولة التي تذهب بمجملها كرواتب للموظفين، دون وجود إنتاج حقيقي يوازي هذه المصروفات العالية نتيجة عدم خلق بيئة استثمارية تساهم في تشجيع القطاع الخاص وتوفير فرص عمل من خلاله، الأمر الذي يُزيد من الضغط على القطاع العام، بحسب الدراسة.

بالتالي، ووفقا لتقارير متخصصة، فإن العراقيين الذين يتقاضون رواتب شهرية من الدولة يُقدر عددهم بـ 9.5 ملايين عراقي يعتمدون في معيشتهم على الدولة بصورة مباشرة، وهم موظفون ومتقاعدون وذوو الرعاية الاجتماعية، وهو ما قد يشكل نسبة 23 بالمئة من سكان العراق الذي تُقدر وزارة التخطيط عدد سكانه بنحو 42 مليون نسمة.

إلى ذلك، وبحسب التسريبات والمعلومات الواردة من مجلسي الوزراء والنواب، التي تناقلتها وسائل إعلام يوم الأحد الفائت، فإن الحكومة قد أكملت الموازنة العامة لعام 2023 الأسبوع الماضي بمبلغ يُقدر بـ 196 تريليون دينار، بيد أن خبير الاقتصاد العراقي نبيل المرسومي كان قد أشار إلى أن الزيادة في رواتب الموظفين في موازنة 2023 وصلت إلى 20.540 ترليون دينار، كما بلغت نسبة الزيادة في رواتب الموظفين في موازنة 2023 نحو 48.4 بالمئة.

في مقابل ذلك، وحول ما احتمالية تسبب رواتب الموظفين بأزمة مالية حادة للعراق، يقول خبير الاقتصاد محمود داغر، إن الموازنة العامة مثقلة بشكل كبير بسوء إدارة الجانب التشغيلي منها، وهذا الأمر يستفحل سنة بعد أخرى لأهداف غير اقتصادية، إذ من غير المعقول أن هناك سياسة اقتصادية تستهدف توسيع دور القطاع الخاص، لكن في الوقت ذاته تزداد تخصيصات الموازنة والتركيز على التوظيف العام، في ظل إنتاجية منخفضة وساعات عمل محدودة للموظف الحكومي.

مستقبل غامض

داغر وفي حديث لموقع “الحل نت”، لفت إلى أن الجزء الثابت من الإنفاق العام أصبح لا يُحتمل إطلاقا ولا يُبشّر بخير، بل سيُدخل البلاد في أزمات كما في عام 2020، عندما اضطرت الدولة في الذهاب إلى مديونية كبيرة، وكذلك في عامي 2015-2016، مؤكدا أن القادم لن يكون أفضل من السابق، لاسيما مع تعطيل الموازنة الاستثمارية بسبب نفقات الموازنة التشغيلية، الأمر الذي يُعدّ خطأ كبيرا ترتكبه الإدارة الاقتصادية للحكومة.

خبير الاقتصاد العراقي، أشار أيضا إلى أن إثقال الموازنة العامة بمدفوعات شهرية ثابتة يصعب تغييرها؛ أي لا ترتبط بزيادة الطاقة الإنتاجية، سيؤدي في النهاية وفي ظل اقتصاد ريعي يعتمد على سعر النفط، إلى أمرٍ لا يبشر بخير، بخاصة وأن سعر النفط لا يخلق داخل العراق بل في السوق الدولية، بمعنى أن العراق متلقي لسعر النفط وبالتالي تصبح الموازنة العامة متلقية للإيرادات العامة المرتبطة بهذا السعر، مشيرا إلى أن سعر النفط لا يمكن أن يبقى مرتفعا، بيد أن هذا التقلب في سعره يقابله إصرار على زيادة الإنفاق العام.

