علاوة على المصائب التي يعاني منها العراقيون، وفي حدث غير مسبوق، سجل العراق أعلى معدل ارتفاع لجرائم القتل خلال عام الماضي، بنسبة سنوية تصل إلى أكثر من 11.5 بالمئة لكل 100 ألف نسمة، وهي الأكبر على مستوى الوطن العربي وإيران وتركيا، كما تؤكد تقارير.

ذلك يستند على إحصائية قدمتها وزارة الداخلية، حتى شهر تشرين الثاني/أكتوبر الماضي، بتسجيل أكثر من 5300 جريمة قتل، وفق المفتش العام السابق للوزارة والخبير القانوني جمال الأسدي.

الإحصائية جاءت بارتفاع ملحوظ عن العام الذي سبقه، حيث شهد العراق حينها 11216 جريمة احتيال، جرى اكتشاف 7961 جريمة منها؛ أي بنسبة 71 بالمئة، و1077 جريمة قتل؛ تم الكشف عن 666 جريمة منها، أي بنسبة 61 بالمئة، بحسب وزارة الداخلية العراقية، التي أفادت أيضا بأن قضايا الشروع بالقتل لذات العام ،2021 بلغت 1646 قضية.

نسبة جرائم 2021، جاءت بشكل منخفض عن العام الذي سبقه، والذي كان قد سُجّل فيه 1269 جريمة قتل عمد، وهو ما يعكس انخفاضا بنسبة 15 بالمئة بين العامين الماضيين، فيما تم تسجيل 158 حادثة خطف خلال 2021، لتنخفض في العام التالي إلى 125 جريمة، وهو انخفاض بنسبة 21 بالمئة، وباستثناء حوادث الخطف التي شهدت ارتفاعا حينها بنسبة 10 بالمئة، وفقا لوزارة الداخلية. 

تطور الكشف عن الجرائم وتزايدها الطردي

الانخفاض في الجرائم بين العامين السابقين، هو نتيجة لتطور تقنيات الكشف عن الجرائم، الذي يفترض منه تحقيق انخفاض أكبر على مستوى العام الذي يليه، غير أن إحصائية 2022، ظهرت مرعبة ومخالفة للتوقعات، ما يؤشر على وجود خلل ما، وهو ما عزاه المفتش العام السابق لوزارة الداخلية في مقال نشره بوقت سابق، إلى ضعف التحقيق الجنائي ومنظومة التشريعات العقابية، التي تُعد من بين أبرز أسباب ارتفاع معدلات الجريمة، إضافة إلى الأسباب الطبيعية الأخرى التي تتحملها وزارة الداخلية بالخصوص.

هذا وتسجل البلاد بشكل شبه يومي جرائم قتل واعتداء وتحرش، في ظل حاجة ماسة إلى تحديث العقلية التحقيقية قبل البحث عن طرق العنف، وإعداد خريطة الجرائم الجنائية بدلا عن زيادة أفراد الأمن غير المجدية، من وجهة نظر الأسدي.

اقرأ/ي أيضا: تسميم الطالبات.. محاولة أخرى لمنع الفتيات من التعلم في إيران؟

من جهته يرى الخبير القانوني علي التميمي، أن مثل هذه الجرائم طارئة على العراق وتحتاج إلى وقفة طويلة وحلول سريعة، مبيّنا أن جرائم الحرق واغتصاب صغار وتقطيع الجثث واستخدام أساليب وحشية في ارتكاب الجريمة ووجود نزعة الجريمة الكبيرة والعالية لدى الجناة، وهنا يطغى الجانب النفسي في هذه الجرائم”.

في حديث لموقع “الحل نت”، أضاف التميمي، أن هذه الجرائم تتسم بالحقد على المجتمع وانفصام الشخصية والخوف من المجتمع وغيرها من الأسباب كما يقول علم النفس الجنائي، مشيرا إلى أن هذا يحتاج لدراسات لهذه الظواهر من المختصين ومن ثم نشر الوعي عن طريق الإعلام ورجال الدِّين والمدارس.

الخبير القانوني بيّن أن، أهداف العقوبة الجنائية هي الردع، ولذلك تشدّد قانون العقوبات العراقي في مثل هذه الجرائم مثل القتل بالحرق التي تصل عقوبتها إلى الإعدام، وفق المادة 406/1/أ، لافتا إلى أن اغتصاب الصغيرات عقوبتها الإعدام وفق المادة 393/2 من قانون العقوبات العراقي.

العراق يسجل منذ 18 عاما حالات متزايدة في جرائم القتل، فمنذ الإطاحة بنظام صدام حسين عام 2003 شهدت البلاد مقتل عشرات الآلاف من المدنيين والقوات الأمنية، ويشير مشروع إحصاء الجثث في العراق، على موقعه البريطاني على الإنترنت، إلى أن أعداد الضحايا بين آذار/مارس 2003 وبين كانون الثاني/يناير 2021 شهد مقتل 288 ألف عراقي من ضمنهم أولئك الذين قتلوا بسبب التفجيرات والاغتيالات والحروب وغيرها. 

أرقام كبيرة وعوامل كثيرة

إلا أن مصادر أخرى تنفي هذه الأرقام وتشير إلى ما هو أكثر من ذلك، خاصة أن هناك عشرات الآلاف من العراقيين لا يزالون في عداد المفقودين ولم يسجلوا كقتلى، وهو ما قد يرفع العدد الكلي إلى نصف مليون عراقي.