اقرأ/ي أيضا: دائرة الملاحقة تضيق على الكاظمي.. هل يشتعل صراع العروش؟

في السياق، يرى الخبير الاقتصادي نبيل جبار العلي، أن مجموعة كلف رواتب موظفي قطاع الدولة العراقية بعد زيادة أعداد الموظفين لسنة 2023 تُقدّر بأكثر من 50 تريليون دينار، 

كما يضاف إلى الرقم أعلاه، ما يقارب 25 تريليون أخرى كتوقيفات تقاعدية ومخصصات للرعاية الاجتماعية، فضلا عن تضمين بعض أبواب الحاكمة كتوفير الأدوية والمستلزمات الطبية ومخصصات البطاقة التموينية وشراء الحنطة والشعير بمبالغ قد تصل إلى أكثر من 7 تريليون دينار.

استنادا لتلك الأرقام، أشار العلي في تصريح صحفي لموقع “ألترا عراق”، إلى أن الإنفاق المتعلق بالكهرباء المدعوم حكوميا يبقى ما يقارب 10 تريليونات دينار، لتصل مجموع أبواب الإنفاق الحاكمة على الدولة العراقية أقرب للـ 100 تريليون دينار، أي بما يقارب 70 مليار دولار، والتي تمثل معدل الإيرادات العامة للدولة العراقية على افتراض تصدير 3.25 مليون برميل نفط يوميا بمعدل سعر حاكم 59 دولارا للبرميل الواحد.

ببساطة، وبحسب حديث الخبير الاقتصادي، فإن أسعار النفط التي تقل عن 59 دولارا قد تهدد قدرة الدولة على سداد موازنتها التشغيلية فقط، فيما تبقى موازنات الاستثمار مرهونة بأسعار النفط التي تزيد عن 59 دولارا لكل برميل.

متغيرات النفط وتأثيرها على العراق

في غضون ذلك، وحتى لحظة إعداد هذا التقرير، فقد ارتفعت أسعار النفط أمس الثلاثاء، بعد أن أشار المسؤولون التنفيذيون في الصناعة إلى مخاوف بشأن محدودية الطاقة الفائضة في السوق وعدم اليقين بشأن الإمدادات الروسية بينما يتعافى الطلب من الصين، أكبر مستورد للخام.

في حين سجلت العقود الآجلة لخام برنت مكاسب قدرها 24 سنتا أو 0.28 بالمئة إلى 86.42 دولارا للبرميل بحلول الساعة 04:05 بتوقيت جرينتش بعد أن استقرت على ارتفاع 0.4 بالمئة يوم الاثنين.

فيما بلغ سعر خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 80.69 دولارا للبرميل، مرتفعا 23 سنتا، أو 0.29 بالمئة، بعد ارتفاعه بنسبة 1 بالمئة في الجلسة السابقة، في حين تتجه أسعار برنت للارتفاع للجلسة السادسة على التوالي، وهي أطول فترة مكاسب منذ أيار/مايو 2022، مدعومة بآمال تعافي الطلب في الصين ومع زيادة طاقة التكرير الجديدة في آسيا والشرق الأوسط، ومعالجة المزيد من الخام.

بينما يبلغ متوسط إنتاج النفط الخام في العراق حاليا منذ مطلع العام الحالي نحو أربعة ملايين و500 ألف برميل يوميا ومتوسط الصادرات النفطية ثلاثة ملايين و300 ألف برميل يوميا، فيما تم تحديد سعر برميل النفط بسعر 65 دولار للبرميل الواحد كحد أعلى لسعر النفط في موازنة 2023، وعلى أساسها يحتسب التصدير ثلاث ملايين و500 ألف برميل نفط يوميا، بحسب تصريح لعضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي معين الكاظمي، أفاد به أمس الثلاثاء.

وفقا للمعطيات التي تُظهر حجم الموظفين العراقيين، وممن يتقاضون رواتب من الدولة، وبالنظر إلى وضع الاقتصاد الدولي والمتغيرات العالمية، يبدو أن العراق دولة تجازف بمستقبلها، خصوصا مع عدم توفر أي مصادر تمويل أخرى غير النفط، الأمر الذي يسبب في ذات الوقت تهديدا لاستقرار الدولة، فيما لو عجزت الحكومة عن دفع مستحقات الموظفين، خصوصا مع النظر إلى تأخر الدولة في سداد الرواتب عام 2020 لعدم توفر سيولة كافية، نتيجة انهيار أسعار النفط إلى مستويات قياسية بسبب تفشي جائحة “كورونا”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.