امتدادا إلى جملة أسباب ارتفاع معدلات الجريمة في العراق، يرى خبراء متخصصون في علم النفس، أن الجريمة في أي مجتمع ترتبط بظروف المجتمع نفسه، لذا فزيادة معدل الجرائم في المجتمع العراقي ترتبط بظروفه وخصائصه وكذلك المتغيرات التي حدثت به، لذلك أن من أهم تلك الأسباب، هو ضعف الوازع الديني والفهم الخاطئ للدِّين إضافة إلى انتشار المخدرات وعدم الاستقرار الاجتماعي من حيث الغلاء المعيشي وانفلات القيم.

يضاف إلى ذلك، تداعيات أخطاء التربية، فالتربية هي حجر الأساس في تشكيل الشخصية وتنشئتها تنشئة سوية، علاوة على غياب الدور الأبوي والتفكك الأسري، والإفراط في مشاهدة الأفلام والمسلسلات من دون رقابة، وبالتالي هذه كلها أسباب تؤدي إلى تزايد معدل الجريمة، الذي يرتفع طرديا مع ارتفاع معدلات البطالة.

اقرأ/ي أيضا: ثلثي موازنة العراق لجيش الموظفين.. ماذا لو اضطرب سوق النفط؟

في مقابل ارتفاع معدلات الجريمة في البلاد إلى مستويات تاريخية، كانت وزارة التخطيط العراقية قد كشفت عن ارتفاع نسبة البطالة بين العراقيين إلى 16.5 بالمئة في عام 2021، فيما كانت 14 بالمئة في عام 2020 حيث شهد العراق حينها إغلاقا تجاريا بسبب جائحة “كورونا”.

نسبة البطالة للفئة العمرية من 15-40 عاما ارتفعت إلى 23 بالمئة، في حين بلغت نسب البطالة بين جميع النساء 30 بالمئة للعام 2021، وذلك في الوقت الذي يمثل فيه الشباب الفئة الأكبر في المجتمع العراقي.

وفقا لتقارير، فإن الفقر والبطالة والمخدرات، وسوء الخدمات، كلها أسباب أدت إلى تفكك المجتمع ومنظومته التي عُرفت بالقوة والترابط طوال مراحل الفوضى والاضطرابات التي شهدها العراق. فازدياد معدلات العنف المجتمعية ما هي إلا نتيجة منطقية لتراكم الاضطرابات الأمنية والصحية والاقتصادية في البلد، فضلا عن تفشي الفقر والأمّية، والضحية هم الأطفال والنساء، أما الإجراءات العقابية فهي ضعيفة وغير رادعة.

معدلات الانتحار تنافس الجرائم في العراق

إلى ذلك، وبالتوازي مع ارتفاع معدلات الجريمة، يشهد العراق تزايدا في أعداد حالات الانتحار سنويا، فبحسب تقرير لـ “إندبندنت عربي” البريطانية، فقد بلغ عدد الضحايا 772 في عام 2021، وهذا الرقم يشير إلى الحالات المكتشفة التي تم الإبلاغ عنها، والصادرة في بيانات وزارتي الصحة والداخلية و”مفوضية حقوق الإنسان”. إلا أن الأرقام الحقيقية تُشكل أضعافا، ففي مجتمع تحكمه العشائر مثل العراق يصعب فيه تناول هذا الأمر، ويتحتم عليهم التكتم على الموضوع، خصوصاً بالنسبة إلى الفتيات القاصرات عندما تكون أسباب الانتحار ظروف الفتاة العائلية القاهرة.

متحدث وزارة الداخلية خالد المحنا، سبق وأوضح حول معدلات الانتحار بالقول، إن “حالات الانتحار المسجلة عام 2021 هي أكثر بنحو 100 حالة عن العام الماضي والتي بلغت 663 حالة”، مشيرا إلى أن حالات الانتحار بدأت منذ عام 2016 تتجه نحو الازدياد.

في 2016 بلغت حالات الانتحار 393 حالة، أما عام 2017 بلغت 462 حالة، وفي عام 2018 530 حالة، وفي عام 2019 بلغت 605 حالات، وكانت الفئات العمرية الأقل من 20 سنة، نسبتهم 36.6 بالمئة، أما من هم بين 20 و30 سنة كانت نسبتهم 32.2 بالمئة، وفيما بلغت نسبة الذكور 55.9 بالمئة، والإناث 44.8 بالمئة، بحسب المحنا.

من بين تلك الأرقام والنّسب، شكلت حالات الانتحار لدى المتزوجين 40 بالمئة و55 بالمئة بالنسبة للعزاب، أما المراحل التعليمية، فقد بلغت نسبة المنتحرين من الذين كان تحصيلهم الدراسي أقل من المرحلة الابتدائية 62.2 بالمئة، ومن هم دون المتوسطة 16.9 بالمئة، والعاطلين من العمل 35 بالمئة، وربات البيوت 29.9 بالمئة.

وفقا للمعطيات، التي تبين مستوى الجرائم والانتحار في العراق، فإن الأمر يشكل ناقوس خطر كبير بين أفراد المجتمع الذي بات يعاني من التفكك، ما يدعو إلى ضرورة التحرك السريع للبحث خلف الأسباب النفسية والاقتصادية والقيمية، أملا بإيجاد حلّ لخفض هذه الأرقام المهولة تدريجيا، وإلا ستزداد أكثرا فأكثر، ولن يجد الأمر نفعا حتى لو وضع مع كل فرد شرطيا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.